أولاً مدخل:
أهمية القرن الأفريقي في علاقات العرب بافريقيا:
القرن الأفريقي ذو أهمية حيوية للعالم العربي لموقعه الجيوستراتيجي وسيطرته على موارد مياه النيل وهو بوابة العرب إلى شرق أفريقيا ووسطها. لكنه ظل عقودا طويلة يبعد عن دائرة النفوذ والتواصل العربي، بيد أن رياح التغيير في سنوات الربيع العربي أسهمت في اعادة رسم خريطة مصالح الاستراتيجية العربية فعاد التركيز والاهتمام بالعلاقات بين المنطقتين فاحتلت أولويات عالية فيهما .
ويمكن النظر الى منطقة القرن الافريقي من عدة مرئيات أو زوايا تاريخياً لم يوصف الاقليم بأنه مستقل بذاته وجغرافياً فهو تركيبة طبيعية وثقافية وعرقية شديدة التباين، لكن شعوبه ارتبطت بالأقاليم المجاورة عربياً وخليجياً وافريقياَ.
من أخطر سلبيات القرن الافريقي موقعه ذاته، ذلك أنه منذ افتتاح قناة السويس 1869 أصبح البحر الأحمر من أهم شرايين التجارة العالمية، فتعاظم اهتمام القوي الدولية والاقليمية بأمن الممرات والمضايق البحرية، كما تعظم الانشغال الجيوسياسي بالمنطقة منذ خمسينات القرن الماضي بدءً من حرب السويس والحرب الباردة والصراع العربي الاسرائيلي حتى الصراع الدائر اليوم في اليمن بين قوي اقليمية (ايران) وقوي عربية وخليجية، واليوم يتغير المشهد الجيوسياسي لما طرأ من تطورات في بعض دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي وفى خليج عدن فيما يمكن أن نطلق عليه متلازمة التأُثير المتبادل بين القرن الافريقي والبحر الأحمروخليج عدن وأمن الخليج العربي، لما لهذه التطورات من انعكاسات على التجارة الدولية وأمن الملاحة خاصة أمن الطاقة وأخطار القرصنة أمام سواحل المنطقة.
وأفدح التهديدات الأمنية للمنطقة يتمثل فى تغلغل تنظيم القاعدة جنوب شبه الجزيرة العربية ـ وسيطرتها على الشريط الممتد من خط الساحل اليمنى لاسيما بعد اندلاع الحرب فى اليمن، ثم تسلل قوي اقليمية لاشعال نار الفتنة المذهبية لاغراض السيطرة، وهو ما فرض على الدول العربية والخليجية حتمية تامين أجنجتها العسكرية والسياسية فى القرن الافريقي.
ـ ومصر من جانبها تري أن البحر الأحمر والقرن الأفريقي ليس الا امتداداً لقناة السويس، حتى أن القوي الطامعة من خارج الاقليم مثل تركيا دخلت مؤخراً هذا المسرح الاستراتيجي تحقيقاً لرؤية رئيسها اوردوغان لاحياء الخلافة العثمانية فى البحر الأحمر والقرن الافريقي بالانتشار حتى فى بعض دول المنطقة الصومال والسودان وخططها لافتتاح قاعدة لها فى جزيرة “سواكن” على البحر الاحمر واستجابة لهذه التهديدات من خارج الاقليم من جانب ايران، بالاضافة الى تركيا عملت مصر بقوة لتفعيل علاقاتها بدول حوض البحر الأحمر العربية، السودان ثم أثيوبيا فى القرن الافريقي حتى تعادل القوي المنافسة لها من خارج الاقليم فضلاً عن تنسيق مصر وتعاونها الوثيق مع دولتين خليجيتين رئيستين معنيتين بالقرن الافريقي هما السعودية والامارات العربية.
ـ أختطت السعودية والامارات نهجاً متكاملاً تجاه القرن الافريقي والبحر الأحمر يوصف بالقوة الدافعة الجديدة للدبلوماسية العربية فى المنطقة، ذلك أن السعودية قد طورت عقيدتها للاضطلاع بدور اقليمي أعمق وأقوي فى المناطق المجاورة لها اليمن ـ الخليج ـ القرن الافريقي، وربما ارتبط هذا النهج الأكثر فاعلية بتراجع انخراط الولايات المتحدة فى القضايا الأمنية الاقليمية، ذلك أن ايران من المنظور السعودي خاصة أصبحت مصدر تهديد مباشر لها لاحتمالات تهديدها لأمن النفط فى مضيق هرمز، وهو مادفع السعودية والامارات للبحث عن خيارات استراتيجية لها فى البحر الأحمر و القرن الافريقي لحماية أجنحتها العسكرية الاقتصادية الحيوية الجنوبية والغربية.
ـ تتمثل هذه الخيارات الاستراتيجية المتكاملة فى اسطول للسعودية فى البحر الأحمر لاحتواء أو حصار ما كان للنفوذ الايراني (فى السودان) وفى جيبوتي والصومال الى استجابت بعد ذلك لمساع سعودية مضادة منذ عام 2014 وعام 2015 حين بدأ الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية تنفيذ هذه الاستراتيجية فى شكل عمليات عسكرية ضد الحوثيين المؤيدين لايران، فضلاً عن نجاح السعودية فى اجتذاب ارتريا فطردت البعثة الحوثية من “أسمرة” بل وعرضت تقديم قوتها وقواعدها تضامناًمع السعودية التى بلغ دعمها للسودان بذل الجهد لاقناع واشنطن برفع العقوبات المفروضة عليه، فانضمت الى التحالف العربي.
ـ وتحققت شراكة استراتيجية لدولة الامارات مع السعودية بانضمامها الى التحالف العربى خاصة فى الحرب الجوية على القطاع الساحلي اليمني بعد أن افتتحت لنفسها قاعدة جوية فى مدينة “عصب” الساحلية فى ارتريا واتجهت بقوة لفرض سيطرتها على مينائي بربرة وبوساسو الواقعتين فى اقليم ارض الصومال وفى اقليم بونت الصومالي.
ثانياً: السياسة الخارجية لدول الخليج العربي:
ـ (الدوافع ـ الأدوات ـ الأهداف ـ الخصائص) ـ ظلت السياسات الاماراتية (السعودية) هي الأكثر اقداماً وميلاً الى السير فى خطين متوازيين فى حربهما ـ فى اطار التحالف العربي ـ الخط الأول مواجهة ظاهرة التدخل الايراني فى الحرب الدائرة فى اليمن، التدخل العسكري أو اللوجستي ـالمباشر، وسواء بالتواجد الفعلي والتسليحي فى قواعد عسكرية أو تمركز قوات أو سيطرة مؤثرة في موانئ حاكمة لاستقبال القوات (من الدولتين) ومن حلفائهما.
ـ أما الخط الثاني الموازي ـ فهو الدخول بشكل مؤثر فى الاستثمارات والدعم الاقتصادي بالمنح والقروض والودائع السخية.
ـ ويدعم هذين الخطين العسكري والاقتصادي ـ الاستثماري ، خط سياسي ثالث شديد التأثير بالدخول بأسلوب الوساطة والمفاوضات لتسوية المنازعات المزمنة بين بعض دول القرن الافريقي ومن أهمها النزاع الذى استمر عشرين عام بين ارتريا وأثيوبيا، ذلك بأن كان ولي عهد الامارات محمد بن زايد قد قام بزيارة أديس أبابا بوقف قصير قبل اعلان رئيس الوزراء الأثيوبي الجديد (أبى احمد) استعداده للدخول فى مباحثات مباشرة مع أسمرة ـ دليلاً على ارادة توجه جديد للسياسة العربية الخليجية للتدخل بقوة فى سياسات القرن الافريقي تأكيداً لدورها القيادي.
ـ وتعد الزيارة الأولي التى قام بها رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لأسمرة بمثابة انهاء لحالة الحرب بين العاصمتين بما يخدم مصالح الدول العربية الخليجية وأمنها القومي.
ـ فضلاً عن ذلك انخرطت السعودية فى سياسات الصومال فقد قررت تقديم 50 مليون دولار سددت لها منها 20 مليون دولار فقطعت الصومال علاقاتها مع ايران، ومكافحة نشاط تنظيم القاعدة بعد أن كان قد فرض سيطرته على اقليمي أرض الصومال. هذا الانجاز السعودي يؤكده كذلك دلائل انضمام ارتريا والسودان أيضاً الى جهودها فى مكافحة الارهابفاعتبرت السعودية تلك المنطقة حزامها الأمنى بعد انتشار ظاهرة التنظيمات الارهابية المتطرفة فى الساحل الشرقي لافريقيا ما يبرز حقيقتين:.
الحقيقة الأولي:
ضرورة تأمين هذا الحزام الأمنى ودرأ اخطار التنظيمات الارهابية التى تهدد خليج عدن وباب المندب حيث تمركزت العمليات العسكرية للامارات العربية فى جيبوتي كذلك فكان أن ضخت فيها استثمارات منذ عام 2015، كما يتولي العسكريون الاماراتيون فى الوقت الحاضر العمل انطلاقاً من قاعدتهم العسكرية فى ميناء عصب وفى مواقع متقدمة من الجزراليمنية سوقطرة وجزيرة بريم فى جنوب البحر الأحمر وتوسيع نطاق وجودها فى اقليم ارض الصومال وميناء بربرة.
هذا الاقتحام الاماراتي قد تحقق بعد الانجاز السياسي الاستراتيجي الأهم عام 2018 بين السعودية والامارات لاتفاق السلام بين ارتريا وأثيوبيا، بعد ان كان العاهل السعودي قد التقي فى ابريل بالرئيس الأتري افورقي حيث تم الاتفاق على تمركز قوات مجلس التعاون فى ارتريا، وحشدت الامارات قواتها فى عصب وطورت البنية التحتية ووسعت مطار القاعدة العسكرية وطورت أنظمة المراقبة الجوية، ومن قاعدة عصب الأرتريية بدأت الامارات عملياتها العسكرية لاستعادة مدينة عدن وقامت بتدريب وتجهيز القوات اليمنية لمكافحة الحوثيين.
وفى الصومال افتتحت الامارات مركزا عسكريا للتدريب فى مقديشيو وتولت تشغيل وتمويل القاعدة لتدريب الجيش الوطنى الصومالى لمكافحة تنظيم الشباب المتطرف واستأجرت ميناء بربرة لمدة 30عام، وتدريب الشرطة والعمليات الاستخباراتية فى اقليم ارض الصومال.
الحقيقة الثانية:
أن السيطرة على الموانئ الرئيسية وانشاء القواعد العسكرية والمطارات ومراكز التدريب فى القوات الوطنية تمثل مختلف أبعاد العملية الاستراتيجية دول العربية (الخليجية فاستطاعت احكام الرقابة على مضيق باب المندب وسواحل القرن الأفريقي ومراقبة خليج عدن وحصار تسلل النفوذ الايراني وأخطار الارهاب وهو ما يبرز على الفور العلاقة السببية بين الحرب فى اليمن وظاهرة المواجهة بين ايران والقوي الخليجية العربية، وضمان أمن جنوب شبه الجزيرة العربية والاستقرار فى المنطقة عموماً، كما يبرز الدور القيادي لكل من السعودية والامارات العربية والتى قدم ولي عهدها له خمسة بليون دولار للتخفيف من أزمة النقد الأجنبي فى أثيوبيا (خلال زيارة رئيس وزراء اثيوبيا للامارات فى يونيو 2018، ووعدت الامارات باستثمارات مباشرة حتى تم توقيع اتفاق السلام فى أسمرة 8 يوليو 2018 ثم وقع رسمياً فى مدينة جدة السعودية مع تعهدات سعودية بدعم مالى وتأييد التقارب بين الرئيس الأثيوبي والرئيس الأرتري وتمويل البنية الأساسية للربط بين ميناء عصب الارتري والعاصمة الأثيوبية وهوما يتيح لاثيوبيا الدولة الحبيسة الخروج الى البحر الأحمر.
ـ هذه الانجازات الايجابية التى حققتها الدبلوماسية العربية الخليجية تمثلت عملياً فى قطع خطوط الاتصال بين ارتريا وايران وتقليص قدراتها على توفير الامدادات لحلفائها أتاحت أيضاً استخدام ميناء عصب الارتري لمركز لوجستي بسهولة وصوله بحراً الى عدن من السودان أو من مصر أو من السعودية أو من الامارات لنقل القوات التابعة للتحالف العربي.
ـ هذا الاختراق للدول العربية الخليجية من خلال الدبلوماسية الهادئة والسياسة الاقتصادية ثم بسياسة القوة الصلبة أى السيطرة على الموانئ والمطارات والقواعد العسكرية ونقل القوات المقاتلة مكنت من تطبيق استراتيجية مجلس التعاون الخليجي التى كان قد دعا اليها منذ عام 2013 وزير خارجية السعودية الأسبق سعود الفيصل فى شكل خطة سعودية خليجية متكاملة تقوم على أساس التعاون الأمني والاقتصادي والسياسي وهو ما يفتح أبواباً واسعة لدور خليجي فى تسوية نزاعات القرن الأفريقى وتحويله الى قوة للاستقرار والأمن وقوة جذب اقتصادية للاستثمارات الخليجية العربية وأسواق وبرامج تنموية كبيرة تحتاجها دول وشعوب المنطقة.
ـ هذا الانجاز للدبلوماسية السعودية والاماراتية قدّره بعض الخبراء الأميريكيين بأنه كان السبيل لضمان أمنها القومي، وكان السعوديون قد وضعوا خططهم لتطوير اسطول البحر الأحمر بدافع من المخاوف من محاولات ايران اغلاق مضيق هرمزـ المنفذ البحري لدول الخليج ـ للامارات العربية مثلما كانت السعودية بحاجة الى منفذ بحري بديل ومعامل لتكرير النفط على ساحل البحر الأحمر وهو ما حتم ضمان أمن الملاحة والتجارة وأمن الطاقة فى الخلجان ـ والمضايق والبحار من الخليج العربي وخليج عدن الى مضيق باب المندب حتى قناة السويس.
ـ عموماً يتعين القول أن أهمية القرن الافريقي تمتد الى دول كبري كثيرة مثل الصين واليابان وفرنسا والولايات المتحدة ليس فقط للمصالح الاقتصادية من المواد الخام والأسواق، بل والاعتبارات الأمنية والعسكرية.
ـ أما بالنسبة للدول الخليجية فأهمية القرن الافريقي تنطلق الآن من اعتبارات عسكرية لانخراطها فى الحرب فى اليمن ومواجهة تغلغل الدعم الايراني ووكلائه.
ـ كذلك فان دولتين رئيسيين فى البحر الأحمر مثل السودان ثم فى القرن الافريقي مثل الصومال لعبتا دوراً مؤثراً ومباشراً فى تلك العمليات العسكرية المدعومة من التحالف العربي وذلك من خلال فتح مجالها الجوي ومياههما الاقليمية وقواعدها العسكرية لأغراض تتصل بتلك العمليات.
ـ هذه المظاهر كلها خير دليل على بزوغ تحولات هامة فى اتجاهات دول القرن الأفريقي وشرق افريقيا تجاه علاقاتها بالدول العربية الخليجية.
الظاهرة الأولي:
تنامى دور الدبلوماسية الخليجية بنجاح ملموس ضماناً لأمنها القومي وأمن التجارة العالمية من أخطر المناطق المشحونة بالنزاعات المسلحة، التى تهدد المضايق البحرية.
الظاهرة الثانية :
تطبيق استراتيجية تجمع بين الأدوات الدبلوماسية (الوساطة) والاقتصادية،القروض والمعونات والاستثمارات، الاتصال المباشر بين القيادات، خاصة بين الدولتين السعودية والامارات وبين دول وقادة دول البحر الأحمر والقرن الافريقي.
ـ استهداف محدد للتغلغل الايراني فى المنطقة الذى تسعي الى السيطرة والتأثير شديد السلبية فى أمن الطاقة من خلال التهديد باغلاق المضايق وأمن الملاحة، ثم تهديد الأمن القومي لجنوب شبه الجزيرة العربية (السعودية ـ اليمن ـ ربما قناة السويس الأمر الذي يفسر التنسيق بين دول البحر الأحمر ـ السعودية مصر ـ سواء البحري والعسكري خاصة) والتنسيق مع السودان وحكومة اليمن، ودول القرن الافريقي.
الظاهرة الثالثة:
دخول قوي من خارج الاقليم باصرار الى منطقة القرن الافريقي والبحر الأحمر مثل ايران وتركيا كل لدوافعه الخاصة، وان كان وراء ايران تنافسها التاريخي بين ايران مع السعودية فى المنطقة العربية والأفريقية بما فيها الحرب الدائرة فى اليمن، ثم بدافع من التنافس التركي مدفوعاً بأطماع استعادة النفوذ فى المنطقة العربية والأفريقية والتى تسمي (بالعثمانية الجديدة) وتحركات السياسة التركية فى السنوات الأخيرة للوصول الى القرن الافريقي بل ومحاولة ايجاد موطأ قدم فى السودان على ساحل البحر الأحمر فى جزيرة سواكن.
ثالثاً ـ القوي المنافسة خارج الاقليم :
- بالنسبة لايران:
نجحت فى السابق فى خلق نوع من التحالف مع بعض دول القرن الافريقي (ارتريا ـ السودان فى عهد الرئيس الايراني المتشدد السابق “احمدى نجاد” فقد كانت استجابة الدبلوماسية العربية قوية ومباشرة فعالة خاصة والرئيس الايراني الجديد (روحاني) قد حدد أولويات مختلفة تتمثل فى التوصل للاتفاق النووي مع الولايات المتحدة كأولوية عليا أملاً فى دعم الاقتصاد الايراني وانهاء عزلة ايران والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، فتدنت منطقة القرن الافريقي فى الأولويات الايرانية او ان كانت الاجنحة المتشددة فى الحرس الثوري الايراني تدفع لسياسة الصدام والتنافس مع القوي الخليجية فى سياستها الخارجية وهو ما دفع الدبلوماسية العربية الخليجية ـ السعودية والاماراتية لأن تتعامل مع هذا الاندفاع الايراني لتوسيع نفوذه إقليمياً كخطر يهددها لدعم الحوثيين بالسلاح المتطور وبالخبراء الايرانيين فى اليمن فكثفت السعودية خاصة والامارات بشكل عام نشاطها الأمني والعسكري فى اليمن ومداخل البحر الأحمر وسواحل القرن الافريقي للعمليات العسكرية المضادة (خاصة بعد استيلاء الحوثيين المدعومة من ايران على ميناء الحديدية.
ـ الدبلوماسية العربية الخليجية المضادة نجحت فى اجتذاب دول فى القرن الافريقي التي كانت قد سارت فى فلك ايران فنجحت الدبلوماسية العربية فى أن تضمها الى صفها وغيرت بوصلة سياستها الخارجية، فأغلقت الخرطوم مراكز ثقافية لايران عام 2014 ثم انضمت الى صفوف التحالف العربي، ودعمت السعودية البنك المركزي السوداني بوديعة مالية قدرها بليون دولار.
ـ ثم نجحت الدبلوماسية العربية فى اجتذاب جيبوتي التى نأت بنفسها عن دائرة النفوذ الايراني.
الدولة الثالثة التى انضمت الى التحالف العربي هى الصومال التى كانت ايران تنشر قطعها البحرية على مقربة من خليج عدن أمام سواحل الصومال، لكن علاقات ايران بالصومال كانت فى أدني مستوياتها واتهمت مقديشيو طهران بدعم الجماعات الاسلامية المتطرفة، كما كان ارتباط المسلمين السنة بالسعودية يشكل أقوي الروابط فضلاً عن آلاف المهاجرين الصوماليين، والطلبة والعمالة الصومالية.
ـ هذه الاعتبارات كلها كانت دافعاً لتأييد الصومال للسعودية فى انخراطها العسكري فى اليمن واستخدام مجالها الجوي ومياهها الاقليمية وأراضيها لتسديد ضربة جوية ضد المتمردين الحوثيين وفى هذا السياق، استقبل الملك سلمان بن عبد العزيزالرئيس الصومالى”حسن شيخ محمد” فى اكتوبر 2015 أعقبته زيارة وفد سعودي الي الصومال لتقديم الدعم والمساعدات للصومال.
ـ ارتريا هى الدولة الرابعة فى القرن الافريقي، فبعد (شراكة) مع ايران خلال الرئيس الايراني السابق فى لقاء الرئيس أفورقي للرئيس نجاد فى طهران حيث (وقع مع ايران اتفاقات تجارية واستثمارية ووعدت ايران بمشروعات لتطوير البنية التحتية) فقررت ارتريا انذاك 2008 استضافة قاعدة عسكرية ايرانية ودخول ايران الى مياهها الاقليمية (ميناء عصب) فبدأت ايران تستغل علاقاتها بارتريا لتهريب الأسلحة المتطورة والمدربين الى الحوثيين فى اليمن وان كان الرئيس أفورقي قد نفي ذلك.
ـ لكن ارتريا تحالفت بعد ذلك مع السعودية للحاجة الشديدة للخروج من العزلة والى التمويل وهو ما استطاعت السعودية والامارات توفيره لها. وقد تكللت جهودها بعد ذلك بسنوات فى تحقيق السلام التاريخي بين ارتريا وأثيوبيا الأمر الذي حفز السعودية والامارات لعرض استخدام ميناء عصب كمركز لوجستي للعمليات العسكرية فى ضوء المساعدات السعودية والاماراتية السخية ، فضلاً ابرام الامارات لاتفاق تأجير لمدة 30 عام لميناء عصب وكذلك مطار القاعدة العسكرية وصفقة مساعدات مالية وتحديث مطار أسمرة.
يمكن القول، ان ظاهرة التنافس الخليجي العربي الاماراتي السعودي مع ايران فى منطقة القرن الافريقي تكمن وراء التنشيط والحركة الواسعة المكثفة للدبلوماسية العربية المضادة فى هذه المنطقة فصاغت سياسة خارجية اقليمية ذات ابعاد متعددة ثبت فعاليتها اقليمياً ودولياً.
- بالنسبة لتركيا:
ـ هى دولة من خارج الاقليم تختلف مع أهداف كل من السعودية والامارات ومصر بدعمها لجماعات اسلامية متطرفة (الاخوان المسلمين)، فضلاً عن تكريس نشاطها الدبلوماسي لتوسيع دائرة نفوذها فى منطقة الشرق الأوسط بل وتبحث لنفسها عن مواطئ أقدام فى بعض مناطق التماس العربية لكنها بدأت تتجه الى تنشيط سياستها الأفريقية خاصة فى منطقة القرن الافريقي والبحر الأحمر وان لم يزل الى درجة محدودة مقارنة بالتوسع السعودي والامارات فركزت تركيا على السياسة الاقتصادية، وضح الاستثمارات والحصول على عقود التجارية لزيادة قدرتها التنافسية.
ـ تعاونت تركيا مع الحكومة الصومالية و حكومة اقليم ارض الصومال شبه المستقل وربما يكون الاستثمار الأكبر لتركيا فى الصومال هو الميناء البحري والميناء الجوي فى مدينة مقديشيو.
ـ كما تستقبل اثيوبيا الحصة الأكبر من الاستثمارات التركية المباشرة خاصة وان اثيوبيا حصلت على أكثر من 40% من الاستثمارات التركية فى افريقيا.
ـ ومقابل تلك الاستثمارات والقروض التركية تعتبر اثيوبيا الشريك التجاري الرابع لها فى افريقيا.
ـ لكن هذا الامتداد التركي فى القرن الافريقي لم يخل من أهداف عسكرية واستراتيجية فقد خططت تركيا لافتتاح قاعدة عسكرية فى مقديشيو فى مايو 2017 وهى أكبر قاعدة لتركيا فى الخارج.
وقد اجتذبت منطقة القرن الافريقي ككل فى ظل السياسات التركية منذ عام 2012حتى عام 2016 (2.5 بليون دولار من جملة 6 بليون دولار من الاستثمارات التركية فى افريقيا.
ـ ومن الواضح انه هناك سباق غير خاف بين الدبلوماسية العربية والدبلوماسية التركية فى منطقة القرن الافريقي.
ـ أما فى السودان على البحر الأحمر بعد زيارة اردوغان لها فقد وقع صفقة بـ 650 مليون دولار استثمارات مباشرة ومنطقة تجارة حرة فى بورسودان والأهم استراتيجيا، أن تركيا تكفلت باعادة بناء جزيرة سواكن على البحر الأحمر تحت مسمي تسهيل على نقل الحجاج الى ميناء جدة السعودي، لكن هذا المشروع يتضمن انشاء حوض بحري يخدم الأغراض العسكرية فضلاً عن تقاريرصحفية تركية تشير الى أن أنقرة تخطط لانشاء قاعدة عسكرية فى جيبوتي.
ـ ومن منظور الدبلوماسية العربية والخليجية، يثير هذا النشاط التركي الاقتصادي والعسكري كثيراً من المحظورات التى تفرض التدقيق والمتابعة الحذرة لهذا النشاط فى دول منطقة القرن الافريقي والموانئ وربما يطرح تحديا للمخططات العربية الخليجية (السعودية والاماراتية وأيضاً مصر) فى مصالحها القومية.
رابعاً: الخلاصة:
- الدبلوماسية العربية وان كانت ذات أهداف اقليمية محددة، لكنها كانت ذات أدوات متعددة ـ قواعد العسكرية ـ السيطرة على الموانئ ـ السياسة الاقتصادية، قروض ومعونات واستثمارات وودائع مصرفية، ودبلوماسية المفاوضات والوساطه، والتواصل مع القيادات لتسوية المنازعات ( اتفاقيات السلام بين(اثيوبيا ـ أرتريا).
- ب- استهدفت الدبلوماسية العربية ضمان أمن الطاقة والطرق الملاحية، ضد اخطار التطرف لصالح استراتيجياتها الأمنية وحققت لدول الخليج العربي عوائد اقتصادية واستثمارات وفتحت لنفسها أسواق تجارية واستفادت من موادها الأولية ومن العمالة والقوي البشرية، فضلاً عن خوض الحرب فى اليمن واستخدام القرن الأفريقي وقواعده وموانيه وأراضيه، وقوات بعض دوله فى تلك الحرب.