2024العدد 197ملف دولى

الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل وتداعياته على علاقاتها بالمنطقة وموقعها الدولي والأخلاقي

أحدثت عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، تحولًا في مواقف إدارة الرئيس جو بايدن من الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي سبق أن وصفها بأنها الأكثر يمينية وتطرفًا منذ عهد جولدا مائير. فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإحداث تحولات في سياساتها وتحركاتها الداخلية والخارجية، عبرت عن دعمها اللامتناهي للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي تتعارض مع القيم والمواثيق الدولية التي كثيرًا ما ادعت الإدارات الأمريكية (الجمهورية، والديمقراطية) الدفاع عنها، وخاصة في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢.

ملامح الموقف الأمريكي من الحرب على غزة:

بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، أجرى الرئيس الأمريكي وكبار أعضاء إدارته، وزيري الخارجية والدفاع، وكبار المسؤولين العسكريين، ومشرعين من الحزبين (الديمقراطي، والجمهوري) _ زيارات متعددة لإسرائيل صرحوا خلالها بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والتخلص من حركة حماس، وحركات المقاومة الفلسطينية، مع إشارات على استحياء لحماية المدنيين الفلسطينيين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. فعلى عكس الرؤساء الأمريكيين السابقين، الذين كانوا يحثون إسرائيل على ضبط النفس خلال الصراعات السابقة مع حركات المقاومة الفلسطينية، أكد بايدن أن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها، وأيَّد هدفها المتمثل في القضاء على حركة حماس، وقد أجرى زيارة تاريخية لإسرائيل في ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، حيث كانت أول زيارة يقوم بها رئيس أمريكي لإسرائيل خلال فترة “حرب” تخوضها، والتي مثلت أقوى إعلان أمريكي عن دعم إسرائيل.

وبجانب الدعم العسكري الأمريكي المباشر للعمليات العسكرية الإسرائيلية، التي أقرب إلى جرائم حرب وإبادة جماعية للفلسطينيين في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية، التي تعلن الولايات المتحدة الأمريكية أنها تدافع عنها باعتبارها القائد للنظام الدولي الراهن، الذي لعبت الدور الرئيس لتأسيسه في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٥_ أعلنت الإدارة الأمريكية عن تعزيز تواجدها العسكري في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط في إظهار للدعم العسكري الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل لحقها في الدفاع عن نفسها، والتأكيد على الالتزام الأمريكي بأمن حليفتها الإستراتيجية في المنطقة، ولردع “محور المقاومة” الموالي لإيران من شن هجمات ضد إسرائيل، أو المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ومنع توسع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى حرب إقليمية.

وقد منعت الولايات المتحدة الأمريكية مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة من استصدار قرار ملزم لوقف إطلاق النار؛ حيث استخدمت حق النقض ضد مشاريع القرارات المتعددة التي قدمت بالمجلس لوقف إطلاق النار؛ بحجة أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حركة حماس. وانطلق الموقف الأمريكي الرافض لوقف إطلاق النار في قطاع غزة من أنه سيتيح للحركة فرصة لإعادة تجميع صفوفها، وإعادة بناء مخزونها من الصواريخ، وإعادة تمركز مقاتليها في القطاع، وتكرار ما فعلته في السابع من أكتوبر الماضي، بحسب تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين، مقالة الرئيس جو بايدن في صحيفة واشنطن بوست في ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣، بعنوان “الولايات المتحدة لن تتراجع أمام تحدي بوتين وحماس”.

تداعيات الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل:

يحمل دعم إدارة الرئيس جو بايدن اللامتناهي وغير الأخلاقي العديد من التداعيات على الداخل الأمريكي، وكذلك على صورة ومكانة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في النظام الدولي، وكذلك على دورها وعلاقاتها بحلفائها في منطقة الشرق الأوسط. وتتمثل تلك التداعيات فيما يلي:

أولًا: التداعيات على الداخل الأمريكي:

زاد مستوى الانتقاد لسياسات الإدارة الأمريكية ليس داخل حزب الرئيس (الحزب الديمقراطي) من التيار التقدمي، ولكن داخل وزارة الخارجية الأمريكية أيضًا؛ حيث يعرب العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين سرًا عن شعورهم بالغضب والصدمة واليأس بسبب ما اعتبروه تأييدًا “أعمى” من جانب واشنطن لإسرائيل. وقد بعث عديد من موظفي الحكومة الفيدرالية من العاملين في أكثر من 30 وكالة فيدرالية على غرار: وزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الدفاع، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووكالة ناسا لعلوم الفضاء، فضلًا عن موظفي الكونجرس_ برسائل تُدين موقف الحكومة الأمريكية الداعم لاستمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة سواء عسكريًّا ومعنويًّا، وكذلك موقف الكونجرس الداعم للحرب، وتغاضيه عن حقوق الفلسطينيين، ضاغطين على الإدارة الأمريكية والكونجرس؛ لتبني نهجًا مغايرًا تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، وحقن دماء الفلسطينيين.

يرى بعض المشرعين الأمريكيين أن استمرار تقديم الأسلحة الأمريكية لإسرائيل ينتهك القوانين الأمريكية، بما في ذلك قانون “ليهي سميث”، الذي يتطلب بحث ما إذا كانت الأسلحة المستخدمة من قِبل الأطراف الخارجية تتسبب في “انتهاك حقوق الإنسان” أو “جرائم حرب”، وهو أمر لا يتحقق مع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل.

وسيكون لمواقف الإدارة الأمريكية من العمليات العسكرية الإسرائيلية تأثيرات على فرص الرئيس جو بايدن للفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات عام ٢٠٢٤؛ حيث كشفت عديد من استطلاعات الرأي الأمريكية عن تأثر شعبية الرئيس جو بايدن بشكل سلبي مع استمرار تصريحاته المتعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والدفع بكافة وسائل الدعم لتل أبيب؛ حيث تراجعت شعبيته وسط الناخبين الأمريكيين من أصول مسلمة، وبين الناخبين من أصول عربية، والذين صوَّتوا لصالحه في انتخابات عام ٢٠٢٠، وقد كشفت الاستطلاعات أن موقف بايدن ستدفعهم لدعم مرشح ثالث مستقل، أو عدم المشاركة في الانتخابات القادمة بشكل كامل.

ثانيًا: تأثيرات على مصداقية الولايات المتحدة وقيادتها للنظام الدولي:

لطالما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية رمزًا للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، لكن في ظل صمتها على جرائم إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين، وتغاضيها عن الانتهاكات الإسرائيلية للفلسطينيين، بما في ذلك قتل المدنيين، والتنكيل بالأسرى، واعتقال الأطفال، فإنها فقدت بريقها كدولة داعمة لحقوق الإنسان، فقد ألحق ذلك أضرارًا بصورتها في الأمم المتحدة كدولة قائدة في المنظمة الدولية لحماية المدنيين في مناطق النزاع، وتحقيق السلم والأمن الدوليين.

ينظر إلى استخدام الولايات المتحدة المتكرر لحق النقض (الفيتو) لمنع إصدار مجلس الأمن الدولي قرارات تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة_ على أنه موقفًا يحمي إسرائيل من المساءلة الدولية ويعوق الجهود الرامية إلى وقف تصعيد الصراعات التي تؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين على الجانب الفلسطيني، وهو ما سيؤدي إلى تنفير العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة تلك المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، والتي تنظر إلى واشنطن باعتبارها متحيزة وعقبة في طريق السلام، وتطبق معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والقانون الدولي متى لا يكون في صالحها أو أحد حلفائها، من مساندة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، التي عادة ما تركن لدعم هيمنتها على النظام الدولي والحفاظ على مصالحها وأمن حلفائها وشركائها، وفرض قيود على خصومها ومنافسيها تحت ذريعة انتهاكهم لحقوق الإنسان وتهديدهم للمدنيين عند دفاعهم عن مصالحهم وأمنهم القومي.

وقد أدى صمت الولايات المتحدة الأمريكية عن الانتهاكات الإسرائيلية والدعم اللاأخلاقي للعمليات العسكرية الإسرائيلية، إلى صعود دول أخرى تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان مثل: (روسيا، والصين)، والتي تصفها الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة على أنها دول غير ديمقراطية، ولا تحترم قضايا حقوق الإنسان والقوانيين الدولية، ولا سيما الأخير التي روجت واشنطن أنها تنتهك المواثيق الدولية الإنسانية باستهداف عملياتها العسكرية المدنيين والبنى التحتية في أوكرانيا، وهو ما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ولا تنتقده الولايات المتحدة بالقدر الكافي أو تضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين.

وقد استغلت روسيا والصين حالة الغضب الدولي من الدعم الأمريكي اللامحدود (سياسيًّا، واقتصاديًّا، ودبلوماسيًّا، وعسكريًّا) للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي، والقانوني الدولي الإنساني، وازدواجية الخطاب الأمريكي تجاه ارتفاع التكلفة الإنسانية للهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين مقارنة بالخطاب تجاه التكلفة الإنسانية للعمليات العسكرية الروسية ضد الأوكرانيين؛ لتعزيز مصداقيتها، ومكانتها كقوة كبرى صانعة للسلام، ودحض الرؤية الأمريكية بأنها قوى تعديلية في النظام الدولي، الذي ساهمت الولايات المتحدة في تأسيسه في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٥.

ويستغل خصوم الولايات المتحدة التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة؛ لانتقاد السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فقد ألقى عديد من المسؤولين الروس، وفي مقدمتهم الرئيس “فلاديمير بوتين”، باللوم على واشنطن لكون سياساتها في المنطقة كانت الدافع الرئيس للتصعيد الحالي في الأراضي الفلسطينية، ووصف بوتين الأزمة الحالية بأنها بمثابة فشل للسياسة الأمريكية في المنطقة. وانتقد وزير الخارجية الروسي إرسال الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، والإعلان عن استعداد آلاف الجنود الأمريكيين الذين سيتم إرسالهم للمنطقة، حيث يرى أن التحركات الأمريكية تلك لا تعمل على تهدئة التوتر العسكري بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مشيرًا إلى أن حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يستلزم بذل جهود جماعية.

ثالثًا: تداعيات على المصالح والوجود الأمريكي في الشرق الأوسط:

بينما تخطط الولايات المتحدة لتقليل الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في مقابل نقل عديد من الأصول العسكرية الأمريكية لمنطقة الإندو-باسيفيك؛ لمواجهة التحدي الصيني للوجود العسكري الأمريكي عالميًّا، فقد زادت واشنطن في أعقاب العملية العسكرية التي نفذتها حركة حماس بشكل كبير من وجودها العسكري في المنطقة، وهو ما دفع باحثين أمريكيين إلى الحديث عن أنه من الوهم تصور قدرة الولايات المتحدة على الانسحاب من منطقة هيمنت على أجندة الأمن القومي الأمريكي طوال نصف القرن الماضي. وقد أشارت عديد من التحليلات الأمريكية إلى أن العملية المسلحة التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل أعادت الشرق الأوسط إلى محور تركيز الولايات المتحدة مجددًا بعد سنوات من التراجع لصالح منطقة الإندو-باسيفيك.

وقد ألقى المدافعون من الباحثين والمحللين الأمريكيين عن مشاركة الولايات المتحدة المكثفة في منطقة الشرق الأوسط باللوم على سياسات الإدارة الأمريكية السابقة لتقليل الانخراط في المنطقة، والخطوات التي اتخذتها للانسحاب الأمريكي، أو التهديد به، في نشوب التصعيد العسكري الحالي بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية والتي قد تتحول إلى حرب إقليمية؛ حيث يرون أن التصعيد بين الإسرائيليين وحركة حماس، وكذلك تهديد الميليشيات الموالية لإيران للقواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا ستشكل منطقة الشرق الأوسط فيما بعد الانسحاب الأمريكي منها.

وسيكون للدعم الأمريكي لإسرائيل تأثيرات على وضع الولايات المتحد كوسيط نزيه في عملية السلام، فالتحيز الأمريكي تجاه إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى تآكل الثقة والمصداقية في جهود الوساطة الأمريكية بين الفلسطينيين والدول العربية الأخرى، ويمكن أن يعوق ذلك آفاق التوصل إلى حل مستدام وعادل للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث قد تكون الأطراف أقل استعدادًا للدخول في مفاوضات ييسرها وسيط متحيز. فقد أظهر استطلاع أجرته مؤسسة جالوب قبل الحرب الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة من يوليو إلى سبتمبر، أنه لم يكن لدى الفلسطينيين ثقة في الرئيس الأمريكي كوسيط عادل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث قال ٨٤٪ من الفلسطينيين إنهم ليس لديهم ثقة كبيرة في الرئيس الأمريكي “بايدن” للتفاوض على معاهدة سلام عادلة على قدم المساواة للفلسطينيين والإسرائيليين.

وقد تفاخر مستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” قبل أسبوع من عملية “طوفان الأقصى”، بما حققته الإدارة الأمريكية من جعل منطقة الشرق الأوسط أكثر هدوءًا مما كانت عليه قبل عقدين، وقد دلل على ذلك بالانخفاض الكبير في الوقت الذي يقضيه لبحث أزمات وصراعات المنطقة مقارنة بأسلافه، ولكن الدعم الأمريكي المطلق للعمليات العسكرية الإسرائيلية يعمل على تأجيج عدم الاستقرار في المنطقة، والتي لن تقتصر تداعياته عليها فقط، ولكن ستكون تأثيراته عالمية، ولا سيما مع الدور المهيمن للشرق الأوسط على أسواق الطاقة العالمية، فضلًا عن الصراعات العرقية والطائفية والأيديولوجية وعدم الاستقرار السياسي التي تخلقها مثل هذه الأزمات.

فقد استندت الميليشيات الموالية لإيران، في العراق وسوريا، للدعم الأمريكي المطلق للعلميات العسكرية الإسرائيلية في غزة؛ لشن هجمات مسلحة متعددة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، وتهديد الحوثيين لحركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، والتي دفعت الولايات المتحدة إلى شن ضربات عسكرية منفردة، وبالتحالف مع حلفائها ضد مناطق تمركز وكلاء طهران، ومخازن أسلحتهم، ومنصات إطلاق الصواريخ، والطائرات بدون طيار، التي تهدد المصالح والجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط -ولا سيما بعد أن أدى هجوم بطائرة بدون طيار على قاعدة الدعم اللوجيستي لشبكة الدفاع الأردنية، التي تضم نحو ٣٥٠ عنصرًا من القوات الأمريكية الذين يقدمون الدعم للتحالف الدولي من أجل الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش الإرهابي_ لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين.

ويُعد الدعم الأمريكي لإسرائيل أحد أهم أسباب الشعور المناهض للولايات المتحدة في العالم العربي؛ ففي ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها شريك في العدوان على الفلسطينيين، وقد أدى ذلك إلى تنظيم احتجاجات ضدها في العديد من الدول العربية بشكل دوري، وانتشار رسائل معادية للولايات المتحدة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، بالإضافة إلى تزايد شعبية الجماعات والتنظيمات المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي.

ترفض العديد من الدول الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، والتي لها دورًا مؤثرًا في الحفاظ على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وحرية الملاحة في البحر الأحمر، الانضمام إلى التحالف الأمريكي لحماية الملاحة الدولية في المنطقة، واستهداف الحوثيين في ظل الدعم الأمريكي اللاأخلاقي للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وإخفاق الإدارة الديمقراطية في الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، رغم مطالبة الدول العربية الولايات المتحدة بالضغط على تل أبيب لوقف استهداف المدنيين والبنى التحتية والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

وترفض العديد من الدول العربية الانضمام إلى الولايات المتحدة بسبب مخاوفها من أن يُنظر إلى ذلك الأمر على أنه تحالف مع الغرب ضد حركة حماس والفلسطينيين، ولا سيما مع إعلان الحوثيين أن الهدف من الهجمات المسلحة على السفن الإسرائيلية تقويض قدرة إسرائيل على تحقيق مكاسب من التجارة الدولية، في إعادة تزويد جيشها بالعتاد اللازم. وعدم التوصل إلى تحالف عربي واسع النطاق لدعم العمليات العسكرية الأمريكية، التي تستهدف الحوثيين، سيمثل تحديًّا كبيرًا لأي ضربات أمريكية وغربية مستقبلية ضدهم.

وبينما كان الرئيس جو بايدن يبذل جهودًا للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين (السعودية، وإسرائيل)، وهو الأمر الذي كان سيستغله للترويج خلال حملته الانتخابية، فضلا عن أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة تفرض قيودًا متعددة على الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو تفكر في تحسين العلاقات معها، حيث تواجه ضغوطًا متزايدة من شعوبها لقطع هذه العلاقات؛ بسبب الحرب الحالية بين (إسرائيل، وحماس). وقد شهدت العديد من الدول العربية احتجاجات حاشدة تعبر عن الدعم الشعبي للفلسطينيين، ما يضع الحكومات العربية في موقف محرج. ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية فإن تحقيق الإدارة الأمريكية مزيدًا من التطبيع العربي مع إسرائيل قد يتباطأ أو يتوقف لفترة من الزمن.

رؤية ختامية:

يخلق الدعم الأمريكي المطلق للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين، وتخلي الولايات المتحدة عن دعمها لصون حقوق المدنيين في مناطق الصراع، ورفض الاستخدام المفرط للقوة في الصراعات والأزمات، واستخدام القوة العسكرية في تناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، ومواثيق القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ورفض إصدار مجلس الأمن الدولي قرارًا يدعو لوقف إطلاق النار _ارتفاع المشاعر المعادية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ، كالتي ظهرت ردًا على السياسات الأمريكية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، والغزو الأمريكي للعراق في مارس ٢٠٠٣. ولن تتزايد كراهية الولايات المتحدة بين مواطني الدول العربية فقط، ولكن بين شعوب دول الجنوب – أيضًا– مع تصاعد ازدواجية المعايير التي تتبناها الولايات المتحدة عند التعامل مع قضاياهم وأزماتهم مقارنة بتلك التي تؤثر على الشعوب الغربية، وهو الأمر الذي كان جليًّا بالمقارنة بين الموقف الأمريكي من الحرب الروسية-الأوكرانية منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. 

والدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل يجعل الولايات المتحدة شريكة مع إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية؛ حيث يستخدم الجيش الإسرائيلي أسلحة أمريكية في استهداف المدنيين والمنشآت الحيوية كـ (المستشفيات، والمدارس، ودور العبادة)، وهو ما من شأنه عدم فاعلية الانتقادات الأمريكية والغربية للضربات العسكرية الروسية، التي تشير التقديرات الغربية والأمريكية إلى أنها تستهدف المنشآت الحيوية الأوكرانية.

ويخاطر الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، وعدم الضغط بالقوة الكافية لوقف عملياتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية التي تنتهك كل المواثيق الدولية، بتأجيج حرب إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، مع تزايد انخراط وكلاء إيران في تنفيذ عمليات مسلحة ضد الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة. ورغم التصعيد المحسوب، فإنه قد يخرج عن السيطرة بما يجر الولايات المتحدة في حرب إقليمية لا ترغب فيها الإدارة الأمريكية في عام انتخابي، وفي ظل تركيز الإستراتيجية الأمريكية على مواجهة الصعود الصيني في منطقة الإندو-باسيفيك، باعتباره التهديد الإستراتيجي الأول للقوة والنفوذ والقيادة الأمريكية المنفردة للنظام الدولي في الوقت الراهن.

اظهر المزيد

عمرو عبدالعاطي

باحث متخصص في الشئون الأمريكية-موسسة الأهرام-القاه...

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى