2020العدد 184ملف عربي

مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة (جو بايدن)

مقدمة:

عقدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في وقت شهدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية حالة غير مسبوقة من الاستقطاب السياسي والثقافي في التاريخ الأمريكي منذ فترة الحرب الأهلية. وكانت انتخابات هذا العام أول انتخابات رئاسية تأتي في ظل أزمة صحية وطنية قاتلة منذ الأنفلونزا الإسبانية في عام ١٩١٨ م، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية على غرارِ أزمة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن المُنصرم، والتي أدَّت إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الأمريكيين إلى مستويات غير معهودة من قبل.

وقد أجريت الانتخابات الرئاسية في سياق من التوتر العرقي والعنصري لم تشهده الأمة الأمريكية منذ حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن المُنصرم، في أعقاب التظاهرات التي تشهدها كبرى المدن الأمريكية بعد مقتل الأمريكي من أصل أفريقي (جورج فلويد) في مينيابوليس بولاية مينيسوتا في(٢٥ مايو ٢٠٢٠ م) على يد رجل شرطة أبيض، والتي لا تزال مستمرة لاستمرار عنصرية الشرطة الأمريكية ضد الأمريكيين السود، وتَحوُّل عديد من تلك التظاهرات إلى أعمال عنف، وصدام مستمر بين المحتجين ورجال الشرطة.

ومثلما عقدت الانتخابات الرئاسية في ظل حالة غير معهودة على الولايات المتحدة، فإنَّها شهدت تطورات غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي، حيث شكك الرئيس (دونالد ترامب) قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بأشهُرٍ وظهور المؤشرات بخسارته لتلك الانتخابات ــ في شرعية تلك الانتخابات ــ وقد صَرَّح أكثر من مرة باحتمالات أن تشهد تزويرًا، وصَرَّح أيضًا بعدم قبوله خسارته لها، هو ما حدث بالفعل مع تقدم ترامب في عديد من الولايات في بداية فرز الأصوات إلى صالح منافسه الديمقراطي(جو بايدن) مع بدايات فرز أصوات الاقتراع بالبريد؛ ليفوز (بايدن) بأصوات المجمع الانتخابي ويصبح الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، بينما يرفض ترامب الاعتراف بخسارته، وهو الأمر الذي جعل الديمقراطية الأمريكية أمام جملة من التطورات غير المسبوقة في التاريخ الأمريكي.

يسعى كل رئيس أمريكي جديد ــ تقريبًا مع بداية إدارته ــ إلى إحداث تحولات في السياسة الخارجية لإدارته ــ ولا سيما إذا كان من حزب مختلف لسلفه، ولهذا يتوقع أن تُحْدّث إدارة (جو بايدن) الديمقراطية تغييرات في مقاربات السياسة الخارجية الأمريكية بالعودة مرة أخرى إلى المحددات والرؤى التقليدية بعد أربع سنواتٍ من تبني إدارة (ترامب) لسياسة خارجية تتعارض مع القيم والمبادئ التي حكمت السياسة الخارجية الأمريكية لقرابة سبعة عقودٍ، ناهيك عن إخفاقاتها المتعددة في التعامل مع كثيرٍ من الأزمات الدولية.

وقد أشار (جو بايدن) ــ أكثر من مرة ــ خلال حملته الانتخابية إلى أنَّه سيتبنى بعض التغييرات الرئيسية لسياسات (ترامب) الخارجية إستنادًا على خبرته في قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، والتي صقلها خلال توليته منصب نائب الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما) وبمجلس الشيوخ ورئاسته للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس. 

مقاربات إدارة (بايدن ) للسياسة الخارجية الأمريكية:

يخطط المرشح الديمقراطي(جو بايدن) ؛لإنهاء أربع سنواتٍ من السياسة الانعزالية للولايات المتحدة خلال إدارة ترامب تحت شعار “استعادة القيادة الأمريكية”، حيث يرى (بايدن) أنَّ إستراتيجية (أمريكا أولًا) التي حكمت السياسة الخارجية للإدارة الجمهورية الحالية جعلت أمريكا وحدها، ولا سيما بعد رفض ترامب للتعددية الدولية وإضعافه للتحالفات والشراكات الأمريكية، وتقويضه لمعايير حقوق الإنسان، وشنه حربًا على مؤسسة السياسة الخارجية داخل حكومته، ومهاجمة إجماع الحزبين السابق على أنَّ الولايات المتحدة لديها واجب فريد؛ لقيادة نظام دولي قائم على تعزيز الحرية وحقوق الإنسان وحكم القانون.

وفي هذا السياق أشار (‏أنتوني بلينكين) وزير الخارجية الأمريكي السابق إلى أنَّ فوز المرشح الديمقراطي وهزيمة (ترامب) سيرسل رسالة قوية إلى العالم مفادها “أنَّ السنوات الأربعة لحكم الأخير كانت انحرافًا في السياسة الخارجية الأمريكية، وأنَّها لا تمثل الولايات المتحدة وما تطمح إليه”. وقد قال (بايدن) ــ خلال حملته الانتخابية ــ: “‏أنَّ أحد أول الأشياء التي سيفعلها إذا تم انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة في ( ٣ نوفمبر) ‏هو الاتصال برؤساء الدول وإبلاغهم بعودة الولايات المتحدة وأنَّهم يمكنهم الاعتماد عليها”.

وفي توجه معارض لتوجهات ‏الرئيس (ترامب) القائمة على مقاربة (أمريكا أولًا) وعدائه الصريح للمنظمات الدولية متعددة الأطراف، والتي انعكست في قراراته بسحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو)، وإخراج الولايات المتحدة من اتفاقية (باريس)؛ لتغير المناخ ــ يتبنى (بايدن) وفريقه الرئاسي سياسة خارجية تؤكد على قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي ومؤسساته التي أسستها واشنطن في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تعهد بعودة منظمة الصحة العالمية، وإعادة إحياء الشركات والتحالفات الأمريكية في أوروبا وشرق آسيا والتي كانت حجر الأساس للسياسة الخارجية الأمريكية لعقود، والتي عمل (ترامب) على ازدرائها، وبناء الولايات المتحدة شبكة من الحلفاء والشركات تساعدها في مواجهة التحديات العالمية ، ولا سيما السلوكيات التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان من جانب الصين والتزام الولايات المتحدة بالاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية (باريس) لتغيير المناخ.

وقد تبنى (بايدن) خلال حملته الانتخابية موقفًا صارمًا من الصين؛ لاستمرارها في سرقة التكنولوجيا والملكية الفكرية للولايات المتحدة، وإجبار الشركات الأمريكية على التخلي عن ذلك من أجل القيام بأعمال تجارية في الصين، وينظر (بايدن) إلى (بكين ) بشكلٍ متزايد على أنَّها ليست شريك محتمل بل كمُنافس رئيس للولايات المتحدة، ومن ثم تمشّيًّا مع سياساته القائمة على التعددية ــ وعلى النقيض من (ترامب)  سيسعى (بايدن) إلى بناء جبهة موحدة من الأصدقاء والشركاء؛ لتحدي سلوك الصين التعسفي.

ويتوقع أن تشهد العلاقات الأمريكية ــ الروسية مرحلة جديدة من التوتر خلال الإدارة الديمقراطية الجديدة، حيث كان (بايدن) أثناء شغله لمنصب نائب الرئيس الأمريكي منتقدًا لاذعًا لسياسة الكرملين، ناهيك عن أنَّ (بايدن) كان أحد أبرز المدافعين عن توسع (حلف الناتو)، فضلًا عن قيامه بمجهودٍ كبير في دعم (أوكرانيا)؛ للخروج من تحت السيطرة والنفوذ الروسي وتعزيز العلاقات بين( كييف وواشنطن).

وخلال حملته الانتخابية صرح (بايدن) :”بأنَّ روسيا تمثل الخطر الإستراتيجي الرئيس على الأمن القومي الأمريكي، وهو ما يعد عاملًا إضافيًّا ؛ لتوتر العلاقات بين البلدين”. كما أكَّدت نائبة الرئيس (كامالا هاريس) على:” أنَّها ستقف باستمرار في وجه (بوتين) للدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون الدولي”. كما شدد (أنتوني بلينكين) وزير الخارجية المرتقب على: ” أهمية تقويض روسيا سياسيًّا في المجتمع الدولي وعزلها سياسيًّا”. كما قام مستشار الأمن القومي المتوقع( جيك سوليفان) بالحديث عن “ضرورة وضع نهج أكثر صرامة تجاه روسيا”.

ويثير حديث (بايدن) المستمر عن ضرورة استعادة علاقات التحالف الوثيق مع شركاء الولايات المتحدة الدوليين والإقليميين قلق روسيا؛ لأنَّ ذلك يُعني أنَّ إدارة (بايدن) تعتزم السعي؛ لتعزيز المكانة الدولية القيادية للولايات المتحدة، وهو بالتأكيد ما لا يتوافق مع طموحات ورغبات (موسكو) ؛ مما يعني أنَّ العلاقات الأمريكية ــ الروسية مرشحة لأن تتعرض لتوترات شديدة خلال الفترة القادمة.

وبعد سنوات من توتر العلاقات الأمريكية ــ الأوروبية خلال إدارة الرئيس (دونالد ترامب)، فإنَّ( بايدن) يسعى إلى استعادة التحالف الأمريكي ــ الأوروبي، وتحسين العلاقات بين بلاده والاتحاد الأوروبي كمؤسسة أوروبية رئيسة، حيث يعد (بايدن) من أشد المؤيدين للاتحاد الأوروبي، وإبقائه متماسكًا ومستقرًا؛ لأن ذلك ينعكس إيجابيًا على تعزيز واستقرار مصالح الولايات المتحدة وهو الأمر الذي يقلق بريطانيا، التي تسعى للخروج من الاتحاد الأوروبي. ويسعى (بايدن) خلال إدارته إلى زيادة تنسق الولايات المتحدة وأوروبا جهودهما للوصول لحل للأزمة الإيرانية وكذلك الدفع نحو عقد الحوارات الإقليمية حول( العراق وسوريا واليمن ولبنان).

السياسة الخارجية لإدارة (بايدن) تجاه الشرق الأوسط :

من المرجح أن تشهد السياسة الخارجية للإدارة الديمقراطية الجديدة تجاه الشرق الأوسط جملة من التغييرات عن تلك التي شهدتها خلال إدارة الرئيس (ترامب)؛ لكونها مثلت قطيعة ــ حسب رؤى الديمقراطيين ــ مع سياسات أمريكية تقليدية للولايات المتحدة تجاه المنطقة، فضلًا عن أنَّها أخفقت في حماية الأمن القومي والمصالح الأمريكية بالمنطقة، وزادت من حدة عدم الاستقرار والأمن الإقليمي بالشرق الأوسط، وتعقيد أزماته وتحدياته.

وتتمثل أبرز ملامح السياسة الخارجية للإدارة الديمقراطية الجديدة برئاسة ( بايدن) تجاه قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط، فيما يلي:

أولًا: البرنامج النووي الإيراني: يُعارض (بايدن) وفريقه المقترح للسياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي ــ توجهات الرئيس (ترامب) تجاه إيران وبرنامجها النووي، حيث يرون أنَّ الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني لعام ٢٠١٥ م، وإعادة فرض العقوبات في إطار إستراتيجية (الضغوط القصوى) على النظام الإيراني؛ لإرغامه على القبول بالتفاوض مع الإدارة الأمريكية على اتفاق جديد، فشل في كبح جماح مناورات إيران في الدول المجاورة لها، وأنَّها أدَّت إلى إنهاء الضمانات ضد تصنيع إيران لقنبلة نووية، التي وُضِعت في الاتفاق الذي تفاوضت عليه إدارة (أوباما).

وفي مقابل نهج إدارة ترامب الذي يصفه (جو بايدن) بـ (الفشل الخطير) ذكر:” أنَّه سيقدم لإيران طريقًا موثوقًا به للعودة إلى الدبلوماسية”. ومن المحتمل أن يحصل على دعم أكبر من الحلفاء الأوروبيين الذين يعارضون مقاربات ترامب لقضايا السياسة الخارجية الأمريكية والأزمات والصراعات الدولية.

وفي إطار مساعي الديمقراطيين لتهدئه التوترات مع إيران قال( بايدن): ” إنَّ واشنطن ستعود للانضمام إلى الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ م ــ طالما عادت طهران إلى (الامتثال الصارم) لبنوده بعد أن زادت من أنشطتها النووية ردًا على عقوبات (ترامب) الشديدة ضدها، في حين يؤكد النظام الإيراني: ” أنَّه مستمر في الالتزام بالاتفاق الذي لا يزال مدعومًا من الحكومات الأوروبية وروسيا والصين”.

بيد أنَّ عديد من مستشاري (بايدن) للسياسة الخارجية يقولون: ” إنَّه لم يقرر بعد كيفية معالجة المخاوف الإقليمية الإيرانية، ولكنه يدرس إمَّا إعادة التفاوض على الصفقة النووية لعام ٢٠١٥ م؛ لتضم ملفات جديدة مثل برنامج إيران (للصواريخ الباليستية)، ودورها المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، أو الموافقة على مسار مواز لمعاجلة مخاوف الدول الخليجية، وأضاف مستشاروه: “أنَّه لن يكون هناك اندفاع لتأمين اتفاق مع طهران فيما يحتمل أن يكون عملية معقدة”.

ثانيًا: العلاقات الأمريكية ــ الخليجية: يتعهد (بايدن) بإعادة تقييم العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والدعم الأمريكي للحرب التي تقودها في اليمن، حيث قال:” إنَّه سيستجيب لدعوات الكونجرس؛ لإنهاء المساعدات الأمريكية للعمليات العسكرية السعودية في اليمن بغض النظر عن أن تلك العمليات قد تمت تحت إشراف إدارة الرئيس (باراك أوباما)، والتي كان يشغل فيها المرشح الديمقراطي منصب نائب الرئيس”.

وعلى الرغم من معارضة (بايدن) للعديد من سياسات الدول الخليجية إقليميًا، وتراجع أهمية النفط الخليجي للولايات المتحدة ــ حيث أصبحت واشنطن أقل اعتمادًا على واردات النفط من الشرق الأوسط مما كانت عليه في الماضي، ووعد (بايدن) بإصلاح نظام الطاقة الأمريكي، ووَضع قضية تغيير المناخ على أجندة الإدارة الجديدة ــ فإنَّه قد دعا إلى إعادة ضبط العلاقات مع الدول الخليجية، ومساعدة شركاء الولايات المتحدة الخليجيين على مواجهة التهديدات الأمنية والتوترات الإقليمية، وكذلك مساعدتهم في التحديث السياسي والعسكري والاقتصادي؛ ذلك لكون دول الخليج العربي شريك مهم للولايات المتحدة، ولا سيما بعد اتفاقيات السلام بين الدول الخليجية وإسرائيل، والشركات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وعديد من دول الخليج العربي، ودور تلك الدول الحيوي في استقرار المنطقة.

ثالثًا: الانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط: يدعو (بايدن) إلى ضرورة إنهاء عقدين من الحروب الأمريكية اللانهائية في منطقة الشرق الأوسط، وينتقد إخفاقات الرئيس (ترامب) في إنهاء تلك الحروب، وزيادة الانتشار العسكري الأمريكي للقوات الأمريكية في المنطقة وزيادة مهامها؛ مما فاقم من التوترات الإقليمية التي عرضت حياة الأمريكيين ومصالحهم للخطر بحسب تصريحات (بايدن) وعديد من المسئولين الديمقراطيين.

وفي الوقت الذي يدعو فيه (بايدن)؛ لإنهاء الحروب الأمريكية الطويلة في منطقة الشرق الأوسط، ومعارضته عندما كان نائًبا للرئيس (أوباما) إضافة مزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان، يقول:”إنَّه كرئيس سيسحب القوات المقاتلة لصالح قوات العمليات الخاصة، وذكر أنَّه لا يمكنه الوعد بانسحاب كامل من أفغانستان والعراق أو سوريا في المستقبل القريب”. ويدعم (بايدن) وجود عسكري أمريكي صغير ومحدود ومركز؛ لتدريب شركاء الولايات المتحدة في (سوريا والعراق)، وكذلك القوات الكردية الحليفة للولايات المتحدة حتى تتمكن من مجابهة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيمي (القاعدة و داعش)، ومنعهما من استعادة نفوذهما مجددًا بالشرق الأوسط.

رابعًا: الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي: لا يختلف المرشح الديمقراطي مع الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) حول الدعم الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل، وتأييد دفاعها عن نفسها، والحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، لكنه يختلف معه حول مقاربته لعملية السلام الفلسطينية ــ الإسرائيلية، حيث تبنى (ترامب ) نهجًا تجاه عملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية كان في صالح اليمين الإسرائيلي بالكامل. وفي المقابل يدعو (بايدن) إلى استعادة الولايات المتحدة دورها كوسيط؛ لإرساء سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط قائم على حل الدولتين، ووضع حدًا لاحتضان الولايات المتحدة العميق لرئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، وسياساته للضم الأحادي لأجزاء من الضفة الغربية والتوسع الاستيطاني، التي من شأنها تقويض آفاق حل الدولتين، ولكنه في الوقت ذاته لا ينوي التراجع عن قرار الرئيس (ترامب) بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

كما يدعو (بايدن) إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية ــ الفلسطينية، والمساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي ألغاها الرئيس (ترامب)، بما يتفق مع القانون الأمريكي، والسماح بإعادة فتح القنصلية الفلسطينية ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

خامسًا: العلاقات الأمريكية ــ التركية: انتقد (بايدن) طول حملته الانتخابية بشدة تركيا ومعاملة (ترامب) اللينة للرئيس التركي (رجب طيب أردوغان)، وقد َصرَّح المرشح الديمقراطي قبل فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لمحررين من صحيفة (نيويورك تايمز) بضرورة تبني نهج أمريكي جديد ضد الرئيس التركي، الذي وصفه بـ (المستبد)، وكذلك دعم أحزاب المعارضة التركية؛ لتكون قادرة على التغلب على (أردوغان) وهزيمته خلال العملية الانتخابية وليس من خلال انقلاب.  

ومن غير المرجح أن يوقف (بايدن) حملة العقوبات التي تلقي مزيدًا من الزخم داخل مجلسي الكونجرس (مجلس الشيوخ والنواب)، وأن يزيل التعديل بقانون تفويض الدفاع الوطني لهذا العام الذي يقوض قدرة الرئيس على إعفاء تركيا من العقوبات بموجب قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة عبر العقوبات، والذي يركز على إحباط المبيعات العسكرية الروسية.

عقبات أمام (بايدن) لإحداث تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية:

إن جهود الإدارة الديمقراطية الجديدة بقيادة (جو بايدن) قد تواجه بتحديات عدة لإحداث تحولات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ لمعاجلة الضرر الذي أحدثته إدارة (دونالد ترامب) خلال الأربع سنوات الماضية، والتي يمثل أبرزها فيما يلي:

أولًا: إنَّه ليس من السهل التراجع عن الكثير مما فعله (دونالد ترامب) خلال السنوات الأربع الماضية، حيث تغيرت العلاقات مع كل من (حلفاء الولايات المتحدة وخصومها)، وفي بعض الحالات تغيرت بشكلٍ يصعب تغييرها في المستقبل المنظور. وتتوقع بعض التحليلات الأمريكية أنَّ محاولات إصلاح (بايدن) السياسية الخارجية الأمريكية بعد سنوات حكم (ترامب)، التي ركَّزت بشكلٍ كبير على المصالح الأمريكية الذاتية ضمن إستراتيجية (أمريكا أولًا)، ورفض التعددية الدولية والشركات التي أسستها الولايات المتحدة في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية وشنه حربًا على مؤسسة السياسة الخارجية داخل حكومته، سيحتاج عقودًا من الزمن لإصلاح المؤسسات التي أضر (ترامب) بها عمدًا داخل الحكومة الأمريكية وحول العالم.

ثانيًا: إنَّ التحديات والأزمات الداخلية التي واجهتها الولايات المتحدة خلال إدارة (ترامب)، والتي تصدرت الاستحقاق الانتخابي لعام ٢٠٢٠ م، ستدفع (بايدن) إلى التركيز في بداية إدارته؛ لإعادة ترتيب الداخل الأمريكي ــ ولا سيما مع رؤية المرشح الديمقراطي أنَّ هناك ترابطًا بين السياسة الداخلية والخارجية، وأنَّ استعادة دور الولايات المتحدة في العالم والدفاع عنه سيتطلبان أولًا معالجة التحديات الداخلية؛ لاستعادة الولايات المتحدة قواتها مجددًا، وأنَّ أوجه القصور في الداخل تهدد بشكلٍ مباشر قدرة واشنطن على إبراز القوة وممارسة النفوذ في الخارج.

ثالثًا: سيعمل الجمهوريون ــ في حال استمرار احتفاظهم بالأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي بعد فوز المرشحين الجمهوريين على مقعدي (ولاية جورجيا) في الانتخابات التي ستجري في ( ٥ يناير ٢٠٢١ م)ــ على فشل جهود الرئيس (بايدن)؛ لإحداث تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث سيحتاج (بايدن) إلى فريق كامل من المسئولين الذين يتم تأكيد تعيينهم بمجلس الشيوخ للانتشار في جميع أنحاء العالم؛ لتنفيذ رؤيته للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة.

وفي محاولة لتجنب إعاقة مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية ترشيحات الرئيس (بايدن) لمناصب عليا بإدارته، فإنَّه قد اختار الشخصيات لمناصب عليا بالإدارة الأمريكية بعناية، بحيث لا يتضمن تاريخها السياسي تصريحات أو سياسيات تثير معارضة المشرعين الجمهوريين، ولذلك قد لا يحتاجون إلى وقتٍ كبيٍر إلى المناقشة داخل المجلس في وقت تحتاج فيه الإدارة القادمة إلى التعامل مع التحديات الخارجية وإرث (ترامب) منذ اليوم الأول لها.

الخاتمة:

على الرغم من أنَّ (بايدن) في حال فوزه في نوفمبر المقبل سيكون أبطأ في التعامل مع الشرق الأوسط مما يتوقعه البعض؛ لأن المنطقة ستكون ذات أولوية منخفضة للإدارة الجديدة التي ستركز على التعامل مع جائحة كوفيد-١٩ ببعديها الداخلي والخارجي والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا وأوروبا والأمريكيتين، فإنَّه سيسعى إلى إصلاح الأضرار التي سببها (ترامب) في الشرق الأوسط، حيث يري (بايدن):” أنَّ ‏سياسيات إدارة (ترامب) في المنطقة خلال السنوات الماضية ‏زادت من مخاطر الحرب في المنطقة وسمحت لإيران بإعادة تشغيل برنامجها النووي، وجعلت آفاق السلام الفلسطيني ــ الإسرائيلي بعيدة بشكل متزايد”، ‏ويدعو (بايدن) إلى إستراتيجية أكثر تماسكًا؛ لإنهاء الحروب اللانهائية في المنطقة والعودة إلى الخيار الدبلوماسي للتعامل مع أزمات المنطقة ــ ولا سيما مع طهران ــ .

ومع وعد الرئيس المنتخب( بايدن) بتبني سياسات خارجية تختلف عن تلك التي تبناها الرئيس (ترامب) ،والتي كانت قائمة على مبدأ (أمريكا أولًا) والتي تسببت في تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميًا، فإنَّ (بايدن) قد يقوم بالبناء على سياسات (ترامب)؛ لتحقيق إنجازات في عديد من ملفات السياسة الخارجية التي سيولي لها أهمية خلال فترته الرئاسية، ولا سيما بعد نجاحه في تحقيق تغييرات في بعض الملفات الجامدة في المنطقة منذ سنوات، حيث قد يوظف العقوبات الشديدة التي أعاد (ترامب) فرضها على إيران ــ  على سبيل المثال ــ ؛ لإرغامها على التفاوض على ملفات لم يتم إدراجها في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام ٢٠١٥ م، ولاسيما أنَّه يتخللها بعض العيوب التي تفرض على الإدارة الجديدة إصلاحها وتضمنها بنود تقوض من النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، وقد سيستفيد (بايدن) من التعريفات والقيود التي فرضها (ترامب) على بكين، والتي أكسبت الولايات المتحدة نفوذًا كبيرًا؛ وذلك لتحقيق علاقة أكثر توازنًا معها، بحيث لا تضر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية.

اظهر المزيد

عمرو عبدالعاطي

باحث متخصص في الشئون الأمريكية-موسسة الأهرام-القاه...

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى