2024الحرب علي غزةالعدد 197

حرب إسرائيل ضد فلسطينيي غزة: ملاحظات أولية

مقدمة:

لم تنته حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل ضد فلسطينيي غزة، منذ 7/10/2023، ولا أحد يعرف متى أو كيف ستنتهي؟، وهي التي باتت تُعرَّف بوصفها أطول وأشرس حرب وأكثرها قتلًا وتدميرًا، منذ إقامة تلك الدولة 1948، على حساب الشعب الفلسطيني.

وكانت إسرائيل استباحت في حربها الوحشية تلك- طوال 130 يومًا بلياليها- البشر والشجر والحجر بالقصف من الجو والبر والبحر، بالصواريخ والمدفعية والقنابل الفراغية والمسيّرات والبوارج الحربية، فقتلت أكثر من ثلاثين ألفًا، وأصابت ما يزيد عن 70 ألفًا، بجروح متفاوتة، مع اعتقال ألوف الفلسطينيين (ويشمل ذلك الضفة)، هذا دون احتساب المفقودين تحت ركام البيوت المدمرة. وقد نجم عن ذلك، أيضًا، تدمير (70– 80) بالمئة من بيوت غزة، وبناها التحتية، وتشريد قرابة مليوني فلسطيني من بيوتهم، بشكل متعمد.

إسرائيل تؤسّس لنكبة فلسطينية جديدة:

لعل أكثر ما يبين وحشية إسرائيل في تلك الحرب أن عدد ضحاياها من الفلسطينيين بات يزيد عن 12 ضعفًا، عن الذين قتلتهم في الحرب الثالثة التي شنتها على غزة 2014، والتي استمرت خمسين يومًا، وأنها ذهبت -هذه المرة- إلى حد قطع الماء والكهرباء والدواء والوقود والغذاء عن 2,3 مليون فلسطيني، كانوا يعانون من الحصار طوال 17 عامًا (منذ العام 2007)، في حرب وجدت فيها إسرائيل فرصة سانحة لتكملة تصفية حسابها مع الفلسطينيين، في استعادة لحظة النكبة 1948، وفي سعيها المستمر لإخضاعهم أو لإزاحتهم من المكان والزمان، والإجهاز على قضيتهم كقضية تحرر وطني نهائيًّا.

وكما تبين فإن إسرائيل، وهي ليست دولة عادية؛ إذ تحظى بضمان دولي لأمنها ولتفوقها النوعي في المنطقة، أي هي بمنزلة وضع دولي_ تحاول الاستفادة من تغطية الولايات المتحدة والدول الغربية لها، بدعوى استئصال “حماس”، بحجة الدفاع عن النفس ضد “الإرهاب” الفلسطيني، علمًا بأن منظمة التحرير الفلسطينية مصنفة كمنظمة إرهابية، أيضًا، في الولايات المتحدة (منذ العام 1987)، وعلمًا بأن إسرائيل تعتبر دولة احتلال، وتوصف كدولة “أبارثايد”- أيضًا- في تقارير منظمات حقوقية دولية، وحتى لدى عديد من أصحاب الرأي اليهود في إسرائيل وخارجها، وباتت كذلك في نظر قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي.

وكانت المظاهرات والحراكات، التي جرت في عواصم ومدن الدول الغربية، وضمنه في (نيويورك، وواشنطن، ولندن، وباريس، وبرلين)، ضد حرب إسرائيل الوحشية، ورفضًا لروايتها، ودفاعًا عن الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة والعادلة_ أكدت ذلك وهو الأمر الذي توّج -مؤخّرًا- في القرار الاستشاري الصادر عن “محكمة العدل الدولية” ضد الحرب الإسرائيلية.

تبعًا لكل ذلك، فقد بدا واضحًا- منذ اليوم الأول- أن إسرائيل تهدف من خلال حرب الإبادة تلك ترويع الفلسطينيين، من النهر إلى البحر، ووأد طموحاتهم الوطنية المشروعة، وصولًا إلى جعل غزة مكانًا غير صالح للعيش لهم، في محاولة منها للتخفّف من كتلة كبيرة منهم، باقتلاعهم من أرضهم وتشريدهم- قسرًا أو طوعًا- بما يؤسس لنكبة فلسطينية جديدة.

حماس بين الإستراتيجي والتكتيكي:

في المقابل، فقد تبين في تلك الحرب أن “حماس”، وهي سلطة في غزة، منذ العام 2007، ورغم استعدادها الجدي- التكتيكي- لهكذا معركة، بالقياس للتجارب السابقة ونجاحها المثير للإعجاب في مباغتتها إسرائيل، وتكبيدها خسائر فادحة غير مسبوقة في تاريخها لم تحسب جيدًا من الناحية الإستراتيجية، لجهة إمكاناتها ولجهة إدراكها، المعطيات الدولية والعربية المحيطة، وأيضًا من ناحية تهيئة مجتمعها لردة الفعل الإسرائيلية، ولا لناحية تحديد العنوان السياسي المناسب لتلك المعركة، بين كونها معركة لتحرير فلسطين، أو كمعركة لإجبار إسرائيل على إنهاء الاحتلال، أو كمعركة لهز إسرائيل، وفرض بعض المكاسب السياسية.

على ذلك، ومع التقدير للبطولات والتضحيات، فما جرى يؤكد حقيقة أن الزمن الفلسطيني والعربي والدولي الراهن ليس زمن تحرير فلسطين؛ لذا من غير المعروف كيف اتخذت قيادة “حماس” قرار العملية الهجومية بالشكل الذي حصلت به، أو ماهي المعطيات التي دفعتها إلى هذا الخيار مع محدودية الإمكانات، مهما كانت بالقياس لإسرائيل، ومع افتقار مليوني فلسطيني للقدرة على العيش في منطقة ضيقة وفقيرة وتفتقد للموارد أصلًا؟ ومثلًا، أن “حماس” لا تمتلك القدرة على صد خيارات إسرائيلية قاسية، من نوع اقتلاع تجمع فلسطيني من هذه المنطقة أو تلك أو خنق قطاع غزة- كما تبين- ما يعني أن الفوز في معركة ما لا يؤخذ بالعواطف والشعارات والرغبات، وإنما بموازين القوى وبمعطيات عربية ودولية مناسبة.

هكذا، فإن خطاب “محمد الضيف” القائد العسكري لكتائب القسام، في يوم الهجوم 7/10/2023، أثار انطباعًا مفادُه بأن المعركة ذاهبة للحد الأقصى، واشفعها بمطالبته كل الفلسطينيين في (48، والقدس، والضفة) بالانخراط فيها، ناهيك عن مطالبته الأمتين (العربية، والإسلامية) بدعم ذلك، ما يذكر بخطابات بعض قياديي الحركة عن زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل، والتهديد بالمنازلة الكبرى، و بـ”وعد الآخرة” بالقضاء على إسرائيل في ظرف أيام، وهو خطاب تمت مراجعته في وثيقة متأخرة أصدرتها حركة “حماس”، أواخر يناير 2024.

الملاحظة هنا لا تتعلق بمشروعية هذا الطرح، أو منطقيته، وإنما تتعلق بمدى ملاءمته للإمكانات وللواقع، وللمعطيات الدولية والعربية، ما يدفع للتساؤل عن طبيعة إدراكات قيادة “حماس” لموازين القوى والمعطيات المحيطة غير المواتية إطلاقًا، كما تبين في تلك التجربة القاسية والكارثية على فلسطينيي غزة والفلسطينيين عمومًا، بل إن إدراكات تلك القيادة لحقيقة الواقع الفلسطيني بدت قاصرة، أو رغبوية؛ إذ إن تلك الدعوة للمنازلة لم تلقَ حدًا أدنى من التجاوب، لا في الضفة ولا في القدس الشرقية، ولا في أوساط فلسطينيي 48، بالقياس للتجاوب الذي حصل إبان هَبّة “الشيخ جراح” قبل عامين 2021.

من التوريط الواعي إلى وحدة الساحات:

وللإنصاف فإن المشكلة هنا لا تتعلق بإدراكات قيادة “حماس” لوحدها، وإنما في نمط التفكير السياسي السائد لدى القيادات الفلسطينية؛ إذ إن قيادة “فتح” كانت سبقتها، في مبادرتها لإطلاق الكفاح المسلح (أواسط الستينيات)، باستنادها هي الأخرى إلى مقولتها عن التعويل على الإسناد الميكانيكي للأنظمة العربية في دعم الكفاح المسلح الفلسطيني، وتبنيها فكرة “التوريط الواعي”، التي مفادها أن العمل الفدائي سيستدرج إسرائيل إلى مهاجمة الدول العربية، التي بدورها سترد بتحريك جيوشها لمواجهة إسرائيل، وكلنا يعلم اليوم أن تلك المراهنة خاطئة وساذجة، وأن ما حصل استنزف مجتمعات الفلسطينيين في الخارج، وأضعف مقاومتهم لإسرائيل، بإخراج حركتهم الوطنية من الأردن 1970، ثم من لبنان 1982.

الآن، تعيد “حماس” ذات التجربة أو المراهنة بمصطلحاتها، باستنادها في مبادرتها للمعركة إلى “معسكر المقاومة والممانعة”، وشعار “وحدة الساحات”، علمًا أن ذلك المعسكر تلقى طوال سنوات ماضية ضربات إسرائيل دون أن يرد عليها، في حين أنه استمر في حربه ضد الشعب السوري، مثلًا. أما وحدة الساحات، فلم تظهر ولا مرة، لا إبان الانتفاضة الثانية، ولا إبان الحروب الإسرائيلية المتوالية على غزة (2008، 2012، 2014، 2018، 2021)، وهي لم تظهر طوال الـ 130 يومًا على حرب إسرائيل في غزة، رغم تشريد مليوني فلسطينيي فيها، وتدمير بناها التحتية، وقتل عدة آلاف من سكانها، ورغم التهديد بترانسفير جديد.

وعليه، فإن تعويل “حماس” على “حزب الله” وإيران، تبين بالتجربة كوهمٍ؛ إذ إن “حزب الله” رصيد للأمن القومي الإيراني فقط، أي إنه يشتغل كجبهة متقدمة للرد على أي تهديد مباشر لإيران، أو كذراع إقليمية لإنفاذ سياساتها في المشرق العربي، كما حصل في سوريا. وقد تأكد ذلك في تصريحات مرشد إيران ورئيسها ووزير خارجيتها، التي تفيد بنأي إيران عن الحرب، وأنها لن تقع في خطأ إستراتيجي بالانجرار وراء حرب تريدها إسرائيل، وهي “حكمة” جديدة بعقلانية طارئة؛ للمواربة وللتملص من الموقف السابق بشأن التهديد بإزالة إسرائيل وتدميرها، علمًا أن قيادة “حماس” كانت شاهدة عن أن إيران و”حزب الله” لا يردان على استهداف إسرائيل لهما في سوريا والعراق وحتى في إيران ذاتها. من ناحية أخرى، ثمة ضرر كبير بربط قضية فلسطين بما يسمى محور “المقاومة والممانعة”، الذي جلب الكوارث للشعب في (اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان)، ثم إن هذا المعسكر يناهض قضايا الحرية والكرامة والعدالة، ويتعامل مع قضية فلسطين للاستهلاك والمزايدة والتغطية على تغول نفوذ إيران في المشرق العربي، ما يتناقض مع معنى قضية فلسطين، فهي ليست مجرد قضية بقعة أرض، وإنما هي معنى للحرية والكرامة والعدالة أيضًا.

بين المقاومة المسلحة والحرب جيش كجيش:

الملاحظة، أو الفكرة، في هذا الإطار تكمن في الافتقاد لإستراتيجية كفاحية واضحة وممكنة في مقاومة إسرائيل، وهو أمر تتحمل مسؤوليته الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها، وليس حركة حماس وحدها، على رغم تجربة طويلة وغنية عمرها 59 عامًا، بخاصة في الخلط بين المقاومة والحرب كجيش لجيش، علمًا أنهما أمران مختلفان، وأيضًا، حصر المقاومة بالعمل المسلح على حساب المقاومة الشعبية، فشتان مثلًا بين صاروخ تطلقه حركة “حماس” لا يؤثر في حجم الخسائر المادية ولا البشرية، وبين صاروخ إسرائيلي يؤدي إلى تدمير أبراج، ما أدى إلى محو أحياء مدن بكاملها.

هكذا كان ثمة خيارات أخرى لخوض الصراع ضد إسرائيل وفقًا للمقاومة طويلة الأمد، أو تبعًا لقواعد حرب الشعب، وأضرب واهرب، وحرب الضعيف ضد القوي، باستهداف نقاط ضعف العدو، وتجنّب تحريضه استخدام أقصى قوته، بدل تسهيل استخدامه ترسانته العسكرية، وانتهاج عمليات تؤدي إلى تفكيك مجتمعه، أو تعزز التناقضات فيه، لا أن توحده، كما حصل في استهداف مدنيين، سبق لقيادات من “حماس”، على رأسهم خالد مشعل (وهو ما تم التأكيد عليه في وثيقة جديدة)، بتأكيد أن الحركة لا تستهدفهم، علمًا بأن المقاومة الناجعة للشعوب المستعمرة ضد القوة المستعمرة، هي المقاومة التي يمكن للشعب تحمل نتائجها، والتي تتسم بالديمومة، وتمكن من استنزاف مجتمع العدو، لا استنزاف مجتمعها، والتي تسمح باستثمار التضحيات والبطولات لا تبديدها، أو تكبيد شعبها أضعافها، المقاومة المتدرجة طويلة الأمد لا حرب الضربة القاضية.

غياب الاستعداد في الجبهة الخلفية:

ذلك يتعلق بغياب مؤسسات الحكومة المدنية، التي تديرها حركة “حماس”، التي يفترض بها تنظيم الجبهة الداخلية، وتأخذ على عاتقها مسؤولية العمل بين الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف والتدمير والقتل والتهجير من بيوتهم ومناطقهم، بتأمين حد أدنى من الخدمات الضرورية والإغاثية لهم. وقد ظهر واضحًا حجم التقصير في هذا المجال؛ إذ لم تجهز حكومة “حماس” آبار مياه، أو مولدات كهرباء، أو خزانات وقود، أو مستودعات تموين احتياطية، أو أماكن إيواء في مختلف مناطق غزة، علمًا بأن كل ما فعلته إسرائيل في غزة سبق أن فعلت مثله في إبان حربها في لبنان (في 1982، وفي 2006) مثلًا.

ما تقدم يثير التساؤل عن كيفية تعامل “حماس” مع المجتمع الفلسطيني في غزة، قبل الحرب، في طريقتها في الهيمنة عليه، وعدم تمكينه من إبداء رأيه في أي شيء؛ حيث المجموعة المهيمنة في قيادة “فتح” أو “حماس” هي التي تقرر مصير الشعب الفلسطيني. وأصلًا فإن “حماس” لم تقم بإيجاد إطارات تمثيلية مناسبة تمكن فلسطينيي غزة من المشاركة في القرارات، وصوغ الخيارات، ولم تقم حتى بإشراك الفصائل الحليفة لها بذلك، فوق ما تقدم فهي كانت تعامل مجتمعها بطريقة فوقية، وضمن ذلك فرض الضرائب الباهظة على فلسطينيي غزة، الذين يعانون الفقر والبطالة والحصار وانعدام الفرص، في حين أن هؤلاء الفلسطينيين هم الذين دفعوا ويدفعون ثمن خيارات “حماس”، وهو أمر يفترض بالحركة الوطنية الفلسطينية ملاحظته، فهذا حصل في الأردن ولبنان، وفي فلسطين، في الانتفاضة الثانية (2000- 2004)، ما يتناقض مع فكرة الحرية التي هي جوهر العملية الوطنية الفلسطينية التي لا تتعلق فقط بتحرير الأرض، وإنما بالحرية والعدالة والكرامة لكل الفلسطينيين.

في توخي نهاية للحرب وتفويت أهداف إسرائيل:

تقف “حماس” اليوم في مأزق، في إطار المفاوضات والوساطات الدولية والعربية، لإنهاء تلك الحرب، أو إيجاد مخرج مناسب منها، فهي تطالب بوقف عدوان إسرائيل، ما يفيد بتراجع فكرتها عن استمرار القتال، الذي دعت له في اليوم الأول للهجوم، في حين إسرائيل مصرة على الاستمرار في حربها؛ لتحقيق هدفها بتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للعيش وللتخفّف من الثقل الفلسطيني الديمغرافي فيه، وفرض هيمنتها على الشعب الفلسطيني.

ثم إن حركة “حماس” كانت تشترط على السلطة الفلسطينية، وعلى منظمة تحرير، للانخراط في النظام السياسي الفلسطيني، وضمنه رفضها السقف السياسي للمنظمة والسلطة، في حين هي مضطرة اليوم للانخراط في جسم المنظمة والسلطة، تبعًا للشروط المناسبة لإنهاء الحرب، وليس بشروطها هي، وهو ما تدل عليه المفاوضات والوساطات الجارية.

المعنى أننا إزاء حرب خاضها الطرفان المباشران (إسرائيل، وحماس)، وفق المعادلة الصفرية، كمعركة تكسير عظم؛ لذا ففي هذه الظروف المأسوية، لا يمكن توقع شروط لحماس- للأسف- سيما أن كل الشروط الإقليمية والدولية اجتمعت على تطويعها أو إخراجها عسكريًّا من المشهد، فإذا كانت تلك الحركة لم تستطع في الحروب السابقة فرض شروطها على إسرائيل، رغم كل الإعلانات عن فرض شروط، و”قواعد اشتباك”، فكيف يمكن تخيُّل قدرتها على فرض مثل ذلك في ضوء الوضع الراهن في غزة؟ ومثلًا، فإن المراهنة على قِصر نَفَس الإسرائيليين، أو سأمهم من الحرب، غير مطابقة تمامًا للواقع، فبحسب استطلاع للرأي أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، فإن 88 في المئة من الإسرائيليين راضون عن أداء الجيش، و60 بالمئة منهم يرفضون صفقة تبادل الأسرى الإسرائيليين مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين ووقف الحرب.

باختصار، ثمة عامل واحد يدفع لفض هذا الاستعصاء، ناجم عن تعدّد المشكلات التي ولّدتها حرب إسرائيل الوحشية في غزة، على أكثر من صعيد، بدليل خفوت كل الأزمات السابقة في العالم (أوكرانيا مع روسيا، وتايوان مع الصين، والسودان)؛ إذ باتت تلك الحرب بمثابة الصاعق المفجّر للعديد من المشكلات، بل إنّها باتت تخلق تصدّعات في الرأي العام في الدول الغربية ذاتها، وضمنه تآكل صورة إسرائيل، لصالح التعاطف مع الفلسطينيين. ولعلّ هذا ما يفسر اعتبار مسؤولين أمريكيين أنّ التطرّف الداخلي في إسرائيل، وضمنه طبيعة حربها في غزة، بات يشكّل خطرًا على إسرائيل ذاتها، وعلى الدول الغربية، ما يفسّر أيضًا إعلان وزيرا خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دراسة الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية، وإيجاد نافذة حلول- موقتة- تؤدي إلى فتح الأفق السياسي أمام الفلسطينيين، بل إنّ ذلك بات شرطًا للأطراف العربية الفاعلة للمشاركة في دعم أي حل، وضمنه للمشاركة في إعادة إعمار غزة.

 طبعًا، ربما الوعد بدولة فلسطينية، قد يكون مراوِغًا، لكنه سيُسجَّل كوعد، وكبداية النهاية لأفول مركزية إسرائيل في العالم الغربي، وفي الولايات المتحدة خاصة. بيد أنّ المهم الآن، هو وقف حرب الإبادة الجماعية ضدّ الفلسطينيين في غزة، ووضع إسرائيل عند حدودها، بما فيه في الضفة الغربية، وبذل الجهود من أجل رفع الحصار عن غزة، وإدخال المساعدات إليها، ومعاودة إعمارها، وصولًا إلى تمكين الفلسطينيين من استعادة حياتهم في دولة فلسطينية مستقلة بإرادتهم الحرّة؛ لتنمية كياناتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذا أقل شيء مطلوب الآن وأي شيء آخر سيأتي في وقته وفي ظلّ معطيات أو ظروف أخرى.

تلك ملاحظات أولية لحرب إسرائيل الوحشية على غزة، وهي حرب لم تنته، ولا أحد يعرف متى أو كيف ستنتهي، وما هي التداعيات والتحديات التي ستنشأ عنها؟، وهي مسائل طالما تحدثنا عنها قبل تلك الحرب المهولة، وتستحق قولها خلال الحرب وبعدها؛ إذ الواقع أكثر هولًا وكارثية من مجرد توصيفه، والكتابة عنه.

اظهر المزيد

ماجد كيالي

بــاحــث فلسطيــني - سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى