2024العدد 198ملف دولى

التحالف الدولي المؤقت لحماية إسرائيل هل يتحول إلى تحالف دائم ضد إيران؟

قامت إيران بشن هجماتها العسكرية على إسرائيل؛ ردًا على قصف قنصليتها بالعاصمة السورية دمشق، وذلك بإطلاق عشرات المسيرات والصواريخ باتجاه الداخل الإسرائيلي، وقد أدت هذه الهجمات إلى إحداث تغيير في شكل الصراع الإيراني الإسرائيلي وفتحت المجال أمام عمليات عسكرية مباشرة بين البلدين. وقد تمكن التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة ومشاركة كلٍ من (بريطانيا، وفرنسا، والأردن، وشركاء إقليميين آخرين) من حماية إسرائيل وإسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية، الأمر الذي تزايدت معه احتمالات تحول هذا التحالف الدولي المؤقت إلى تحالف دولي دائم ضد إيران.

الهجوم الإيراني غير المسبوق على إسرائيل:

شنَّت إيران مساء السبت 13 أبريل 2024 هجمات عسكرية مكثفة من أراضيها تجاه إسرائيل، أطلقت عليها اسم “الوعد الصادق”، وذلك باستخدام ما يزيد عن 330 من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز[1]. وقد جاءت هذه الهجمات العسكرية ردًا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من الشهر نفسه، والذي أسفر عن مقتل سبعة من قادة الحرس الثوري الإيراني بينهم اثنان من كبار قادة “فيلق القدس”. ويعد الهجوم الإيراني أول هجوم غير مسبوق استهدف العمق الإسرائيلي بشكل مباشر، الأمر الذي أدى إلى تغير قواعد الاشتباك بين البلدين ودخول الصراع بينهما في مرحلة جديدة. وقد عكست العديد من المؤشرات توقع الهجوم الإيراني على إسرائيل من بينها ما أعلنه الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، في 12 أبريل 2024، من أنه يتوقع أن تحاول طهران توجيه ضربة لإسرائيل في المدى القريب عاجلًا وليس آجلًا، وقيام قائد القيادة المركزية الأمريكية “USCENTCOM” بزيارة إسرائيل للتنسيق بشأن “انتقام إيراني” محتمل من تل أبيب. هذا بالإضافة إلى ما أعلنه المرشد الإيراني “علي خامنئي” من أن إسرائيل يجب معاقبتها، وذلك في أعقاب استهدافها للقنصلية الإيرانية وتدميرها. ومن بين المؤشرات أيضًا مطالبة مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الوزارات بالاستعداد لهجوم إيراني محتمل، كما تم إعطاء الأوامر بفتح الملاجئ العامة وتجهيزها ومنع سفر جنود الجيش الإسرائيلي للخارج.

وجدير بالذكر أنه قبل الهجوم الإيراني على إسرائيل ظل المسؤولون الأمريكيون بمن فيهم وزير الدفاع “لويد أوستن”، ووزير الخارجية ” أنتوني بلينكن” على اتصال مستمر مع إسرائيل ودول أخري في المنطقة، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية ” البنتاغون” عن نشر قوات إضافية في المنطقة لتعزيز الردع الإقليمي وحماية القوات الأمريكية. كما حرص الجانب الإيراني على التنسيق الضمني مع واشنطن؛ حيث اعترف وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” بإبلاغ الولايات المتحدة بموعد الضربة العسكرية لإسرائيل قبل تنفيذها، وبأنها ستكون “محدودة” وللدفاع عن النفس. ومن جانبها، حرصت واشنطن على أن تظل على اتصال مع إيران عبر سلسلة اتصالات مباشرة نقلت عبر سويسرا، التي تتولي إدارة المصالح الأمريكية في إيران منذ قطع العلاقات بين طهران وواشنطن قبل أكثر من 40 عامًا.

وقد انطوى الهجوم الإيراني على إسرائيل على عدة أهداف ورسائل هامة لعل أبرزها على الصعيد الداخلي: مساعي طهران إلى تهدئة الرأي العام في الداخل الإيراني، والذي تزايدت مطالبه في الآونة الأخيرة بضرورة الرد على الاستفزازات الإسرائيلية، بما في ذلك استهداف إسرائيل الأخير لمقر القنصلية الإيرانية في سوريا. كما حرصت إيران على الصعيد الخارجي، على إرسال رسالة ردع واضحة إلى إسرائيل مفادها أن إيران تمتلك القدرات العسكرية للرد عند استهدافها. وقد لوحظ حرص طهران على أن يكون التصعيد منضبطًا بما في ذلك حرصها على تجنيب المنطقة خطر الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، كما اتسمت التصريحات الرسمية الإيرانية أيضًا بتبني لهجة منضبطة من خلال التأكيد على أن الهجمات العسكرية كانت تحذيرية مع تعمد النأي بتلك الهجمات بعيدًا عن الحرب الدائرة في غزة، وبأنها تم تنفيذها استنادًا إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع عن النفس، كما لوحظ أيضًا عدم تدخل أي من وكلاء إيران في المنطقة بشكل مؤثر ميدانيًّا في عمليات ” الوعد الصادق” ضد إسرائيل.

التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لحماية إسرائيل:

بذلت الولايات المتحدة جهودًا حثيثة للدفاع عن إسرائيل، وحماية أمنها في مواجهة الهجوم الإيراني، والحيلولة دون جر المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق. فقد تصدت قوات التحالف الدولي المؤقت بزعامة الولايات المتحدة ومشاركة كل من (بريطانيا، وفرنسا، والأردن، وشركاء إقليميين آخرين) للهجمات العسكرية الإيرانية التي انطلقت من الأراضي الإيرانية وانطلق بعضها أيضًا من أراضي كل من (العراق، وسوريا، واليمن). ومن جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي إحباط الهجمات الإيرانية بدعم من التحالف الدولي، مشيرًا إلى إسقاط ما يقرب من 99% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية، ووقوع أضرار طفيفة في قاعدة “نيفاتيم” العسكرية في منطقة النقب في جنوب إسرائيل.

ومن جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” أن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط قد اعترضت عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، كما أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية “سنتكوم” أن الولايات المتحدة تمكنت من تدمير أكثر من 80 طائرة مسيرة و6 صواريخ باليستية على الأقل، كما دمرت سفينتان حربيتان أمريكيتان موجودتان في المنطقة 6 صواريخ باليستية في شرق البحر المتوسطـ، وذلك قبل أن تتدخل الطائرات وتدمر بدورها أكثر من 70 مسيرة إيرانية. وقد شاركت بريطانيا هي الأخرى في إسقاط عدد من المسيرات التي أطلقتها إيران في هجومها على إسرائيل؛ حيث أكد رئيس وزرائها “ريشي سوناك” أن: “سلاح الجو الملكي البريطاني قد أسقط عددًا من المسيرات في أثناء الهجوم الإيراني على إسرائيل”. كما ساهمت فرنسا أيضًا في صد الهجوم الإيراني؛ حيث أكد الرئيس الفرنسي ” إيمانويل ماكرون” أن الجيش الفرنسي قد اعترض بالفعل صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية كانت متجهة إلى إسرائيل. وفي الأردن اعترض سلاح الجو الأردني وأسقط عشرات الطائرات المسيرة الإيرانية، التي انتهكت المجال الجوي للمملكة وكانت متجهة إلى إسرائيل، وأوضح رئيس الوزراء الأردني “بشر الخصاونة” أن “القوات الأردنية تصدت لبعض الأجسام الطائرة التي دخلت أجواءنا”، كما أكد وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” استمرار المملكة في اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أمن الأردن وسيادته وعدم السماح لأي كان بتعريض أمن البلاد للخطر.

ووفقًا لما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنا” Wall Street Journal ” الأمريكية فقد تعاونت بعض الدول العربية، وخاصة (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية، وقطر) في صد الهجوم الإيراني، وذلك ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي تسعي منذ سنوات إلى تشكيل شراكة عسكرية غير رسمية في المنطقة لمواجهة التهديدات الإيرانية. وقد أفادت الصحيفة الأمريكية بقيام الدول العربية المذكورة بتقديم معلومات استخباراتية حول خطط إيران لمهاجمة إسرائيل، موفرة بذلك معلومات تعد أساسية لنجاح عمليات الدفاع الجوي التي أحبطت الهجوم الإيراني؛ حيث تم نقل هذه المعلومات إلى الولايات المتحدة.  وفي هذا السياق، نقلت صحيفة ” تايمز أوف إسرائيل Times of Israel ” الإسرائيلية أن هذه تعد المرة الأولى التي يتعاون فيها أعضاء التحالف الإقليمي سويًّا ضد إيران، مشيرة إلى تلقي كل من (السعودية، وقطر) معلومات استخباراتية حول توقيت الهجوم الإيراني، والتي تم تمريرها إلى إسرائيل نتيجة للضغوط الأمريكية، كما نوهت الصحيفة الإسرائيلية أيضًا بمركز العمليات المشتركة عند قاعدة “العديد”([2]) الجوية في الدوحة، والتي تم من خلالها جمع البيانات من الرادارات وأجهزة الاستشعار المنتشرة في أنحاء المنطقة، مما أسهم في تقديم صورة تفصيلية عن المجال الجوي أو القدرات الجوية في المنطقة. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أنه قد تم تعقب الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية بواسطة الرادارات في دول الخليج وعبر مركز العمليات في قطر، ثم تم إرسال المعلومات إلى السفن الحربية ووحدات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية.

وفضلًا عن الدعم العسكري الدولي، فقد أنشأت إسرائيل على مر السنين بمساعدة الولايات المتحدة شبكة للدفاع الجوي أو للأنظمة الدفاعية متعددة المستويات تتضمن أنظمة قادرة على اعتراض تهديدات مختلفة من بينها: الصواريخ طويلة المدى، وصواريخ كروز، وطائرات بدون طيار، والصواريخ قصيرة المدى، مما ساهم في صد الهجمات الإيرانية.

الهجوم الإيراني على إسرائيل: خسائر محدودة ومكاسب عدة:

تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الخسائر الناجمة عن الهجوم الإيراني على إسرائيل قد جاءت محدودة على الصعيد الميداني العسكري مع أضرار طفيفة بالبنية التحتية، بالإضافة إلى حالة التوتر والاستنفار والذعر الكبير التي شهدها الشارع الإسرائيلي من جراء الهجوم الإيراني. من ناحية أخري، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن الهجوم الإيراني الذي وصفته “بالفاشل” قد تحول لنعمة لم تكن متوقعة لإسرائيل؛ حيث منحها مكاسب وفوائد عدة، ومن ضمن هذه المكاسب: أن هذا الهجوم غير المسبوق قد مثل نقطة تحول سياسي لإسرائيل التي حظيت بالدعم الغربي بعد أشهر عدة عانت فيها من العزلة السياسية الدولية من جراء حربها على غزة، إلى جانب استعادتها لزخم علاقاتها مع حليفتها الولايات المتحدة بعد توتر غير مسبوق في العلاقات، وذلك من خلال ما قامت به واشنطن من حشد الدعم الغربي لإسرائيل وقيامها بتشكيل تحالف دولي بقيادتها لحماية إسرائيل، وضمان أمنها وإحباط الهجوم الإيراني على أراضيها. ومن ضمن المكاسب السياسية أيضًا: تحول الأنظار ولو مؤقتًا عن الأوضاع الكارثية والفظائع التي تُرتكب في قطاع غزة، واستعادة إسرائيل لمكانتها كقوة تكنولوجية عظمى في كل ما يتعلق بالدفاع الجوي وتحسن صورتها بشكل كبير في مجال الاستخبارات الدقيقة، كما تم أيضًا تأطير إيران وتحويل الأنظار إليها بوصفها “عاصمة الإرهاب العالمية”.

التعاطي الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الهجمات الإيرانية:

في ظل تزايد الدعوات الدولية بضرورة التريث وعدم الانزلاق إلى حرب إقليمية، وأهمية الحفاظ على التحالف الدولي الناشئ بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران، فقد أفادت مصادر إعلامية داخل إسرائيل بأن قادتها في الائتلاف والمعارضة قد توافقوا على ضرورة الرد على إيران لكنهم اختلفوا على حجم الرد وتوقيته ومكانه، كما توافق المستوى العسكري مع السياسي في إسرائيل حول حتمية الرد على إيران. ومن جانبه، قام رئيس الوزراء ” بنيامين نتنياهو” باستدعاء مجلس وزراء الحرب للمرة الثانية خلال 24 ساعة لبحث كيفية الرد، وذلك دون الإضرار بالحلفاء الدوليين وتجنب إضاعة فرصة بناء تحالف إستراتيجي دولي ضد طهران، كما طلب “نتنياهو” من الجيش تقديم خيارات استهداف محتملة لهجوم إسرائيلي على إيران، لافتًا إلى أن تل أبيب تنظر في خيارات من شأنها إرسال رسالة دون التسبب في خسائر بشرية ودون أن تؤدي إلى إشعال حرب إقليمية.

وقد بدا لافتًا حرص الولايات المتحدة على أن تثني إسرائيل عن القيام بشن أي هجوم عسكري مضاد غير محسوب ضد إيران دون التفكير في تداعياته على معادلة الأمن الإقليمي؛ حيث أبدت واشنطن تحفظات معلنة على رد عسكري إسرائيلي، فقد أكد الرئيس الأمريكي ” بايدن” في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ” نتنياهو” بأن “الولايات المتحدة لن تشارك في أي عمليات هجومية ضد إيران”. ويرجع الإحجام الأمريكي عن المشاركة لأسباب تتعلق بالمصالح الأمريكية (العسكرية، والأمنية، والاقتصادية) في المنطقة، وحرص واشنطن على الحيلولة دون جر المنطقة إلي حرب إقليمية تؤثر على استقرارها، هذا بالإضافة إلى حسابات داخلية ذات صلة بالانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة، فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام الأمريكي انخفاضًا كبيرًا في شعبية “بايدن” بسبب نهجه في التعاطي مع حرب غزة. وعليه، فقد بدا واضحًا أن إسرائيل قد اختارت تأجيل الرد المضاد إلى وقت لاحق على الأقل في المدى القريب، مع التأكيد على ضرورة أن يكون الرد محدودًا تستطيع إيران امتصاصه.

الهجوم الإسرائيلي الانتقائي المحدود على إيران:

بعد نحو أسبوع من التهديدات، نفذت إسرائيل تهديدها بالرد المضاد على إيران من خلال قيام الجيش الإسرائيلي في 19 أبريل 2024 بشن هجوم جوي داخل إيران، والذي استهدف القاعدة العسكرية الجوية “هشتم شكاري” بالقرب من مدينة أصفهان ([3]). وقد ذكرت صحيفة “واشنطن بوست Washington Post” الأمريكية أن الهجوم الإسرائيلي جاء انتقائيًّا ومحدودًا، وأنه لم يتم بالصواريخ وإنما تم بثلاثة مسيرات يطلق عليها اسم “الطائرات الانتحارية”، مشيرة إلى أنه استهدف أن يوضح لطهران أن إسرائيل لديها القدرة على شن هجوم داخل العمق الإيراني، إلى جانب قدرتها على الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الهجوم الإسرائيلي قد قوبل بالصمت من الجانبين (الإسرائيلي، والإيراني)؛ حيث لم تتهم طهران تل أبيب به، كما لم تعلن تل أبيب من جانبها مسؤوليتها عن الهجوم؛ حيث التزمت الصمت ورفض جيشها التعليق على هذا الأمر، كما طلبت تل أبيب من سفاراتها في دول العالم عدم التعليق على الهجوم، الأمر الذي دفع طهران إلى اعتبار الهجوم “حدثًا أمنيًّا”، ولم ينجم عن اعتداء من الخارج. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمزNew York Times” الأمريكية أن الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية تشير إلى أن الضربة الإسرائيلية على القاعدة الجوية الإيرانية، قد أثرت على جزء هام من نظام الدفاع الجوي؛ حيث أسفرت عن تدمير رادار يستخدم في أنظمة الدفاع الجوي إس-300 لتتبع الأهداف القادمة، ولم يسفر عنها أي إصابات أو أضرار بشرية. ومن جانبها أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم إلحاق أي ضرر بالمواقع النووية الإيرانية في أصفهان.

فيما يتعلق باحتمالات تحول التحالف الدولي المؤقت إلى تحالف دائم ضد إيران:

بادئ ذي بدء يتعين تسليط الضوء على المعطيات التالية:

أولًا: منحت الهجمات الإيرانية المباشرة غير المسبوقة تل أبيب – ولأول مرة- فرصة تكوين تحالف دولي واسع بزعامة الولايات المتحدة وبمشاركة كل من (بريطانيا، وفرنسا، والأردن، إلى جانب شركاء إقليميين آخرين) لحماية إسرائيل وضمان أمنها في مواجهة التصعيد العسكري الإيراني. الأمر الذي يمهد مستقبلًا السبيل إلى دعم وتعزيز هذا التحالف الدولي، وذلك بما يمكن إسرائيل بمساندة حلفائها من القضاء على البرنامج النووي الإيراني وتدمير جيوش طهران “الإرهابية”.

ثانيًا: إن جوهر الإستراتيجية الإسرائيلية إزاء التهديدات الإيرانية لم ولن تتغير، والتي تهدف بالأساس إلى القضاء على برنامج إيران النووي وتقويض التموضع العسكري الإيراني في سوريا، وتدمير ترسانة “حزب الله” العسكرية من الأسلحة والصواريخ الدقيقة، والتي تشكل خطرًا إستراتيجيًّا على إسرائيل.

ثالثًا: يرجع مشاركة العديد من الدول العربية في هذا التحالف الدولي الواسع إلى اعتبار العديد من القيادات السياسية العربية إيران بأنها تمثل خطورة أكبر مما تمثله إسرائيل، وذلك على الرغم من عدم تصريح تلك القيادات بذلك، وفقًا لما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز New York Times” الأمريكية. من ناحية أخرى، فقد مهد التطبيع في العلاقات بين إسرائيل وبعض دول المنطقة- بموجب “اتفاقات أبراهام” التي تم توقيعها بين إسرائيل وكل من: الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان- الطريق لإقامة تحالفات وشراكات بين إسرائيل وتلك الدول في مختلف المجالات ومنها: التعاون الأمني، والاستخباراتي، والعسكري.

رابعًا: يبدو جليًّا أن إسرائيل ترى في هذه المرحلة فرصة سانحة لتشكيل تحالف دولي دائم تقوده الولايات المتحدة ضد إيران ومشروعها النووي؛ فمن خلال رصد ومتابعة تصريحات القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، يتضح تصميم هذه القيادات على الحفاظ على التحالف الإستراتيجي الذي تشكل لأول مرة بزعامة الولايات المتحدة في مواجهة الهجمات الإيرانية، وأنها عازمة على المضي قدمًا نحو دعم وتعزيز هذا التحالف، ومن ضمن هذه التصريحات في هذا الشأن:

  • تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي “يواف غالانت” بأن “لدينا فرصة لتشكيل تحالف إستراتيجي ضد هذا التهديد الخطير من إيران، والتي تهدد بتزويد تلك الصواريخ بمتفجرات نووية وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا للغاية، الأمر الذي يتطلب مراجعة المزيد من الإجراءات الأمنية الجماعية”.
  • تصريح عضو مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي “بيني جانتس” بأن ” الحدث لم ينته بعد؛ فالتحالف الإستراتيجي ونظام التعاون الإقليمي الذي بنيناه وصمد أمام اختباره المهم يحتاج إلى تعزيز الآن”.

خامسًا: تعمل الولايات المتحدة منذ زمن طويل على إقامة تحالف إستراتيجي على مستوى المنطقة ضد إيران، وتتمثل مؤشرات عزم واشنطن على المضي قدمًا نحو إنشاء هذا التحالف فيما يلي:

  • بذلت الإدارة الأمريكية الراهنة “إدارة بايدن” كل ما في وسعها لدمج إسرائيل عسكريًّا مع شبكة حلفائها بالمنطقة. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” في 1 سبتمبر 2021 دخول إسرائيل رسميًّا نطاق مسؤوليات القيادة الوسطى العسكرية الأمريكية “سينتكومCENTCOM ” إلى جانب بقية دول الشرق الأوسط الأخرى، وقد سمح هذا الإجراء بتعزيز التنسيق بين القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة والشركاء العرب وإسرائيل في مواجهة التهديدات الإيرانية المتزايدة، الأمر الذي سهل تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتوفير الإنذار المبكر بين البلدان.
  • المساعي الأمريكية لتعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل ودول الشرق الأوسط ضد تهديدات إيران من خلال مشروع القانون الذي قدمه الحزبان (الجمهوري، والديمقراطي) في الكونجرس الأمريكي خلال شهر يونيو 2022، والذي يقترح على البنتاجون العمل مع إسرائيل ودول عربية لدمج دفاعاتهم الجوية لإحباط التهديدات الإيرانية (وفقًا لما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال Wall Street Journal الأمريكية).
  • التنسيق الجاري بين القيادة العسكرية الإسرائيلية مع نظيرتها الأمريكية بشأن إقامة التحالف الإستراتيجي ضد إيران؛ حيث أكد وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف جالانت” في حديثه مع نظيره الأمريكي “لويد أوستن” على أن التعاون مع واشنطن في إحباط الهجوم الإيراني الأخير قد أبرز أهمية تأسيس تحالف دولي إستراتيجي لمواجهة التهديد الذي تمثله إيران.
  • ما أورده تقرير “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy “([4]) الصادر في 19 أبريل 2024 بشأن المساعي الدولية الجارية مؤخرًا لبناء تحالف من الراغبين في محاسبة طهران واتخاذ إجراءات منسقة ضدها. ويأتي في هذا الإطار ما أعلنته كل من (الولايات المتحدة، وبريطانيا) من حزمة منسقة من العقوبات ([5])، يتمثل هدفها الأساسي في تضييق الخناق على الجهات الرئيسة الفاعلة في صناعات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية الإيرانية، والحد بشكل أكبر من قدرات إيران على زعزعة استقرار المنطقة. وتبعث العقوبات المشتركة برسالة قوية إلى طهران فيما يتعلق بالتحالف الدولي ضد أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، فعلى سبيل المثال: صنفت بريطانيا سبعة أشخاص وستة كيانات على خلفية تسهيل ” نشاط إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط”، وشملت هذه الكيانات المصنفة: هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، والبحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، والمقر المركزي لخاتم الأنبياء. كما استهدفت العقوبات الأمريكية ستة عشر شخصًا وكيانين مرتبطين ببرنامج الطائرات المسيرة إلى جانب خمس شركات أجنبية توفر عناصر إنتاج الفولاذ الإيراني، كما استخدمت واشنطن أيضًا سلطات مكافحة الإرهاب لاستهداف عدد من الشركات المتخصصة في صناعة السيارات الإيرانية لدعمها ” الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”.

وفي ضوء ما تقدم واستنادًا إلى المعطيات السالفة الذكر، فمن المرجح أن تتزايد احتمالات تحول التحالف الدولي -الذي تشكل عقب الهجوم الإيراني على إسرائيل- إلى تحالف دولي دائم ضد أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن التطورات الأخيرة – بما في ذلك عملية أصفهان العسكرية الإسرائيلية محدودة التأثير-لا يجب أن تقودنا إلى استنتاجات متسرعة بأن التصعيد بين إيران وإسرائيل قد انتهى؛ فقد تضطر إيران مستقبلًا إلى تسريع برنامجها النووي، اعتقادًا منها أن امتلاك أسلحة نووية من شأنه أن يردع إسرائيل عن شن هجمات مستقبلية على الأراضي الإيرانية. من ناحية أخرى، قد تضطر إسرائيل إلى مواصلة إستراتيجيتها الموجهة ضد إيران والمعروفة باسم إستراتيجية ” الحملة بين الحروب”، والتي تنطوي على مزيج من الآليات العسكرية وغير العسكرية، والتي يتم استخدامها بطريقة منهجية لتأخير نشوب الحرب، والعمل على تقليل قدرات الخصم أو العدو من خلال إضعاف قوته وإلحاق الضرر بأصوله وقدراته ومن أمثلتها : شن هجوم سيبراني على البنية التحتية الحيوية في إيران، وتسريع الهجمات الصغيرة داخل إيران بما في ذلك الاغتيالات الموجهة ضد القيادات السياسية أو العسكرية الإيرانية، أو القيام  بعملية عسكرية في الشمال لتقويض الترسانة العسكرية “لحزب الله”، الأمر الذي قد يفضي إلى خروج الأمور عن نطاق السيطرة والدخول في حلقة مفرغة من التصعيد والتصعيد المضاد، ومن ثم جر المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق. إذن فسيناريوهات التصعيد كافة مطروحة وقابلة للتحقق، ويظل المشهد الأمني في المنطقة قابلًا للانفجار في أي وقت، خاصة مادامت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة لم تنته بعد.  


([1]) ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن إيران قد أطلقت خلال هجومها على إسرائيل 185 طائرة مسيرة (بدون طيار)،36 صاروخ كروز،110 صواريخ أرض-أرض (صواريخ باليستية).

([2]) تضم قاعدة ” العديد” الجوية القوات الجوية الأميرية، والقوات الجوية الأمريكية، وسلاح الجو الملكي البريطاني.

([3]) تعد أصفهان مركزًا عسكريًا مهمًا لإيران؛ إذ تحتوي على منشآت ومراكز مختصة في تخصيب اليورانيوم، وشركة لصناعة المسيرات الإيرانية، هذا فضلًا عن وجود قاعدة جوية عسكرية بها.

([4]) معهد بحثي أمريكي تم تأسيسه في عام 1985 من قبل لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المعروفة باسم “أيباك”، وهو معني بدراسات الشرق الأوسط ووثيق الصلة بمراكز صنع القرار في الولايات المتحدة.

([5]) تم الإعلان عن هذه العقوبات خلال اجتماع وزراء خارجية “مجموعة السبعة”، الذي عقد في إيطاليا في الفترة من 17-19 أبريل 2024.

اظهر المزيد

سامية بيبرس

وزير مفوض- الامانة العامة لجامعة الدول العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى