أولًا: الأهمية الإستراتيجية للصومال (الموقع والموضع):
يشغل الصومال من حيث الموقع، موقعًا إستراتيجيًّا حاكمًا على مدخل البحر الأحمر؛ إذ يقع في أقصى الجنوب الشرقي للقارة الإفريقية، وفي نطاق منطقة القرن الإفريقي، وبإطلالة على المحيط الهندي؛ ليشاطئ خليج عدن، وعلى مقربة من مضيق باب المندب وجزيرتي (تيران، وصنافير). ومن هنا، تبدو أهميته البالغة بموقعه الحاكم على المدخل في تأمين حركة الملاحة البحرية، وفي استثمار موانئه البحرية كمراكز لوجستية أو قواعد عسكرية. أما من حيث الموضع في إطار الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر، يتمتع الصومال بثروات نهرية وبحرية ضخمة، خاصة وأن الصومال يملك أطول سواحل بحرية في القارة الإفريقية (3330 كيلو متر)، وهي أمور لها مردود إيجابي في عملية التنمية المستدامة ربطًا بالاقتصاد الأزرق، كما يحظى الصومال بموارد طبيعية هائلة تتمثل في ثروات تعدينية كامنة من أبرزها: البترول، واليورانيوم، والغاز، وخام الحديد، والنحاس، والجبس، والملح، والبوكسيت، وثروة زراعية وأخرى حيوانية كبيرة، ولها بالمثل مردود إيجابي فيما يتعلق بالتنمية المستدامة ربطًا بالاقتصاد الأخضر.
واقع الأمر، أنه يمكن أن نستخلص من مجمل ما تقدم دافعًا لتوجه قوى إقليمية ودولية نحو الصومال، وإن تباينت فيما بينها من حيث الأهداف الإستراتيجية والمقاصد، من أبرز تلك القوى إقليميًّا على المستوى الإفريقي (إثيوبيا، وكينيا، وإريتريا، وجيبوتي)، وعلى المستوى العربي (مصر، والسعودية والإمارات، وقطر)، وعلى مستوى دول الجوار العربي (تركيا، وإيران)، وعلى المستوى الدولي (الولايات المتحدة، وإيطاليا، وبريطانيا).
ثانيًا: الصومال والأمن العربي/الإفريقي:
وتأسيسًا على أهمية هذا الموقع على مدخل البحر الأحمر، الذي يُعد -أي البحر الأحمر- ربطًا بقناة السويس قلب البحار والمحيطات للعالم القديم (آسيا، إفريقيا، أوروبا)، اكتسب الصومال بالتالي أهمية إستراتيجية بالغة للأمن القومي العربي/الإفريقي بصفة عامة والأمن القومي المصري بصفة خاصة؛ إذ يعد البحر الأحمر – برؤية إستراتيجية- بحيرة عربية إفريقية للدول المتشاطئة عليه (مصر، السعودية، السودان، اليمن، جيبوتي، الأردن، الصومال، إريتريا)، والتي انتظمت في إطار تجمع وليد عام 2020، بمسمى مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن، مستهدفة الأمن والتنمية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية التعرف على حقيقة توجهات دولتي الجوار المباشر للصومال وهما: إثيوبيا في الغرب، وكينيا في الجنوب الغربي، وذلك في الإطار الأمني للصومال ربطًا بموقعه الجغرافي الجيوسياسي؛ حيث تحيط به المياه من الشمال: خليج عدن، ومن الشرق: المحيط الهندي، فقد سعت الأولى ـ وهي دولة حبيسة- إلى ” النفاذ عبر الصومال إلى المحيط الهندي “، وقد قامت بذلك عبر نهرين صوماليين ينبعان من إثيوبيا، الأول: نهر جوبا، ويصب في المحيط الهندي عند ميناء كسمايو، والثاني: نهر شابيلا، ويتجه إلى ميناء ميركا، ولكنه يصل إلى جنوب مقديشيو، بل وأنشأت سدودًا على كلٍ منهما بتصرفات أحادية، وبفرض الأمر الواقع، مسببة أضرارًا لدولة مصب النهرين في مخالفة صريحة وواضحة للقانون الدولي وللمواثيق وأي اتفاقات ذات صلة. كما تسعى مؤخرًا إلى التواجد عسكريًّا واقتصاديًّا في إطار سيادي ـ كما سنرى ـ على إقليم أرض الصومال بالصومال على نحو غير شرعي لتثير هواجس أمنية شديدة من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار في الصومال بل وفي المنطقة، ساعية أيضًا نحو الانضمام إلى مجلس الدول العربية والإفريقية عندئذ بدعوى أنها ستكون بهذا التواجد من الدول المتشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن.
من ناحية أخرى، ونظرًا لأن الصومال دولة ذات هُوية ثلاثية، عربية إفريقية إسلامية، فقد انتظمت بالعضوية في المنظمات الثلاثة الأم في الإطار العربي الإفريقي، وهم (الجامعة العربية، الاتحاد الإفريقي، ومجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر). وتجدر الإشارة إلى أنه تم استبعاد إسرائيل من عضوية المجلس بتقدير أنها أحد مهددات الأمن والاستقرار في المنطقة باعتبارها دولة استعمار استيطاني توسعي، مهدرة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، دولة مارقة تمارس إرهاب الدولة، فضلًا عن ذلك يعد تواجدها أو تشاطؤها على البحر الأحمر بميناء إيلات غير شرعي؛ حيث اغتصبت أرضًا وتواجدت فرضًا.
ثالثًا: ظهور أنشطة إرهابية لمنظمات متطرفة:
وفيما يتعلق بالبعد الإسلامي في الهوية الصومالية، ربطًا بعضوية الصومال في منظمة التعاون الإسلامي، يدين الشعب الصومالي بنسبة تكاد أن تكون كاملة بالإسلام، وتنتمي الغالبية منهم إلى المذهب السني (الشافعي)، ونسبة ضئيلة تنتمي إلى المذهب الشيعي (حوالي 2 %)، ونسبة المسيحية لا تتجاوز 1 % من إجمالي عدد السكان. وللأزهر الشريف دور مقدر وفاعل ومؤثر لدى الشعب الصومالي – خاصة وأنه يجسد الإسلام المعتدل السمح. أما ما شهده الصومال من نشاط متطرف تبنَّته المحاكم الإسلامية ثم حركة الشباب الصومالية، فإنه لقي صدىً بسبب حالة الفشل السياسية لدولة الصومال آنذاك، والفوضى العارمة التي خلقت أوضاعًا سياسية متأزمة واقتصادية متدهورة، وجاءت تلك التنظيمات المتطرفة لتتجاوز العشائرية بأيدولوجية دينية تسعى للجمع بين العشائر في توافق، ولا تفرق بينهم بالتصارع، وقد بدأت بوجود أسامة بن لادن في الصومال قادمًا من السودان ليوجد تنظيم القاعدة بها، والذي له حاليًّا عناصر تنتمي إليه في منطقة بونت لاند.
رابعًا: الصومال بين وحدة أراضيه وسلامته الإقليمية وبين التقسيم والتفتيت:
تؤكد حقائق التاريخ، وتشهد وقائعه، على أن الصومال تعرض للتفتيت والتقسيم واقتطاع أجزاءً منه، فقد تم اقتطاع منطقتين منه لصالح دولتي الجوار المباشر للصومال وهما (إثيوبيا، وكينيا)؛ حيث تم ضم منطقة الأوجادين الصومالية للأولى، وضمت منطقة الشمال الشرقي للثانية، ويسعى جزء ثالث منه هو إقليم أرض الصومال منذ عام 1990؛ للانفصال عنه والاعتراف به كدولة، وهو أمر لم تقدِم عليه أي دولة؛ التزامًا بالمحافظة على وحدة الصومال وسلامته الإقليمية وبمبدأ الاتحاد الإفريقي، احترام قدسية الحدود المتوارثة عن الحقبة الاستعمارية. بل تشهد منطقة أوجادين ومنطقة الشمال الشرقي، حركات تحرير تطالب بحقوق تتعلق بإجراء استفتاء لتقرير المصير، مما يثير هواجس أمنية ذات أبعاد إستراتيجية لدى إثيوبيا داخليًّا، حيث تتشكل إثيوبيا من تسع أقاليم إثنية يتبنى البعض توجهات غير مواتية في إطار الدولة نحو الانفصال أو الحكم الذاتي الواسع.
