2025العدد 201عروض كتب

أمن المجتمع الإلكتروني بين سياسة السوق الإلكترونية والتعاون الدولي في إطار مواجهة الجرائم الإلكترونية

إن ثورة المعلومات هي الثورة الأساسية الحالية والقادمة لجميع دول العالم، ومن خلال هذه القوة تستطيع البلدان تحريك عصا اقتصادها وتوفير فرص العمل لشعوبها، وجذب رؤوس الأموال من جميع دول العالم، كما إن الشركات لا تتخذ قراراتها عشوائيًّا، بل تعتمد على الكمية الهائلة من المعلومات لديها لاتخاذ القرارات السليمة.

ولم يكن هناك قلق من بدايات شبكة الإنترنت؛ نظرًا لِكَم الجرائم التي يمكن أن تُرتكب بواسطتها، لا لأنها آمنة في تصميمها وبنائها بل نظرًا لمحدودية مستخدميها، علاوة على أنها  كانت مقصورة على فئة معينة من المستخدمين مثل: الباحثين ومنتسبي الجامعات، إلا أنه مع توسع استخدامها ودخول جميع فئات المجتمع إلى قائمة مستخدميها بدأت تظهر على الوجود ما يُسمى بالجرائم المعلوماتية على الشبكة أو بواسطتها، جرائم تتميز بحداثة الأسلوب وسرعة التنفيذ وسهولة الإخفاء والقدرة على محو آثارها، وتعدد صورها وأشكالها، ليس هذا فحسب بل اتصفت بالعالمية وبأنها عابرة للحدود، وهذا أمر طبيعي خاصة إذا ما علمنا أن شبكة الإنترنت ذاتها لا تعرف الحدود أي أنها ذات طبيعة عالمية. وإزاء ذلك، كان لابد من تكاتف الدول من أجل مكافحة هذا النوع المستحدث من الجرائم التي لم تعد تتمركز في دول معينة ولا توجه لمجتمع بعينه، بل أصبحت تعبر الحدود لتلحق الضرر بعدة دول ومجتمعات كثيرة مستغلة التطور الكبير للوسائل التقنية الحديثة في الاتصالات والمواصلات.

هذا ويمكن ارتكاب الجريمة السيبرانية من أقصى بقاع الأرض بنفس سهولة ارتكابها من أقرب مكان، كما أن رسالة واحدة تعزز ارتكاب جريمة سيبرانية يمكن تمريرها من خلال الكثير من مقدمي الخدمات في بلدان مختلفة لها نُظم قانونية مختلفة. وفي هذا الكتاب هناك رصد وتحليل للسوق الإلكترونية مما يتيح الإطلاع على المفاهيم القانونية للجريمة الإلكترونية وسُبل التعرف عليها وتحديدها وملاحقتها قضائيًا، كذلك سبل الحماية لمجتمع المعلومات.

أما عن الكتاب فهو مكون من تسعة فصول، الثلاثة فصول الأولى يتحدث فيهم عن السوق الإلكترونية؛ حيث إن البلدان العربية لم تكن بمعزل عن التطورات التي شهدها العالم في مجال الاتصالات، وخصوصًا شبكة الإنترنت والخدمات التسويقية التي تقدمها الشبكة العالمية.

أما السوق الإلكترونية العربية؛ حيث إن ثورة المعلومات هي القوى الأساسية القادمة لجميع الدول، ومن خلال هذه القوة تستطيع البلدان تحريك عصا اقتصادها وتوفير فرص العمل لشعوبها، وجذب رؤوس الأموال من جميع دول العالم، كما أن الشركات لا تتخذ قرارها عشوائيًّا، بل تعتمد على الكمية الهائلة من المعلومات التي لديها لاتخاذ القرارات السليمة، والسؤال هنا ما هو سبب تأخر البلدان العربية عن ثورة المعلومات؟ وما هي المعوقات الأساسية التي تعوق السوق الإلكتروني في البلدان العربية؟ وما هي منعكسات التسوق الإلكتروني وآثاره الاقتصادية؟

وهنا يقول الكاتب إن صورة التسويق الإلكتروني في البلدان العربية تختلف عن باقي بلدان العالم؛ إذ إن العديد من البلدان العربية بعيدة عن عملية التسويق الإلكتروني؛ والسبب هو تأخرها عن رَكب التعاملات الإلكترونية؛ والسبب في هذا التأخر يعود إلى أسباب عديدة منها: ضعف البنية التحتية للتسويق الإلكتروني، وعدم وجود الخبرة الكافية، والافتقار إلى الاستقرار التشريعي بهذه الدول، وعدم وجود أية قوانين واضحة في الاستثمار بمعظم الدول العربية، كذلك القيود المفروضة على المستثمرين.

وقد دلَّت الإحصائيات عن استخدام شبكة الإنترنت في البلدان العربية أنها تشكل 5,6% من تعداد السكان بينما في الدول المتطورة تشكل 88%؛ والسبب في هذا الفرق أن البلدان المتطورة أوجدت البنية التحتية للإنترنت وبتكلفة تجعلها في متناول الجميع، وتأتي على رأس الدول العربية المتطورة في استخدام الإنترنت: الإمارات؛ حيث بلغت نسبة المشتركين في الإنترنت 24.44% من تعداد السكان، فهي تحتل المرتبة 22 من بين دول العالم، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 38% من عدد السكان مع حلول عام 2025، يليها كل من: مصر وقطر والبحرين والكويت ومن ثم لبنان، وبلغ مجموع مستخدمي الإنترنت في البلدان العربية في نهاية عام 2002 حوالي 3,45 مليون مستخدم.

واعتمادًا على هذه الأرقام واستخدام الإنترنت في البلدان العربية فقد تفاوت حجم التسويق الإلكتروني فيما بينها بحيث تصدرت دول مجلس التعاون لدول الخليج رأس القائمة بمبلغ 1.3 مليار دولار تليها مصر 500 مليون دولار، بينما تتوازع الدول العربية الباقية المبلغ الباقي وهو 3 مليار دولار، ويُتوقع أن يصل الرقم إلى 5 مليارات دولار نهاية عام 2007.

إلا أن البوادر العربية في مجال المواقع المتخصصة على الشبكة العنكبوتية باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني، تعتبر واعدة في مجال التسويق الإلكتروني وأن مسألة تطور الأسواق الإلكترونية في المنطقة هي مسألة وقت، ذلك وأنها تحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إلى مرحلة الدول المتطورة في هذا المجال.

ثم يتحدث بعد ذلك عن واقع وقدرات ومستقبل السوق الإلكترونية المصرفية العربية؛ حيث بدأت المصارف العربية بمحاولات اللحاق بركب التسوق المصرفي الإلكتروني، إلا أن هذه التطورات التقنية واستخدام الإنترنت في الأعمال المصرفية قد فتحت الباب أمام العديد من المخاطر التي يمكن أن تحدث على شبكات الإنترنت، لذلك سيقوم الكاتب بتحليل واقع الخدمات المصرفية وخدماتها أيضًا والإستراتيجيات المتبعة من قبل المصارف العربية للحاق بركب الدول المتطورة في مجال الخدمات المصرفية، ثم يتعرض لطبيعة المخاطر التي تتعرض لها المصارف العربية المسوقة على شبكة الإنترنت للخدمات المصرفية.

ثم يضيف أن دخول اقتصاد المعرفة على منطقة التجارة العربية الحرة من شأنه أن يوسع فرص استخدام التسوق الإلكتروني بين البلدان العربية من الأسواق العالمية بحيث يوفر التسويق الإلكتروني فرص كبيرة لزيادة المبيعات؛ إذ إنها تعرض البضائع على المستوى العربي والعالمي، وبقدر ما تستطيع المؤسسة العربية أن تحقق مزايا تنافسية في التسويق الإلكتروني بقدر ما توسع أعمالها وتزيد مبيعاتها وبالتالي خفض تكلفة المنتج، وهذا بدوره يسهل ويوسع نطاق التجارة البينية للبلدان العربية ويحقق التعاون العربي في المجالات الاقتصادية كافة.

غير أن هذه الحسنات التي رُصدت للتسويق الإلكتروني يقابلها مشكلات قد تترتب عليها، وأبرز المشاكل المالية المتمثلة بكيفية تحصيل الرسوم أو الضرائب على التبادل التجاري الإلكتروني إن هذه الإشكالية قد تهدد أهم مصادر الإيرادات السيادية في معظم دول العالم ولا سيما الدول العربية والنامية بشكل عام، والتي تعتمد بشكل أساسي على الإيرادات الضريبية والجمركية بالإضافة إلى بعض المشكلات الأخرى مثل: مشكلة العمال والاستغناء عنها في بعض التخصصات، وخصوصًا العمالة غير الفنية والغير مؤهلة وغيرها من الصعوبات.

أما الفصول من الرابع إلى السادس، فيناقش فيهم الكاتب الجريمة الإلكترونية في إطار المواجهة الدولية؛ حيث يشير إلى أن هناك حاجة ماسة لوجود كيان دولي يأخذ على عاتقة مهمة ملاحقة الجرائم المتصلة بالحواسيب والإنترنت ويتعاون معه أجهزة الشرطة في الدول المختلفة، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات المتعلقة بالجريمة والمجرمين بأقصى سرعة ممكنة؛ حيث إن الدولة يمكنها مجابهة هذا التحدي في مواجهة هذه الأنماط المستحدثة من الجرائم، ومنها الجرائم الناشئة عن استخدام شبكة الإنترنت بمفردها ولا مفر من مواصلة أجهزة تطبيق القانون في أنحاء العالم و تطوير القدرة على التعاون الدولي في المجال التدريبي، ولا مقر للدول المتقدمة من مساعدة الدول النامية وتعزيز مؤسساتها.

وأيضًا يشير إلى أنه يجب الوضع في الحسبان أن هناك العديد من معوقات للتعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية أهمها:

التجريم المزدوج من أهم الشروط الخاصة بنظام تسليم الخارجين عن القانون، فهو منصوص عليه في أغلب التشريعات الوطنية والصكوك الدولية المعنية بتسليم الخارجين عن القانون، وبالنسبة للجرائم المعلوماتية فإن معظم الدول لا تجرمها، بالإضافة إلى أن هناك بطئًا وتعقيدًا للمساعدات في القضائية الدولية.

ثم ينتقل الكاتب بحديثه عن موضوع أمن المجتمع الإلكتروني؛ حيث أجمعت القمة العالمية لمجتمع المعلومات بمرحلتيها، في جنيف وتونس والمنظمات الدولية والحكومات وشركات الأعمال والمجتمع المدني، للاتفاق على رؤية مشتركة لمجتمع المعلومات.

ومع ذلك على حسب قول الكاتب، إننا لا نستطيع أن نترجم هذه الرؤية المشتركة إلى واقع ملموس لدى جميع شعوب العالم إلا إذا استطعنا أن نؤمِّن الصفقات الإلكترونية وأن نحمي البنية التحتية للمعلومات، وهي تتسم بأهمية حاسمة وصيانة لأنظمة المعلومات والبيانات التي تعتمد عليها شركات الأعمال والمواطنون والحكومات.

أما الفصول من السابع إلى التاسع، يبدأ فيهم بموضوع عن وسائل مكافحة الجريمة السيبرانية، فالإنترنت لا يهيئ فقط ظروفًا مثالية لمشروعات وأنشطة جديدة غير قانونية، إنما تجعل من الممكن أيضًا خلق تنويعات محتملة للاحتيال أو الجرائم الأخرى بواسطة الإنترنت.

فالتكنولوجيا ووسائل الاتصال الجديدة يمكن أن تسهل كل أنواع السرقات والتلاعب وتخريب المعلومات، وتحول موارد المعلومات في حقيقة الأمر إلى رهائن محتملة في أيدي المعتدين السيبرانيين.

فالشركات أيضًا بفتح مجالاتها أمام الإنترنت، عبر الشبكة والبوابات والبريد الإلكتروني، إنما تُعرِّض نفسها لخطر شد الانتباه الإجرامي، فعلى الرغم من أن الإنترنت أداة اتصال قوية إلا أنها أيضًا بنية فوضوية.

فالإرهاب السيبراني كمصطلح يُخفي قائمة غامضة جدًا من التهديدات الجديدة، كما أن من الصعب التكهن بالدوافع والأهداف المحتملة للمهاجم المجهول، فالإرهاب السيبراني سواء كان يتم عن طريق عملية زعزعة للأوضاع الاقتصادية أو تهديد البُنى التحتية الحرجة، أو لنشر أيديولوجية أو التلاعب بالمعلومات، فإنه ينطوي على تهديد جديد يجب أن يُؤخذ بمنتهى الجدية فضلًا عن تهديد للأنظمة المعلوماتية والعالم السيبراني الذي يرمز إليه الإنترنت، فإنه يمكن أن يعرض للخطر حياة المجتمع وهنا ترجع الحاجة إلى وضع إستراتيجية مضادة للهجوم السيبراني.

ثم يتناول الكاتب بعد ذلك موضوع الأمن السيبراني من زاوية أخرى؛ حيث يقول إنه يجب أن يثير الوعي بتعرض العالم الرقمي لصعوبات جوهرية كامنة في طبيعة تقنيات المعلومات والاتصالات والبنى الأساسية، وكذلك في حلول الأمن التي يتم الترويج لها_ أسلحة خطيرة بشأن اعتمادنا على تقنية من الصعب إداراتها، ولا يمكن تجاهل أخذ البيانات كرهينة بواسطة أنظمة تكنولوجيا المعلومات كأمر حتمي لا يمكن تجاهله، فإرساء نهج شامل للأمن متضمنًا المنع والحماية والدفاع ورد الفعل يعني تبني الوسائل (البشرية، القانونية، التقنية والاقتصادية) اللازمة للقيام بذلك.

ويقدم الكاتب بعد ذلك نماذج من معالجة بعض الدول لعمليات القرصنة التكنولوجية، فبالنسبة للتوجه الأوروبي فقد تم وضع رمز معين بشأن حماية الأفراد فيما يتعلق بمعالجة البيانات الشخصية للحركة الحرة لهذه البيانات والمعايير لإنشاء مثل هذه السجلات ومعالجة البيانات.

وتحدد مادة من المواد أن الشخص المستهدف من جمع البيانات يجب أن يعرف الغرض الذي من أجله تم تجميع البيانات وهوية من يقوم بذلك بالضبط.

أما في فرنسا، فيشمل قانون تكنولوجيا المعلومات والحريات والمبنية على التعديات على الحق في الخصوصية الناجمة عن سجلات الكمبيوتر أو معالجتها في مدونة العقوبات الفرنسية، وقد استحدثت النسخة المعدلة للقانون عام 2004، أربع عشرة مادة جديدة تعطي عقوبات أكثر صرامة لإساءة استخدام البيانات الشخصية.

أما الوضع القانوني في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث إن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للبريد الاقتحامي، ففي 1 يناير 2005، قام الكونجرس بسن قانون يمكن من خلاله مقاضاة من يقومون بإرسال هذا البريد، ويحظر القانون (جمع) عناوين البريد الإلكتروني من المواقع الإلكترونية، ويمنع البرامج التي تقوم بنقل عناوين من خلال الهجمات التي تقوم عشوائيًّا بتركيب الحروف والأرقام.

ويعد البريد الاقتحامي أيضًا مشكلة من وجهة نظر المنافسة غير العادلة يتم استخدامه لأغراض إعلانية.

أما بالنسبة لسويسرا، فقد تم وضع قانون المادة الثالثة منه خاصة بالبريد الاقتحامي وطرق الإعلانات، حيث مكافحة المنافسة غير العادلة، ذلك عندما يقوم أحد الأشخاص بتقديم معلومات غير دقيقة أو حافلة بالمغالطات حول نفسه واسم شركته ومنتجاته وأعماله وخدماته وأسعاره، أو عرض استخدام ألقاب أو تسميات مهنية بشكل يجعل الآخرين يعتقدون أن لديه قدرات أو مميزات معينة.

وفي النهاية، نعود بحديثنا مرة أخرى إلى الوجود العربي من كل تلك الأحداث والتطورات والاختراقات، فالكاتب يرى ضرورة وضع المزيد من التشريعات العربية لخدمة السوق الإلكترونية؛ حيث إن الإنترنت هو بوابة بلا حراسة، بل ساحة إجرام تتحدى حتى الأجهزة الأمنية بثغرات قانونية كبيرة، الأمر الذي أتاح لمافيا الجرائم التحول من خلالها دون رقيب أو حسيب، ويؤكد الخبراء أن الجرائم الإلكترونية تزداد كلما توغل العالم في استخدام الإنترنت، وقد حققت هذه الجرائم من نصب واحتيال وغسيل أموال، خسائرَ فادحة للاقتصاد في العالم العربي كما هو الحال في بقية العالم، وما يزال القانون على التشريع في العالم، وخصوصًا في الوطن العربي، عاجزًا عن إصدار التشريعات التي تتناول الجرائم الإلكترونية، وغيرها من الثغرات القانونية المتعلقة بسرية المعلومات الخصوصية التي تقوم على سرقة المعلومات الخاصة بالأفراد والشركات والبنوك، وتنظم المعاملات الإلكترونية في ظل انفتاح الأسواق، والحفاظ على حقوق الملكية وتنظيم مختلف جوانب هذه التجارة، ابتداء من إنشاء المواقع على شبكات الاتصال الإلكترونية وتسجيل عناوينها ونظم التعاقد الإلكتروني وإثباته وإجراءات تأمينها، حتى نظم السداد للمدفوعات وضمان تنفيذ التعاقد وحماية المستهلك في المعاملات الإلكترونية والمعاملة الضريبية والجمركية وتحديد الاختصاص القضائي بمنازعات عقود التجارة الإلكترونية.

صفاء عبد الوهاب

باحثة مصرية

اظهر المزيد

صفاء عبدالوهاب

باحثة فلسطينية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى