لقد تسببت “الثورة الرقمية” و”ثورة الاتصالات” في تغيير العالم والإنسان بشكل كامل؛ حيث اختلفت المفاهيم لدرجة اقترابها من مرحلة “عدم القدرة على السيطرة “، والتي أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي. وإذا كانت ثورة الاتصالات في القرن السابق كانت تُوصف بأنها جعلت من العالم قرية صغيرة، فإن الثورة الرقمية وما تحمله من إمكانات افتراضية جعلتنا جميعًا وكأننا نجلس في نفس الحجرة، ولكن في الوقت ذاته أصبح كل منَّا مرتبطًا بجهازه يعيش من خلالها عالمًا خاصًا افتراضيًّا، ولكنه في نفس الوقت منعزل عن واقعه ومحيطه الحقيقي.
لقد أعطت التكنولوجيا الرقمية للفنون أبعادًا جديدة، وأجبرت الفنانين على التعامل معها من منظور مختلف وإلى ضرورة التطوير والتغيير في المفاهيم وأساليب التعاون خاصة في مجالات (المسرح، السينما، الإعلام، الألعاب والترفيه … إلخ).
وفي حقيقة الأمر أن المسرح بوصفه أقدم الفنون كان قادرًا على استيعاب التكنولوجيا الحديثة دائمًا منذ بدايته، بل وارتبط أيضًا بالبحث الدائم عن تكنولوجيا توفر الحلول لبعض المشكلات الفنية التي تواجه الفنان.
إن تصميم المسرح اليوناني والروماني -على سبيل المثال- كان يراعي بُعدًا تكنولوجيًّا يوفر إمكانية وصول صوت الممثل إلى أبعد نقطة في المسرح الضخم، بل إن الفنان اليوناني قد اتجه إلى أن يقف الممثل على حذاء ضخم وأن يرتدي قناعًا وملابس ضخمة وأن يضع بوقًا يضخم صوته؛ حتى يستطيع الجمهور أن يسمع ويرى ما يُقدم له.
إن تاريخ المسرح يشير إلى أن المسرح قد استوعب التكنولوجيا المكتشفة في كل فترة من فتراته، وكانت تلك التكنولوجيا تضيف جديدًا سواء على مستوى (العمارة، جودة الرؤية، الصوت، التوظيف الفني للتكنولوجيا)؛ لتعبر عن أفكار وفلسفات ورؤى إخراجية أو حتى لتحقيق الجمال والإبهار على المسرح، فاكتشاف المنظور كان نصرًا عظيمًا واستخدام الشموع وغاز الاستصباح في الإنارة أعطى فرصة لتقديم العروض في المساء، كما أعطى الفرصة ليتحول استخدام الضوء من مجرد الإنارة إلى الإضاءة باستخدام اللون. وبظهور الكهرباء أخذت الإضاءة أبعادًا جديدة من حيث: القوة، وزاوية الإسقاط (اللون)، والتركيز، وأضافت الكهرباء فكرة تحريك الديكور والتغيير، وتظهر أشكال من خشبات المسارح: المنزل، المصاعد، الدوار من خلال الهيدروليك، ولتصبح الإضاءة عنصرًا أساسيًّا في المسرح لا يمكن الاستغناء عنه وصولًا إلى أجهزة الإضاءة المتحركة والمتغيرة من خلال الكمبيوتر.
إن دخول الكمبيوتر والتكنولوجيا الرقمية في المسرح قد أسهم في جودة الصوت والصورة وسرعة التغيير، وكل ذلك أسهم في تطوير العملية الفنية وانعكس على الرؤى الإخراجية وتقنيات العرض المسرحي، فلقد أعطت التكنولوجيا الرقمية مساحات لا نهائية في فنون الرؤية؛ حيث أتاحت استخدام الشاشات في المسرح بعد أن كان الإسقاط الضوئي من خلال “الفيديو بروجيكتور” نصرًا كبيرًا، وتطورت الشاشات لتأخذ أحجامًا وأشكالًا كثيرة، وليصبح مهندس الديكور والمخرج قادرَين على توزيع الشاشات وتشكيلها على المسرح، وليظهر نوع جديد من المسرح والعروض المسرحية التي يطلق عليها “المسرح الرقمي Digital theater”، وهو نوع من العروض المسرحية التي توظف الشاشات الرقمية وتبحث العلاقة بين ما هو حقيقي real وما هو افتراضي virtual؛ حيث يتم تصوير مشاهد كاملة قبل العرض سواء باستخدام ممثلين أو بالتصوير في أماكن حقيقية كالأماكن التاريخية في: الحدائق على شط البحر، في الجبل، في أعماق البحر، فوق القمر، وكذلك الانتقال من ديكور إلى آخر من خلال الشاشة، والتي أصبحت من خلال التكنولوجيا الرقمية “مجسمة 3d”، وتعطي جودة فائقة مجسمة من خلال high definition.
كما أعطت التكنولوجيا الرقمية أبعادًا لا نهائية في مجال الخدع والمؤثرات الصوتية والبصرية، وأصبح استخدام الجرافيك ثلاثي الأبعاد وتوظيف برامج المونتاج والمكساج شيئًا عاديًا.
لدرجة أن بعض المسارح ألحقت أستوديو خاص بخشبة المسرح مزود بكاميرات وأجهزة كمبيوتر عليها برامج مونتاج وجرافيك ومؤثرات متصلة بالشاشات الموزعة على المسرح؛ لتحقيق فكرة البث الحي والتفاعل بين ما يقدم على الشاشة وبين الممثل الحقيقي الموجود على خشبة المسرح باستخدام تكنولوجيا حديثة تُسمى lotion Captor، وهي تكنولوجيا معروفة منذ الخمسينيات في تحريك المنتجات الاستهلاكية، ولكنها تطورت لتوظف في المسرح والسينما بشكل كبير؛ حيث يستطيع الممثل أن يحدث نفسه الموجودة على الشاشة ويمكن استنساخ أعداد كبيرة من الممثلين والجنود المشاركين في العروض، وأصبحت أحلام المخرجين في أن يطير الممثل في الهواء وينتقل من عالم إلى عالم ومن مكان إلى مكان متاحة، كما أصبح التعبير عن الأحلام والحالات النفسية المعقدة لها، وأضاف الهولوجرام ثلاثي الأبعاد إمكانية تصوير شخصية مسبقًا وإعادة عرضها وتجسيدها في الهواء أو على الدخان مثلًا.
والأكثر من ذلك محاولة تقديم عروض مسرحية على الهواء في أكثر من مكان في العالم، من خلال البث الفضائي بالأقمار الصناعية؛ حيث يتم الاتفاق والتدريب على تقديم عرض مسرحي في (القاهرة، باريس، نيويورك) بحيث يكمل بعضه بعضًا، فيقدم المشهد الأول في القاهرة (حيًّا) من خلال ممثلين حقيقيين وباستخدام كل الوسائل والمؤثرات الممكنة، ويتم تصوير هذا المشهد وبثه على الهواء ليراه الجمهور في باريس ونيويورك على الشاشات في نفس اللحظة، ثم يقدم المشهد الثاني حيًّا في باريس ويراه جمهور القاهرة ونيويورك علي الشاشات، والمشهد الثالث حيًّا في نيويورك وهكذا.
إن كل هذه المحاولات لتوظيف التكنولوجيا في المسرح قد أعطت الفرصة لأشكال فنية ورؤى جديدة، ولكنها من وجهة نظر بعض المتخصصين قد أفقدت المسرح خصوصيته المتمثلة في الحضور المباشر ما بين المرسل والمتلقي، الفنان (الممثل) والجمهور. ويطالب البعض بتقليص دور التكنولوجيا حتى لا تُفقد المسرح خصوصيته، بل وصل الأمر إلى مطالبة بعض المسرحيين بالتخلص من التكنولوجيا وسيطرتها والعودة إلى جوهر المسرح كما كان يُقدم في العصور القديمة سواء في عصر الإغريق أو عصر شكسبير على الأقل، ولكن ما يمكن أن نقوله أنَّ التكنولوجيا وسيلة متاحة تحتاج إلى التوظيف الفني، إنها تمنحنا الإمكانية ولكنها لا تجبرنا على استخدامها، فكل ذلك يرجع إلى اختيار الفنان وأهدافه ورؤيته؛ فكل فنان يجب أن يسأل نفسه ماذا أريد؟
إلى أي مدى سأستخدم هذه التكنولوجيا؟ هل ستضيف التكنولوجيا إلى الفن أم ستفقده قيمته؟
لقد أعطت التكنولوجيا المسرحيين الفرصة لابتكارات واكتشافات جديدة ولكن توظيفها، قبولها أو رفضها يرجع إلى الفنان ذاته.
وفي السينما، كانت السينما في حد ذاتها اكتشاف يعتمد على التكنولوجيا؛ حيث تغير التصوير الفوتوغرافي من خلال التحريك (آلة العرض) إلى فيلم سينمائي، وأضفت الألوان بُعدًا جديدًا، ثم ظهرت المؤثرات البصرية بشكل يسبق المسرح حيث كانت الشاشة تنقسم إلى قسمين لنجد الشخصية تحدث نفسها التي تم تصويرها في وقت آخر. وأحدثت الخدع أثرًا كبيرًا أثارت ذهول المشاهد باستخدام الماكينات والدمى وتحريكها باستخدام زوايا وعدسات معينة، وأصبحت السينما صناعة عظيمة تطلب بناء: أستوديوهات، ومعامل تحميض، وطبع، وأجهزة مونتاج تقوم على القص واللزق، وأجهزة المكساج، وأجهزة إعادة عرض متطورة. وأحدثت الكروما(الستارة الزرقاء أو الخضراء)، التي يمكن تفريغ الديكورات أو الشخصيات، عليها هزة كبيرة.
وأصبحت السينما تتكلف الملايين وتَدُر أرباحًا بمئات الملايين كما تَحقق في السينما الأمريكية، والسينما الهندية، والمصرية في وقت ما. وسعت دول العالم إلى أن تكون لها سينما خاصة بها، وهو الأمر الذي نلمسه في اهتمام معظم الدول العربية الآن.
تأثرت السينما بالتكنولوجيا دائمًا سواء في تكنولوجيا (الكاميرات، العدسات، الإضاءة، الصوت، الخدع، آلات العرض)، ورغم اكتشاف كاميرات الفيديو وتطورها كان السينمائيون ينظرون إليها دائمًا باعتبارها أقل في المستوى الفني من الكاميرا الخاصة بالسينما، ورغم سهولة استخدامها وقلة تكاليفها وقدرتها على الانتشار من خلال البث عبر الشاشات، فقد ظل تقييمها بوصفها لا ترقى إلى مستوى الفيلم السينمائي حتى وصلنا إلى الحقبة الرقمية. كان التطور الذي حدث في البداية هو محاولة المزج بين تقنية الفيديو والسينما، فالمشهد السينمائي كان يتم تصويره من خلال كاميرا سينمائية تراعي عدم وصول الضوء إلى الفيلم الخام الذي يتم التصوير عليه، ولا يمكن التأكد من جودة التصوير أو اكتشاف الأخطاء حتى يتم التحميض والطبع؛ لذا قدمت التكنولوجيا إمكانية أن يتم الجمع في كاميرا واحدة بين إمكانات السينما والفيديو، فالفيلم كان يتم تصويره على الخام السينمائي، ولكن المخرج يستطيع مشاهدة المشهد على المونيتور الخاص للفيديو ويمكن إرجاعه ومشاهدته. وكانت هذه هي البدايات فمع ثورة التكنولوجيا الرقمية تغيرت المفاهيم.
أصبح المشهد المصور يسجل على hard Disk بدلًا من المادة الخام مما يوفر التكلفة (الخام)، كما إننا لن نحتاج إلى تحميض أو طبع، كذلك الكاميرات تطورت بسرعة مذهلة من 4K حتى وصلنا إلى 9K مما يعطي جودة عالية.
المونتاج والمكساج والخدع تتم باستخدام الكمبيوتر ويوفر الكثير من الوقت والجهد والمال، إمكانات لا نهائية من الخدع والجرافيك والماكينات والمزج بين كل العناصر، فكل شيء أصبح متاح من خلال الكمبيوتر والكروما والتصوير بعدسات متقدمة في مساحات قليلة.
جودة عالية في المنتج النهائي (الفيلم)، وفي أجهزة العرض وظهرت برامج خاصة متخصصة للعرض.
الصوت أصبح يحيط بالمتفرج وأكثر قدرة على التجسيم؛ ليجعل المشاهد في صالة العرض التقليدية، ولكن يتم العرض من خلال جهاز متقدم يمكن توصيله بالإنترنت، بحيث يتم البث من الشركة المنتجة مباشرة في الموعد المحدد بالاتفاق مع دار العرض مما يحفظ حقوق الشركة ويوفر الوقت وعدم النقل أو السرقة، كما أضافت بعض الشركات المنتجة عناصر حماية على الفيلم التي تقوم ببثه لدور العرض المتفق معها.
أعطت التكنولوجيا الرقمية المجسمة الفرصة لإنتاج أفلام مجسمة 3d من خلال استخدام النظارات المجسمة، ويحتاج هذا النوع إلى التصوير بكاميرات معينة وبعدد كبير من الكاميرات وبزوايا مختلفة، ويلاقي هذا الاتجاه اهتمامًا كبيرًا وتطويرًا سريعًا في الشركات العالمية الكبيرة، أخذت الألعاب الرقمية بُعدًا جديدًا وانتشارًا وحققت أرباحًا عظيمة.
لقد أعطت التكنولوجيا الحديثة- وخاصة الرقمية- إمكانات كبيرة لتسهيل العملية الفنية وتقديمها بجودة عالية رغم أنها أصبحت قليلة التكلفة، توفر الوقت والجهد- خاصة في مجال السينما والمسرح- وقد سهل ذلك مهمة الشباب المبدعين الذين استوعبوا هذه التكنولوجيا وتعاملوا معها بسرعة واستجابوا لسرعة متغيراتها. كما أسهمت التكنولوجيا في ظهور أشكال وأدوار فنية جديدة وموضوعات أخرى يمكن تناولها، وأصبحنا نسمع عن مسابقات للسينما ” أفلام” الموبايل، الفمتو آرت، الفن الرقمي، بأن مصطلح السينما في الكليات التي تدرس الفنون قد تغير اسمها لتصبح “صناعة الفيلم” وتحول المسرح إلى “فنون العرض”.
وما زلنا كل صباح ننتظر اكتشافًا تكنولوجيًّا جديدًا يفتح آفاقًا جديدة أو يضع حلولًا لمشاكل كانت من قبل مستعصية أو صعبة الحل.
لقد تطورت دور العرض السينمائي من حيث عدد المشاهدين، فبعد أن كانت دار العرض تضم مئات الكراسي وتصل أحيانًا إلى الألف، مما يدر ربحًا في مقابل الحفلة الواحد، نتيجة للمتغيرات أصبحت دور العرض الحديثة صغيرة الحجم وتضم عدد قليل من المقاعد لا يزيد في بعض الحالات عن مائة كرسي. واعتمدت الشركات فلسفة عدد كبير من القاعات الصغيرة، مما يتيح عدد أكبر من الأفلام لاختيار المشاهد، واتجه بعض مصممي دور العرض إلى تصميم دور عرض صغيرة، يمكن دمجها من خلال رفع حوائط لتصبح قاعة كبيرة ثم إعادتها لحالتها مرة أخرى، كما أصبحت جودة عرض الفيلم فائقة من خلال برامج خاصة تتحكم بالألوان وتقوم بحل بعض المشكلات التي قد تصادف الفيلم. مع ظهور المنصات الرقمية المتخصصة في الدراما، والتي تقدم الأفلام والمسلسلات، شعر بعض الدارسين بأن جمهور السينما سيتقلص تدريجيًّا في مقابل تزايد الإقبال على المنصات الرقمية، في حين يرى آخرون أن عادة الذهاب إلى السينما يكتسب صفة الطقسية؛ حيث يقوم الفرد بمشاركة الأسرة أو الأصدقاء بالذهاب إلى السينما كنوع من التنزه أو الترفيه الجماعي، كما أن صناع الأفلام سيقومون بتطوير فنهم استجابة للتكنولوجيا والمتغيرات كما حدث سابقًا؛ وحرصًا على خصوصية السينما المتمثلة في حجم الشاشة الكبير، المشاهدة الجماعية، حالة السحر التي تقدمها الشاشة. إن مستقبل المسرح والسينما سيرتبطان بما يقدمه العلم من ناحية، وما يقدمه الفنانون من إبداع، ولقد بدأت إرهاصات ذلك فيما قدمه الذكاء الاصطناعي AI؛ حيث قدم مساحات لا نهائية من استخدام بصمة الوجه والصوت للممثلين والمطربين لدرجة جعلت البعض يتخوف ويحذر من أن ذلك سيؤدي للاستغناء عن الممثلين، والمطربين، والراقصين، … وغير ذلك من العناصر الفنية في الديكور مثلًا. وقد جعلت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أصحاب المنصات الرقمية يتوجهون إلى إنتاج أفلام تجريبية قصيرة في حدود نصف الساعة، وهذه الأفلام تعطي فرصة لأطقم عمل وتخصصات وموضوعات فنية جديدة، وستظهر نتائجها قريبًا. وفي سعيها لاستقطاب مشاهدين جدد لمشاهدة الأفلام، بدأت المنصات وصناع الفيلم بشكل عام في تناول موضوعات أكثر إنسانية تهم البشر على اختلاف بلادهم ولغتهم وثقافتهم، كما لقيت الموضوعات البوليسية الغريبة، وقصص العوالم الأخرى، والروحانيات والخيال العلمي_ اهتمامًا كبيرًا على حساب الموضوعات الاجتماعية التقليدية. إن المستقبل القريب سيحمل إلينا القدرة على استيعاب التكنولوجيا والتفاعل معها وتوظيفها، وسيكون ذلك من خلال: المزج بفنون الملاهي والألعاب، المسرح، الموسيقى، الرقص، صناعة الفيلم، الواقع الافتراضي، الذكاء الاصطناعي، الخدع والمؤثرات، كل ذلك من أجل جعل المشاهد يعيش تجربة حياتية مميزة ومختلفة يشارك فيها الجمهور بنفسه من خلال التفاعل Interact والمشاركة. إن دخول المشاهد لبيت الرعب، أو بيت الأشباح، أو القصر المسحور -على سبيل المثال- سيجد الجمهور نفسه محاطًا بشخصيات حقيقية ومصورة على شاشات خفية أو مجسدة في الظلام، ولا يستطيع أن يفرق بين الحقيقي والمصور، بل سيجد صورته منعكسة على الشاشات أحيانًا، وكل ذلك مصحوب بموضوع درامي وطاقم فني يدفع الجمهور للمشاركة، ولمزيد من المصداقية تنثر في الهواء روائح توحي بالمكان والموقف الدرامي، ومصحوبًا بالأصوات المعبرة كـ (العصافير، الطائرات، الأمواج، … إلخ) كل ذلك قد وجد طريقة للتحقيق في ملاهي ديزني. في المستقبل القريب ستقام العروض المسرحية وستقدم الأفلام المجسمة d3 في أماكن غير مألوفة قد تكون أماكن غريبة أو مرتبطة بالتاريخ أو الطبيعة أو أحداث معينة. ستكون خشبات المسارح والشاشات قابلة للحركة والتشكيل، فتارة تحيط بالجمهور وتارة تجعله في زاوية، كما أن مقاعد المشاهدين ستكون مجهزة وقابلة للحركة والتفاعل مع ما هو مطلوب منها.
ستتكامل الفنون مع بعضها لتقدم منتجًا فنيًّا يدهش المشاهد ويمتعه ويجعله يتفاعل ويفكر ويشارك. ورغم كل هذا، ستبقى هناك تجارب فنية تتمسك بمذاقها الكلاسيكي وسعيها للنقاء، سيظل العرض المسرحي الذي يعتمد على اللقاء البسيط والمباشر بين الممثل والمشاهد دون تجهيزات أو مسافة أو مؤثرات، سيبقى الفيلم الذي يهتم بالإنسان ومشاكله الاجتماعية والنفسية معتمدًا على الموضوع الدرامي فقط دون اللجوء للذكاء الاصطناعي أو الخدع والمؤثرات، سيبقى الفن دائمًا في حركة دائبة مادامت الحياة والاكتشافات العلمية، ومادام الحلم والخيال يمكن أن يتحقق. لقد أسهمت المنصات الرقمية العربية وشركات الإنتاج الكبرى في توفير التكنولوجيا الحديثة للمبدعين ومن ثم توظيفها في المسرح والسينما العربية، ومن خلال مشاهداتي لا يمكن إغفال القفزة الهائلة التي وفرتها المملكة العربية السعودية للفنانين العرب؛ لتقديم أعمال فنية عربية عالية الجودة، والتي انعكس أثرها على العروض المسرحية العربية وجهود دعم الإنتاج السينمائي بالمملكة وخارجها؛ حيث تم إنتاج العديد من الأفلام والعروض المسرحية من خلال هيئة الترفيه سواء داخل المملكة في الدول العربية الأخرى مستخدمة أحدث التكنولوجيا العالمية، كما أن الإمارات العربية المتحدة كانت سباقه في توفير التكنولوجيا وتوفير الأستوديوهات والأجهزة والبرامج ودعم الإنتاج العربي في مجالي (المسرح، وصناعة الفيلم). إن ما تقدمه (المملكة العربية السعودية، والإمارات، ومصر) من تحديث أدوات الإنتاج والتعاون في تطوير هذه الصناعات وإقامة المهرجانات الفنية لتشجيع المبدع العربي ليس مجرد ترفيه أو رفاهيه، ولكنه دور هام يضع الدول العربية على خريطة المنافسة الشرسة؛ لجذب المشاهدين في كافة أنحاء العالم ومن بينهم المشاهد العربي، فيجدر بنا الاهتمام بهذه الفنون وإمدادها بالتكنولوجيا الجديدة دائمًا حتى لا نصبح مجرد مستهلكين لمنتجات ثقافية وفنية قد لا تناسب مجتمعنا العربي، ولكن شبابنا يندهش ويعجب بها وعلينا أن نقدم منتجًا فنيًّا وثقافيًّا عربيًّا يستوعب التكنولوجيا ويكون على مستوى عالمي قادر على المنافسة.