2020العدد 184ملف عربي

اتفاقيات التطبيع بين العرب وإسرائيل: ظروفها وثِمارها

توصلت بعض الدول العربية إلى اتفاق سلام أو تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، وتُلَمّح بعض الجهات الإسرائيلية والأمريكية إلى أنَّ هذه الاتفاقات تأتي في سياق أوسع حيث ستلتحق العديد من الدول العربية في هذا المسار بعد فترة، ويَلقى هذا التوجه تشجيعًا من الإدارة الأمريكية، وتحديدًا من إدارة الرئيس دونالد ترامب، ومن غير المعلوم ما إذا كانت الإدراة القادمة ستحافظ على هذا الزخم وتعمل على تشجيعه.

وقد أكَّدت الأطراف العربية المُوَقعة على اتفاق التطبيع مع إسرائيل( دولة الإمارات العربية ومملكة البحرين) أنَّ هدفها هو الحفاظ على الحقوق العربية في فلسطين على اعتبار أنَّ الاتفاقيات قامت على أساس منع إسرائيل من ضم مساحاتٍ واسعةٍ من الضفة الغربية لإسرائيل، وقد استجابت حكومة بنيامين نتنياهو لهذا الشرط، كما تؤكد أنَّ مبادرتها للسلام تهدف إلى إخراج عملية السلام من الجمود بعد الانقطاع لسنوات طويلة نتيجة عجز الأطراف صاحبة العلاقة عن المبادرة، وافتقادها للشجاعة اللازمة لإنقاذ العملية.

في الوقت ذاته، ترى أطراف عربية أخرى أنَّ هذه الاتفاقيات تُشكل خروجًا عن الإجماع العربي الملتزم بمبادرة السلام العربية التي تمَّ إقرارها في مؤتمر القمة العربية الرابعة عشرة في بيروت 2002 م، والتي رهنت تطبيع العلاقات مع إسرائيل بإعادة الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان، على مبدأ (الأرض مقابل السلام)، وهو المبدأ ذاته الذي طبقته إسرائيل مع مصر في (كامب ديفيد) 1979 م والأردن  (وادي عربة) 1994 م، وبنيت على أساسه اتفاقيات (أوسلو) الأولى الموقعة في واشنطن 1993 م ،والثانية التي تم التوقيع عليها في طابا 1995 م، وبالتالي فإنَّ أي اتفاقية لا تراعي هذا المبدأ تُشكّل تنازلًاغير مبررٍ لصالح إسرائيل. 

أسباب وخلفيات التطبيع مع إسرائيل:

يُشكّل توقيت اتفاقيات التطبيع عاملًا مهمًا؛ لتفسير وفهم دوافع الأطراف العربية المُوقعة على الإتفاق، الذي يُظهر أنَّ للمتغيرات الحاصلة في المنطقة دور محوري في هذا التوجه.

اختلال موازين القوى:

تنطلق الأطراف العربية المُوقعة لاتفاقيات التطبيع مع إسرائيل من حساباتها لظروفها الأمنية والسياسية في ظل متغيرات حادة شهدتها البيئة الإقليمية في السنوات الأخيرة، تمثلت في ثورات(الربيع العربي) التي وضعت غالبية البلدان العربية على حافة اللايقين بخصوص مستقبلاتها، وقد كَشفت الأحداث مدى تأثير الخارج ودوره في إحداث تغيرات جذريَّة وضعف الدولة العربية في منع الاختراقات التي تأتي غالبًا من الجوار الإقليمي.

غير أنَّ المتغير الأبرز بالنسبة للدول الخليجية المُوقعة على اتفاقيات السلام مع إسرائيل تمثل في إستراتيجية الانسحاب الأمريكية، التي وضعت تلك الدول أمام معادلات جيوإستراتيجية جعلتها تبحث عن خيارات بديلة؛ للحفاظ على أمنها في واقع إقليمي مضطرب، وخاصةً بعد تخلي الإدارة الأمريكية عن التزامها القديم بحماية الأمن في دول الخليج العربي، ومحاولتها ابتزاز هذه الدول مقابل تقديم بعض الخدمات الأمنية لها، الأمر الذي أثار شكوك دول الخليج بمصداقية الإدارات الأمريكية وأهمية أمنها بالنسبة لها، ولا تزال هذه الدول تتذكر تفضيل إدارة الرئيس باراك أوباما توقيع الاتفاق النووي مع إيران على حساب المصالح الأمنية لدول الخليج العربي.

ويُشكل السلام مع إسرائيل ــ من قبل هذه الأطراف ــ وسيلة لإصلاح ميزان القوى في مواجهة تركيا وإيران اللَّتين تتدخلان في بلدان الجوار العربي ولم تخفيا مطامعهما بدول الخليج، بالإضافة لدعمهما لمنظمات وميليشيات تُشكّل تهديدًا خطيرًا لأمن هذه الدول، ولا يمكن مقارنة قوّة الدول الخليجية بقوّة الجارتين الإقليميتين صاحبتيّ المشاريع الجيوسياسية، والقدرة على اختراق مجتمعات دول الجوار.

وهكذا تُشكّل ظروف عدم الاستقرار المحلي والصراع والتوترات الإقليمية الأوسع محركًا وحافزًا للدول الخليجية المُوقعة على اتفاقيات التطبيع، وقد تتبعها أطراف عربية أخرى قد تجد نفسها في ذات الموقع.

العوامل الجيوسياسية:

تتمثل السمة الجيو إستراتيجية الأساسية للمنطقة في انقسامها إلى معسكرات متناحرة، وسَّعت خطوط الصّدع بين الدول المشكّلة لها وزادت من حدة تناقضاتها، وباتت أطراف هذه المحاور مدفوعة للتكتل ضمن المحور الذي تعتقد أنَّه يحافظ على أمنها في مواجهة التهديدات والمخاطر التي ينتجها المحور المقابل، وتنقسم هذه المحاور إلى ثلاثة:

  1. محور المقاومة الذي تقوده إيران: ويضم عناصر في الدولة العراقية وسوريا وعناصر موالية لإيران في لبنان مثل (حزب الله وحركة أمل) ويمكن تعريف هذا الحلف من خلال عدائه لإسرائيل وانعدام الثقة العميق بالغرب، حيث يُنظر إلى الحلفاء الغربيين على أنَّهم يمكّنون القوى الاستعمارية التي يجب مقاومتها، وغالبية الجهات الفاعلة في هذه المجموعة مرتبطة بالإسلام الشيعي.

غير أنَّ هذا الحلف يتخذ من العداء لإسرائيل والغرب شعارات من أجل مد هيمنته ونفوذه على دول الجوار العربي، وتكاد فعاليته تقتصر في السنوات الأخيرة على هز الاستقرار في الدول العربية وإضعاف مؤسسة الدولة؛ لتسهيل الهيمنة عليها.

  • محور الاعتدال العربي: ويضم السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين ، ويتمتع بعلاقات قوية مع الغرب، ويتقاطع مع إسرائيل في تحديد مصادر الخطر بإيران ، واعتبارها أساس عدم الاستقرار في المنطقة.

كما تحمل أطراف هذا الحلف الكراهية لحركات الإسلام السياسي النشطة في المنطقة، وترى في تركيا وقطر قوتين مثيرتين للشغب من خلال دعمهما لهذه الحركات.

  • محور تركيا وقطر: الذي يرتبط بشبكة من العلاقات المتضاربة مع إسرائيل وحماس وإيران والدول الغربية، وبات على علاقة عدائية مع محور الاعتدال العربي، ويَنخرط هذا المحور في أكثر من نزاع في المنطقة: الأزمة السورية، والأزمة الليبية، وأزمة العلاقات الخليجية. 

وتُرجح المؤشرات استمرار هذه المحاور لفترة طويلة؛ لعدم توفر البيئة المناسبة لرأب الصَّدع في العلاقات بين الأطراف الإقليمية.

الانقسام العربي وتراجع القضية الفلسطينية.

كان من تداعيات (الربيع العربي) حالة الانقسام التي أنتجتها المواقف المتضاربة للأطراف العربية، فبعض هذه الدول أيَّد الثورة في مكان وعارضها في مكان أخر، كما دعمت بعض الدول العربية ما سمي بـ(الثورات المضادة) التي استعادت السلطة في دول الربيع العربي.

ولم يقف الأمر عند حد الانقسام السياسي، بل إنَّ بعض الدول العربية تواجهت فعليًا في ميادين القتال، من خلال وُكلائها في تلك الميادين، وهو ما عمَّق من حدة الخلافات بينها بدرجة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الدول العربية، الأمر الذي نتج عنه كسر أي قواعد إجماع مفترضة باسم (الوحدة العربية).

وكان هذا الانهيارــ على ما يبدوــ محوريًّا في إفساح المجال لبعض الدول العربية ؛ لزيادة العلاقات بشكلٍ علني مع إسرائيل دون إعطاء أي اعتبار للموقف العربي عمومًا.

وقد سرّع في هذا التحوّل، حقيقة أنَّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يعد مركزيًّا للأمن الإقليمي والعالمي كما كان في السنوات الماضية، وتراجع القضية الفلسطينية في اهتمامات الشعوب العربية، وخاصةً بعد انغماس جزءٍ كبيرٍ من الشعوب العربية في صراعات داخلية مع السلطات الحاكمة واهتمامها بقضاياها وهمومها ونضالها في سبيل الحرية والعدالة التي ترى أن حكوماتها قد سلبتها منها.

وتدعم مؤشرات كثيرة تراجع القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي العربي، إذ طالما عبرت الشعوب العربية عن تعاطفها مع الفلسطينيين إزاء ما يتعرضون له من إجراءات إسرائيلية بحقهم، وقد شهد العالم العربي موجات تعاطف كبيرة مع الفلسطينيين في الانتفاضتين الأولى والثانية، غير أنَّ الأمر تغيَّر في العقد الأخير، فلم يُثِرْ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2017 م الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ــ سوى ردود فعل خجولة للغاية، في وقت تَتعرض فيه دمشق وبغداد إلى ضياع هويتهما العربية نتيجة إصرار إيران على العبث بتاريخهما وتراثهما، كما تكاد (طرابلس الغرب) أن تخضع للسيطرة التركية وإعادة إحياء العثمانية.

المصالح المباشرة.

تنطوي اتفاقيات التطبيع على مصالح مباشرة للأطراف المنخرطة بها، حيث تأمل دولة الإمارات العربية الحصول على طائرات مقاتلة من طراز إف (35) وهي طائرة ذات ميزاتٍ متقدمة، تَعتقد الإمارات أنَّها ستمنحها قوة ردع هائلة في مواجهة أيّ خصم في المنطقة، ورغم العلاقات الدفاعية المتطورة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية، إلاَّ أنَّ بيع هذه الطائرة للإمارات غير ممكن بدون موافقة إسرائيل التي ترغب في الحفاظ على التفوق الجوي في المنطقة، وتأمل الإمارات العربية أن يؤدي اتفاق التطبيع إلى تراجع إسرائيل عن رفضها امتلاك الإمارات لهذا السلاح، الذي يُرجّح أن يتم تزويد الإمارات بنسخة معدلة منه.

بالإضافة لذلك، تطمح الإمارات إلى الاستفادة من موانئ (حيفا وتل أبيب وإيلات) واستثمارها كمحطات في تجارتها مع أوروبا وإفريقيا، بعد أن يتم ربطهما بريًا بالخليج العربي، في ظِلّ منافسةٍ محمومةٍ مع الصين التي تسعى للسيطرة على موانئ المنطقة، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا( الأمنية والمدنية)، حيث تعتبر إسرائيل من الدول الرائدة في هذا المجال.

وبالنسبة لإسرائيل، يتيح لها اتفاق التطبيع تحقيق هدفها الأثير المتمثل في مد جسور العلاقات مع دول الخليج، حيث تطمح إسرائيل بتدفق المال الخليجي للاستثمار في قطاعاتها المختلفة وخاصةً قطاع التكنولوجيا المزدهر في إسرائيل، وجذب السياح الخليجيين؛ لدعم القطاع السياحي الذي يتعرض لمنافسة شديدة من قبل دول الجوار.

وتهتم إسرائيل بالاقتصاد الإماراتي الذي يتمتع بطابعٍ عالمي منفتح على التجارة الدولية ومرتبط إلى حدٍ كبيرٍ باستثمارات عالمية متعددة الجنسية. وفي هذا الإطار أَضْحت الإمارات أهم منصة عربية وشرق أوسطية مفتوحة للتجارة والتصدير.

أبعاد الاتفاق السياسية والجيواستراتيجية.

ينطوي اتفاق التطبيع مع إسرائيل من وجهة صانع القرار الإماراتي على عدد من المزايا والفوائد التي ستسهم في صنع متغيرات مهمة على المستويين العربي والإقليمي.

1-انعكاسه على القضية الفلسطينية.

يعتقد صانع القرار في الإمارات العربية المتحدة، أنَّ عملية الضم الإسرائيلي  لمساحة (30%) من الضفة الغربية وغور الأردن، سيقضي حتى على إمكانية إقامة دولتين وعلى السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وبالتالي فإنَّ وقف عملية الضم” بحسب ما جاء في البيان المشترك بين كلٍّ من الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل” سيحافظ على خيار حل الدولتين ويعطي زخمًا جديدًا للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

بالإضافة لذلك، سيمنع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي المزيد من التدهور في القضية الفلسطينية في ظل الانسداد التام في المفاوضات مع إسرائيل واتخاذ إسرائيل في السنوات الأخيرة خطوات أحادية الجانب دون أي دور عربي أو إقليمي أو دولي فاعل في ردعها.

من جهة أخرى، سيمنع الاتفاق إيران، وربما تركيا من استغلال الغضب الذي من المرجح أن ينتج عن عملية الضم لخدمة أهدافهما في المنطقة.

ومن النتائج المباشرة للتحرك الإماراتي، وفق هذه الرؤية، حماية الأردن من الاهتزازات الأمنية، التي كانت ستحصل نتيجة قيام إسرائيل بعملية الضم،  واضطراره إلى اتخاذ ردٍ قاسٍ، حيث لم يستبعد بعض السياسيين الأمريكيين إمكانية إقدام العاهل الأردني( الملك عبد الله) على تعليق معاهدة السلام التي وقَّعها الأردن مع إسرائيل قبل (25) عامًا في حال ضم الحكومة الإسرائيلية غور الأردن، إلى جانب إمكانية تزايد الضغوط من قبل كثير من الأردنيين؛ لإلغاء صفقة الغاز مع إسرائيل. بالإضافة إلى إزاحة لعبء أمني وإستراتيجي من الممكن أن تعاني منه مصر فيما لو ضمَّت إسرائيل مزيدًا من الأراضي الفلسطينية.

ووفق هذه الرؤية، فإنَّ اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل تتساوى مع مبادرة السلام العربية، وليست خروجًا عنها، فالأمر هنا تغيَّر في الأدوات والسياق أكثر منه تغيُّرًا في المبادئ أو تنازلًاعن الأهداف الأساسية.

2-عكس التهديد الواقع على الخليج العربي:

لم يكن سرًا، أنَّ دول الخليج العربي تحمّلت في العقد الأخير ضغوطًأ هائلة نتيجة انهيار البيئة الأمنية العربية، وانكفاء الدول العربية وخاصةً الفاعلة والمؤثرة منها( مصر وسورية والعراق) إلى معالجة أوضاعها الداخلية، الأمر الذي زاد من ثقل المسؤولية على كاهل دول الخليج، وقد استهلكت أزمات العالم العربي القوّة المالية والدبلوماسية لهذه الدول التي سعت إلى إخراج العالم العربي من هذه الأزمة بأقل قدر من الخسائر.

 بيد أنَّ هذه الدول واجهت تهديدات مباشرة من قبل إيران التي حاولت بكل طاقتها الاستثمار بالمعطيات الإقليمية والمتغيرات الدولية من أجل إحداث واقع جديد في الخليج العربي يتيح لها السيطرة على مقدراته، وذلك عبر العبث بأمن هذه الدول وخلق أوضاع أمنية وسياسية مضطربة تتيح لها تكرار تجربة تدخلها في اليمن والعراق، وقد وظَّفت إيران إمكانيات هائلة في هذا المجال، كما سعت إلى تطويق دول الخليج ببؤر عدم الاستقرار وصناعة الميليشيات التي أعلنت أكثر من مرّة أن الخليج سيكون هدفًا قادمًا لها.

وقد استطاعت الإمارات العربية والبحرين عبر اتفاقية السلام، عكس المخاطر الإيرانية، وتحويل البيئة الأمنية من فرصة للهيمنة الإيرانية إلى مخاطر ستردعها عن مساعيها في تهديد دول الخليج، حيث يُشكّل الإنفاق صداعًا إستراتيجيًّا على إيران، سواء لجهة امتلاك الإمارات العربية طائرات اف (35)، أو نتيجة التحالف الأمني مع إسرائيل، وهو ما يوسّع خيارات دول الخليج العربي ويُقلص هامش المناورة لإيران.

3-كسر دائرة دول الجوار المعادية للعرب:

 فقد شكّل وجود ثلاث دول إقليمية معادية للعالم العربي، ضغطًا إستراتيجيًا هائلًاعلى الأمن الإقليمي العربي، كما طفت على السطح مشاريع جيوــ إستراتيجية وبرامج متنافسة لدول غير عربية في المنطقة العربية، حيث استفادت تلك الأطراف من التحولات الجوهرية الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، ومن اختلاف الرؤى والمصالح والأولويات والتهديدات بين الدول العربية.

وكان من شأن هذه الصيرورة في حال استمرارها، إضعاف القيمة الإستراتيجية للعالم العربي الذي سيضطر إمَّا للّجوء لطلب الحماية الدولية، وإمَّا الخضوع للقوى الإقليمية، فضلًا عن استنزاف قدراته وتشتتها في مواجهات على جبهات عديدة.

ويُشكّل تحييد إسرائيل وإخراجها من هذه الدائرة، بالإضافة إلى استثمار خلافها مع إيران، وبدرجةٍ أقل مع تركيا، تخفيف حدة الضغط الإستراتيجي الواقع على العالم العربي، وبخاصةٍ دول المركز في الخليج والمشرق، وفرصة لتفكيك المخاطر الأخرى، وقد عكست النبرة الغاضبة لكل من تركيا وإيران لاتفاق السلام مع إسرائيل إدراك هذه الأطراف للمعادلة الجديدة في المنطقة.

4-تحوّل إستراتيجي على صعيد المنطقة.

يطمح صانع القرار في الإمارات العربية إلى توسيع إطار العلاقات مع إسرائيل؛ لتصبح ذات صيغة إقليمية قادرة على إحداث التحول الإستراتيجي المتوقع منها، سواء على صعيد تقوية الأمن والاستقرار أو على صعيد تحسين نمط حياة الناس والشعوب، الأمر الذي يجعل منطقة الشرق الأوسط تلحق بالمناطق الأخرى التي استطاعت أن تطور دولها من خلال آليات الحوار والتفاهم بما انعكس إيجابًا على استقرارها ونمائها.

وجهة النظر هذه يؤيدها تيار نخبوي إماراتي، ومراكز دراسات قريبة من صانع القرار، إنطلاقًا من فرضية أنَّه كلما زاد حجم المعاملات بين الوحدات السياسية في إقليم ما زادت فرص بناء الثقة بين النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء النخب الرسمية أو غير الرسمية، وزادت أيضًا فُرَص تشكيل مصالح مشتركة بين هذه النخب، مستشهدة بتجربة إقليم جنوب شرقي آسيا الذي استطاع تحيِيد الصراعات والنزاعات الحدودية العديدة بين وحداته السياسية لمصلحة التركيز على قضايا التنمية والتعاون الاقتصادي، ما أدى إلى خلق مصالح ضخمة مشتركة بين دول المنطقة، ساهمت في النهاية في تحجيم فرص الصراع العسكري وبناء تجارب تنموية ناجحة.

وفي الختام: لا يمكن القطع بأنَّ هذه الآمال المعقودة على اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل سيتم تحقيقها أوتوماتيكيًا، سيعتمد الأمر بدرجة كبيرة على قدرة الدول العربية توظيف قدراتها ومعرفة كيفية استثمارها في العلاقة مع إسرائيل، سواء لخدمة القضية الفلسطينية، أو تحقيق أهدافها الأمنية ومصالحها السياسية.  

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى