في دورة باريس الأوليمبية الماضية 2024، فاز 17 اتحادًا رياضيًّا عربيًّا بميداليات: الاتحادات البحرينية لألعاب القوى ورفع الأثقال والمصارعة، والاتحادات الجزائرية للجمباز وألعاب القوى والملاكمة، والاتحادات التونسية للسلاح والتايكوندو، والاتحادات المصرية للسلاح ورفع الأثقال والخماسي الحديث، والاتحادات الجزائرية للجمباز وألعاب القوى والملاكمة، والاتحادين المغربيين لألعاب القوى وكرة القدم، والاتحاد الأردني للتايكوندو، والاتحاد القطري لألعاب القوى. وبعدما اتفق العالم على أن الميدالية الأوليمبية دائمًا هي الجائزة الرياضية الأهم والأكبر والأغلى، فإن نتائج باريس تعني أن هناك 17 اتحادًا في 8 بلدان عربية نجحت في تطوير ألعابها وفازت بميداليات أوليمبية في 2024، ولم تكن ميداليات باريس سوى خطوة جديدة في مشوار طويل مشته الاتحادات الأهلية العربية لتطوير الألعاب في بلدانها، مشوار بدأ بالتحديد في 3 ديسمبر 1921، ففي ذلك اليوم تأسس في القاهرة الاتحاد المصري لكرة القدم كأول اتحاد رياضي عربي، وطيلة 104 سنة، منذ 1921 حتى 2025، توالى تأسيس الاتحادات الأهلية العربية وتوالت نجاحاتها ليست فقط في تطوير ألعابها إنما قامت هذه الاتحادات بأدوار كثيرة كلها كانت ضرورية، سواء أدوار وطنية واجتماعية وإنسانية وبالتأكيد أدوار رياضية أيضًا.
وكان الدور الوطني هو أول ما قامت به الاتحادات الأهلية العربية، وكان النجاح الأول لهذه الاتحادات هو تأكيد الهوية؛ حيث تأسست هذه الاتحادات في معظم البلدان العربية قبل إعلان الاستقلال أو مباشرة بعد الاستقلال وتأسيس الدولة، فكانت هذه الاتحادات في بلدان كثيرة بمثابة العلم والرمز للوطن، وحولها التف الناس ليس بحثًا عن بطولة وانتصار إنما اعتزاز بأرض وأهل وبلد، وكثيرة جدًا هذه القصص التي رافقت تأسيس الاتحادات الرياضية في كل البلدان العربية وامتزجت فيها الوطنية الرومانسية بالألعاب ومبارياتها وبطولاتها. وبعد الاستقرار السياسي بدأت هذه الاتحادات الأهلية العربية تلتفت لألعابها، وكانت الانتصارات التي حققتها الاتحادات الأهلية العربية في مختلف الألعاب لها دافع أساسي ونتيجة مهمة، الدافع كان البحث عن كبرياء رياضي لوطن أكثر مما كان مجرد بطولة وانتصار لاتحاد أو لاعب، أما النتيجة فكانت الفرحة الجماعية التي جاءت بها كل ميدالية أوليمبية أو بطولة كبرى، ولابد هنا من تقسيم ما قامت به هذه الاتحادات لتطوير ألعابها وتحقيق نجاحاتها إلى ثلاثة أمور أساسية: الأول، هو النجاحات الأوليمبية للاتحادات العربية والميداليات التي فاز بها لاعبوها. والثاني، هو نجاحها في البطولات والدورات العالمية والقارية سواء بطولات ودورات فازت بها وفيها أو نجحت في استضافتها. والنجاح الثالث، هو أدوار اجتماعية وإنسانية قامت بها هذه الاتحادات في بلدانها.
وفي المجال الأوليمبي، جاءت أولى الميداليات العربية في ثلاث ألعاب في أمستردام 1928، وحققتها ثلاثة اتحادات مصرية هي: رفع الأثقال، المصارعة والغطس، وانتظر العرب 32 عامًا لإضافة ميدالية أوليمبية في لعبتين جديدتين في روما 1960، ميدالية للاتحاد المغربي لألعاب القوى، وميدالية أخرى للاتحاد المصري للملاكمة، وفي لوس أنجلوس 1984 جاءت الميدالية الأوليمبية لخامس لعبة عربية وكانت للاتحاد المصري للجودو، وفي سيدنى 2000 كانت الميدالية الأوليمبية لسادس وسابع لعبة عربية، فاز بهما الاتحاد الكويتي للرماية والاتحاد السعودي للفروسية، وفي أثينا 2004 كانت الميدالية لثامن لعبة عربية وفاز بها الاتحاد المصري للتايكوندو، وفي بكين 2008 كانت الميدالية لتاسع لعبة عربية وفاز بها الاتحاد التونسي للسباحة، وفي لندن 2012 كانت الميدالية لعاشر لعبة عربية وفاز بها الاتحاد المصري للسلاح، وفي طوكيو 2020 كانت الميدالية الأوليمبية للعبة العربية الحادية عشرة وفاز بها الاتحاد المصري للكاراتيه واللعبة الثانية عشرة وفاز بها الاتحاد القطري للكرة الطائرة واللعبة الثالثة عشرة وفاز بها الاتحاد المصري للخماسي الحديث، وفي باريس 2024 كانت الميدالية الأوليمبية للعبة العربية الرابعة عشرة وفاز بها الاتحاد الجزائري للجمباز، واللعبة الخامسة عشرة وفاز بها الاتحاد المغربي لكرة القدم.
وإذا كان هذا هو الترتيب التاريخي لفوز الألعاب العربية بميداليات أوليمبية، فإن المشهد الأوليمبي العربي فيه ما هو أهم من مجرد استعادة تاريخ الفوز والميداليات، وهو مشهد لم يسبق أن توقف أمامه أحد بالتأمل والتحليل، إنما كان الاهتمام الدائم خاص بكل وأي دولة عربية على حدة دون رؤية إجمالية عربية، ومن يتأمل هذا المشهد الأوليمبي العربي سيخرج بعد نتائج لها معانيها ودلالاتها، وأول هذه المعاني هي أن ألعاب القوى كانت أكثر الألعاب التي نجحت الاتحادات العربية في تطويرها والمحافظة على انتصاراتها. ومنذ دورة روما 1960 حتى دورة باريس 2024، فازت ألعاب القوى بـ 53 ميدالية حصل عليها 19 اتحاد أهلي عربي هي: اتحادات المغرب والجزائر والبحرين وقطر وتونس والسعودية وسوريا والسودان وجيبوتي، والمغرب كانت الرائدة ولها 21 ميدالية، وكانت الميدالية الواحدة التي فاز بها السودان وجيبوتي هي الميدالية الأوليمبية الوحيدة لكل من الدولتين. وثاني أنجح الألعاب العربية في المشهد الأوليمبي هي رفع الأثقال، التي فاز فيها العرب بـ 20 ميدالية حصلت عليها ستة اتحادات أهلية في: مصر والعراق ولبنان وقطر وسوريا والبحرين، وكانت مصر هي الرائدة ولها 15 ميدالية. واللعبة الثالثة كانت الملاكمة، وفاز فيها العرب بـ 18 ميدالية حصلت عليها خمسة اتحادات أهلية في: الجزائر ومصر والمغرب وتونس وسوريا، وكانت الجزائر هي الرائدة ولها 7 ميداليات. واللعبة الرابعة هي المصارعة، وفاز فيها العرب بـ 14 ميدالية حصلت عليها خمسة اتحادات أهلية في: مصر ولبنان وسوريا وتونس والبحرين، وكانت مصر هي الرائدة ولها 8 ميداليات. واللعبة الخامسة هي التايكوندو، وفاز فيها العرب بـ 11 ميدالية حصلت عليها ثلاثة اتحادات أهلية في: مصر وتونس والأردن، واقتسمت الصدارة مصر وتونس ولكل منهما 4 ميداليات. واللعبة السادسة هي الرماية، وفاز فيها العرب بـ 6 ميداليات حصلت عليها ثلاثة اتحادات أهلية في: الكويت وقطر والإمارات، والصدارة للكويت ولها 4 ميداليات، منها ميداليتان فازت بها الكويت تحت العلم الأوليمبي نتيجة عقوبة أوليمبية مؤقتة. واللعبة السابعة هي الجودو، وفاز فيها العرب بـ 5 ميداليات حصلت عليها ثلاثة اتحادات أهلية، وتقاسمت مصر والجزائر الصدارة بميداليتين لكل منهما. واللعبة الثامنة هي السلاح، وفاز فيها العرب بـ 4 ميداليات حصل عليها اتحادان أهليان في مصر وتونس. واللعبة التاسعة هي الكاراتيه، وفاز فيها العرب بـ 4 ميداليات حصلت عليها ثلاثة اتحادات أهلية في: مصر والسعودية والأردن، والصدارة لمصر بميداليتين.
وإلى جانب هذه الألعاب، هناك ألعاب أخرى كانت ميدالياتها لاتحاد أهلي في دولة عربية واحدة، ففي السباحة فاز الاتحاد التونسي بأربع ميداليات، وفي الفروسية ميداليتان فاز بهما الاتحاد السعودي، وفي الغطس ميداليتان فاز بهما الاتحاد المصري، وفي الخماسي الحديث ميداليتان فاز بهما الاتحاد المصري، وميدالية وحيدة في الكرة الشاطئية للاتحاد القطري، وميدالية وحيدة في الجمباز للاتحاد الجزائري، وميدالية وحيدة في كرة القدم للاتحاد المغربي، وهي الميدالية العربية الوحيدة في أية لعبة جماعية.
ومن قراءة نفس المشهد الأوليمبي نعرف أيضًا أن هناك اتحادات أهلية عربية لم تقتصر نجاحاتها على الرجال فقط إنما كانت هناك ميداليات للاعبات عربيات أيضًا، وعلى رأس هذه القائمة ألعاب القوى التي فازت فيها 14 لاعبة: ست لاعبات من البحرين، وثلاث لاعبات من الجزائر، ولاعبتان من المغرب، ولاعبة واحدة من سوريا ومن تونس، وفي رفع الأثقال لاعبتان من مصر، وفي الكاراتيه لاعبتان من مصر، ولاعبة واحدة في المصارعة من تونس، ولاعبة واحدة في الملاكمة من الجزائر، ولاعبة واحدة في الجودو من الجزائر، ولاعبة واحدة في التايكوندو من مصر، ولاعبة واحدة في السلاح من تونس، ولاعبة واحدة في الجمباز من الجزائر.
ولم تقتصر نجاحات الاتحادات الأهلية الرياضية العربية على الفوز بميداليات أوليمبية فقط، فكانت هناك نجاحات أخرى في بطولات العالم أيضًا، ففي بطولات العالم لألعاب القوى فاز العرب بـ 34 ميدالية ذهبية منها: 12 للمغرب و8 للبحرين و6 للجزائر و5 لقطر وميدالية لكل من: تونس وسوريا والصومال، وفازت أيضًا جيبوتي بميداليتين فضيتين، والسودان بفضية واحدة، والسعودية ببرونزية واحدة. وفي بطولات العالم لرفع الأثقال، فاز العرب بـ 20 ميدالية ذهبية منها: 14 لمصر و5 لقطر وميدالية واحدة للبحرين، وفازت تونس بميدالية فضية وكل من: العراق والسعودية بميداليتين برونزيتين. وفي بطولات العالم للكاراتيه، فاز العرب بـ 11 ميدالية ذهبية منها عشر ميداليات لمصر وميدالية للأردن. وفي بطولات العالم للرماية، فاز العرب بـ 8 ميداليات ذهبية منها: 6 ميداليات للإمارات وميدالية لمصر وميدالية للإمارات، وفاز لبنان بالفضة. وفي بطولات العالم للمصارعة، فاز العرب بثلاثة ميداليات ذهبية كانت لمصر، وفازت بالفضية البحرين ولبنان وتونس، وفازت سوريا ببرونزية. وفي بطولات العالم للسباحة، فاز العرب بأربع ميداليات ذهبية كانت لتونس، وفازت مصر بخمس ميداليات برونزية. وفي بطولات العالم للتايكوندو، فاز العرب بميداليتين ذهبيتين كانتا لمصر، وفاز بالفضة المغرب والأردن والبحرين، وفازت تونس والسعودية بالبرونز. وفي بطولة العالم للفروسية، فاز العرب بثلاث ميداليات ذهبية كانت للإمارات، وفازت السعودية بالفضة، وقطر بالبرونز. وفي بطولات العالم للمصارعة، فاز العرب بأربع ميداليات ذهبية منها: 3 لمصر وميدالية للبحرين، وفازت تونس بالفضة، وسوريا بالبرونز. وفي بطولات العالم للخماسي الحديث، فاز العرب بـ 8 ميداليات ذهبية كانت كلها لمصر. وفي بطولات العالم للملاكمة، فاز العرب بذهبية واحدة للمغرب، وفازت الجزائر بالفضة وكل من: مصر والأردن بالبرونز. وفي بطولات العالم للجودو، فاز العرب بميدالية ذهبية وحيدة لتونس، وفازت مصر بالفضة، والإمارات بالبرونز. وفي بطولات العالم للسلاح، فاز العرب بميدالية فضية لتونس، وفازت مصر بالبرونز. وفي بطولات العالم للجمباز، فاز العرب بميدالية فضية وحيدة للجزائر. وفي بطولات العالم لكرة اليد، فازت قطر بميدالية فضية هي الميدالية العربية الوحيدة في بطولات العالم للألعاب الجماعية. وفي بطولات العالم للغطس، فاز العرب بميدالية برونزية وحيدة كانت لمصر، التي سبق لها أيضًا الفوز ببطولة العالم للبلياردو والجولف كروكيه وكمال الأجسام.
ووفقًا للاهتمام الشعبي والإعلامي بكرة القدم في بلاد العرب، يبقى الاتحاد المغربي هو صاحب الإنجاز الأكبر بعد فوزه بالمركز الرابع في نهائيات كأس العالم 2022، وكان المغرب أول دولة عربية تحقق ذلك وأول دولة إفريقية أيضًا، كما نجح الاتحاد المغربي لكرة القدم أيضًا في أن يصبح أول دولة عربية تشارك في نهائيات كأس العالم لكرة القدم للسيدات، وكان الاتحاد القطري هو صاحب الإنجاز الضخم كأول اتحاد عربي يستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم في 2022، ويشارك المغرب أيضًا في استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030، وتستضيف السعودية نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2034. وفي كأس العالم لكرة القدم تحت 20 سنة، فازت قطر بالمركز الثاني 1981، ومصر بالمركز الثالث 2001، والمغرب بالمركز الرابع 2005، والعراق بالمركز الرابع 2013، واستضافت نهائيات هذه البطولة: تونس1977، السعودية 1989، قطر 1995، الإمارات 2003 ومصر2009. وفي بطولة كأس العالم تحت 17 سنة، فازت بها السعودية 1989، وفازت بالمركز الرابع كل من: البحرين 1989، قطر 1991 وسلطنة عمان 1995، واستضافت البطولة مصر1997 والإمارات 2013، وتستضيف قطر البطولة 2027. وفي بطولة أمم إفريقيا، فازت مصر 7 مرات والجزائر مرتين، وبطولة واحدة لكل من: تونس والسودان والمغرب، وفازت ليبيا بالمركز الثاني. وفي بطولة أمم آسيا، فازت السعودية 3 مرات وقطر مرتين، وبطولة واحدة لكل من: الكويت والعراق، وفازت بالمركز الثاني الإمارات والأردن.
وبعيدًا عن كرة القدم، يبقى الاتحاد المصري للإسكواش هو أكثر اتحاد عربي فوزًا ببطولات العالم، سواء بطولات الفردي والفرق والرجال والسيدات والكبار والناشئين، ونجح الاتحاد التونسي للتنس في أن يقدم للعالم اللاعبة “أنس جابر” كأول لاعبة تنس عربية تصل إلى نهائي اثنتين من بطولات الجائزة الكبرى وتصبح مصنفة ثانية على العالم. وفي بطولة إفريقيا لكرة السلة، فازت مصر خمس مرات وتونس ثلاث مرات والمغرب مرة وحيدة، وحصلت الجزائر على المركز الثاني. وفي بطولة آسيا لكرة السلة، فاز لبنان والأردن بالمركز الثاني، والمركز الثالث لقطر والسعودية. وفي بطولة إفريقيا لكرة اليد، فازت تونس 10 مرات ومصر 9 مرات والجزائر سبع مرات، والمركز الثالث للمغرب. وفي بطولة آسيا لكرة اليد، فازت قطر 6 مرات والكويت 4 مرات، والمركز الثاني للبحرين، والمركز الثالث للسعودية. وفي بطولة إفريقيا للكرة الطائرة، فازت تونس 11 مرة ومصر 9 مرات والجزائر مرتين، وفازت المغرب بالمركز الثالث. وفي بطولة آسيا للكرة الطائرة، فازت قطر بالمركز الثالث. وتسيدت تونس ومصر بطولة إفريقيا لرفع الأثقال، ومعهما أيضًا الجزائر وليبيا والمغرب. وفي بطولة إفريقيا للجودو، فازت الجزائر وتونس ومصر والمغرب. وفي بطولة آسيا للجودو، فازت الإمارات، وكان المركز الثالث للكويت وسوريا ولبنان. وفي دورات الألعاب الإفريقية، فازت مصر بـ 8 دورات وتونس بدورة واحدة.
وإلى جانب نجاحاتها الرياضية، كانت هناك أدوار اجتماعية وإنسانية قامت بها الاتحادات الأهلية العربية منها: الاتحاد العراقي لكرة القدم، حين فاز العراق بكأس آسيا 2007، وكانت بطولة لم يلعب العراق في تصفياتها أي مباراة على أرضه؛ حيث لم يكن مسموحًا له بذلك، واضطر للعب في الإمارات بعيدًا عن التوتر والخوف والأشواك التي غرسها كثيرون فوق أرض العراق، وفاز العراق المغترب في التصفيات على سنغافورة، الصين وفلسطين، وتعادل في النهائيات مع تايلاند، وفاز على أستراليا وتعادل مع سلطنة عمان وتصدر مجموعته، وفاز على فيتنام في دور الثمانية، وعلى كوريا الجنوبية في قبل النهائي، ثم فاز في النهائي على السعودية، وحمل كأس آسيا رغم كل المعاناة والغياب عن الأرض والجمهور، وكانت فرحة العراقيين بالكأس أكبر من أي خلافات أو صدام أفكار ورؤى ومعتقدات وأهواء، توحد العراقيون وقتها وقدموا للعالم دليلًا جديدًا على ما تستطيعه كرة القدم. وفي 2019، استطاعت كرة القدم أن تمنح اللبنانيين إجازة قصيرة ومؤقتة من الخوف والتوتر والقلق وغضب شوارعهم وبيوتهم وقلوبهم وبحرهم، وأمام أبواب مطار بيروت وقف كثيرون يستقبلون فريق العهد اللبناني العائد من العاصمة الماليزية “كوالا لامبور” بكأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، أول لقب كروي قاري يحققه أي نادٍ لبناني في تاريخ البلد واللعبة، وعلى الرغم من تأهل ناديين لبنانيين من قبل لنهائي هذه البطولة هما (النجمة، الصفاء) إلا أنهما لم ينجحا في الفوز، كأن كرة القدم انتظرت اللحظة المناسبة لتمنح لبنان مثل هذا الانتصار واللقب الآسيوي الكبير، انتصار جاء في وقته وكان يحتاجه لبنانيون كثيرون حتى لو لم تربطهم أي علاقة حقيقية بكرة القدم. وفي 2024، ونتيجة لأحداث غير هادئة ومستقرة، اُضطر الاتحاد السوداني لكرة القدم لأن يشرك نادييه الكبيرين (الهلال، المريخ) في الدوري الموريتاني، وفي نفس الوقت شارك الهلال في دوري الأبطال الإفريقي، وكان النادي الوحيد في البطولة الذي لا يلعب أي مباراة على أرضه وأمام جماهيره، فهو إما سيلعب في بلدان الأندية التي سيواجهها في البطولة أو سيلعب في موريتانيا. وتوالت النتائج الجميلة التي حققها النادي السوداني الكبير مؤخرًا بمثابة رد فعل من لاعبين قرروا تحدي الاغتراب والغياب عن أرض وأهل ووطن، وأرادوا انتصارًا في وطن يفتش عن هدوء وأمان واستقرار وسلام، تضاءلت فيه مساحة الفرحة وبدأ البحث عنها حتى لو ملعب كرة بعيدًا عن الوطن.
وهكذا قامت الاتحادات الأهلية الرياضية العربية بتطوير ألعابها والوصول بها للميداليات الأوليمبية والبطولات العالمية والقارية، وبالتأكيد كانت هناك نجاحات وانتصارات مثلما كانت هناك إخفاقات وخسائر وفقًا لكل قوانين الرياضة التي لا تعرف من يفوز دائمًا أو لا يفوز أبدًا، لكن يبقى النجاح الأكبر للاتحادات الأهلية الرياضية العربية ليس ميدالية أوليمبية أو بطولة عالم وقارة أو استضافة بطولة ودورة كبرى، رغم أن ذلك كان يبدو مستحيلًا حين تأسست هذه الاتحادات وبدأت تمارس مهامها وتقوم بواجباتها، إنما هو نجاح هذه الاتحادات الأهلية في المحافظة على هويتها الوطنية وتمسكها بقواعد ومصالح وحدود بلدانها ومجتمعاتها العربية، إلى جانب فرحة حقيقية تكررت كثيرًا في كل بلد عربية عن طريق انتصارات وبطولات رياضية ومعها كان الكبرياء والاعتزاز وتأكيد الانتماء.