أسقط انقلاب عسكري وقع عام 1969، بقيادة “محمد سياد بري”، نظام حكم ديمقراطي مدني جاء إلى السلطة عقب استقلال الصومال 1960، ولتبدأ حرب أهلية عشائرية ضد نظام سياد بري في صراع على السلطة والثروة، قوامها فصائل عشائرية ينتمي كل فصيل منها إلى إحدى العشائر أو أفرع منها وتسمى (بطون وأفخاذ)؛ وليسقط نظام سياد بري عام 1991، وتُصنَّف الصومال كدولة فاشلة في ظل انهيار مؤسسات الدولة وغياب سلطة مركزية تدير شؤون البلاد.
لقد تركز الصراع على السلطة والثروة بين الفصائل الصومالية التي تنتمي بشكل عام إلى العشائر الرئيسة الأربعة، التي يتكون منها المجتمع الصومالي، وتتوزع جغرافيًّا في مناطق محددة بالصومال (الهوية، الدارود، الرحانوين، “الدر إسحاق”)، ففي الجنوب والوسط وخاصة العاصمة تتركز عشيرتا “الهوية” بفروعها المختلفة، “والرحانوين” بفروعها أيضًا، بينما شهد الشمال حيث عشيرة “الدارود” بفروعها المختلفة إقامة حكمًا ذاتيًّا بإقليم بونت لاند، وإن ظلت تتمسك بتوجه المحافظة على وحدة الصومال، كما ظهر إقليم صومالي لاند حيث عشيرة “الدر إسحاق”، الذي أعلن الاستقلال من جانب واحد، ولكن لم يتم الاعتراف به دوليًّا، وتجدر الإشارة إلى أن هناك نزاع بين الإقليمين على منطقة حدودية بينهما هي (سول وسناج).
خامسًا: الصومال ونظام حكم ديمقراطي فيدرالي:
شهد الصومال على مدى سنوات عديدة محاولات لإجراء مصالحات وطنية انتهت عام 2000 بتشكيل حكومة وطنية انتقالية، وفي عام 2004، تم تشكيل حكومة فيدرالية انتقالية، وإقامة مؤسسات وطنية بما في ذلك مؤسسة عسكرية. ولقد ظهرت خلال تلك الفترة ما سُمي بالمحاكم الإسلامية، التي سيطرت على معظم أجزاء من جنوب الصومال، وفي مرحلة لاحقة أمام ما تعرضت له من ضربات عسكرية انقسمت على نفسها وظهرت حركة الشباب الصومالية، التي تعد امتدادًا لفكر المحاكم في ارتباطها بتنظيم القاعدة، لتدخل في صراع ممتد حتى الآن مع الحكومة الفيدرالية، التي تحظى بدعم من قوات حفظ السلام من الاتحاد الإفريقي تحت مظلة الأمم المتحدة، وبدعم أمريكي، وآخر تركي عبر قاعدة عسكرية تركية بالصومال، بجانب دور تنموي، وخاصة في المجال الاجتماعي والثقافي بل ومؤخرًا في الاقتصادي الاستثماري، وآخر عربي يتمثل في دعم وتعاون أمني وتنموي ومساعدات إنسانية وبناء قدرات.
لقد نجح الصومال -خاصة مع بداية العقد الثاني من القرن الحالي- في إقامة نظام حكم ديمقراطي برلماني فيدرالي بمجلسين، تتعدد فيه الأحزاب التي بلغت 18 حزبًا، وجرت أكثر من انتخابات حرة نزيهة وشفافة منذ عام 2012، انتهت آخرها بتولي الرئيس الحالي “حسن شيخ محمود” السلطة في البلاد، وقد كانت أبرز أولويات فترة رئاسته: مكافحة الإرهاب أمنيًّا وفكريًّا، تحقيق المصالحات الداخلية في الإطار العشائري وبتوافق الأحزاب، معالجة الأوضاع الإنسانية المتدهورة من جراء النزوح واللجوء؛ بسبب الأنشطة الإرهابية وتغيرات المناخ المرتبطة بالجفاف والتصحر، دفع عملية التنمية والتطوير والتحديث عبر مؤسسات الدولة التي يتعين المحافظة عليها.
سادسًا: من مجمل ما تقدم، تتجسد مهددات الأمن والاستقرار بالصومال في:
1- مكافحة الإرهاب:
المتمثل في حركة الشباب الصومالية المدعومة من تنظيم القاعدة، والذي يتردد أن له تواجد في إقليم بونت لاند بشمال شرق الصومال، وفي هذا الصدد يمكن القول أنَّ فترة رئاسة حسن شيخ محمود شهدت نجاحًا مقدرًا عبر عمليات عسكرية قام بها الجيش الصومالي المدعوم من قوات الاتحاد الإفريقي تحت مظلة الأمم المتحدة، ودعم عربي ذي طبيعة أمنية تنموية إنسانية، وتركي مماثل لنظيره العربي، وإن كان يزيد بتدريب عناصر من الجيش الصومالي عبر قاعدة عسكرية تركية في الصومال مايو 2013. وبموجب اتفاق إطاري تم التوقيع عليه في 9 يناير 2024، للتعاون الدفاعي ليشمل أساسًا: حماية الشواطئ الصومالية، مكافحة القرصنة، منع التدخلات الأجنبية، تدريب وبناء البحرية الصومالية…، والاقتصادي: والذي تجسد وتعاظم ولو في مرحلة لاحقة في حصول تركيا على 30 % من ثروة الصومال الساحلية، والاستثمار في قطاع البترول والغاز بالسواحل الصومالية. فضلًا عن دور أمريكي داعم بعناصر عسكرية أمريكية تقدر بحوالي 450 جنديًّا أمريكيًّا عبر خمس قواعد عسكرية (غالبًا جوية) منتشرة بمناطق خمس بالصومال بموجب اتفاق تم التوقيع عليه في 15 فبراير 2024، بين وزير الدفاع الصومالي وممثل الولايات المتحدة في الصومال، تقوم بشن ضربات جوية عند المقتضي. تجدر الإشارة إلى أن قوات إثيوبيا قوامها 10000 جندي، من المحتمل تم تخفيضها في مرحلة لاحقة، كانت قد دخلت الصومال في المنطقة الحدودية بشكل أحادي أكثر من مرة إبان فترة المحاكم الإسلامية، ونجحت في الحد منها لدرجة كبيرة ثم التحقت بقوات حفظ السلام الأممية المشكلة من الاتحاد الإفريقي، والتي من المقرر انتهاء ولايتها مع بداية العام القادم لتحل محلها قوات دعم السلام، وهي إفريقية أيضًا تحت مظلة الأمم المتحدة، ولكنها ذات طبيعة ومهامٍ مختلفة كما هو واضح من التسمية.
2- المصالحات الداخلية:
واقع الأمر أن أبرزها تلك التي كانت ولم تزل تجري مع أرض الصومال، من أجل النكوص عن توجهاتها الانفصالية والعودة إلى الوطن الأم كجزء لا يتجزأ من الصومال، في ظل نظام فيدرالي يمكن أن يتمتع فيه كل إقليم بحكم ذاتي، وفي إطار من التجانس بين العشائر الأربعة الرئيسة مع الأقلية (البانتو) الممثلة في نظام الحكم القائم والمعروف بنسبة الأربعة ونصف، أي أنَّ كل عشيرة لها نسبة متساوية في التمثيل بمؤسسات الدولة تقدر بواحد لكل منها ونسبة النصف لتمثيل الأقلية.
لقد سعت ولم تزل تسعى جيبوتي باضطلاعها بدور الوسيط في مباحثات تُجرى على قدمٍ وساق بين الجانبين، أي قيادتي الصومال الدولة وصومالي لاند الإقليم؛ لتحقيق الهدف المنشود أي عدول الأخيرة عن الانفصال. وعلى الرغم مما تردد عن تقدم محرز، إلا أن إقدام إثيوبيا وإقليم أرض الصومال على التوقيع على مذكرة تفاهم تتضمن العديد من البنود، التي من بينها وعد بالاعتراف من جانب إثيوبيا بأرض الصومال كدولة دفعت نحو تعليق المفاوضات، بل وربما أصابتها بانتكاسة.
3- الأوضاع الإنسانية والتنموية:
يقدر عدد النازحين واللاجئين الصوماليين، الذين يواجهون أوضاع إنسانية متدهورة بما يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، وعلى الرغم من المساعدات التي يُجرى توفيرها من جانب منظومة الأمم المتحدة بجانب تلك التي ترد من دول عربية مثل: (الإمارات، والسعودية، ومصر، والكويت)، وما تحدثه من تحسن فهو مؤقت بطبيعته، وهو الأمر الذي يستوجب معالجة جذرية للأسباب بما يتسق وتوفير مناخ آمن ومستقر للتنمية والتطوير والإصلاح والتحديث، عبر دور إقليمي عربي بالدرجة الأولى أكثر إيجابية، وخاصة في مرحلة إعادة البناء والإعمار والتنمية المستدامة، وبتعاون مع مؤسسات ومنظمات دولية ودول مانحة.
4- توجهات دولة جوار للصومال “إثيوبيا”:
- تشير وقائع تاريخ العلاقات بين (الصومال، وإثيوبيا) أن السمة الغالبة هي العداء والكراهية، الناجمة عن التوجهات الإثيوبية تجاه الصومال تلك السمة التي بدأت باغتصاب منطقة الأوجادين الصومالية وضمها إلى إثيوبيا بدور بريطاني مشبوه إبان فترة الاستعمار البريطاني للصومال. وقد أشعل هذا الإجراء الأحادي غير القانوني من جانب إثيوبيا، حربًا بين البلدين في ظل نظام سياد بري الذي حاول استعادتها إلى الدولة الأم، وكاد أن يحقق ذلك عبر نصر حاسم للقوات الصومالية على نظيرتها الإثيوبية لولا تدخل قوات من دول الكتلة الشرقية بتأثير الاتحاد السوفيتي آنذاك؛ لتنقلب نتائج المعارك وتتراجع القوات الصومالية.
- كما جاء التدخل الإثيوبي وبشكل منفرد وبقرار أحادي في الصومال في المنطقة الحدودية بين الجانبين أكثر من مرة، والوجود عسكريًّا بالأراضي الصومالية بدعوى مواجهة نشاط المحاكم الإسلامية، ثم تم إدخال هذه القوات والتي يقدر عددها بعشرة آلاف جندي ضمن قوات حفظ السلام الإفريقية التي تقدر بأكثر من 20 ألف جندي تحت مظلة الأمم المتحدة، ومن المقرر أن تنتهي مهمة تلك القوات في بداية العام؛ لتحل محلها قوات إفريقية لدعم السلام تحت مظلة الأمم المتحدة.
- بل قامت إثيوبيا، وهي دولة منبع، بإقامة سدود على نهري (جوبا، وشابيلا) بالصومال وهي دولة المصب، بنهج أحادي وفرض الأمر الواقع على نحو سبب أضرارًا للصومال، بل وأجرت في ظل نفوذها بالصومال -آنذاك- توقيع أربعة اتفاقات ثنائية تتيح لها منافذ أربع على المحيط الهندي، بعد أن نجحت أيضًا -آنذاك، وعن عمد- لتحقيق هذا الهدف في تشكيل أقاليم الصومال (ستة أقاليم) على نحو يكون لكل إقليم حدودًا مع إثيوبيا.
- ومؤخرًا، تم إبرام مذكرة تفاهم في يناير 2024، للشراكة والتعاون بين (إثيوبيا، وإقليم أرض الصومال)؛ حيث وقَّع عن الجانب الإثيوبي “أبي أحمد” رئيس الوزراء وعن جانب أرض الصومال رئيس الإقليم “موسى عبدي”، وقد أثارت المذكرة ردود فعل قوية لما يترتب عليها من زعزعة للأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي ومنطقة البحر الأحمر، وتعد تدخلًا في الشأن الداخلي للصومال وتهديدًا لوحدته وسلامته الإقليمية. وجاءت مواقف الدول العربية والإفريقية ـ وخاصة المتشاطئة على البحر الأحمرـ والغربية،…وغيرهم من دول أخرى، بجانب الدول القطبية مثل: (الولايات المتحدة، والصين، وروسيا)، بل وأيضًا المنظمات الإقليمية والدولية وعلى رأسهم: الجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة؛ ليؤكدوا من الناحية القانونية ـ ولو بدرجات متفاوتة ـ على بطلان مذكرة التفاهم، واعتبارها “NULL & VIOD” كأن لم تكن، فهي بين طرفين أحدهما لا يتمتع بحق السيادة أو بالأهلية القانونية، وهي أرض الصومال؛ حيث أنها جزء من دولة وغير معترف بها دوليًّا. كما تم انتقاد المذكرة بشدة سياسيًّا؛ إذ بموجب مضمون المذكرة، أقدمت إثيوبيا على التدخل في الشأن الداخلي للصومال، وهددت وحدته وسلامته الإقليمية، خاصة وأن جيبوتي كانت تسعى -آنذاك- ولم تزل تسعى عبر محادثات بين قيادة أرض الصومال والقيادة السياسية للصومال؛ لتتخلى الأولى عن توجهاتها ذات النزعة الانفصالية الاستقلالية، والعودة إلى الصومال في إطار وحدة الدولة ومؤسساتها الوطنية.
واقع الأمر، أن المذكرة تتحدث عن منفذ بحري سيادي لإقامة قاعدة عسكرية وأنشطة تجارية أثيوبية في إطار ملكية إثيوبيا لأرض بمساحة 20 كم لمدة خمسين عامًا كحق انتفاع، بمقابل مادي يتم بموجبه منح أرض الصومال 30% من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وبمقابل سياسي هو اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة.
لم تفلح جهود الوسطاء في التوصل إلى تفاهمات بشأن إمكانية عدول إثيوبيا عن موقفها المتمسك بمضمون المذكرة، تلك الجهود التي تجسدت في تجمع شرق إفريقيا؛ حيث عرض الصومال إعلان إثيوبيا بشكل صريح وواضح: التأكيد على وحدة الصومال وسلامته الإقليمية، وعدم إقامة قاعدة عسكرية أو ممارسة نشاط غير تجاري، وهو أمر لم يلقَ استجابة. كما سعت تركيا عبر جلسات تم عقدها في أنقرة بين الجانبين لم تفضِ إلى نتائج إيجابية، ومن المنتظر عقد جلسة أخرى خلال الشهر الحالي، وبادرت جيبوتي بالقول إنها ستعرض على إثيوبيا – في اجتماع منتدى الصين إفريقيا- إقامة نشاط تجاري على أرض جرى إعدادها مؤخرًا إثيوبيا بجيبوتي.
إزاء هذه المواقف والممارسات الإثيوبية، طلبت الصومال من مصر تعاونًا مصريًّا صوماليًّا في مواجهة هذه التهديدات التي تمس وحدة وسلامة الصومال الإقليمية، وتعد تدخلًا في شؤونها الداخلية، وتشكل تهديدًا وزعزعة للأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي ربطًا بالأمن القومي العربي الإفريقي والأمن القومي المصري؛ ليتم التوقيع بين البلدين على اتفاقية دفاع مشترك في إطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وبروتوكول تعاون عسكري 18 / 4 / 2024، يشمل: عناصر تتعلق بالتدريب والإمداد بالأسلحة والمعدات العسكرية، تعاون أمني لمكافحة الإرهاب، وإنشاء قوة بحرية لتأمين السواحل الصومالية (وتواكب مع هذا التطور في المجال الأمني، تطوير وتعميق العلاقات بين البلدين في مجالات البنية التحتية والعلاقات التجارية والاستثمارية عبر اتفاقات وقعت بين رئيسي وزراء البلدين بالقاهرة )، فضلًا عن إرسال قوات مصرية للمشاركة في قوات حفظ السلام للاتحاد الإفريقي تحت مظلة الأمم المتحدة، والتي ستمارس مهامها لدعم السلام في الصومال بدلًا من القوات الحالية لحفظ السلام، والتي تضم من بين عناصرها قوات أثيوبية. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقات المشار إليها مشروعة وقانونية في إطار القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة، خاصة وأنها بين دولتين تتمتعان بحق السيادة والأهلية القانونية.
سابعًا: في التقدير:
يواجه الصومال تحديات جِسام، ترتبط بأمنه واستقراره، ترتبط بمهددات أبرزها الإرهاب وتدخلات في شأنه الداخلي، وتهديد لوحدته وسلامته الإقليمية، وعلى نحو يحول دون التوجه نحو عمليات إعادة البناء والإعمار والتنمية المستدامة على النحو المنشود، بل تمارس آثارًا خطيرة بما تفرزه من تداعيات سلبية على محيطه الإقليمي أي في إطاره العربي/الإفريقي بصفة عامة، وكل من: (منطقة البحر الأحمر، والقرن الإفريقي) بصفة خاصة. يستوجب مواجهة تلك التحديات تضافر الجهود العربية سواء في الإطار الثنائي العربي أو في إطار الجامعة العربية، بل وأيضًا في إطار مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر، الذي يتعين تفعيل دوره وتنشيطه بتقدير أنه المعني أساسًا – طبقًا لميثاقه- بالأمن والتنمية للدول الأعضاء، ولمواجهة مثل هذه التحديات على نحو إيجابي وبناء.