2024العدد 197ملف عربي

تحركات إثيوبية تقوِّض الأمن والاستقرار في الإطارين: العربي والإفريقي

في إطار مواصلة إثيوبيا للنهج  القائم على التصرفات الأحادية، وفرض الأمر الواقع،  شهدت أديس أبابا (عاصمة إثيوبيا) في أول يناير من عام 2024، التوقيع على” مذكـــرة تفاهــم للشــراكة والتعــاون” بين رئيس إقليم أرض الصومال “موسى بيهي عبدي”، وبين  رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية “آبي أحمد”، لتحصل إثيوبيا بموجب المذكرة على ملكية حــق الانتفـــاع ” LEASE” لحوالي 20 كيلو متر لمدة 50 عامًا  من أرض الإقليم كميناء – منفذ بحري – بغرض إقامة قاعدة عسكرية وأنشطة تجارية، مقابل حصول أرض الصومال على 30 % من شركة الطيران الإثيوبية، والاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. وقد أثارت المذكرة قدرًا كبيرًا من القلق البالغ وحالة من التوتر الشديد بين (الصومال، وإثيوبيا)، وفي الإطارين (العربي، الإفريقي)، وخاصة منطقة القرن الإفريقي- شرق إفريقيا، والبحر الأحمر حيث قناة السويس “شريان حيوي دولي للاقتصاد العالمي”؛ لتشكل المذكرة إضافة لرصيد إثيوبيا التراكمي المزعزِع للأمن والاستقرار في تلك المناطق، ومردُّ ذلك، الوضعية القانونية لطرفي المذكرة من حيث التمتع بحق السيادة والأهلية من عدمه في إطار القانون الدولي، ومدى اتساق المذكرة من حيث الشكل والمضمون مع أحكام القانون الدولي والمواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة، بل ومع النهج الذي أتبعه طرفاها في إبرامها، القائم على التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع.

واقع الأمر، أن طرفي المذكرة هما (دولة إثيوبيا، وإقليم أرض الصومال)، وهو جزء من دولة جمهورية الصومال الفيدرالية، تتمتع الأولى بهذا الحق أي السيادة والأهلية، والثاني لا يتمتع بهذا الحق لكونه إقليم في دولة (جمهورية الصومال الفيدرالية)،  مما يفقد المذكرة أية شرعية قانونية وتعد باطلة   NULL & VOID، كما أنها تمثل انتهاكًا لسيادة تلك الدولة وتعد تدخلًا في شأنها الداخلي، بل وتعد نوعًا من أنواع العدوان بسلب جزء من أرض الدولة بطرق غير شرعية بما يستوجب درأه وإجهاضه بكافة الطرق والوسائل السلمية، وعند المقتضى بحق الدفاع الشرعي بمفهومه الوارد في إطار المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة في منظومة المجتمع الدولي.

واقع الأمر، أن الخلل الواضح في العلاقة التعاقدية بين طرفي المذكرة على النحو المتقدم، يتعزز أيضًا بأن متن المذكرة يوثق أساس العلاقة التعاقدية  “بالملكيــة “، وليست بالإيجارية؛ إذ أن حق الانتفاع “LEASE” ، هو أحد صور الملكية لجزء من الأراضي الصومالية، تحددت مساحته بعشرين كيلو متر تمارس عليه إثيوبيا “حــق السيـــــادة” اتساقًا مع تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي أمام البرلمان بأن المنفذ البحري المنشود “منفذًا سياديَّا”، امتلكته إثيوبيا بمقابل مادي قيمته 30 % من أسهم شركة الطيران الإثيوبية، ومقابل سياسي هو الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة؛ ليبدو الأمر وكأنه أضحى ” جزءًا من الأراضي الإثيوبية”؛ حيث تجسد في توظيف ذلك المنفذ كما ورد بالمذكرة في أغراض عسكرية بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية من جانب، وأخرى اقتصادية بممارسة أنشطة تجارية من جانب آخر.

وغنيٌ عن البيان، أن الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية لدولة حبيسة – ولديها أسطول بحري في البحر الأحمر يجري تحديثه، في تلك المنطقة من إقليم أرض الصومال التي تقع على مدخل خليج عدن والبحر الأحمر ذات الأهمية الإستراتيجية البالغة (اقتصاديًّا، وتجاريًّا، وأمنيًّا)_ يثير هواجس لنوايا عدوانية من جانب إثيوبيا تجاه دول الجوار؛ بسبب النهج الإثيوبي في هذا الصدد القائم على التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع، ذلك النهج الذي يعد نهجًا مبدئيًّا في تعامل إثيوبيا مع دول الجوار، والذي بموجبه ينكر حق السيادة المشتركة وبالتالي المصالح المشتركة مع تلك الدول، وينفرد بسيادة ومصالح ذاتية مطلقة، في مخالفة صريحة للمواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة، وقد تجسد ذلك في سوابق تعامل إثيوبيا مع كل من (كينيا، جيبوتي، إريتريا، الصومال، مصر) بصدد إنشاء سدود على أنهار دولية تنبع من إثيوبيا، في مخالفة صريحة وانتهاك واضح للمواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة، تلحق أضرارًا بدول المصب وعلى نحو يزعزع الأمن والاستقرار.

من ناحية أخرى، تمتد هذه الهواجس لتطال بدرجة أكبر دولًا أعضاء في مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر المعني أساسًا بالأمن والتنمية بتلك المنطقة، ومن بينهم (جيبوتي، وإريتريا، والصومال، ومصر، والسعودية)، مثلما يثير قدرًا كبيرًا من القلق وعدم الاستقرار في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، في ظل التوتر المتنامي والمتصاعد في الوقت الحاضر بكل منهما من جرَّاء العدوان الإسرائيلي على غزة ، وتطورات الأوضاع في (السودان، وليبيا، واليمن)، بل وفي الصومال أيضًا الذي يتعافى أمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا بما حققه من نجاحات على هذه الأصعدة خاصة في مواجهة الأنشطة الإرهابية لحركة الشباب الصومالية واتجاهه للتفرغ والتركيز على عملية التنمية. إن التواجد الإثيوبي في إطار تلك المذكرة وعلى النحو المتقدم يعد تواجدًا غير شرعي؛ فهي ليست في الأصل إحدى الدول المتشاطئة على البحر الأحمر مثلها في هذا الصدد مثل التواجد الإسرائيلي على البحر الأحمر، والذي جاء كل منهما عبر نهج توسعي غير شرعي يتأسس على التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع، وبالتالي فهو مصدر لزعزعة الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.

تدفع إثيوبيا في مواجهة ما يُثار بصدد أن يكون لها منفذ بحري سيادي، أولًا: بخلفية تاريخية على نحو يبدو وكأنه حق تاريخي تم إهداره وتسعى لاسترداده، بدعوى أنها كانت دولة بحرية قبل استقلال إريتريا وتتمتع آنذاك بمنفذ بحري مستدام وسيادي على البحر الأحمر. وثانيًا: بأن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تكفل للدول الحبيسة حق عقد اتفاقات مع الدول الساحلية للوصول إلى البحر والاستفادة من خدمات الموانئ. وثالثًا: بأن منطقة القرن الإفريقي تعج بقواعد عسكرية، وتضيف اعتبارات أخرى بأن إثيوبيا تعتمد حاليًّا على ميناء جيبوتي كمنفذ بحري يمر به 95 % من تجارتها مع العالم الخارجي، هذا فضلًا عن أن هذه الاتفاقية ليست الأولى بين أرض الصومال الانفصالي وطرف خارجي؛ فقد كان هناك اتفاق بين أرض الصومال مع شركة موانئ دبي العالمية عامي (2016، 2018)؛ لتشغيل مركز تجارى لوجيستي. وبأن إثيوبيا ستحاول من خلال الاتفاق الانضمام إلى مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر، والذي تأسس عام 2020، وتعزز إثيوبيا هذه الدفوع بأنها تأمل أن يتم تسوية الخلاف الحالي بأسلوب حضاري هادئ. واقع الأمر، أنها  في المجمل دفوع وحجج تدحض نفسها بنفسها وفاقدة لأي أسس قانونية أو الاحترام  لمبادئ سياسية دولية، ويكفي الإشارة إلى وجوب أن تكون العلاقة التعاقدية بين دولتين تتمتع  كل منهما بحق السيادة والأهلية، وما سيق من مبررات عن استقطاع جزء من دولة كمقابل  لدور تاريخي وعبر نهج أحادي يُعد اغتصابًا لجزء من أراضيها، ودعمًا لانفصال ذلك الجزء والاعتراف به كدولة، وانتهاكًا لسيادة الدولة الأم وتدخلًا في شأنها الداخلي وفي تعارض ومخالفة صريحة لمبدأ مستقر في إطار القانون الدولي وفي المواثيق والقواعد الأساسية للمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة، وهو احترام وحدة وسيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، كما أن النهج الإثيوبي المتبع للاعتراف بأرض الصومال من شأنه أن يفتح الباب أمام تشجيع أقاليم بدول على المطالبة بالانفصال، ودول على الاعتراف بهم كدول مستقلة مما يخلق حالة من زعزعة الأمن والاستقرار خاصة في القارة الإفريقية.

أما أرض الصومال، وقد كانت محمية بريطانية سابقًا تواجه مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، وأعلنت استقلالها عن الصومال بشكل أحادي عام 1991، لكن لم يعترف بها المجتمع الدولي، تدفع بأن  الحكومة المركزية تمارس سلطات محدودة وهشة على أرض الواقع حيث صومالي لاند حكوماتها وقواتها الأمنية، وعملتها الخاصة بها، ويقطن الإقليم  قرابة 4 مليون نسمة، معظمهم من عشيرة إسحاق، من أصحاب المذهب الشافعي الإسلامي السني / المعتدل، مثلما هو الحال في باقي دولة الصومال الذي يقطنه أربع عشائر رئيسة، مع أقلية البانتو التي تشارك جميعها في الانتخابات على أساس قاعدة  4.5  %، التي تجسد الهيكل العشائري للمجتمع الصومالي. وتأمل أرض الصومال أن تحذو بقية دول إفريقية حذو إثيوبيا في الاعتراف بها تأسيسًا على وجود مقر الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية، وما يتمتع به آبي أحمد من علاقات مع دول أعضاء هذا الاتحاد وكذا مع دول عربية بالخليج. واقع الأمر أيضًا، أن الدفوع والحجج التي تبرر بها  أرض الصومال لا تقف سندًا في دعم موقفها؛ إذ تسقط جميعها أمام أنها إقليم في دولة لا يتمتع بالأهلية وحق السيادة أي أنها لا تعد أحد أشخاص القانون الدولي، كما أنه طبقًا للدستور الصومالي جزء من الصومال، وتُجرى مباحثات بينه وبين الحكومة الصومالية بوساطة جيبوتية لتأكيد وضعيته في إطار دولة الصومال.

هذا ويرى بعض المراقبين أن التحرك الإثيوبي في هذا الصدد ارتبط بتحركها المثير أيضًا للقلق والتوتر باستضافتها لأحد أمراء الحرب في السودان “حمدان دقلو” المقرب من تلك الدولة، والتي تسعى إلى تعظيم تواجدها في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، بل ويرى هؤلاء أن حركة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة انتقدت الاتفاق وأجندة آبي أحمد التوسعية على نحو بدا معه الأمر اعتزام الحركة القيام بعمليات تجاه طرفي المذكرة في تعاون مع الدولة الصومالية، مما يزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.

إن موقف أرض الصومال المنشق، وكذا إثيوبيا، يتعارض تمامًا مع الموقف الإقليمي والدولي الذي لم يعترف بأرض الصومال؛ اتساقًا مع القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي المتضمن المحافظة على وحدة وسيادة واستقلال الدول الأعضاء وسلامة الأراضي الإقليمية، وكذا المبدأ الإفريقي الملتزم بالمحافظة على قدسية الحدود المتوارثة.

جمهورية الصومال الفيدرالية، دولة ذات هوية عربية إفريقية تقع في منطقة القرن الإفريقي بشرق إفريقيا، تمتلك ثروات طبيعية متنوعة غير مستغلَّة من بينها (البترول، واليورانيوم)، وتمتلك أطول سواحل بحرية في القارة الإفريقية 3330 كم ، اتسمت علاقات الصومال بإثيوبيا منذ استقلال الأولى عام 1960، وحتى عهد قريب بالتوتر والصراعات المسلحة؛ حيث شهدت تلك الفترة حربين بينهما كادت أن تحقق الصومال نصرًا في كل منهما لولا تدخلات عسكرية لقوى خارجية حالت دون ذلك. كما شهدت تدخلات إثيوبية في الصومال بدعوى مواجهة المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على معظم أقاليم الصومال، وشاركت في قوات الاتحاد الإفريقي تحت مظلة الأمم المتحدة لمحاربة حركة الشباب الصومالية. تم اقتطاع منطقة الأوجادين من الصومال وضمها إلى إثيوبيا إبان فترة السيطرة البريطانية على الصومال، وهو أمر لم يزل يعيش في وجدان الشعب الصومالي، ويتعزز إحياؤه بسعي إثيوبيا عبر النهج التوسعي المشار إليه باقتطاع جزء آخر من الأراضي الصومالية تمارس عليه حق السيادة وكأنه أرض إثيوبية.

جاء رد فعل جمهورية الصومال الفيدرالية رسميًّا وشعبيًّا قويًّا وحاسمًا وفوريًّا؛ فقد أصدر الرئيس الصومالي قرارًا بقانون بعد موافقة البرلمان الصومالي بغرفتيه على رفض المذكرة واعتبارها كأن لم تكن “NULL & VOID”، وأنها غير مشروعة ولا تتفق وأحكام القانون الدولي، والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، بما تمثله من انتهاك صارخ لسيادة الصومال وسلامته الإقليمية ومن مخالفة للمبدأ المستقر بالاتحاد الإفريقي على احترام قدسية الحدود المتوارثة عن الاستعمار. أما على المستوى الشعبي فقد شهدت العديد من المدن الصومالية مظاهرات وهتافات مناوئة لإثيوبيا تندد بالأطماع الإثيوبية وتتمسك بسيادة الصومال على أراضيه وأنها ليست للبيع، متضامنة مع موقف الحكومة وداعمة لها. وقد توجه الصومال بطلبات إلى كل من (الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيجاد)؛ لعقد اجتماع طارئ للنظر في التدخل السافر المرفوض وغير المشروع، والذي يمثل انتهاكًا لسيادة الصومال وسلامة أراضيه. وأكد رئيس الصومال أن ما قامت به إثيوبيا عمل عدواني، وأن تلك الخطوة ستعزز من تأثير الأفكار المتطرفة، داعيًا الشعب الصومالي إلى الاتحاد والدفاع عن الوحدة الإقليمية للبلاد والسيادة الوطنية. وقد أكد الرئيس الصومالي أن بلاده ستدافع عن أراضيها بشتى السبل القانونية الممكنة، وأنه لا وساطة أو مفاوضات قبل أن تلغي إثيوبيا الاتفاقية.

وقد أعربت الجامعة العربية عن تضامنها مع الصومال في رفض وإدانة المذكرة المتضمنة حصول الدولة الحبيسة على منفذ بحري على أرض الإقليم باعتبارها انتهاكًا لسيادة الدولة الصومالية وسلامة أراضيها، وهو موقف يؤكد على أن مذكرة الشراكة والتعاون باطلة وغير مقبولة، ورفض أي آثار مترتبة عليها سواء قانونية أو سياسية أو تجارية أو عسكرية، مع تأييد الجامعة العربية وتضامنها الكامل مع كافة الخطوات الدبلوماسية التي يقوم بها الصومال لمواجهة هذه الخطوة الخطيرة مشيرة إلى أن هذه الخطوة تدفع في اتجاه نشر الأفكار المتطرفة في وقت تقوم فيه الدولة الصومالية بجهود ضخمة لمواجهة الإرهاب. وقد أكد أمين عام الجامعة العربية على أن الاتفاق انقلاب صارخ على الثوابت العربية والإفريقية، ورفض أي اتفاق يخل أو ينتهك سيادة الدولة الصومالية.

كما أكد البرلمان العربي رفضه التام لأية محاولات تنتهك سيادة واستقلال ووحدة جمهورية الصومال الفيدرالية، مطالبًا إثيوبيا بالالتزام بالقوانين الدولية ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بما يحقق الأمن والاستقرار، وبأن الصومال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وشدد البرلمان العربي على دعم جمهورية الصومال الفيدرالية في أي إجراءات قانونية للحفاظ على استقراره وسيادته الوطنية على كافة أراضيه.

أما الاتحاد الإفريقي، فقد أكد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي على ضرورة احترام الوحدة والسلامة الإقليمية والسيادة التامة لكل الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي، مطالبًا الصومال وإثيوبيا الدخول في عملية تفاوضية بدون تأخير لتسوية خلافاتهما وحثهما على الامتناع عن أي إجراء قد يؤدي -عن غير قصد- إلى تدهور العلاقات الجيدة بينهما كجارتين في شرق إفريقيا. كما أكد على الالتزام القوي بالحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الدول الأعضاء، بشمولية الصومال لإقليم أرض الصومال المنشق، مع حث دولتي الجوار بالقرن الإفريقي اللجوء إلى حوار بنَّاء. أما مجلس السلم والأمن الإفريقي فقد ناشد الطرفين بضبط النفس وتجنب التصعيد والدخول في حوار بناء للتوصل إلى قرار سلمي.

وفيما يتعلق بموقف الإيجاد فقد تحفظ الصومال على موقف سكرتيره العام وطالب بأن يسحب مذكرته في هذا الصدد، الذي ركز على تسوية الخلاف عبر مفاوضات تُجرى بين الجانبين، وهو أمر قد يعكس النفوذ الإثيوبي في المنظمة. وقد تداركت جيبوتي – الرئيس الحالي للإيجاد- الأمر وأصدرت بيانًا بهذه الصفة يؤكد على احترام سيادة الدول ووحدتها وسلامتها الإقليمية.

أما الموقف الدولي، فجاء متوافقًا مع المواقف الإقليمية المشار إليها؛ فقد أكدت الولايات المتحدة وجوب احترام سيادة الصومال، وأنها تعترف بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة وسلامة أراضيها، وأعربت عن القلق العميق إزاء تفاقم التوترات في منطقة القرن الإفريقي، معارضة الاتفاق المبرم بين (إثيوبيا وأرض الصومال)، داعية إلى الانخراط في حوار دبلوماسي.

وتجسد موقف الاتحاد الأوروبي في بيان شدد على احترام سيادة الصومال، الذي يعد مفتاح السلام في القرن الإفريقي، مؤكدًا على دعم وحدة وسيادة واستقلال الصومال، ولافتًا النظر إلى أن الأمر له تأثيرات بشكل عام على البحر الأحمر (الممر الحيوي للتجارة العالمية). ولم يختلف موقف الصين التي أكدت ضرورة احترام سيادة الصومال واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه.

هذا النهج الإثيوبي قد ألقى بظلاله على موقف جيبوتي، التي قد تخسر اتصالًا بذلك الاتفاق أو تتأثر به بما يقرب من 1،5 مليار دولار جرَّاء تراجع التدفقات التجارية الإثيوبية عبر خط السكة الحديد بين البلدين، والذي ينقل 90 % من صادرات إثيوبيا إلى ميناء جيبوتي على البحر الأحمر، وعلى الرغم من أن توجه إثيوبيا إلى أرض الصومال للحصول على منفذ بحري يقلل من مخاوف إريتريا، التي كانت تخشى سعي إثيوبيا وربما إلى حد اللجوء إلى القوة للحصول على منفذ بحري سيادي في إريتريا_ إلا أن تواجد إثيوبيا في البحر الأحمر بقاعدة عسكرية وأسطول بحري أمرًا لا يلقى ترحيبًا من جانبها؛ لعدم شرعيته، وما يحمل من نوايا وأطماع إثيوبية.

وفيما يتعلق بالموقف المصري، فقد أكدت مصر على رفض الاتفاق باعتباره فاقدًا للشرعية ولأي أسس قانونية في إطار القانون الدولي والمواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة، كما أنه يعد تدخلًا في الشؤون الداخلية لدولة الصومال ويمس وحدة وسلامة أراضيه الإقليمية، وأكدت على ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيه ومعارضة أي إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية. وأوضحت أن إثيوبيا باتت مصدرًا لبث الاضطراب في محيطها الإقليمي، وأن السياسات الأحادية المخالفة لقواعد القانون الدولي ولمبادئ حسن الجوار، والتي تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع دون اكتراث بمصالح الحكومات والشعوب الإفريقية، من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار، ودعت مصر جميع الأطراف العربية والدولية للاضطلاع بمسؤوليتها في التعبير عن احترامها لسيادة الصومال ووحدة أراضيها.

أشارت مصر إلى أن الصومال دولة عربية لها حقوق طبقًا لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك لأي تهديد لها ولن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو يمس أمنها، كما أكدت على ضرورة احترام القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وما يتضمنه من حق الدفاع عن سيادة الدول ووحدة أراضيها واستقلالها، وأن مبادئ الاتحاد تنص على ضرورة احترام الحدود القائمة عند نيل الاستقلال وعدم تدخل أي دولة عضو في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

كان يمكن ولم يزل ممكنًا أن يتحقق هذا الهدف على نحو مشروع حال أن يكون  في إطار تعاون ثنائي على أساس من الاحترام المتبادل لسيادة الدول والمصالح المشتركة بينهم وفي اتساق مع القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة مع دول متشاطئة على البحر الأحمر، وهو ما يستوجب على إثيوبيا في ظل الموقف المشار إليه من المجتمع الدولي – الدول والمنظمات الإقليمية والدولية – أن تلغي الاتفاق، وأن تتخلى تمامًا عن النهج الأحادي وتلتزم باحترام المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية في إطار من المصالح المشتركة والأمن المتبادل، وتجنبًا لأن يتطور الأمر إلى لجوء الصومال بدعم عربي ودولي إلى استخدام حق الدفاع الشرعي. 

اظهر المزيد

د. صلاح حليمه

نائب رئيس المجلس المصرى للشؤون الإفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى