2022العدد 191ملف إقليمي

إدارة إسرائيل لصراعاتها الحزبية في خدمة مصالحها في المنطقة وعلاقتها بأمريكا

تروج إسرائيل إلى أنها “واحة الديمقراطية” في المنطقة، وتزعم أن تكرار الانتخابات وإسقاط الائتلافات الحكومية في السنوات الأخيرة مظهر من مظاهر هذه الديمقراطية، لكنها على أرض الواقع تسعى دومًا لتفتيت أصوات خُمس سكانها على الأقل (فلسطينيي 48)، ولا يشمل التصويت دروزًا، وسكان القدس الشرقية غير ملتفتة لمطالبهم وحقهم في تقرير المصير واختيار ممثليهم، بجانب مجموعات من المتدينين لها نظرة مختلفة عن الممارسة الديمقراطية في إسرائيل. لكن في جميع الأحوال تسعى إسرائيل لأن تستفيد من الصراعات الحزبية لديها على أكثر من صعيد مما يتطلب منّا رصدًا وتحليلًا لسبل وصور توظيف إسرائيل لهذه الصراعات دوليًّا وإقليميًّا وكثيرًا ما تنجح في مساعيها تلك.

ترى تل أبيب وهي متجهة – في نوفمبر 2022- لانتخابات هي الخامسة في أقل من أربع سنوات حتى دون أن تطلب ذلك مباشرة، وصراحة أنه يجب على الأصدقاء أو الشركاء وكل الأطراف “وقت الانتخابات” مراعاة الألاعيب التنافسية الانتخابية “المؤقتة”، أو حالة الشلل والجمود الاضطراري الداخلي السائد في مصفوفات صنع القرار السياسي؛ سواء لتجنب إسقاط ائتلاف حكومي أو للسعي لحشد أصوات الناخبين في انتخابات قادمة في مواجهة منافسين، وصولًا للنجاح في تشكيل ائتلافي حكومي. وهذا يعني محاولة إقناع الأطراف الدولية والإقليمية بالتغاضي -على الأقل- عن بعض المزايدات الداخلية في إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين، أو تحجيم رد الفعل الغاضب على الجمود السياسي والتصعيد الأمني في هذه الفترات.

 وعلى ذلك نتابع أنه بحجة انتخابات قادمة على الأبواب وبدء العد التنازلي للذهاب للصناديق، أو بحجة عدم قدرة الحكومة على التحرك بأريحية في ظل غياب أغلبية واسعة داعمة لها_ تتهرب تل أبيب من استحقاقات، والتزامات تتعلق باتفاقات أو تعهدات، وأحيانًا تتذرع بتلك الصراعات الحزبية لكي تتلافى تلبية أبسط حق من حقوق الإنسان وهو “الحق في الحياة”، حيث تحتشد عسكريًّا ضد لبنان في مرات سابقة، أو ضد الفلسطينيين بشكلٍ متكرر أحدثها عملية “بزوغ الفجر” ضد غزة، والتصعيد الدامي ضد كوادر الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية؛ لكي تتحول دماء الفلسطينيين إلى أصوات انتخابية لهذا الحزب أو ذاك!

أولًا:الصراعات الحزبية كمسوغ لارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين والعرب:

مثلما تسعى إسرائيل بلا كللٍ إلى تصوير نفسها بأنها الضحية الأبرز، وأحيانًا الوحيدة (بوصفها دولة اليهود) للنازية، وفي هذا بالقطع سلسة من المبالغات والمغالطات، ومثلما تحاول ابتزاز دول غربية لتعويضها عن جرائم النازية تنطلق في استخدام القوة المفرطة ضد مدنيين يقبعون تحت نار الاحتلال منذ عقود. ومن النماذج المؤلمة لاستثمار تلك الظروف الاستثنائية – بما يستتبعها من حملات دعائية، وابتزاز وتشويه متبادل، وبالقطع مزايدات على حساب الفلسطينيين والعرب -ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي في عهد رئيس الوزراء “شيمون بيريز” مذبحة “قانا” (مقتل 106 من المدنيين في لبنان بعد أن احتموا بمقر لليونيفيل، عام 1996)، لكنه لم ينجح في الانتخابات بفارق ضئيل! ومؤخرًا سعى رئيس الوزراء “يائير لابيد” (المتهم بأن خبرته العسكرية محدودة للغاية، ولا تتجاوز كونه عمل لفترة مراسلًا لمجلة ناطقة بلسان الجيش الإسرائيلي) لتكرار السيناريو، بعد أن لاحظ هو أيضًا أنه تمكن من إقناع دوائر عديدة في اليسار ويسار الوسط، ويتبقى له إقناع الناخبين من معسكر اليمين الذي يعني بالنسبة له تقدمًا مضاعفًا، حيث إنه سيمثل إضافة له وفي نفس الوقت خصمًا من منافسه الرئيس “بنيامين نتنياهو”.

لابيد قرر فرض “وضع خاص” على الأراضي الفلسطينية ومحيطها، وأطلق عملية عسكرية ضد قطاع غزة أسماها جيش الاحتلال “بزوغ الفجر” استمرت ثلاثة أيام وحصدت أرواح 49 فلسطينيًّا بينهم أطفال! وهدف لابيد في المقام الأول إلى استباق الانتخابات المبكرة بعملية عسكرية هو تعزيز مكانته وشعبيته، وهو ما يفسر محاولاته التملص من تعهدات بشأن الإفراج عن معتقلين من قيادات الجهاد في أعقاب التوصل لوقف إطلاق النار مع غزة، خاصة بعد أن تم الاطاحة بمنافسي نتنياهو الرئيسيين في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود، لكنه لا يزال يمثل فزاعة يمكن التعويل عليها.. حتى وهو ملاحَق قضائيًّا وفي ظل جهود لا تتوقف لكبح جماح طموحه بتشريع يمنع تولي الملاحَقين جنائيًّا مناصب سياسية.

ويمكن التوقف هنا أمام المسموح والمحظور به خلال فترة الصراعات الحزبية؛ فالمعارضة الإسرائيلية أيدت -وقت الحرب- عملية “بزوع الفجر” ضد الفلسطينيين، لكن الليكود رفض بشدة استخدام صور لجنود الجيش الإسرائيلي في الدعاية الحزبية ل: “يش عاتيد”.

وفي إطار التصعيد الداخلي وما يترتب عليه من مزايدات وقصف واغتيالات للفلسطينيين، سعت إسرائيل لتقليص أعداد فلسطينيِّ 48 داخل الكنيست من خلال التحكم في نسبة الحسم (الحد الأدنى من الأصوات الذي دون تجاوزه يتم توزيع أصوات ناخبي الحزب على أحزاب أخرى ربما على نقيض البرنامج الذين صوتوا لصالحه)، أو شق صف القائمة المشتركة بالقائمة الموحدة بقيادة الإخوان المسلمين، وهو ما انعكس طوال الوقت على النتائج الفعلية، حيث لم يصل على الإطلاق للكنيست عدد يضارع نسبة فلسطينيي 48 في المجتمع الإسرائيلي أي 20%. ونلاحظ أنه على نفس الغرار كرَّست تل أبيب الانقسام بين الضفة وغزة وسعت لتكراره بتفتيت غزة وإشعال الصراع الداخلي بها بإعلان استهداف الجهاد دون حماس في العملية الأخيرة.

ويمكننا في المقابل أن نضع في الحسبان أن الصراع الحزبي الإسرائيلي يرتكز على قوائم انتخابية مشتركة، وليس اندماج تام أو انقسام كامل، وإن كان بعضها مؤثرًا مرحليًّا مثل تأسيس “شارون” زعيم الليكود اليميني لحزب كاديما برئاسته، وهو ما تم تجاوز آثاره السلبية على الليكود حينما فشلت “تسيبي لفني” في إدارة الحزب الوليد وتم حَلُّه لاحقًا ليعوض الليكود خسائره، على عكس حزب العمل اليساري الذي تعرض لانشقاقات لم ينجح في تعويضها. 

ثانيًا: الصراعات الحزبية والعلاقة مع أمريكا:

يؤثر في إدارة المشهد السياسي في مواجهة الإدارات الأمريكية سواء الديمقراطية أو الجمهورية، وكذلك الرأي العام الأمريكي_ صعود أسهم قيادات إسرائيلية حالية لها خبرتها وعلاقاتها المباشرة الممتدة مع الولايات المتحدة، فبعد جيل ذوي الأصول الأوروبية خاصة من دول شرق أوروبا (جولدا مائير، وإسحق شامير)، لمع نجم (نتنياهو، ونفتالي بينيت، وجانتس،… ولابيد)، وجميعهم له اتصالات ودراية بالمجتمع الأمريكي وأبرز قياداته منذ سنوات، ومن الأمثلة على ذلك مزحة ذات دلالة ذكّر بها لابيد الرئيس الأمريكي جو بايدن -في 13 يوليو 2022- في مطار بن جوريون، حيث سبق وأن تمنى بايدن أن يكون له “شَعر” لابيد لكي يصبح رئيسًا للولايات المتحدة، وتمنى لابيد في المقابل أن يكون له “طُول” بايدن حتى يكون رئيسًا لوزراء إسرائيل! وعلى الرغم من عمق العلاقات الشخصية وتراكم الخبرات فإنه يمكن القول: بأن السياسيين الإسرائيليين لا يسيطرون على مراكز صنع القرار في واشنطن، والدليل أن الولايات المتحدة حين أرادت جمدت الفيتو أي سمحت بإدانة إسرائيل في مجلس الأمن، وسبق لها أن جمدت ضمانات قروض في عهد ريجان مما جعل تل أبيب تتراجع عن تشددها وعنادها في أكثر من ملف، وهو ما يعني أن الانتخابات والصراعات الحزبية قد يمكن تجاوزها في حالة وجود إرادة أمريكية لتحقيق ذلك -خاصة إذا تعارضت مصالح عليا للولايات المتحدة ضد رغبات تل أبيب وأولوياتها، وسبق أن عرقلت الإدارة الأمريكية -متذرعة بأسباب روتينية- وصول بعض الأسلحة المتقدمة (صواريخ هيل فاير) خلال عملية الجرف الصامد كرسالة غاضبة من سياسات نتنياهو وفريق عمله، ورغم حساسية التوقيت تنتقد أحيانًا وسائل الإعلام الأمريكية الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين دون مراعاة اقتراب الانتخابات، وهو ما لا تتركه تل أبيب يمر مرور الكرام، حيث تتهم – في سلسلة تقارير إعلامية نشرتها معاريف- نيويورك تايمز بأنها منحازة للفلسطينيين في تغطيتها للعملية ضد غزة؛ أبرزت مقتل طفلة فلسطينية عمرها 5 سنوات خلال عملية بزوغ “الفجر” دون أن توضح أنها ابنة قائد في الجهاد الإسلامي!! والحديث عن الشهيدة (آلاء قدوم). 

ومع الإقرار بوجود استثناءات بسيطة، فإن تل أبيب تحرص على تجاوز احتقانات أو بالأحرى سحابة صيف تجتازها العلاقات مع الولايات المتحدة بالارتكان على صراعات حزبية داخلية والمرور بفترة استثنائية قبيل الانتخابات، حيث أعلنت القيادية في حزب الليكود “ميري رجيف” أن من حق إسرائيل أن تعمل بحرِّية كما تعمل الولايات المتحدة في العراق، وهو ما عكس توترًا في العلاقات لم يستطع أن ينكره “رون درمر” سفير إسرائيل في واشنطن في فترة ولاية نتنياهو الأخيرة. وعبرت قيادية أخرى في الليكود “تسيبي حوطبلي” عن فترة من فترات التوتر تم اجتيازها أيضًا تحت غبار الصراعات الحزبية، حيث قالت: “علينا أن نقوم باللازم لحماية الأمن القومي لإسرائيل حتى وإن لم يلقَ تحركنا القبول لدى مسؤولين في الإدارة الأمريكية”، كما يمكن القول: أن إسرائيل استفادت نسبيًّا من الصراعات الحزبية الداخلية ضدها لحشد الحلفاء ضد حملات مقاطعة اقتصادية لمنتجاتها كلفتها خسائر بمليارات الشواكل سنويًّا (الدولار الأمريكي الواحد يعادل 3.25 شيكل تقريبًا)، واستغلت كل الحملات الانتخابية لديها للترويج لوجود حملات ومظاهر معاداة للسامية حتى في الدول الغربية!

ثالثًا: الصراعات الحزبية والعلاقة مع الإقليم:

ترتبط الصراعات الحزبية بحملات عسكرية دامية ضد الفلسطينيين بشكلٍ خاص واستفزازات في الحرم القدسي بشكلٍ خاص والبلدة القديمة والقدس بشكلٍ عام، وهو ما يتم مقابلته عربيًّا -رسميًّا وشعبيًّا- باستهجان وتنديد وغضب. فعلى المستوى الرسمي: تم بلورة المواقف العربية الرسمية الموحدة – بتنسيق مسبق- في قمة جدة (16 يوليو 2022) حين تم استقبال الرئيس جون بايدن بمواقف واضحة وقوية إزاء القضية الفلسطينية، وتماهت تقريبًا كلمات القادة بشأن حل الدولتين وضرورة إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وجهود القاهرة الحثيثة لحقن دماء الفلسطينيين ولجْم العدوان الإسرائيلي في أسرع وقت مقارنة بعمليات أخرى تجاوزت الخمسين يومًا وطالت الأبرياء، والبنية التحتية بوحشية. على نفس المنوال يمكن الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية بعد أكثر من موقف إيجابي، مثل: فتح الأجواء أمام مرور شركات الطيران الإسرائيلية حال استيفائها الشروط المطلوبة_ أدانت بقوة الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وعلى المقدسات، كما تم تأجيل أول رحلة جوية لفلسطينيين من مطار قرب إيلات وتم منح الأولوية لرحلة مماثلة إلى قبرص، وحتى حينما تم كشف النقاب عن عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، واحتمال ترتيب زيارة قريبة لأردوغان_ سارع معسكر اليمين بنسب هذا التقدم للرئيس الإسرائيلي “إسحق هرتسوج” وليس لـ”لابيد”. 

وإذا كان التصعيد الإسرائيلي في أوقات عادية قد يكلف تل أبيب قطع علاقات أو سحب سفير، فإنه في وقت الصراع الحزبي في إسرائيل لم تسلم إسرائيل من ردود فعل غاضبة ورافضة فعلى المستوى الشعبي: عبرت سلسلة تغريدات لقائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان (وهو رجل دولة أيَّد وناصرَ الاتفاقات الإبراهيمية) عن الغضب الإماراتي والرفض للعنف الإسرائيلي تجاه أطفال ونساء، بل وحملت التغريدات نبرة شك في حقيقة إيمان إسرائيل بالسلام أو سعيها إليه. ووجَّه خلفان عبر حسابه الرسمي تحذيرات لتل أبيب مفادها أن الإمارات وبقية الدول العربية – من وجهة نظرة- ستراجع مواقفها من إسرائيل حسب الممارسات على الأرض، فقال على سبيل المثال: “يجب ألا تتاجر إسرائيل بعلاقات التعاون معها من أجل حرمان الفلسطينيين من قيام دولتهم، وعلى إسرائيل أن تكون جادة في السلام والاحترام، وإلا فلا”. وهو ما يعني أن المسؤول الإماراتي السابق يتحدث باسم الدول العربية كما تحدث سفير الإمارات باسم بقية دول خليجية حين كتب مقالًا بالعبرية في “يديعوت أحرونوت” ممهدًا الطريق لتجميد ضم ثلث الضفة الغربية، أي أن التعاون الاقتصادي والأمني قد يتعثر كثيرًا إذا ما تم الإصرار على إدخال دماء الفلسطينيين في المزايدات الانتخابية الإسرائيلية، أو سعيًا لتجريب أسلحة جديدة.

وعلى المستوى الإقليمي: قد تجد إسرائيل نفسها مطالَبة بالتخلي عن تنسيق أمني وصل إلى حد إجراء عمليات مناورات وتدريبات مشتركة كشف عنها وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” مشيرًا إلى: “عشرة تدريبات أجريت -حسب زعمه- بين إسرائيل ودول وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل في إطار الاتفاقات الموصوفة إعلاميًّا بالاتفاقيات الإبراهيمية”. حيث أنه من المنطقي أن تستجيب العواصم العربية مع الرأي العام الداخلي لديها، وبالتالي سيكون منسوب التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل مهددًا بالانحسار والتراجع.

ويمكن الإشارة إلى المواقف الشعبية القوية المصرية التي انتفضت للعمليات الإسرائيلية المتتالية ضد الفلسطينيين منها: موقف الأزهر وتغريداته بالعبرية ضد هذه الممارسات، وخطبةُ قوية للعالم “أحمد عمر هاشم” من المسجد الأزهر نقلها التليفزيون المصري على الهواء مباشرة.   

وإذا كانت إسرائيل تسعى لاستغلال وتوظيف الصراعات الحزبية وتَكرار سقوط الائتلافات الحكومية لتحقيق مصالحها فإن الدول العربية يمكنها أن تُفشِل المخطط، بل وتستفيد منه، ودرس عودة طابا خير مثال؛ حيث حصلت مصر على حقوقها من خلال العمل على فهم كامل لطبيعة وحجم الخلافات الحزبية داخل الائتلاف بين “إسحق شامير” من ناحية، و”شيمون بيريز” من ناحية أخرى، حيث قررت الدبلوماسية المصرية مدعومة من القيادة السياسية (آنذاك الرئيس الراحل حسني مبارك) التشبث بالتوجه للتحكيم (المُلزم)، وليس أية آلية أخرى -غير ملزمة- مثل التوفيق، أو التفاوض. حيث اعترف “إسحق شامير” في مذكراته المعنونة بـ (خلاصة الأمر) بأن طابا رجعت لمصر بسبب نجاح القاهرة في إقناع “شيمون بيريز” رئيس الوزراء المناوب بالموافقة على مطالبها، وإنه -أي شامير نفسه- فضل استمرار الائتلاف الحكومي على الإصرار على المرواغة للاحتفاظ بطابا.  

ووقت الصراعات الحزبية وقبيل الانتخابات يمكن لدول الإقليم بشكلٍ عام والدول العربية ذات العلاقات الرسمية بإسرائيل بشكلٍ خاص أن يكون لها تأثير مباشر في توجهات الرأي العام، بل وأحيانًا التصويت داخل إسرائيل، بالسماح بتلقي المحادثات الهاتفية، أو اللقاءات المباشرة أمام كاميرات الإعلام في توقيتات إيجابية في مواجهة المنافسين أو العكس.

إقليميًّا أيضًا وفي ظل أجواء انتخابية ومزايدات، قد تقدم تل أبيب على “مغامرة” في سوريا أو لبنان أو حتى في عمق إيران من شأنها إفساد جهود التوصل لاتفاق بين إيران والغرب، أو تكون بمثابة ضغطًا على إيران لتحسين شروط التفاوض لصالح الغرب. وهنا يبرز الدور الروسي وموقفه من الصراعات الحزبية، فالدب الروسي كابح لتل أبيب في ظل وصوله للمياه الدافئة وتدخله في سوريا، وخاصة بعد مواقف تل أبيب من الأزمة الأوكرانية، حيث انحازت للغرب إعلاميًّا ومن خلال السياسة التصويتية، وقامت بمد بعض منظمات الإغاثة ببعض العتاد الحمائي العسكري. في المقابل لم تستجب موسكو لدعوات بمراعاة فترة الانتخابات وانتقدت “ماريا زخاروفا” الناطقة بلسان الخارجية الروسية استخدام القوة المفرطة في غزة، والممارسات الإسرائيلية التي من شأنها تفجير الموقف في الضفة. وبشكلٍ موازٍ تحركت موسكو لتكبيل أو إيقاف أنشطة الوكالة اليهودية للهجرة في روسيا ومطالبتها بتوفيق أوضاعها، وهو ما استتبعه محادثات مكوكية مع الرئيس الروسي “فيلادمير بوتين” شملت الرئيس الإسرائيلي “إسحق هرتوزج” وآخرين لم تحقق المرجو منها، فقررت تل أبيب أن تضغط بتوجيه اتهام لموسكو بأنها تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية، أو أنها تريد إعادة أعداد من اليهود الروس لوطنهم الأم بعد تحسن أحواله الاقتصادية. وهو ما قد يكون له أساس من الصحة في ظل تشبث المهاجرين الروس بهويتهم وثقافتهم وشكواهم الدائمة من عدم الاندماج والسخرية المتكررة منهم.

والخلاصة: هي أن تكتيك السعي للاستفادة من الصراعات الحزبية في إسرائيل متبع وقائم، ويعد محاولة لقتل الوقت أو هروب للأمام تتبعه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مدعومة من الكنيست والمؤسسات الأمنية، لكن نجاح إسرائيل في استخلاص فوائد من هذا التكتيك محل شك في ظل عوامل عديدة منها:

 1-ردود أفعال غاضبة من واشنطن أو روسيا وبعض الأطراف العربية والإقليمية، التي طالما وصفتها الإدارة الأمريكية بأنها معتدلة.

2-حدة الممارسات والاستفزازات التي لا يمكن السكوت عنها حتى من قبل الحليف الأمريكي.

 3-حنكة وخبرة السنوات التي تراكمت لدى أطراف عربية، خاصة (مصر، والأردن) في التعامل مع الجانب الإسرائيلي.

 4-احتمالية الانزلاق لحالة من عدم الاستقرار الشامل في المنطقة في ضوء قتل الأبرياء كأهداف سهلة بلا عناصر حماية من الدفاع الجوي تحميها.

 5-أخيرًا من غير المؤكد نجاح الصراعات الداخلية في تحقيق هدف بارز لإسرائيل وهو استغلال الجمود السياسي في زيادة معدلات الاستيطان الأفقي والرأسي وعزل القدس عن الضفة، فرغم ضياع التوجهات السياسية والاقتصادية أحيانًا إلا أن الشعب الفلسطيني قد صمد بالعوامل الموضوعية لقضيته. فالشعب الفلسطيني ظل ابنًا لأرضه وجزءًا من محيطه، وعجزت إسرائيل عن التوسع ولم يبقَ أمامها سوى مجابهة قوانين الطبيعة من تكاثر الناس إلا ارتكاب الحماقات القاتلة، كالسعي لإجراء تطهير عرقي في الضفة وغزة، أو الاستجابة لنداء السلام الشامل والعادل.

اظهر المزيد

د.أحمد فؤاد أنور

عضو هيئة تدريس جامعة الإسكندرية -عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى