Notice: wp_enqueue_script تمّ استدعائه بشكل غير صحيح. البرامج النصية والتنسيقات لا يجب أن تكون مسجّلة أو موجودة في قائمة الانتظار قبل الخطاطيف: wp_enqueue_scripts، admin_enqueue_scripts، أو login_enqueue_scripts. تم إرسال هذه الملاحظة بسبب معالج الـ nfd_wpnavbar_setting. من فضلك اطلع على تنقيح الأخطاء في ووردبريس لمزيد من المعلومات. (هذه الرسالة تمّت إضافتها في النسخة 3.3.0.) in /home1/arabaff1/public_html/wp-includes/functions.php on line 6078
تأثيرات انتشار وباء كورونا في إيران علي سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية – مجلة شؤون عربية
2020العدد 182ملف إقليمي

تأثيرات انتشار وباء كورونا في إيران علي سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية

اكتسبت إيران خبرات متراكمة في التعامل مع الأزمات بكل أنواعها ومستوياتها منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية ، وما خلفته من حروب عسكرية مباشرة وغير مباشرة، وحروب سياسية ودبلوماسية وإعلامية، وحروب اقتصادية وتجارية، ومشاحنات إقليمية ودولية؛وقد أحدث ذلك كله بعض التعديلات أو التغيرات في أسلوب التناول الإيراني لبعض القضايا، سواء داخلية أو إقليمية أو دولية، إلا أنه لم يغير كثيرا في المفاهيم العامة للسياسة الإيرانية علي عدة مستويات، وبقيت هذه السياسة محكومة بسلطة مركزية قوية وفكرها ومنهجها مزيج من العقيدة الدينية، والطموح الاستراتيجي في القوة والانتشار الإقليمي بأقصي ما تؤهلها له الإمكانات المتاحة لديها ويأخذ هذا الطموح الاستراتيجي أولوية عليا في السياسة الإيرانية .

وأحدث الأزمات التي تعيشها إيران هي انتشار وباء كورونا، وهي ليست أزمة ايرانية فقط وإنما أزمة دولية جامحة اجتاحت العالم دون تفرقة بين دول متقدمة وأخري نامية، أو دول عظمي وكبيرة ، لأن الوباء لحق بالجميع وأصابهم ليس فقط بأضرار  صحية وإنما بتأثيرات اقتصادية وتجارية واجتماعية ستكون لها انعكاسات قوية علي سياسات كل دول العالم بدرجات متفاوته. ومن ثم فإن مواجهة إيران لتأثيرات انتشار وباء كورونا قد تدير ما يخصها علي المستوي الداخلي بطريقة أو أخري وفقا لما ترى أنه ينتج عنه أقل الخسائر الممكنة، ولكن لاسيطرة لها علي الآثار الإقليمية والدولية الشاملة لانتشار وباء كورونا وارتداد هذه الآثار إليها وما تتطلبه من مواءمات معها وفقا للرؤية الإيرانية .

ويمكن تتبع انتشار وباء كورونا في إيران وتأثيراته علي سياستها الخارجية وعلاقاتها الإقليمية والدولية علي النحو التالي:

انتشار وباء كورونا في إيران

تواكب دخول فيروس كورونا المستجد الي إيران مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 فبراير 2020، وأدي ذلك إلي عمل الحكومة بكل الوسائل من أجل التكتم علي أى إصابات بالفيروس، بل وإنكار ذلك إلى أن توفي أربعة أشخاص مصابين به قبيل الانتخابات مباشرة ، وكانت أعلى الإصابات فى مدينة قم، وقد اتهم المرشد الأعلى “على خامئنى” من وصفهم بالأعداء بأنهم ضخّموا  وبالغوا فى تجسيم انتشار وباء كورونا مما كان له تأثير فى أحجام نسبة يعتد بها من الناخبيين عن الإدلاء بأصواتهم ، بل إنهم – أى الأعداء- أشاعوا ان جداول الانتخابات ملوثه بفيروس كورونا ، وأن بصمه الانتخابات بالحبر الملون ملوثه بفيروس كورونا، وهو ما أدى ألى أن تجعل لجنة الانتخابات استخدام بصمه الحبر الملون اختياريه لمن يرغب فى استخدامها .

إن هذا التجاهل بل والانكار لانتشار وباء كورونا فى إيران أدى إلى عدم اتخاذ الاحتياطات الواجبة والتى نبهت إليها منظمه الصحه العالمية إلا بعد أن تفشى الوباء علي نطاق واسع وتحوُّل إيران إلي أكبر بؤرة للوباء في المنطقة وإحدى البؤر الرئيسية بعد الصين وإيطاليا وأسبانيا. وبدأت السلطات الإيرانية متأخرة في اتباع الإجراءات الاحترازية في الفحوصات للمصابين والحجر وتجربة بعض الأدوية التي سبق أن جربتها دول أخري .

ولم تدم قيود إغلاق المؤسسات وفرض قيود علي الحركة العامة في الشوارع والأسواق طويلا، حيث بدأ تخفيفها بعد وقت قصير من بدء خطة التباعد الاجتماعي. ودعت الضرورة إلي مواصلة الأنشطة الاقتصادية تدريجيا بعد تصنيفها إلي منخفضة الخطورة وعالية الخطورة في انتشار عدوى فيروس كورونا، وذلك من منطلق أن أغلبية الشعب في حاجة إلي العمل لكسب قوتهم اليومي وهو ما يتطلب موازنة دقيقة وعملية بين العمل علي مكافحة انتشار فيروس كورونا وعلاج المصابين، وبين حاجة الناس الي قوت يومهم. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني:”أن إيران تواجه فيروس كورونا  وفيروس العقوبات الاقتصادية الأمريكية.”

وحذّرت الحكومة من إغلاق الأعمال لمدة طويلة قد يؤدي إلى تعطيل نحو أربعة ملايين شخص عن العمل، وتعهد بتقديم ما يعادل نحو عشرة ملايين دولار أمريكي لتعويض بعض الخسائر ومساعدة الفئات الفقيرة والمحتاجة من الشعب، كما وافق المرشد الأعلي علي أن تأخذ الحكومة ما يعادل مليار دولار أمريكي من صندوق التنمية الوطني؛ لمواجهة وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية .

الأوضاع في إيران قبيل وعند انتشار الوباء

سبق انتشار وباء كورونا في إيران ورافقه حالة من الإحتقان والتوتر الداخلي، وتدهور ملحوظ في الأوضاع العامة، ومن أهم مظاهرها:

  • أزمة ثقة بين النظام وشرائح عريضة من الشعب نتيجة استمرار الأزمة الاقتصادية، وعدم قدرة النظام على الوفاء بوعوده بتحقيق معدلات عالية من التنمية والتوظيف وتحسين مستويات المعيشة .
  • تآكل ملحوظ في القاعدة الشعبية لتيار الإصلاحيين والمعتدلين نتيجة الأزمة الاقتصادية والتضييق علي الحريات العامة، وصعود نسبي من جديد لتيار المحافظين المتشددين
  • انخفاض كبير في صادرات إيران البترولية وتناقص عائداتها من العملات الأجنبية، وانخفاض سعر صرف الريال الإيراني، ووصول نسبة التضخم إلى نحو 31%، وتآكل القوة الشرائية وانخفاض الدخول الحقيقية للإيرانيين، وتزايد نسبة البطالة لقلة الاستثمارات الجديدة وتوقف بعض الاستثمارات الأجنبية.
  • قمع الحرس الثوري بالعنف المبالغ فيه للمظاهرات السلمية ومقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين.وهتاف المتظاهرين لأول مرة ضد المرشد الأعلى علي خاميئي.
  • عدم شفافية الحكومة في معالجة حادث إسقاط طائرة ركاب أوكرانية ومقتل جميع ركابها، واستياء الرأي العام الايرانى من انكار السلطات ثم اعترافها بإسقاط الطائرة بصاروخين إيرانيين بطريق الخطأ؛وهو ما غطى علي حالة الحزن وتعاطف الرأي العام إزاء اغتيال الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني وهو في بغداد.
  • الاستياء من توسع مجلس صيانة الدستور في رفض نحو سبعة آلاف مرشح للانتخابات البرلمانية أكثرهم من الإصلاحيين والمعتدلين، ولم ينج المجلس من انتقاد الرئيس روحاني نفسه له، لدرجة أنه وصف الانتخابات بأنها “انتصابات”!

سلبيات الانتشار الدولي لوباء كورونا علي إيران

أدى انتشار وباء كورونا في العالم وما تبع ذلك من إجراءات عديدة إلى إغلاق العديد من المطارات الدولية وتوقف حركة الطائرات والسياحة إلا فيما نَدُر، وتخفيض قوة العمل وفرض إجراءات الحجر والتباعد الاجتماعي وصولا إلى مشكلات اقتصادية وتجارية عديدة كان لها انعكاساتها علي إيران، ومنها:

  • الانخفاض العالمي الكبير في استيراد واستهلاك البترول؛ وبالتالي انخفاض أسعاره في فترة وجيزة بنسبة 60% من الأسعار التي كانت سائده قبل تفشي الوباء، حيث كان سعر برميل البترول يدور حول 60 دولار للبرميل وإذا به ينخفض مع بداية مايو2020 إلي أقل من30 دولار للبرميل . وكانت أغلبية الدول المصدرة للبترول قد حسبت ميزانياتها علي اساس متوسط 40 دولار للبرميل. كما ان إيران نتيجة للعقوبات الاقتصادية الامريكية خاصة علي بترولها والتى كان إنتاجها من البترول قبل العقوبات الأمريكية 3.5 مليون برميل يوميا حتي مايو 2018 قد انخفض إلى أقل من 2.2 مليون برميل يوميا ثم يأتي هذا الانخفاض الكبير عالميا ليزداد الوضع سوءا، هذا إلى جانب التراجع الكبير في الاحتياطي النقدي الإيراني.
  • أزمة الركود العالمي التي ترافق وستعقب وباء كورونا ستزيد حالة انكماش الاقتصاد الإيراني الذي كان منكمشا في 2018-2019 بنسبة 4.6% ويتوقع الخبراء أن ينكمش في عام2020 بنسبة 7.2% وتزيد البطالة، وترتفع نسبة التضخم لتصل إلى نحو 40%؛ لذا كان من الصعب استمرار إغلاق الشركات الإيرانية لفترة طويلة نظرا للحالة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إيران حتي من قبل تفشي الوباء فيها.
  • توقف السياحة إلى إيران إلا مانَدُر، سواء السياحة الترفيهية وسياحة القنص خاصة في دول الخليج العربي، أو السياحة الدينية الداخلية أو من الأقليات الشيعية في عدة دول في المنطقة وخارجها.
  • التكاليف الإضافية سواء لمواجهة ومكافحة وباء كورونا، أو لمعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي نتجت عنه وتخصيص مبالغ كبيرة لهذا الغرض خشية حدوث أزمة اجتماعية سياسية حادة_النظام في غني عنها_ وانقطاع العمال عن العمل في حالة  فرض إجراءات الحجر علي المؤسسات والشركات التي يعملون بها حيث سيؤدي ذلك إلى توقف أجورهم ورواتبهم باستثناء موظفي الحكومة.

طلب إيران مساعدات دولية:

اشتدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إيران سواء بعد تفشي وباء كورونا فيها، وجأرت قياداتها علي كل المستويات بالشكوى وطلبت التعاون والمساعدة من عدة أطراف منها:

  • الاتحاد الأوروبي والأطراف المشتركة في الاتفاق النووى مع إيران، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا حيث حثتها علي تفعيل آلية ” أنستكس ” لتجاوز العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتوسيع دائرة التبادل التجاري سواء في السلع التي تحتاج إليها إيران أو البترول، وقد تجاوبت معها بعض الدول ولكن في حدود معينة. كما طلبت إيران من هذه الدول بذل مساعِ لدي الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية في ظل مواجهتها لوباء كورونا، وقد بادرت بعض الدول بالسعي لدي واشنطن، ولكن مسعاها قوبل برد يحمل في طياته الرفض حيث عرضت الولايات المتحدة تقديم مساعدات لإيران إن طلبت منها ذلك بشكل مباشر، وهو ما قوبل بالرفض من جانب إيران وأعلن المرشد الأعلي “علي خامئني” وغيره من كبار المسئولين الإيرانيين أن الولايات المتحدة تريد إذلال إيران ودفعها إلى طلب المساعدات منها في الوقت الذي تفرض عليها أقصى العقوبات الاقتصادية والمالية وهو ما لن يحدث.

وقد أوضح وزير الخارجية الأمريكي أن العقوبات الأمريكية المفروضة علي إيران لا تشمل المواد الغذائية والأدوية فهي خارج العقوبات، وأن حكومته عرضت أكثر من مرة علي طهران المساعدة لمواجهة وباء كورونا، ولكنها لا تستجيب لذلك.

  • تقدمت إيران بطلب قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي لمساعدتها علي مواجهة الآثار الاقتصادية لوباء كورونا. وأكد الرئيس الإيراني “حسن روحاني” أن بلده عضو في الصندوق وأنه من المفترض عدم حدوث تمييز بينها وبين الدول الأخرى الأعضاء، مشيرا بذلك إلي ضرورة مساواة إيران مع الدول الأخرى التي تقدمت معها بطلب قروض مالية لنفس الهدف.

وقد وافق الصندوق على تقديم المساعدة للدول الأخرى دون إيران، واتهمت إيران الولايات المتحدة بأنها وراء عرقلة الموافقة علي القرض لها، واتهمتها بممارسة “الإرهاب الطبي” باتخاذها هذا الموقف.

  • أمدَّت الصين إيران خلال شهر ابريل 2020 بنحو 28 شحنه من المساعدات الطبية لمواجهة وباء كورونا . وقد أيدت الصين مطالب إيران برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب، كما أنها تتعاون اقتصاديا وتجاريا مع إيران.

إيران وبرنامجها النووى

أعلنت الحكومة الإيرانية في 8 أبريل 2020 أنها تواصل تطوير برنامجها النووي رغم تفشي وباء كورونا، وأوصت لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان بخفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووقف العمل بمعاهدة حظر الانتشار النووى. وإذا تقاعست أوروبا عن تقديم الضمانات المطلوبة فإنه يتعين علي الحكومة اتخاذ إجراءات حازمة دون تأخير، وبحث استئناف الأنشطة النووية.

وأعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أنها ستدشن قريبا توسعا في الأنشطة النووية وخاصة أجيال جديدة من الطرد المركزى، وبناء مجموعة جديدة لإنتاج الوقود النووي لمفاعلات ” اراك ” وأنه قد جرى استخدام البرنامج النووي للمساعدة في تصنيع إمدادات طبية  لمكافحة وباء كورونا.

وبحثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمات أخرى كيفية مواصلة عمليات تفتيش المواقع النووية الإيرانية في ظل وباء كورونا وأفادت الوكالة في مارس 2020 أن إيران تمنع المفتشين النوويين الدوليين من التحقق من أنشطة نووية سرية محتملة في موقعين، وأن إيران قد زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب أعلي من الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي معها.

وكانت إيران قد أعلنت في يناير 2020 أن برنامجها النووي لن يكون ملتزما بعد الآن بأية قيود، واتهمت الولايات المتحدة بالادعاء بأن إيران تسعى لإنتاج أسلحة نووية، وأن لديها موقعين سريين لذلك،مؤكدة أنها ادعاءات لا أساس لها.

وقد هددت إيران عدة مرات بأنه إذا لم تلتزم الأطراف الأوروبية بالاتفاق النووي؛ فإنها لن تكون بدورها ملزمة به. ولكن موسكو نصحت طهران بأن الإعلان عن ذلك بين الحين والآخر يضر بالمصداقية، ويثير الكثير من التساؤلات، وأنه من الأفضل الكف عن ذلك.

أعلنت إيران في 22 ابريل 2020 نجاحها في إطلاق قمر صناعي عسكري، وأن القمر استقر في مداره حول الأرض علي بعد 425 كيلو مترا. واعتبرت واشنطن أن إيران تطور نظاما للصواريخ الباليستية تكون مجهزة لحمل أسلحة نووية ولذا فإنها دائما ستظل تطالب بأن توقف إيران تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية لأن ذلك لا يساعد علي تحقيق الاستقرار في المنطقة. ويلاحظ أن بريطانيا اتخذت نفس الموقف الأمريكي.

كانت الدول الأوروبية قد قررت في يناير 2020 تفعيل آلية فض المنازعات المنصوص عليها في الاتفاق النووي مع إيران طالما أنها لا تلتزم ببنود الاتفاق، ولكنها بناء علي تفاهمات مع طهران بالتهدئة وعدم تجاوز التزاماتها وذلك في 3مارس2020، وافقت الدول على تجميد آلية فض المنازعات لأجل غير مسمى.

ومن المفترض وفقا للاتفاق النووي رفع حظر تصدير الأسلحة إلى إيران في أكتوبر 2020، لكنّ واشنطن تسعي لاستمرار الحظر، وتهدد إيران بأن ردها علي ذلك _إن حدث_ سيكون قويا.

التأثير علي انتشار إيران في المنطقة

لا شك أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية علي إيران وامتدادها من حيث التطبيق إلى دول أخرى بحكم ارتباطها الاقتصادي والتجاري مع الولايات المتحدة، كان لها تأثير كبير علي الدعم والمساعدات التي تقدمها إيران لحلفائها في المنطقة من التنظيمات والجماعات والميليشيات. وقد أدت أزمة وباء كورونا إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية والمالية علي إيران سواء لمواجهة الاحتياجات الداخلية في إيران، أو الاستمرار في تقديم الدعم والمساعدة لحلفائها.

ولكن من الواضح أنّ هذا التأثير، سواء للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، أو تداعيات انتشار وباء كورونا، كان تأثيرا في المدى لا الجوهر. وبعبارة أخرى أن إيران لم تعد في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمالية بالغة الصعوبة، وحالة الاحتقان الشعبي الداخلي في إيران بين النظام ومعظم فئات الشعب، قادرة علي تقديم نفس مستوى المساعدات والدعم الذي كانت تقدمه من قبل سواء لحزب الله في لبنان أو للحوثيين في اليمن أو الحشد الشعبي في العراق، أو للحكومة السورية، وإن كان ذلك التناقص لا يعني الابتعاد أو انخفاض مستوي الارتباط بين طهران وكل من هذه الجهات والهيئات، ذلك لأن ايران لن تتراجع بسهولة عن استيراتيجيتها في الانتشار في المنطقة لما ترى أنه يحقق لها العديد من المكاسب الاستيراتيجية والاقتصادية والتجارية علي المدى الطويل، ويحفظ لها مكانتها باعتبارها قوة إقليمية فاعلة ليس فقط في منطقة الخليج، وانما في منطقة الشرق الأوسط، وأن لها منافسين أقوياء عليها أن تتعامل معهم سواء بالندية والمناوأة، أو بالتعاون والمنافسة،مثلما الوضع مع تركيا: فإنه رغم المنافسة الإقليمية القوية معها، بل والمواجهة العسكرية غير المباشرة علي الأراضي السورية، إلا أنّ العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية بين طهران وأنقره يحكمها التعاون والمصالح المشتركة.

وتستمر إيران في دعم الحوثيين في اليمن وإمدادهم بالسلاح في إطار التنافس مع السعودية في ظل حالة من الإحتقان والتوتر الشديد بين الرياض وطهران، ولم تسفر محاولات الوساطة من قبل عدة أطراف إقليمية ودولية عن رأب الصدع بين البلدين، وأنّ أى اختراق لتحسين العلاقات بينهما لا شك أنه سيساعد كثيرا علي اختراق آخر في الأزمة اليمنية وتقليل حدة التوتر في منطقة الخليج، وإعادة نشاط مجلس التعاون الخليجي إلي ما كان عليه قبل الأزمة بين قطر والامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر. ويوجد تفاوت في العلاقات بين كل من الكويت وقطر وعمان مع إيران ورؤيتهم لحاضر ومستقبل العلاقات معها، وبين السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وإن كانت الإمارات قد أصبحت أكثر مرونة في علاقاتها مع إيران بحكم شبكة المصالح بينهما خاصة التجارية.

وقد تؤدي الآثار الاقتصادية لوباء كورونا والانخفاض الكبير في أسعار البترول واتجاه دول المنطقة إلى تركيز الاهتمام الرئيسي علي أوضاعها الداخلية وكيفية معالجة هذه الآثار الاقتصادية ومالها من آثار اجتماعية واسعة، إلى تخفيف حدة الصراعات والاستجابة لنداء سكرتير عام الأمم المتحدة بضرورة إسكات المدافع والتعاون لمواجهة وباء كورونا وآثاره في كافة المجالات. ولكن التجاوب مع هذا النداء وحدوث تغير في السياسات نحو التعاون المشترك لن يتم من طرف واحد حتي لا يبدو متراجعا أو منهزما أمام الآخرين، وإنما يكون بالمقاربة المشتركة من كافة الأطراف المعنية والفاعلة في كل الأزمات في المنطقة.

وسبق أن عرضت إيران الدخول في حوارات بناءة مع جيرانها من دول الخليج العربي تحت مظلة المصالح المشتركة والمخاطر المحتملة علي الجميع ولكن دائما ما نظر إلى مبادراتها بالشك والريب ووصفها بالمناورات،وأن الأزمة التي تعم الجميع، سواء وباء كورونا أو الأزمة الاقتصادية قد تكون فرصة لاتساع الطريق لمبادرات جديدة لتهيئة مناخ أقل توترا وأكثر تعاونا لصالح الجميع.

ولا يُنتظر حدوث تغيرات جذرية في سياسة إيران تجاه العراق، فقد أتاح لها الغزو والاحتلال الأمريكي مجالا وتمركزا قويا في الشئون العراقية لم تكن تحلم به من قبل. وأصبحت إيران فاعلا مؤثرا للغاية في الشأن العراقي، سواء بحكم سياستها للانتشار، أو بحكم المواجهة مع الولايات المتحدة، والتحدى والاحتكاكات المستمرة بينهما سواء علي أرض العراق أو في مياه الخليج.

إن المصالح المشتركة التي تربط بين إيران والدول العربية أكثر من الخلافات التي تباعد بينهما وهو ما يحتاج إلى إعادة تقييم عملي من قبل الطرفين والبناء علي هذه المصالح وتوسيع دائرتها لتضييق عوامل الخلافات والتغلب عليها.

أما بالنسبة لإسرائيل فإن حالة العداء بين طهران وتل أبيب ستستمر مع استمرار التهديدات الإيرانية لإسرائيل، والقصف الاسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا والسعي إلى تقليص الوجود الإيراني فيها رغم إدراك إسرائيل أنّ إيران لها وجود وروابط قوية في سوريا ستمتد إلى ما بعد حل الأزمة السورية إلى مرحلة إعادة الإعمار. ويبقي هاجس سعي إيران الدءوب لتطوير قدراتها النووية، وبرنامج صواريخها الباليستية مصدر ازعاج كبير لإسرائيل.

علاقات إيران الدولية

إن أهم علاقات إيران الدولية علي ضوء ما سبق عرضه عن أوضاعها الداخلية، وعلاقاتها الإقليمية، يمكن إيجازها علي النحو التالي:

  • سيبقي التوتر وحالة المواجهة مسيطرة علي العلاقات بين طهران وواشنطن خاصة إذا فاز الرئيس ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2020، وتربط طهران بين أى تغيير في سياستها مع الولايات المتحدة وبين رفعها للعقوبات الاقتصادية الأمريكية الأحادية.

أما إذا تحقق ما تصبو إليه إيران وفاز الديمقراطيون بالرئاسة الأمريكية؛ فقد تحدث مجريات جديدة تغير الكثير في العلاقات ومسار السياسة الحالية بين البلدين.

  • تتعاون روسيا مع إيران في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والمفاعلات النووية للأغراض السلمية، وتؤيد المحافظة علي الإنفاق النووي مع إيران، وتعارض من حيث المبدأ العقوبات الاقتصادية الأمريكية وانسحاب الولايات المتحدة  الاتفاق النووي، وتري أن الإبقاء عليه ضمانة لالتزام طهران باتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية الموقعة عليها. ورغم التعاون بين طهران وموسكو لدعم النظام السورى والوقوف إلى جانبه عسكريا واقتصاديا وسياسيا، إلا أن ثمة تنافس بينهما علي مدي نفوذ كل منهما في سوريا خاصة في المرحلة الانتقالية وما بعدها من إعادة إعمار، وتدرك روسيا أن التحالف بين سوريا وإيران ممتد منذ عهد الرئيس حافظ الأسد، وأن عوامل عقائدية وثقافية تربط بينهما، ولكنها تتوافق مع إسرائيل في العمل علي تحجيم الوجود العسكري الإيراني في سوريا رغم أنه لا يقارن من حيث القوة والنوعية مع الوجود العسكري الروسي في القواعد السورية، ولكن روسيا لا تريد مزاحمة قوية لها.
  • تعد الصين شريكا اقتصاديا وتجاريا مهما لإيران، وأحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الموقعين علي الاتفاق النووي معها، وتري أهمية الإبقاء علي الاتفاق وأن انسحاب الولايات المتحدة منه ورفضها عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية أحادية علي إيران. وتري الصين أن من الأهمية التزام إيران ببنود الاتفاق النووي وعدم إثارة مخاوف الدول الموقعة عليه بما تقدم عليه من تفعيل أنشطتها في مجال الطاقة النووية.
  • أما دول الاتحاد الأوروبي، سواء الموقعة علي الاتفاق النووي مع إيران وهي (فرنسا والمانيا وبريطانيا)، أو غيرها فقد دخلت شركاتها في مشروعات عقب توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ولكن معظم هذه الشركات أوقفت إعمالها في إيران بعد فرض العقوبات الأمريكية عليها، وتطالب هذه الدول الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات على إيران في ظل أزمة وباء كورونا وتبعاتها الاقتصادية، وتدعو إيران إلى الكف عن إثارة الاستفزازات سواء بزيادة أنشطتها النووية، أو المناوشات والاحتكاكات العسكرية مع القوات الأمريكية، واحترام سياسة الجوار وعدم التدخل في شئون دول المنطقة. وتعمل هذه الدول علي الإبقاء علي الاتفاق النووي مع إيران.

الخلاصة

تَعتبر إيران أن انتشار وباء كورونا وما ترتب عليه من أزمات صحية واقتصادية واجتماعية طاحنة هو بمثابة تحد كبير يثقل كاهل الاقتصاد الإيراني الذي يئنّ تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وأنّ عليها أن تجتاز هذا التحدى الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ومن ثم يعطي فرصة لمن يسعون إلى إسقاط النظام خاصة في الولايات المتحدة.

وتري طهران أنه يتعين عليها العمل بكثافة في عدة مسارات بالتوازي: مكافحة انتشار وباء كورونا وعلاجه، والتعامل مع الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة وباء كورونا، والمضى قدما فى سياستها الإقليمية والدولية بتكريس ثوابتها، والتجاوب مع المقاربات الصادقة من الأطراف الأخرى علي أساس قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وأن الارتباط بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية يزيد العلاقات بين إيران وهذه الدول تعقيدا،ومن الجدير بالدراسة من جانب دول الخليج العربي أن الوجود الأمريكي في العراق فتح الباب لتوغل إيران في الشئون العراقية وأصبح لها وجود قوي ونافذ بعد أن كان العراق يحقق توازن قوة مع إيران قبل الغزو الأمريكي للعراق؛ وهو ما أحدث اختلالا كبيرا في توازن القوى الإقليمي في منطقة الخليج جعل الحاجة إلى الوجود الأمريكي القوي أكثر الحاحا.

ولا ينتظر أن يحدث تغيير في السياسة الإيرانية الخارجية من جانب واحد، ويتطلب مخاطبة المصالح الحيوية المشتركة لكل الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار السلطة المركزية وآليات اتخاذ القرار في إيران، وأن الضغوط الخارجية غالبا ما تؤدى إلى مزيد من العناد والتمسك بالمواقف من جانب طهران، وكثيرا ما يستخدم النظام هذه الضغوط لصالحه تحت دعوى العمل علي إسقاط النظام.

اظهر المزيد

رخا أحمد حسن

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى