إنه من الضروريات التي يتحتم على أي شخص عربي أخذها بعين الاعتبار ومن ضمن الأولويات الضرورية هو الإصلاح التربوي وخاصة في إطار التغيرات السريعة التي مر بها العالم العربي، فالمرحلة التي مر بها جديرة أن تضع خارطة للمستقبل ومن أولويات المستقبل الإصلاح التربوي وأيضا معرفة الجهود المطلوبة في المرحلة الانتقالية والسعي لتحقيق آمال وتطلعات الشعب العربي وفق رؤية مستقبلية متوازنة تأخذ بعين الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل .
فالعالم العربي رغم التفاوت في مستوى الإصلاح التربوي لا يحتاج إلى عناء كبير كي يفهم أو يدرك مدى الهامشية التاريخية التي وصل إليها وما آلت إليه أمتنا من أنظمة استبدادية وتبعية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، الأمر الذي أفقدها الاهتمام بالإصلاح التربوي .
أما عن أولى المشاكل التي يحللها الكتاب هي مشكلة التربية والتعليم حيث إنها من الأمور المعقدة التي تواجه المستقبل العربي، و بالخصوص الدول النامية وهي من المواضيع التي تشغل بال كل المفكرين وأهل الإصلاح .
ثم يشير الكاتب أن التربية النموذجية ظهرت على أيدي الأنبياء والرسل، والديانات السماوية، وأي شخص يدرك تلك الأهمية كمنهج فيه السلامة والأمن عندما تم تحديد أهداف التربية لبناء الإنسان المتكامل، وازداد موضوع التربية تعقيدا بالتطور الصناعي الذي حدث بكل متطلباته، فمثلا مشكلة التربية إبان الثورة الصناعية في أوروبا فقد كانت عميقة بسبب الانشغال بالصناعة والاقتصاد، وأيضا بعد اندلاع بعض الثورات الأوروبية كالثورة الفرنسية مثلا عندما رفعت شعار الديمقراطية والعدالة، ولكن كان الظاهر غير الباطن فقد ظهر التباين بين المجتمعات وظهرت الطبقية فكان هناك السيد والعبد وصارت التربية لديهم مشكلة سياسية بحته تخضع للصراع على السلطة .
أما دول العالم الثالث فقد اختلفت مفاهيم التربية باختلاف نوع المستعمر فبعد أن كان الاستعمار غزوًا مباشرًا لدول العالم الثالث ونهب خيراته لسد العجز الصناعي تحول فيما بعد إلى غزو فكري تحولت به كل دولة مستعمرة إلى فكر المستعمر ذاته وهذا من عوامل الهدف الفكري والحضاري لهذه الدول، بل أصبحت الدول المستعمرة ما هي إلا أداة تبعية سياسية واقتصادية مجحفة وتقليد أعمى واستهلاكية تواكلية، الأمر الذي جعل التربية في العالم العربي يصل إلى درجة كبيرة من التعقيد بفعل آثار المستعمرين .
أما المشكلة المطروحة اليوم في مفهوم التربية، هو البحث عن كيفية بناء الإنسان العربي النموذجي وفق مفهوم التوازن، فالتربية أيضا هي صلب الحضارة تستمد منها روحها وحياتها، ولم تنشأ حضارة على الأرض إلا لمفاهيم التربية فهي الأساس الأول في البناء .
هذا فإن التربية في ظل متطلبات الثورات العربية وأهدافها عليها أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الأجيال التي فرغت عقلها من مفاهيم الدين والتاريخ والقومية ذلك للتخلص من عقدة الإرث السلبي الثقيل والولوع بالتبعية لوضع حد لها بكل معانيها السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا لا يتم إلا بإصلاح المنظومة التربوية من الأساس، وبمعنى أدق هو البحث الجاد على نقطة بداية صحيحة لبناء سياسي واقتصادي وثقافي في المستقبل .
فالنظرة للعالم العربي باتت في حساب أعدائه هي القضاء عليه بمفاهيم تربوية مختلفة، وقد ظهر أخيرًا مفهوم العولمة للقضاء على النظم التربوية العربية ويعوضها بعد ذلك بنموذج يوافق أهدافهم السياسية لتكوين جيل ليس له عقيدة أو أخلاق، وهنا يتحتم على كل الخبراء وأهل المعارف النظر إلى كل الإصلاحات في النظم التربوية في بلادنا العربية ومدى انعكاساتها الثقافية والبنائية على الشخصية العربية والنظر بعين الاعتبار للتربية التي تعاني من المأزق المادي الذي غزا بلادنا العربية وأبوابه المفتوحة ورجال الفكر متفرجون وكأن معنى التوازن تحقق في ظل ذلك .
ثم ينتقل الكاتب إلى موضوع آخر عنوانه ديمقراطية التعليم في بلادنا العربية، حيث ترتبط السياسة التعليمية بالسياسة العامة لأي بلد ارتباطا كليا، فالدولة الحديثة ذات المؤسسات الاجتماعية المختلفة لا تخلو من أيديولوجية تبنى على فلسفتها العامة وتحدد منهجها السياسي لتحقيق مختلف أغراضها وأهدافها في كل من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
فالفجوة التي صارت تفصل بين الأمم المتقدمة، والأمم الغائبة ومنها الدول العربية فجوة واسعة ففي الوقت الذي يتطور فيه المتقدمون وبدرجة كبيرة، تتأخر الدول النامية بنفس القدر ينمون على حساب تأخرنا، وهذا ما يجعل ثرواتنا وثروات العالم بيد الأقوياء ويحرم الانتفاع بها أغلب الضعفاء وصاروا خارج الحضارة العالمية، الأمر الذي لا يسمح بوجود عالم عربي ينعم بالأمن والاستقرار .
ويعود الكاتب مرة أخرى بتحليل أسباب ذلك التخلف العلمي الذي يواجه عالمنا العربي، ويتلخص في عدة نقاط منها :-
- أن الكوادر العملية والعلمية العربية الفعالة تركت فراغا كبيرا في مجالات العمل المثمر المنتج للتقدم، بل حرمت العيش في وطنها، ولعل من نتائج هذا الفراغ هو غلبة المستوى السطحي على الساحة الثقافية العامة والكفاءات البسيطة فقل الإبداع والاختراع والعجز عن التجديد، وضاع التراث وطغت المشاكل .
- انعدام وجود المعاهد العربية العليا في مختلف العلوم والتقنيات في البلاد مما يدل على ضعف الشعور بالحاجة إلى الكوادر والكفاءات الممتازة، أضف إلى ذلك عدم تشجيع للكوادر الممتازة وإفساح المجال لهم في البحث والاكتشاف والإصلاح أمامهم وتأمين الحريات والحقوق ليكونوا في مستوى المهام والواجبات والمسئوليات الكبرى .
- عدم وضع خطة تربوية شاملة يظهر فيها الوعي بالحاجة إلى كل الكوادر العلمية والنخب الفاعلة .
أما عن مناهج التعليم في الدول العربية، فيقول الكاتب إن التطور العلمي وتغير المفاهيم والمعرفة فرض ولزم على العملية التربوية أن تكون متجددة متغيرة ولابد أن يكون المتعلم هو محور العملية التربوية، وتجدر الإشارة هنا أيضا إلى أهمية تغيير مهمة المعلم من التلقين إلى التوجيه إذ بدون ذلك تصبح العملية التربوية عملية ارتجالية في حين أنها عملية هادفة تتطلب وبشدة الإشراف الحكيم من ذوي الكفاءات التربوية العالميـــــــة، وأن الملاحظ في بلادنا العربية أن مهنة التعليم إذا ما قورنت بالأصول والتاريخ فإنها لم تصل أبدا إلى المطلوب والسبب في ذلك طغيان الاتجاه المادي على القيم والمفاهيم التربوية المتزنة وبذلك صارت مهنة التعليم حرفة كسائر الحرف لا يريد منها صاحبها غير الكسب المادي .
أما عن الغزو الثقافي للدول العربية وأثره، فإن الواقع الذي يعيشه العالم العربي، هو ما أراده الاستعمار بغزوه الثقافي وتكمن هذه الخطورة في أن نية وعزم السياسة الاستعمارية كانت مجهولة لدى أغلب الشعوب التي ليس لها رصيد كبير من الوعي السياسي لأن عبقرية سياسة المستعمر دبرت بدقة وإحكام الأمر الذي جعل الشعوب العربية لا تفطن لما يعد لها في الخفاء بل انساقت في تياراتهم المعدة وتنفذها بدون وعي، فقد تطورت فنيات التحكم في الشعوب بازدياد أنواع الأسلحة الفتاكة، فضيقت الخناق على الشعوب لنهب ثرواتها الطبيعية .
فعدم الوعي الثقافي في بلادنا العربية دليله أن الغزو الثقافي أدى إلى أن بعض الناس يقبلون على الفكر الملحد وهم به كافرون، ويتهافتون على الفساد وهم له منكرون ويعملون على توطيد التبعية وهم لها كارهون .
ثم يتطرق الكاتب بعد ذلك إلى موضوع آخر عنوانه الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية، حيث إن الاتجاهات السائدة الآن في بعض الدول العربية هي الاستعانة بالخبرات الأجنبية التي ساهمت في هجرة الكفاءات والخبرات العربية إلى دول المهجر لما لمسوه من سلبيات سياسية واقتصادية وأيضا الاستهانة بقدرتهم العملية العلمية فزمام الأمور أصبحت في يد الخبير الأجنبي رغم أن تلك الأمور لها درجة كبيرة من الخصوصية والسرية، كالتخطيطات الإنمائية، والشؤون العسكرية وأيضا هناك توظيف الأجانب في المؤسسات الحساسة ذات الطابع السياسي والدبلوماسي وهذه الأمور التي تمثل خطرا على الدولة من عدة نواحٍ منها، معرفة الأجانب للاتجاهات السياسية والاقتصادية والعسكرية واطلاعهم على بعض الأسرار الفنية الدقيقة، بالإضافة إلى استغلال الوظائف الهامة والعمل على إعطائها لغير أهل البلد الأمر الذي يساعد على تفشي البطالة وتأخير عملية التنمية، واستنزاف النقد الأجنبي من العملة الصعبة لتسديد أجور الكوادر الأجنبية .
وهنا يتساءل الكاتب عن دور خريجي الجامعات الأجنبية في عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي وأين البعثات الخارجية، التي هي بديل للخبرات الأجنبية .
ثم حديث الكاتب بعد ذلك عن التوجيه الديمقراطي، حيث يقول أخيرا إن إعادة النظر في النسيج الاجتماعي ومتطلبات العصر من الإصلاح التربوي يجب أن يستبعد السلطة الأحادية في تفويض أمر الشعب، وأن تبنى خريطة طريق للإصلاح عامة فليس الإصلاح عبارة عن شعارات ترفع ووعود زائفة، وعلى هذا الأساس فإن الإصلاح الدستوري عليه أن يأخذ بعين الاعتبار الديمقراطية الحقة والعدالة والحرية ويبعد عن قيد التبعية الغربية، ولكي نتجنب السياسات التقليدية في بلادنا العربية يجب أن نتبع عدة خطوات هامة أهمها :-
- أي فرد يسعى إلى منصب سياسي عليه أن يقدم البرنامج العملي حتى تكون الصورة واضحة واتجاهه الإصلاحي ظاهر للشعب .
- التثقيف المستمر وفق إعلام حر، يتبنى مفاهيم الإصلاح في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
- ألا نتكل على الغرب على مستوى الوسائل وعلى مستوى الغايات والأهداف الكبرى لكي نوافق أو نقترب من الدولة المتقدمة لكي نصنع تاريخنا بنظرة ذات أبعاد ثلاثية للماضي والحاضر والمستقبل .
فإن المسألة المهمة اليوم والمعول عليها، هو إصلاح المنظمات التربوية وهو الأمر الذي يفرض نفسه على الشعوب العربية لكي تتحرك بكل قوة للنهوض برقي بلادهـــــــا .
وعلى هذا فإن هذه الدراسة عبارة عن جرس إنذار للشعوب العربية للسعي وراء الإصلاح حيث إن عقودًا مضت ونحن نتطلع إلى الرقي والتقدم وتجسيد مفاهيم العدل والحرية والديمقراطية.
منـــــة اللــــه خالـــــد
باحثـة فلسطينية