2024الحرب علي غزةالعدد 197

مثلث العلاقات الأمريكية، السعودية، الإسرائيليةوصدى تطوراته على أزمات المنطقة

دفعت المتغيرات المتسارعة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، إلى البحث عن مقاربات وصيغ جديدة، بوصفها الطرف الأكثر تضررًا من الديناميكيات الصاعدة، ولضمان عدم ترك مساحات تحرك واسعة للاعبين تعتقد أنهم أقل إحساسًا بالمسؤولية وقد يذهبون إلى حد أخذ العالم لحافة حروب إبادة، وعينها في ذلك على روسيا التي تهدد أوروبا، والصين التي تسعى لإخضاع شرق آسيا، وبدرجة أقل إيران التي باتت تتغول في الشرق الأوسط.

لقد دفعت إستراتيجية الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط التي سارت عليها إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، إلى حصول اختراقات عديدة للمجال الحيوي الأمريكي في الشرق الأوسط- من قبل فاعلين دوليين- بهدف تحقيق مكاسب جيوسياسية تروم تحقيق توازن قوى على المستوى العالمي، وبالفعل شكلت هذه الديناميكيات إضعافًا للتأثير العالمي لفعالية الولايات المتحدة الأمريكية قياسًا لما كانت عليه في مرحلة ما بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، نتيجة تغير موازين القوى وانعكاسها على معادلات النظام الدولي.

وقد كشف مسار الحرب الأوكرانية، وما نتج عنه من تصدعات في منظومة النظام العالمي، عن جزء مهم من أعطاب الفعالية الأمريكية على الصعيد العالمي، بعد أن نامت إداراتها على حرير وهم إمساكها للعالم، والذي حسب اعتقاد النخب الأمريكية أنه لم يعد يملك سوى المسار الأمريكي، الأمر الذي نتجت عنه سياسات، لأقل ما يقال إنها غير منطقية، اتسمت بالاستهتار بقدرة حلفائها وعدم التعامل الجدي مع مصالحهم ومطالبهم، إلى أن حصلت صدمة الحرب الأوكرانية، التي كشفت إلى حد كبير مقدار تآكل التأثير الأمريكي، وانخفاض مستوى تأثيره مقارنة بارتفاع منسوب قوة اللاعبين الإقليميين- وخاصة في الشرق- الذين بدأوا يستثمرون أوراقهم بمهارة.

وفي محاولة للتكيف مع هذه المستجدات، سعت إدارة بايدن إلى محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، عبر صياغة أنماط علاقات عابرة لخطوط الصدع القديمة، من خلال تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية- أحد الفاعلين الأساسيين في المنطقة لما يملكه من أوراق وإمكانيات، فضلًا عن كونه رمزًا من رموز العالمين(العربي، والإسلامي) – وإسرائيل بوصفها قوة ضاربة في الشرق الأوسط وأقرب حليف لأمريكا؛ فإلى أي مدى تحقق الانعطافة الأمريكية أهدافها، وما هي مصالح أطرافها، ومدى تأثيرها على أوضاع المنطقة؟

استثمار في المصالح:

تتقاطع المصالح السعودية في المرحلة الحالية مع الفاعلين الذين يرغبون في تغيير مَناخ المنطقة من حالة العداء والتوتر والحروب، إلى نمط من السلام والتعاون الاقتصادي؛ حيث يشكّل مشروع السعودية 2030 رؤية القيادة السعودية لمستقبل البلاد وتحوّلها إلى فاعل محوري مؤثر على المستويين (الإقليمي، والدولي)، ويتطلب ذلك تحقيق انفراجات أمنية وسياسية تفتح أمام السعودية مساحات آمنة ومناخ استقرار يساعد على تحقيق المشروع الضخم الذي بدأته المملكة، وتبعًا لذلك عقدت المملكة مع إيران اتفاقًا يهدف إلى نزع فتيل الأزمات في المنطقة وتحقيق الاستقرار في (العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان).

غير أن للسعودية تاريخيًّا رؤيةً للسلام الإقليمي لا يكتمل مشهدها إلا من خلال إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، على أساس المبادرة العربية للسلام التي تم طرحها في القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي حددت أسس حصول التطبيع بين العرب وإسرائيل، وهذا ما يستدعي اختبار مسار الحل، شريطة أن تكون هناك جدية إسرائيلية، وتسعى السعودية في تحركها على هذا المسار إلى استثمار رغبة إسرائيل في بناء علاقات طبيعية مع محيطها العربي وتحقيق مصالح أمنية واقتصادية، والخروج من واقع الدولة المعزولة في ظل عالم يقوم على تشابك المصالح والفضاءات الاقتصادية.

تتقاطع هذه المصالح مع تطلعات الإدارة الأمريكية في أن يكون لها نصيب الأسد من النفوذ في منطقة آخذة في التفلت من بين يديها؛ حيثُ يعرض الفاعلون الدوليون الآخرون- وتحديدًا الصين- خدمات تنافسية على أكثر من صعيد، من ضمنها التدخل كوسيط لحل الأزمات والنزاعات داخل الإقليم، مقابل الحصول على اعتراف الفاعلين الإقليميين بأهمية دور الصين وحقها في أن يكون لها دور عالمي موازٍ.

أوراق تفاوض سعودية:

يستدعي فهم الموقف التفاوضي السعودي توضيح المفاتيح الأساسية في هذا الموقف، والتي ترتكز على متغيرين مهمين: الأول، يتمثل بإدراك ووعي صانع القرار السعودي لأهمية الأوراق التي بحوزته ومعرفة كيفية توظيفها في سياق اللعبة الدولية التي تنحو باتجاه التعقيد الشديد، نتيجة البيئة الإستراتيجية المتغيرة وتفاعلات النظام الدولي في مرحلة يسود فيها عدم اليقين من قدرة طرف دولي واحد السيطرة على هذه التفاعلات وضبطها، وفي وقت تستعرض فيه القوى الدولية مزاياها التكنولوجية واللوجستية، وحتى قواها العسكرية.

وبالإضافة لموقعها النفطي كأكبر بلد منتج ومصدِّر على مستوى العالم لعنصر يشكل المحرك التشغيلي الأساسي للنشاط الاقتصادي العالمي، تمتلك السعودية قدرات مالية هائلة عبر صناديقها الاستثمارية، وكذلك فرص استثمارية مغرية للفاعلين الاقتصاديين الدوليين، وموقعًا جيوستراتيجيًّا مميزًا في ظل تنافس المشاريع الدولية “طريق الحرير والممر الهندي”، فضلًا عن المكانة الدينية والثقافية في العالمين (العربي، والإسلامي)؛ إذ تشكل هذه المزايا روافع ودعائم للموقف التفاوضي السعودي- وخاصة مع وجود صانع قرار يعرف صياغتها جيدًا في التفاعلات الدولية، لإنتاج وزن دولي يوازي هذه الامتيازات.

المتغير الثاني: وهو نتيجة للمتغير الأول وتفاعلاته، فالسعودية اليوم بلد مختلف عن السابق، عبر امتلاكه مشروعًا اقتصاديًّا وسياسيًّا، وضع المملكة في موقع الطرف الجاذب على المستوى الدولي، والمؤثر بدرجة كبيرة على المستوى الإقليمي، عبر شبكة علاقاته العربية والإقليمية، والتي جرت صياغتها في السنوات الأخيرة تبعًا لمنظورات واقعية ركيزتها الحفاظ على السلم في المنطقة وعزل مسببات الصراع، وقد تجلى ذلك من خلال: قمة العلا في 5 يناير “كانون الثاني” 2021، والاتفاق مع إيران في 10 مارس 2023، وسياسات الانفتاح على الصين وروسيا، التي أدت إلى صناعة توازنات تصب في تدعيم موقف السعودية التفاوضي على المستوى الدولي.

استثمار في المتغيرات الدولية:

في قلب هذه الأوضاع، تمر السياسة الأمريكية في عهد إدارة بايدن بمرحلة دولية متغيرة سمتها الأساسية التجاذبات الحادة بين أطراف اللعبة الدولية، وقد كانت الحرب الأوكرانية مختبرًا لمدى قدرة أمريكا التأثيرية، ثم تلتها الحرب في غزة؛ لتكشف حجم تراجع التأثير الدولي لأمريكا، وقد بدا هذا الأمر جليًّا في جلسات مجلس الأمن التي شهدت ابتعادًا إقليميًّا ودوليًّا عن سياسات إدارة بايدن- التي بدت منحازة لإسرائيل- حتى من وجهة نظر أقرب الحلفاء في أوروبا، ويبدو أن إدارة بايدن في صدد تقييم هذه السياسات، بعد أن نبهت العديد من المؤسسات الأمريكية من المخاطر والتداعيات التي ستترتب على مستقبل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط في حال استمرار سياسة الانحياز إلى إسرائيل.

ولأن الولايات المتحدة تدرك أن تغير الظروف والمواقع الدولية، ومرحلة التجاذبات السياسية الراهنة، تتطلب من واشنطن أن تزن تصرفاتها بميزان من الذهب، وهو الأمر الذي أدركه صانع القرار السعودي، كان لا بد من إعادة صياغة مقاربة جديدة لجذب السعودية إلى عملية سلام مع إسرائيل؛ لإنقاذ سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، ولدمج إسرائيل في تفاعلات المنطقة، مع الأخذ بالاعتبار الشرط السعودي الأساسي المتمثل بضرورة الالتزام بحل عادل ودائم يمنح الشعب الفلسطيني دولة في المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وربط أي تقدم بعملية التطبيع بتنفيذ هذا الشرط.

بالتوازي مع هذه المتغيرات، تغيرت البيئة الإستراتيجية لإسرائيل بدرجة كبيرة، وقد أثبتت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023- والتي قامت بها فصائل فلسطينية -وهم نظرية الأمن المطلق لإسرائيل؛ حيث فشلت كل المتحوطات الأمنية وتقنيات الرصد المتقدمة، في حماية الأمن الإسرائيلي أو حتى القدرة على التنبؤ بالمخاطر القادمة من الجهة المقابلة، كما كشفت الحرب عن الانقسامات العمودية والأفقية التي تضرب المجتمع واتساع مساحة التباعد بين مكوناته في الرؤى والتصورات ومستقبل الكيان الإسرائيلي، ورغم انزياح كتل كبيرة من الإسرائيليين باتجاه اليمين، إلا أن تيارًا واسعًا من الإسرائيليين يعتقد أن الأولوية الأساسية لإسرائيل يجب أن تكون التنمية والانخراط في مشاريع العولمة على حساب الحرب والتوسع الاستيطاني.

موقف عربي رسمي وشعبي داعم:

صورة هذا المشهد كانت حاضرة بقوة لدى حكومة بنيامين نتنياهو، التي تصنف بالأشد تطرفًا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، والتي سعت إلى إرضاء اليمين عبر تحقيق انتصارات سياسية وفتوحات اقتصادية مع الدول العربية، مع استمرارها بذات السياسات القائمة على (الاستيطان، والتهويد، وحصار الفلسطينيين)، دون معرفة كيف سيتحقق ذلك، مع أن نفس الحكومة، والتي وقعت على اتفاقيات أبراهام مع الإمارات العربية المتحدة، إلا أن أبو ظبي لم تقدم على توقيع هذه الاتفاقيات إلا بعد أن أوقفت إسرائيل مشروع ضم الضفة الغربية، كما أكدت الإمارات العربية على موقفها، عبر مندوبتها في مجلس الأمن “لانا نسيبة” على ضرورة العودة إلى حل الدولتين، فيما أكد سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية “يوسف العتيبة”، أن التطبيع لن يكون على حساب الشعب الفلسطيني.

وتشكل هذه المواقف، والتي صدرت بالتوازي عن (مصر، والأردن، وقطر، والكويت، والمغرب، والجزائر، والعديد من الدول العربية المؤثرة)، دعمًا للموقف السعودي، كما تشكل ضغطًا على الموقف الأمريكي، بالإضافة إلى وجود رأي عام عربي مساند للمواقف الرسمية، كشفت عنه استطلاعات الرأي العام، ومنها الاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن في الفترة من 14 نوفمبر” تشرين الثاني”  إلى 6 ديسمبر “كانون الثاني”، والذي كانت نتيجته مطالبة 96 % من المستطلعين السعوديين قطع الدول العربية لجميع الاتصالات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل احتجاجًا على ممارساتها في غزة.

حاولت حكومة إسرائيل، وحتى قبل عملية “طوفان الأقصى” بث رسائل للداخل الإسرائيلي بأن التطبيع مع السعودية قادم، ولا ينقصه سوى بعض التفاهم على تفاصيل صغيرة، في حين ادعى رئيس الحكومة “نتنياهو” أنه لن يكون مقابل تنازلات بشأن الدولة الفلسطينية، وبعد اشتعال الحرب في غزة، روجّت الدوائر الأمريكية المتعاطفة مع إسرائيل، أن مفاوضات التطبيع تسير بشكل جيد بين (السعودية، وإسرائيل)، في محاولة لدعم الموقف الإسرائيلي، الذي بات محاصَرًا جرَّاء انتهاكات إسرائيل، وقد تنبهت السعودية لهذا الأمر وأصدرت بيانًا تؤكد فيه أنه لن يكون هناك تطبيع قبل تنفيذ الشروط السعودية وأهمها، وقف الحرب على غزة  ومنح الفلسطينيين دولة مستقلة.

بالنسبة لإسرائيل، يشكِّل السلام مع السعودية جائزة مهمة؛ فالسعودية تشكّل أكبر سوق اقتصادي في المنطقة، كما أن التطبيع معها سيفتح الباب واسعًا أمام دخول عدد كبير من الدول العربية والإسلامية في اتفاقيات تطبيع وسلام مع إسرائيل، كما سيمنح إسرائيل وضعية الدولة الطبيعية في المنطقة، الأمر الذي سيساعد إسرائيل على الاندماج في الإطار الإقليمي، ورغم ما يبديه نتنياهو من تعنت إلا أنه يدرك أنه يواجه خيارًا إستراتيجيًّا وسيكون مضطرًا إلى وزن العوامل السياسية بعناية فائقة، وخاصة وأنه يدرك أن طيفًا واسعًا من النخبة السياسية الإسرائيلية يدرك أهمية الفرصة الإستراتيجية التي يحققها التطبيع مع السعودية، وسيكون مدعومًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ويشكل بديلًا محتملًا وقويًّا في الحكم.

التداعيات على المنطقة:

أظهرت الحرب في غزة ديناميكيات دولية جديدة تؤسس لمسارات سياسية مختلفة في المنطقة؛ إذ تشهد السياستان (الإقليمية، والدولية)، حِراكًا دبلوماسيًّا، بعضه معلن وبعضه الآخر يُجرى بعيدًا عن الأضواء؛ بهدف إخراج المنطقة من حقل الألغام الذي دخلت فيه، وصار إخراجه منها يستدعي حلًا اجتراحيًّا من خارج صندوق الأدوات القديمة الذي ظل وفيًّا لمبادئ وزير الخارجية الأسبق “هنري كيسنجر” ومناوراته التسكينية الشهيرة، والهدف من ذلك  منع توسع الحرب بما قد يشكّل تهديدًا وجوديًّا على منطقة تقيم فيها الأزمات منذ عقود وتملك قابلية كبيرة للاشتعال والانهيار، وبدرجة أساسية لوقف انهيار صورة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا، مما استدعى إعادة تفكير جذرية في الأهداف السياسية لواشنطن والغرب.

تبعًا لذلك، تشهد إدارة الرئيس بايدن عملية إعادة تقييم كبيرة لسياساتها في الشرق الأوسط، من حيث الأساليب والأدوات وطبيعة التحالفات، والهدف من وراء ذلك صياغة إستراتيجية جديدة لمعالجة التحديات المتكاثرة التي باتت تواجه الإدارات الأمريكية في المنطقة، وما يظهر من خيوط هذه الإستراتيجية الجديدة، توسيع التحالف الأمني مع المملكة العربية السعودية، وإعادة الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط والفاعلين الأساسيين، وخاصة الحلفاء التقليديين (دول الخليج، ومصر، والأردن، والمغرب)، وهو ما يمكن وصفه بالتحول المهم في السياسات الأمريكية بعد سنوات من محاولات الابتعاد عن المنطقة.

ترتكز الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على إنجاز التطبيع بين (المملكة العربية السعودية، وإسرائيل)، أو صناعة مثلث: أمريكي -سعودي- إسرائيلي، الذي سيكون، وفق التقديرات والرؤى الأمريكية، نقطة الارتكاز لصناعة مسارات جديدة وإعادة ترتيب الخارطة الإقليمية على المستوى الجيوستراتيجي، والبداية ستكون عبر حل الدولتين، الذي أثبتت تطورات ما بعد السابع من أكتوبر” تشرين الأول” أنه لم يعد قابلًا للتسويف أو التأجيل، وأن التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية يستوجب دفع إسرائيل أثمانًا مقابلة لتحقيقه.

سيكون هذا الأمر في حال تحقّقه متغيرًا مهمًّا في المنطقة، وسيكون له تداعيات مهمة:

أولًا: إعادة رسم المشهد الإستراتيجي في المنطقة؛ إذ سيتبع الاتفاق السعودي الإسرائيلي برعاية أمريكية، وتحقيق شرط إقامة الدولة الفلسطينية، فتح الباب أمام سلسلة من المعاهدات الثنائية مع دول المنطقة، والتي ستشكّل أساس البنية الأمنية الإقليمية، التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها منذ فترة.

ثانيًا: نهاية ما يُسمى بـ ” الفواعل من خارج الدولة”، والتي غالبًا ما كانت تتخذ من القضية الفلسطينية ذريعة لتمردها على السلطات القائمة؛ حيث ستفتقد- إضافة للذرائع- الحواضن التي طالما جرى استقطابها على قاعدة عجز الأنظمة الرسمية عن مواجهة إسرائيل، وبالتالي فهي البدائل الشرعية لتحرير فلسطين وخلاص شعبها من الظلم.

ثالثًا: إضعاف موقف إيران في الحقل الجيوسياسى العربي، والحد من تأثيراتها العسكرية والمليشياوية، ولجم ضغوطها على مجتمعات المشرق العربي، علما بصعوبة إقصاء الدور الإيراني تمامًا من المنطقة، في ضوء علاقاته التاريخية بدولها، وتأثيراته الإستراتيجية على ساحتها، وسياساته الوازنة تجاه إسرائيل.

رابعًا: تركيز الموارد العربية في مجالات التنمية واللحاق بركب التطور العالمي، ويبدو واضحًا أن مساعي السعودية في تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، تهدف بدرجة كبيرة إلى تدعيم الرؤية السعودية في نقل المملكة إلى طور التحديث، وتحويل الشرق الأوسط إلى حلقة أساسية وفاعلة في الاقتصاد الدولي الحديث.

يبقى حصول هذه التطورات مرهونًا إلى حد كبير بالتطورات التي ستشهدها إسرائيل بدرجة كبيرة، على مستوى مجتمعها ونخبها السياسية، لكن ثمة تفاؤلًا، وإنْ لا يزال في طور الحذر، أن قطار التغيير في المنطقة بدأ السير على سكته الجديدة، رغم دخان الحرب في غزة، ومحاولات بعض الأطراف تعطيل هذه الحركة، إلا أن ما يبعث الأمل وجود رؤية عربية يلتف حولها العديد من العواصم المؤثرة تحاول الاستثمار في متغيرات القوة التي باتت تملكها.

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى