2020العدد 182ملف عربي

المشاكل العربية العصيّة على وباء كرونا (اليمن / سوريا / ليبيا)

تمهيد:

على عكس ما يقود إليه المنطق ويمليه العقل، بأنه فى مواجهة هذه الكارثة الإنسانية التى مازالت البشرية تقف عاجزة عن مواجهتها، تظل المشكلات العربية مشتعلة، ويواصل أطرافها القتال خلف متاريسهم بكل الغل والبغضاء، ينشرون الدماء والدمار فى كل الأرجاء ، وليس هناك ثمة بارقة أمل فى أن يشعروا بالخطر الداهم الذى يحيق بهم جميعا، الخطر الذى لا يفرق بين الخصوم، ويدعوا إلى التخلى عن الخراب والدمار الناجم عن الحرب، وتوحيد الجهود لمواجهة هذا الخطر الداهم، أو على الأقل تخفيف آثاره ، فإن لم يكن من الممكن أن تكون هذه الجائحة دافعا للوصول تسويات سياسية وحلول وسط مرضية لجميع أطراف النزاع، أن يصلوا الى اتفاق حول وقف الاقتتال والذى قد يفتح الباب إلى تهدئة الخواطر، فعلى الأقل أن تسكت أصوات المدافع لإتاحة الفرصة لعمل الاحتياطات الصحية الضرورية فى هذه المرحلة وتخفيف أوجاع المرضى الذين أُصيبوا بالوباء، ولكن لقد استمرت المجابهات على منوالها، بل لقد زادت نكيرا . وقد عبّر “انطونبو جوتيريش” أمين عام الأمم المتحدة يوم22 ابريل الجاري عن اعتقاده أن هذه الجائحة هى أسوأ أزمة عالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ذلك لأنها يجتمع فيها عنصران الأول أنها مرض يمثل تهديدا للجميع فى العالم والثانى هو أن تأثيرها الاقتصادى سيؤدى إلى ركود لعلنا لم نرَ له مثيلا فى الماضي القريب، وشدد الأمين العام على أن هذه الأزمة تستدعي من البشرية جمعاء التضامن ووضع الخلافات جانبا، وأننا نحتاج إلى استجابة أقوى وأكثر فعالية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تضامنا جميعا ونسينا الألاعيب السياسية ووعينا أن البشرية بأسرها على المحك. ودعا أمين عام الجامعة العربية إلى إيقاف الحروب لمواجه الجائحة في يوبيلها الماسي وقال:”لتسكت المدافع وتتوقف الصراعات حتى تواجه الجائحة“ كما عقد عدة اجتماعات خلال الفترة الماضية من بينها اجتماعه مع “مجلس العلاقات العربية والدولية ” ناقش خلالها انعكاسات أزمة كورونا على العالم العربي في المستقبل، وكيفية تفعيل العمل العربي المشترك لمواجهة هذا التحدي الخطير.

اليمن:

يواصل الحوثيون القتال رغم إعلان السعودية باسم التحاف العربى وقف إطلاق النار من جانب واحد يوم 9 إبريل الجارى وتمديده لمدة شهر، وازداد الوضع تعقيدا بإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي يوم 25 إبريل الجارى فرض حالة الطوارئ وإقامة الحكم الذاتي فى المناطق التى يسيطر عليها . وهو ما رفضته أغلب الأطراف العربية والعالمية . وكانت ثالثة إلا فى تلك السيول التى أغرقت مناطق شاسعة فى اليمن ووصل الحال فى اليمن إلى اقصى الظروف الإنسانية التى تمر بهذا الشعب، بين معاناة مواجهة هذه الجائحة العاتية مع قصور الاستعدادات الطبية والصحية، والاستمرار فى المواجهة دون بارقة أمل فى التوقف عن القتال .

وكان “مارتن جريفيث” المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة قد حذّر فى أول إبريل الجارى إلى العواقب الوخيمة المترتبة على ارتفاع خطر تفشى الفيروس في اليمن إلى جانب استمرار التصعيد العسكرى، وأنه يجب التحرك بشكل عاجل نحو إنهاء الحرب ليس فقط لأنها ضرورة من أجل الاستجابة لحظر الوباء، ولكن لأن هذا ما يطالب به اليمنيون بشكل واضح وعلنى، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 2216 فى هذا الصدد .

وصرح “غريقيث” فى كلمة له أمام مجلس الأمن يوم 16 إبريل الماضى بفشل جهود إيرام هدنة بين الأطراف المتنازعة وتطلعه الوصول إلى اتفاق شامل يتضمن إجراءات إنسانية واقتصادية قد تشمل الإفراج عن السجناء والمحتجزين وفتح مطار صنعاء ودفع رواتب الموظفين المدنيين وفتح الطرق وضمان دخول السفن التى تنقل السلع إلى ميناء الحديدة بما يساعد على مواجهة الجائحة.

ومن جانب آخر فقد هاجم رئيس وفد جماعة الحوثي “محمد عبد السلام” فى تصريحات لقناة المسيرة التابعة للحوثيين المبعوث الدولي معتبرا أن السلام في اليمن يحتاج إلى قرار واضح وصريح بوقف ما وصفه بالعدوان، ورفع الحصار بصورة كاملة، ووقف الخيار العسكري، قبل أي نقاش. ووصف إعلان وقف إطلاق النار من جانب التحالف بأنه ادعاءات كاذبة ومناورة إعلامية لكسب الوقت.

وحذّر وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية مارك لوكوك من أن انتشار الفيروس يمكن أن يكون له آثار مدمرة في اليمن أكثر من معظم البلدان الأخرى، وبرر توقعاته بتدهور البنية التحتية الصحية نتيجة لسنوات الحرب الأهلية المستمرة ، ولا تبدو فى الأفق رغم حدة الكارثة أية علامات مشجعة تدعو إلى الاعتقاد بإمكانية تفهم خطورة الأوضاع الإنسانية وتدفع إلى الوصول إلى تفاهم بين الفرقاء تدعوهم إلى توحيد الجهود لمواجهة هذه الجائحة .

سوريا:

على الرغم من سيطرة النظام على أكثر من 70 % من الأراضي السورية بدعم روسي إيراني ومساندة من بعض القوى الشيعية العراقية واللبنانية، إلا أنه بوجه عام لم تتوقف المواجهات فيه وخاصة فى شمال البلاد، والتي تتزاحم فيها القوى المتصادمة السورية والتركية والكردية ( قسد ) والأمريكية والفرنسية، والجماعات الجهادية من حولها، وخاصة ” داعش ” التى فتحت جائحة الوباء متنفسا لها للعودة إلى أعمالها الإرهابية، فى سوريا والعراق، فضلا عن تجنيد تركيا وقطر آلاف من المقاتلين السوريين لمواجهة الجيش الوطنى الليبى دعما لفايز السراج .

خلّفت الأزمة السورية على مدى السنوات التسع الماضية أكثر من 500 ألف قنيل ومئات الآلاف من الحرجى وأكثر من نصف عدد السكان بين نازح داخل سوريا ولاجئ فى الدول المجاورة، والدمار الذى قدر أنه يحتاج إلى 400 مليار لإعادة تأهيله . ولم تفلح جهود حل الأزمة سياسيا حتى الآن، رغم تعدد المنصات والأطراف الداعية لها .

ودعا جير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا فى كلمة له أمام مجلس الأمن يوم 20 مارس الجاري لوقف إطلاق النار بالكامل وبصفة فورية فى عموم البلاد لمواجهة انتشار الجائحة ،وأشار إلى أن سنوات الصراع أدت إلى تدهور أو تدمير نظام الرعاية الصحية .وأن الفيروس لا يأبه إذا كنت تعيش في مناطق تسيطر عليها الحكومة أو خارجها وأعرب عن قلقه إزاء عدم قدرة سوريا على احتواء الوباء نظرا للتحركات السكانية واسعة النطاق، والإكتظاظ الخطير فى مخيمات النزوح وضعف النظام الصحى . وأبدى استعداده للعمل مع جميع الأطراف المعنية والدول الرئيسة لوقف إطلاق النار، وهذا بدوره سيساعد بلاشك فى الجهود المبذولة للتسوية السياسية تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

وأبدى منسق الإغاثة فى حالات الطوارئ ماركلوكوك للمجلس أن أكثر من 11مليون شخص داخل سوريا فى حاجة إلى المساعدات الإنسانية من بينهم خمسة ملايين طفل تقريبا، وبصفة خاصة المواد الغذائية والماء والصرف الصحى والمساعدات طبية .

ليبيا:

اشتدت وتيرة المجابهة العسكرية فى ليبيا عقب مذكرتى التفاهم الموقعتين فى 27 نوفمبر الماضى بين “فايز السراج” رئيس مجلس الرئاسة فى طرابلس والجانب التركى الذى استند عليهما لتقديم الدعم لحكومة السراج بغية إيقاف الزحف العسكرى لقوات خليفة حفتر. وبغض النظر عن مدى شرعية ما أقدمت علية حكومة السراج، فقد بادرت تركيا إلى تزويده بأسلحة متقدمة من بينها الطائرات المسيّرة والمعدات الثقيلة وعدة ألاف من المرتزقة السوريين .

وفى الواقع كانت تركيا قد سعت بشتى الطرق إلى إيجاد موطئ قدم لها فى منطقة حوض شرق المتوسط خلال السنوات الأخيرة تمثل ذلك فى طلبها من حكومة الوفاق إذنا بالتنقيب عن النفط على الساحل الليبى، مقابل دعمها للمليشيات العسكرية التابعة للوفاق ، ووقف تقدم الجيش الليبى نحو طرابلس. وقد أودع مصرف ليبيا المركزى في طرابلس وديعة بقيمة 4 مليار دولار لمدة أربعة اعوام وبمعدل عائد صفرى، لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبى إزاء الضغوط التى تتعرض لها الليرة التركية .الأهم من ذلك هو احتياج تركيا إلى الطاقة حيث تغطى 80% من احتياجاتها . ووتنازع حقول الغاز مع قبرص واليونان.

عُقدت قمة برلين علي خلفية الهدنة التى دعا إليها الرئيسان بوتين وأردوغان فى يناير 2020 وشهدت البلاد انخفاضا فى العنف الذى لم يستمر طويلا وصرح المبعوث الدولى “غسان سلامة” بعدها بأن الهدنة قائمة بالاسم مشيرا إلى استمرار الانتهاكات الصارخة لحظر الأسلحة والتداعيات على الوضعين الاقتصادى والإنساني وارتفاع عدد الضحايا من جرّاء استمرار القتال وقدم “سلامة” استقالته يوم 2 مارس لدواع صحية تاركا الصراع على أشده بين الفرقاء.

وصدر بيان خماسى فى 12 مايو الجاري عن اجتماع دعت له مصر وشاركت فيه فرنسا واليونان وقبرص والإمارات حول التحركات التركية غير القانونية شرق المتوسطة بأن مذكرات التفاهم قوضت الاستقرار الإقليمى وتعتبر باطلة ولاغية انتهاكا لقرار مجلس الأمن رقم 2259 وأن الحل السياسى الشامل هو الطريق الوحيد لحل الازمة الليبية وعقد اجتماعهم القادم فى كريت. وقد رفضت تركيا وحكومة الوفاق البيان وهاجمت حفتر بعنف. بما ينبىء عن أن القتال سوف يزداد شراسة وعنفا، خاصة وقد اكتسبت جماعة السراج بمعاونة تركيا عدة مواقع .

 وفى تقديرنا أن استمرار القتال رغم الجائحة، يرجع إلى الاعتبارات التالية :

أولا :التدخل الإيرانى فى الشأن العربى ليس مثار تشكيك، فالتصريحات غير المسئولة عن المطامع الإيرانية تتكرر علي لسان أكثر من مسئول إيرانى، وفى مناسبات مختلفة في إحدى هذه التصريحات يوم 21 فبراير 2020 أعلن عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافي في إيران رحيم بور اتساع دائرة الدول الخاضعة لسيطرة نظام المرشد فى المنطقة وأن هناك خمس أو ست دول تحت سيطرة نظام خامئنى بعدما خرجت، وأوضح أن هذه الدول هى العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين وأفغانستان، وأنه أن الأوا ن لإعلان الإمبراطرية الفارسية في المنطقة، بمعنى أن علاقات إيران بهذه الدول فى نظر المسئول الإيرانى قد وصل حد السيطرة أو الهيمنة على مقدراتها. ولن نناقش قدر هذه الهيمنة وأسبابها والمتغيرات التى لحقت بها فى الآونة الأخيرة،، ولكن الثابت أن إيران لها على أرض الواقع قوى داخلية ضاغطة قادرة ومؤثرة. وما كان بيد مثل هذه الدول أن توقف حربا أوتعقد هدنة إلا إذ سمح لها بذلك. ولا يقتصر التدخل والهيمنة على الدول فقط إنما يشاركها فيه الجماعات المسلحة من المليشيات والمرتزقة، والذين يمتد نفوذهم و تتسع أرزاقهم مع الأزمات والحروب، والدعم الإيرانى بالأموال والعتاد للنظام السورى والحوثيين فى اليمن ليس فى حاجة إلى براهين أو إثبات.

وتقوم إيران بدور كبير فى تأجيج الصراع فى ليبيا، فلم تكف عن محاولاتها نقل السلاح ودعم الميليشبات بالمال فى مصراته وغيرها بالتنسيق مع النظام القطري، بما يعتبره البعض تصفية للحسابات منذ اختفاء الإمام موسى الصدر فى عهد القذافى ـ وإن كان يغلب الاعتقاد أن التدخل الإيرانى فى ليبيا محاولة لإيجاد نفوذ وموطىء قدم لها فى الشمال الإفريقى وأن إيران اختارت ليبيا لتنفيذ مشروعها .

ثانيا: كان قائد الجيش اللييبى يأمل فى أن يحقق الانتصار بالعودة إلى العاصمة طرابلس وتوحيد البلاد، ولكن تغيرت المعطيات على الأرض باتقاق أردوغان السراج، والذى استند عليه لدعم السراج بالسلاح والعتاد يما حقق له عدة انتصارات لا يمكن تجاهلها فى قواعد الترهوتة والوطية. وعاد حفتر لإبداء الاستعداد لوقف القتال بمناسبة الاعياد، غير أن الجانب الآخر رفض هذا الاقتراح. وفى الواقع فإن تصريحات كل من السراج وحفتر كانت صريحة فى رفض مصداقية الآخر، فالسراج لا يحظى بأية شرعية، وحفتر تجسيدا للدكتاتورية.

ثالثا: تأصل النزاعات القائمة على أسباب مذهبية التى تعايشت فى فترة من تاريخنا الحديث، لكنها وجدت من يغذيها ينيران الفرقة والغل، فلم تشهد المنطقة كل هذا الاستقطاب والتجاذب بين الشيعة والسنُّة إلا بعد قيام الثورة فى إيران عام 1979 ونجاحها فى الهيمنة على القرار الشيعى، وبعد الإطاحة بالنظام العراقى عام 2003 وفرض نظام المحاصصة الذى يُكرِّس المفاهيم المذهبية والعرقية، ويروّج لتفتيت دول المنطقة على هذه الأسس. كان يمكن التقريب بينها( وكانت هناك لجنة يقوم الأزهر فيها بدور رئيسى للتقريب بين المذاهب) ومحاولة تركيز الأنظار على مفاهيم الالتقاء والتواصل وثقافة التسامح والارتقاء. غير أن قوى الشر قد نجحت فى تأجيج المشاعر وشحنها ودفعها إلى ساحات القتال .

رابعا: لن يضير القوى الخارجية المحركة للفتن والمواجهات كثيرا، طالما يقع القتال خارج أراضيها، وتدفع القوى المحلية ضريبتها من جرحى وقتلى، وماعليها سوى تدعيم أنصارها بالمال والعتاد، تشجيعا على استمرار القتال، ولا يعنيها كثيرا الدعوات الدولية لوقف القتال بغية التفرغ لما هو أجدى، وفى الوقت الحاضر لمواجهة الجائحة وتلافى أضرارها.

خامسا: الجهل والتخلف وانخفاض مستوى المعيشة الذى لم تبذل الأنظمة المحلّية جهدا للارتقاء به، وهو ما ينطبق أيضا على المستوى الإقليمى فى تركيا وإيران التى تنفق الكثير على مغامراتها وأحلامها الخارجية بإنشاء الإمبراطورية الإسلامية فى إيران أو إعادة دولة الخلافة فى تركيا.

التقدير والتوصيات:

  • لا أمل فى المرحلة الحالية فى إيجاد تسويات سلميّة للمشكلات المشار إليها، فهى قد تعقدت وتشرذمت وبلغ العداء بأطراقها كل مأخذ بحيث أصبح من الصعب قبول صيغة الآخر، فقد طرحت العديد من صياغات التسوية دون جدوى خلال السنوات الماضية، ولهذا فإنه يصبح من الأفضل اللجوء إلى صيغة إدارة الصراع بدلا من تسويته طالما أنه غير مواتٍ، وقد يكتفى فى المرحلة الأولى بالتوقف عن الأعمال العدائيّة ووقف إطلاق النارـ ويتم مراقبته بدقة، فعلى الأقل تنظم جهود كل دولة لمواجهة الجائحة وتخفيف آلام المصابين.
  • وهو ما يمكن أن تقوم الجامعة العربية بدور رئيسى فيه من وضع ترتيبات وقف إطلاق النار والإشراف عليه ومساعدة الأطراف على تطبيق الإجراءات الاحترازية وتقديم المساعادات الإنسانية. ألم يحن الوقت لكى يتاح للجامعة العربية دورها، وهى مستعدة له وقادرة عليه .
  • العمل الجماعى العربي أصبح ضرورة لاغنى عنها فى هذه المرحلة، بعد أن كشفت القوى المعادية عن وجهها مثل تركيا وقطر، وكذلك الإخوان المسلمين وجماعة داعش والمرتزقة السوريين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، بما يتطلب تعاونا وتنسيقا بين الجميع.
اظهر المزيد

سيد أبو زيد

كـاتب وبـاحث سيـاسي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى