2022العدد 192دراسات

مآلات النظام العالمي بعد الأزمة الأوكرانية أو مسار ومصير النظام العالمي.. إلى أين؟  

تمهيد:

ثمة أحداث مفصلية في تاريخ العالم، من شأنها إيقاع تحول جذري في مسار التاريخ، ولم يعد ثمة شك في أن الأزمة الأوكرانية إحدى العلامات البارزة بين تلك الأحداث في التاريخ الحديث والمعاصر، كما كان حال الحربين العالميتين (الأولى، والثانية)، وتفجيرات 11 سبتمبر. فرغم أن نطاق الأزمة الأوكرانية التي تحولت إلى حرب، أضيق كثيرًا من مساحة ميادين القتال في الحربين العالميتين، فمردود ما بعد تلك الأزمة/ الحرب لن يقل كثيرًا عنهما، فيما يشبه نسبيًّا تداعيات ما بعد تفجيرات سبتمبر، والتي تحولت إلى شرارة دشنت حملة عالمية متعددة الأوجه ضد “الإرهاب”، وكانت مُنطَلقًا لبلورة تحالفات إقليمية وعالمية، بل وأعادت صياغة مفردات النظام العالمي، وأحدثت مراجعة واضحة لتموضع بعض مكوناته وأطرافه، ربما ليس بشكلٍ عاجل، لكن في المدى المتوسط وتدريجًا.

وتشير الدلائل إلى أن أزمة ثم حرب أوكرانيا، لن تقل أهمية وخطورة في تبعاتها عن تلك المحطات المفصلية الثلاثة.

وفي ضوء المقدمات والمعطيات التي أحاطت بتلك الأزمة، والتطورات الخاصة بها، حتى وصلت إلى المرحلة الراهنة (سياسيًّا، وعسكريًّا، وجيواقتصاديًّا)، والنتائج التي تبلورت ملامحها حتى الآن_ تبحث هذه الدراسة في علاقة التأثير والتأثر المتبادلين بين أزمة أوكرانيا والنظام العالمي الراهن.

ويتلخص التساؤل الرئيس الذي تسعى الدراسة إلى تلمس إجابات له ولو مبدئيًّا، في: 

 هل يشهد النظام العالمي تغيرات في بنيته أو أطرافه أو طبيعة التفاعلات داخله، بفعل الأزمة؟

ويتفرع عن ذلك التساؤل الرئيس أسئلة فرعية مؤسسة له، منها ما إذا كان النظام العالمي يمر بفترة تغيير أو تحول بالفعل؟ وهل ذلك التحول مستجد أم بدأ من قبل أزمة أوكرانيا؟ وبعبارة محددة، هل الأزمة منشِئة للتغير أم كاشفة له؟ وما الأثر الذي تسببت فيه الأزمة، أو ربما ستتسبب فيه لاحقًا، على جوهر ووتيرة التغيير المحتمل في النظام العالمي؟ ما يساعد بدوره على استشراف مآلات النظام العالمي الحالي ومستقبله القريب على الأقل.

وتحريًا لاستيفاء المتطلبات الأكاديمية والعلمية في التحليل، سيتبع الباحث منهج تحليل النظم، الذي يتسق مع طبيعة الوحدة الرئيسة الخاضعة للتحليل في الدراسة وهي “النظام” العالمي، وكذلك الوحدات الفرعية التي يتكون منها. ونظرًا لتعدد وتداخل الأنساق الفرعية داخل النظام العالمي، فإن اقتراب “النسق” يعد هو الأكثر ملاءمة في التناول البحثي لموضوع الدراسة.

ووفقًا لرؤية الباحث، فإن النطاق الزمني الذي تشمله الدراسة ينقسم إلى مستويين، الأول: هو النطاق الرئيس المتعلق تحديدًا بفترة الأزمة الأوكرانية محل الدراسة، والذي يبدأ من مطلع العام الجاري 2022 وحتى الانتهاء من إعداد الدراسة في نوفمبر من العام ذاته. والمستوى الثاني في النطاق الزمني: هو النطاق الأوسع الذي يشمل مدى زمني واسع نسبيًّا قبل نشوب الأزمة، تحديدًا منذ عقد كامل أي بدءًا من عام 2012.

وداعي تحديد هذا التاريخ، هو أنه بداية للعقد الذي يمكن اعتباره وحدة زمنية، كما أن ذلك العام تحديدًا يمثل بالفعل نقطة فاصلة مهمة في أكثر من اتجاه، أولها أنه العام الذي يمكن اعتباره نقطة بداية لتوجهات جديدة أو على الأقل مختلفة من بعض القوى الكبرى في العالم، ففي ذلك العام تولى شي جين بينج القيادة في الصين، وعاد فلاديمير بوتين إلى موقع الرئاسة في روسيا. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن جانبًا كبيرًا من السلوك والتوجهات الروسية والصينية الجارية حاليًّا على المستوى العالمي، تبلور بعد هذا العام، رغم أن بوتين كان قد تولى الرئاسة في روسيا سابقًا لفترتين متتاليتين (2000-2008)، فيما كانت المرة الأولى لشي جين بينج في زعامة الحزب الشيوعي الصيني. ولا ينتهي هذا النطاق الزمني بنقطة محددة أو تاريخ بعينه، اتساقًا مع الهدف المرجو من الدراسة باستشراف الملامح المستقبلية للنظام العالمي بعد انتهاء أزمة أوكرانيا، التي لا تزال قائمة ومفاعيلها سارية إلى حين غير معلوم.

أولًا: العالم قبل أزمة أوكرانيا:

غنيٌ عن البيان أن النظام العالمي يشهد منذ بضعة أعوام حالة تضاغط وتنازع بين الفاعلين الرئيسين فيه أي القوى الكبرى، ورغم أن ذلك التضاغط يحمل إشارات إلى انتهاء القطبية الأحادية وأفول الهيمنة الأمريكية على التفاعلات الدولية ومسارات العمل الدولي في مختلف المجالات، إلا أنه لا يعني بالضرورة تبلور نظام عالمي مختلف أو ذي تعددية قطبية واضحة ومستقرة، لكن المؤكد أن العقد الأخير توالت فيه مؤشرات متنوعة على انحسار الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم.

وليس ما يسمى بالصعود الصيني، إلا أحد المظاهر الرئيسة لعملية الإحلال التي بدأ العالم يشهدها على مستوى القمة في مسارات متوازية. تتصدر الصين المسار الاقتصادي، وتتبعها قوى صاعدة اقتصاديًّا بشكلٍ متسارع، وتشمل تلك القوى دولًا مثل: (الهند)، وتجمعات اقتصادية بالأساس مثل: (مجموعة دول “بريكس”)، وأيضًا مشروعات متعددة الأطراف مثل: (الحزام والطريق) الذي تقوده الصين، لكنه يضم عددًا كبيرًا من الدول المتوسطة والصغيرة، ما يمنح المشروع وقيادة الصين له زخمًا وقوة، ربما تتجاوز تأثيراتها البعد الاقتصادي المباشر في المشهد العالمي ككل.

مظاهر التغير في النظام العالمي:

خلال عقدين فقط (1990–2010)، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تفقد موقع الدولة الأقوى التي تنفرد بالسيطرة على مقدرات الأمور في العالم بشكلٍ شبه كامل، وتكاد تتحكم وحدها في وتيرة واتجاهات حركة ومضامين التفاعلات الدولية بمختلف مساراتها. وانتقلت واشنطن إلى وضعية دولة رئيسة وراعية للمنظومة العالمية، لكنها ليست المنفردة ولا الوحيدة التي تدير شؤون العالم.

صاحب ذلك الانتقال الجزئي، تغير طرأ على الوزن النسبي لواشنطن في بعض جوانب تلك المنظومة، فصارت أكثر هيمنة ونفوذًا في الجانب السياسي وتتصدر الأطراف العالمية صاحبة القرار، خصوصًا في الملفات ذات الأهمية القصوى في الرؤية الأمريكية، ولا زالت على قمة ميزان القوة العسكرية في العالم، لكن مع تقلص المسافة الفاصلة عن القوى العسكرية الكبرى الأخرى- خاصة الصين وروسيا([1]).

في المقابل، لم تعد واشنطن تتحكم في حركة الاقتصاد العالمي، وفقدت موقع القوة الاقتصادية الأكبر؛ نتيجة تنامي قوة وتغلغل أطراف أخرى على رأسها الصين، مما عمَّق كثيرًا من حالة الاعتماد المتبادل التي صارت النمط السائد في حركة الاقتصاد العالمي، ليس فقط في مجال التجارة السلعية والخدمية، لكن أيضًا في مجالات الصناعة والبحث العلمي والتكنولوجيا، فضلًا عن الاتصالات والمعلوماتية.

وكما أن تلك التطورات لا تزال جارية، هي أيضًا لم تبدأ فجأة كقفزة تاريخية استثنائية، بل تطلب الأمر أكثر من عقدين كي تتبلور تلك البدايات التي لا تزال تكتمل بعد، وهما الأخير من القرن الماضي والأول في القرن الجديد. وكما جاء اعتلاء واشنطن قمة العالم تدريجًا وسار موازيًّا للاضمحلال والهشاشة التي زحفت بالتدريج أيضًا على الاتحاد السوفيتي، فإن الأفول الأمريكي لم يبلغ مداه النهائي بعد ولا تزال خيوطه تتشكل ومساراته تتقاطع شيئًا فشيئًا وتتجلى مظاهره تباعًا. 

وتحت وطأة تلك العملية المستمرة من الإحلال والاستبدال ليس فقط في “أقطاب” وعناصر النظام العالمي، بل أيضًا في طبيعته وخصائصه المميزة_ صار النظام العالمي يمثل إشكالية للمحللين وكذلك لدارسي العلاقات الدولية منذ بداية الألفية الثالثة؛ إذ يشهد العالم تغيرات ملموسة وإن كانت ناعمة وتدريجية، سواء بالنسبة لأوزان القوى الكبرى وحدود تأثيرها في منظومة التفاعلات الدولية، أو حتى فيما يتعلق بطبيعة وتعريف أطراف هذا النظام، أي (الفاعلين) فيه([2]).

من منظور الأوزان، لم يعد العالم يرتكن إلى قوة كبرى مهيمنة كما كان الحال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لكن في المقابل لم تتبلور، أو بالأحرى لم تستقر بعد، تعددية قطبية واضحة الملامح والخصائص والموجبات؛ إذ يتزايد الحديث عن صعود مستمر للصين وعودة متسارعة لروسيا وانكفاء أوروبا وانشغال النمور الآسيوية، لكن لا إجماع بعد على انتهاء القطبية الأحادية أو تبلور تعددية جديدة. ولهذه الضبابية ما يبررها، فالمعتاد أن يتم تقييم مواقع وأوزان القوى العالمية بشكلٍ إجمالي، حيث تكون الدولة الأقوى أو قوية أو متوسطة أو ضعيفة في كل شيء، عسكريًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا… إلى آخر مكونات القوة الشاملة لدولة. في حين يمكن حاليًّا وبسهولة عمل قياس وتقييم دقيق لكل من تلك المكونات على حدة، رغم أن كلًا منها يعمل كجزء من كل كما هو الحال في الأواني المستطرقة.

وبالنسبة للفاعلين، تجاوز العالم منذ سنوات مرحلة “الدولة” كفاعل عالمي وحيد، لكن في المقابل لم تتبلور بعد خارطة نهائية مستقرة للفاعلين العالميين؛ فبعد ظهور الدفعة الأولى من “الفاعلين غير الدول” والتي شملت تنظيمات أو أحزاب، ظهرت أشكال أخرى لفواعل عالمية منها الشركات الأمنية والعسكرية مثل:( فاجنر، وبلاك ووتر)، فضلًا عن الكيانات الاقتصادية متعددة الجنسية والشركات الصناعية والتجارية العابرة للحدود.

ومؤخرًا ظهرت شريحة أخرى، مختلفة، من الفاعلين غير الدول، وهي الظواهر الطبيعية والقضايا العولمية، ومن أمثلتها البارزة: (جائحة كورونا، والتغير المناخي، والهجرة غير الشرعية)، فقد فرضت تلك الظواهر المستجدة إرادتها ومقتضياتها على مفردات الحياة اليومية في كل بقاع الأرض، ودفعت دول العالم إلى تغيير نسق تفاعلاتها بل وقوانينها وقواعد إدارة وحركة الأعمال والتجارة الدولية([3]). وبموجب هذا التطور غير المتوقع، تصاعدت أهمية بل ودور متغير القضايا في النظام العالمي، وبعد أن كانت ملفات مثل: (البيئة، والمناخ، والأوبئة) من قضية ومجال للتفاعل بين الفاعلين العالميين، تحولت هي ذاتها إلى فاعل عالمي، ومحلي بالطبع. لكن ثمة استدراك مهم في هذا المقام، وهو أن هذه الفواعل الجديدة في النظام العالمي، لا تتشابه مع الفواعل الأخرى، سواء التقليدية أو المستجدة؛ فهي بإيجاز ليست طرفًا أو كيانًا، فضلًا عن أنها ليست دولًا ولا منظمات، فهي بالتالي ليست ذات شخصية اعتبارية، وتفتقر إلى عدد من الخصائص المميزة للفاعل العالمي، لكنها في النهاية صارت “فاعلًا” بحكم اتساع نطاق التأثير، الذي يمتد إلى مختلف بقاع ودول العالم. وبحكم امتداد عمق التأثير إلى منظومة التفاعلات الجارية بين أطراف وعناصر النظام العالمي، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات حدوث تغير، وإن لم يتبلور بشكلٍ نهائي بعد، في بنية النظام العالمي بما تعنيه من عناصر مكونة وتفاعلات جارية وشبكة علاقات مستقرة سواء تعاونية أو صراعية بدرجات وأشكال عدة.

وقد أفرز هذا التحول المفصلي في تاريخ العالم، حصول فواعل عالمية أخرى على أدوار أكبر وتأثير أعمق. من هذه الفواعل، المنظمات الدولية المتخصصة مثل منظمات: (الصحة العالمية، والهجرة واليونسكو، والأغذية والزراعة،… وغيرها)، التي صارت طرفًا مهمًا في التعاطي العالمي مع تلك القضايا والظواهر المستجدة، وصار لتلك المنظمات دور ملموس في توجيه بوصلة حركة العالم بشأن تلك القضايا حتى وإن كان محصورًا في النطاق “الفني” لتخصص المنظمة، وكان هذا التطور واضحًا بشدة خلال جائحة (كوفيد – 19)، التي كان لمنظمة الصحة العالمية كلمة مسموعة بشأنها، إلى جانب منظمات أخرى مثل: (الأغذية، والزراعة، والصليب الأحمر، ومنظمات أخرى).

وثمة ملاحظة مهمة هنا، وهي أن تلك المنظمات خاصة بالحكومات، وتختلف أوزان وأدوار الدول في كل منها، وبالتالي حجم وتأثير كل دولة على قرارات وتحركات هذه المنظمات، ما يعني أنها صارت فاعلًا عالميًّا، لكنها في الوقت ذاته ليست كيانات منفصلة تمامًا عن الدول.

وبتأمل خارطة المنظمات الدولية والإقليمية في العالم، تبرز ملاحظة أخرى، ربما ترتبط بتلك الأولى، وهي أن ثمة منظمات متخصصة كثيرة، مثل: (أطباء بلا حدود)، وغيرها من المنظمات الإغاثية والخدمية، تتشابه تخصصاتها مع تلك المنظمات المشار إليها، أي تنصب أنشطتها ومجالات اهتمامها في القضايا والملفات التي بدأت تتصاعد أهميتها في التفاعلات العالمية مؤخرًا. والفارق الجوهري بينهما، هو حدود “رسمية” أو “حكومية” كل منها؛ فأي من تلك المنظمات غير الحكومية، لم تكتسب أهمية أكبر أو تضطلع بدور أوسع في ظل المستجدات العالمية الراهنة، وهو أمر يدعو إلى التأمل في حقيقة انتقال تلك المنظمات المتخصصة “الحكومية” إلى مصاف الفاعلين العالميين، وما إذا كانت لها كينونتها وتوجهاتها وأطرها الحاكمة لأنشطتها، وليست أذرع أو واجهات لفاعل عالمي أساسي وأصيل، هو الدولة.

فرغم أن نفوذ الدول الكبرى في بعض المنظمات الدولية أمر ظاهر للعيان، وينعكس أحيانًا في مواقفها داخل تلك المنظمات بشكلٍ مُعلن ورسمي، تتفاوت حدود هذا النفوذ ونسبة ذلك التأثير من دولة إلى أخرى ومن منظمة إلى أخرى. بينما فيما يتعلق بالمنظمات غير الحكومية، وعلى الرغم من صعوبة الجزم بغياب تأثير الحكومات أو انتفاء أدوارها تمامًا، يظل الغالب على أداء تلك المنظمات أنها مستقلة. ومن ثم فإن اقتران الابتعاد عن التبعية الحكومية بمحدودية التأثير في النظام العالمي، وبالتالي خروج تلك المنظمات من دائرة الفواعل العالمية، لهو أمر جدير بالبحث والدراسة- خاصة أن النمط السائد لتقيد ومحدودية تأثير بعض المنظمات بسبب موازين القوى داخلها، يتعلق أساسًا بالمنظمات غير المتخصصة، التي يكون نطاقها شاملًا، والذي يؤول في معظم الحالات إلى غلبة الطابع السياسي على عملها، وعلى رأسها بالطبع الأمم المتحدة. وقد عجزت الأمم المتحددة بالفعل عن القيام بأي دور فعال تجاه أزمة أوكرانيا، وأكدت بذلك أن أهميتها وفعالية نشاطها مرهونة دائمًا بالتوافق بين الدول الأعضاء فيها، مثلما كانت خارج دائرة القرار في أزمات ومشكلات كثيرة سابقة، منها: الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة لغزة أو ممارساتها اللاإنسانية في مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ثم جاءت الأزمة الأوكرانية لتعيد تأكيد هذا العجز الأممي، تحديدًا بسبب حق الفيتو الذي يمتلكه أطراف الأزمة أنفسهم([4]).

ثانيًا: السياق العالمي للأزمة الأوكرانية:

تقدم أزمة أوكرانيا مثالًا نموذجيًّا لتطور ومراحل تصاعد الأزمات، فقد بدأت الأزمة سياسية بمبررات أمنية روسية ومخاوف أمريكية جيوإستراتيجية، ثم تطورت إلى مواجهة عسكرية بين أحد طرفيها الأساسييْن: (روسيا)، والطرف الثاني نائب عن الغرب أو ساحة المواجهة (أوكرانيا)، مع دعم عسكري جزئي خاصة بالتسليح من جانب أطراف غربية شريكة في الأزمة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وسرعان ما أفضت إدارة الأزمة من مختلف الأطراف إلى تداعيات وارتدادات متنوعة، صبّت في مجملها نحو المسار الاقتصادي بمعناه الواسع، بنقص في تدفقات النفط والغاز، وبالتالي سوق الطاقة العالمية، وأزمة سلعية خصوصًا في الحبوب، وتوتر شديد أصاب حركة الاقتصاد العالمي ككل عالمي.

وبالتوازي مع التطور المتسارع في مسار الأزمة وطبيعتها، تطورت أيضًا تبعاتها على التحالفات الإقليمية والدولية، نظرًا لتباين ردود الفعل والمواقف الخاصة بكثير من الدول التي لم تكن طرفًا أصيلًا في نشوب الأزمة، لكن وجدت نفسها مطالبة من كل أو بعض أطراف الأزمة الأصليين بلعب دور أو تبني موقف، فضلًا عن اضطرار بعض الدول إلى الانخراط في عملية إدارة الأزمة والعمل على إنهائها أو تهدئتها جزئيًّا؛ بسبب ما أصاب تلك الدول من أضرار وخسائر مباشرة مثل بعض الدول الأوروبية، التي عانت ولا تزال من توقف واردات الطاقة الروسية إليها. أو من جانب بعض الدول مثل: (تركيا)، التي اضطرت بحكم موقعها الجغرافي وعلاقاتها الجيدة مع طرفي الأزمة المباشرين_ إلى لعب دور في ترتيب تسويات جزئية مثل، التفاهم مع موسكو وكييف حول السماح بنقل شحنات الحبوب إلى الدول المستوردة بوساطة وإشراف أنقرة والأمم المتحدة.

في هكذا أزمة تطورت سريعًا وتعددت أوجهها بين (الاقتصاد والدبلوماسية، والقوة المسلحة، والتحالفات والتفاهمات بين الأطراف)، يصير ارتباط مجريات الأزمة بالنظام العالمي القائم مسألة منطقية؛ حيث تعرض النسق الدولي الذي كان قائمًا قبل الأزمة إلى ضربات متتالية غيرت ملامحه ووضعت النظام العالمي ككل في مرحلة سيولة شديدة وواضحة، بغض النظر عن مداها الزمني.

ولما كان النظام العالمي القائم يشهد من قبل أزمة أوكرانيا حراكًا وتضاغطًا بين الفاعلين الرئيسيين فيه، ولم يكن مستقرًا على نسقٍ واحد، من الطبيعي أن تمثل الأزمة ومجرياتها قوة دفع نحو مزيد من السيولة في التفاعلات وعدم الاستقرار في موازين القوى بين الفاعلين الأساسيين.

من هنا يجب رصد وتحليل ما فرضته الأزمة من مواقف وردود أفعال، وتداعياتها القائمة والمحتملة على النظام العالمي، بما يساعد على استكشاف حدود تأثير أزمة وحرب أوكرانيا على النظام العالمي.

1- انكشاف “التحالف” الغربي:  
من أهم النتائج التي تبلورت على نحو سريع، فور نشوب أزمة أوكرانيا، انكشاف ثغرات وأوجه نقص في التحالف الغربي. فمع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، انهارت القطبية الثنائية تلقائيًّا، لكن الصورة الذهنية عن التحالف الغربي المتماسك في مواجهة الشرق لم تنته، ولا تزال ملامحها حاضرة، رغم تغير التهديدات والتحديات من سياسات المعسكر الشرقي الذي لم يعد قائمًا أساسًا، إلى قضايا وظواهر عالمية. وبغض النظر عن أن تلك التحديات والتهديدات تَعزَى بالأساس إلى التطور الصناعي وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يقوده الغرب، إلا أن التنسيق في الرؤى والتفاهم ولو نسبيًّا حول السياسات والتحركات، كان مُلازمًا دائمًا للتعاطي الغربي مع تلك التحديات المُعولَمة المُستحدثة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك جائحة (كوفيد-)19، والتغيرات المناخية.

ثم جاءت أزمة أوكرانيا؛ لتكشف أن ذلك التحالف الغربي ليس مطلقًا، وغير شامل لكل التهديدات والتحديات، ولا مفتوحًا على كل الجبهات، فمنذ اليوم الأول للتصعيد الذي دشنته الولايات المتحدة الأمريكية، حاولت أوروبا تجنب الانجرار وراء الموقف الأمريكي، ومع انفجار الأزمة وبدء التصعيد الروسي المضاد سياسيًّا ثم عسكريًّا، وتطور الأزمة إلى حالة حرب، ظهر بوضوح التباين بين المواقف الغربية على أكثر من مستوى. أهمها اثنان: الأمريكي الأوروبي، والأوروبي الأوروبي([5]).

فكانت الاختلافات بين واشنطن وبعض العواصم الأوروبية المحورية واضحة وبشكلٍ علني في التصريحات الرسمية، وكذلك في التحركات الفعلية من الجانبين (الولايات المتحدة الأمريكية ، وأوروبا) بشكلٍ عام متجسدة في الاتحاد الأوروبي.

وكذلك الأمر داخل النطاق الأوروبي ذاته، حيث ظهر اختلاف وصل إلى حد الخلاف بين منطق ودوافع الدول الأوروبية، وبالتالي سياسات كل منها تجاه الأزمة ككل، وبصفة خاصة تجاه التعاطي معها أو بالأدق إدارتها بأدوات ضغط مثل: العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على روسيا، فضلًا عن أشكال ودرجات مختلفة من الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا.

2- إحياء الناتو.. مؤقتًا:

رغم الارتباك الذي أصاب المنظومة الغربية بشأن معالجة الأزمة الأوكرانية في بداياتها، كان من الظواهر الملفتة التي ترتبت على الأزمة، استعادة حلف شمال الأطلسي بعضًا من حيويته وحيثيات وجوده بعد أن كان الحلف قد فقد كثيرًا من أهميته ومبررات وجوده إثر غياب الطرف الثاني في الحرب الباردة، مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي. غير أن اندلاع الشرارة الأولى لأزمة أوكرانيا بقرار نشر صواريخ تابعة للحلف في أراضي أوكرانيا وتداول فكرة انضمامها إلى الحلف، جعل الناتو طرفًا أساسيًّا في الأزمة من اللحظة الأولى.

ورغم تذبذب مواقف الحلف تجاه الأزمة، من التلويح بالتدخل المباشر ردًّا على التهديدات الروسية في بدايات الأزمة، إلى التراجع والامتناع عن أي سلوك من شأنه استفزاز موسكو أو إثبات أن الناتو بصدد مواجهة عسكرية مع روسيا، ثم القيام بتحركات مضادة لروسيا بشكلٍ غير مباشر، منها طرح انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، وتعديل بعض التشكيلات القتالية الخاصة بقوات الحلف. ويلاحظ أنه رغم مرور ما يقرب من عام على اندلاع الأزمة ومباشرة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لا يزال الناتو يتجنب التورط المباشر في الحرب؛ حيث تتلقى أوكرانيا دعمًا عسكريًّا بأشكال مختلفة من بعض الدول الأعضاء في الحلف بشكلٍ فردي وبتنسيق فيما بينها، وليس باسم الحلف ولا تحت مظلته([6]).

بالتالي، فإن التقييم النهائي لدور الناتو في الأزمة يكشف أنه لم يكن الدور الأساسي، فرغم أن التصعيد الأمريكي كان يجري باسم الناتو، إلا أن الناتو نفسه افتقد زمام المبادرة في إدارة الأزمة ولم يتمكن من معالجتها كطرف أو كيان مستقل، بمعزل عن موازين القوى بين الدول الأعضاء فيه. وبمرور الوقت تتوالى شواهد هذا التقييم، فعلى سبيل المثال، بدأت بعض الدول الأوروبية بالفعل مراجعة إستراتيجياتها الأمنية/ الدفاعية في ضوء الدروس العاجلة للأزمة([7])، ومنها ضرورة تخفيف نسبة الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في الإستراتيجيات الدفاعية لتلك الدول. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية طرحت نفس المطلب خلال رئاسة دونالد ترامب، ما يعني أن واشنطن تتوجه بالفعل نحو التخفف من أعباء الأمن الأوروبي. ومع نشوب أزمة أوكرانيا وفي ضوء مُجرياتها، بدأت فكرة الاعتماد الأوروبي على الذات في مجال الأمن والدفاع تتردد مجددًا بقوة في أروقة السياسات الأوروبية على المستويين الجماعي والوطني. وفي هذا السياق، جاء قرار ألمانيا برفع نسبة مخصصات الدفاع إلى 3% من الموازنة العامة([8]).

على التوازي، أثبتت وقائع الأزمة وتطوراتها ومواقف الدول منها سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو، أن إعادة تسكين روسيا في موقع العدو وترسيمها كتهديد إستراتيجي ليس محل إجماع على كِلا المستويين- خاصة أن ثمة عامل آخر يعضد ذلك التردد الأوروبي والأطلسي، وهو الروابط المصلحية بين روسيا وبعض الدول الأوروبية وكذلك دول أعضاء في حلف الناتو؛ حيث أثبتت الأزمة أن إمدادات الطاقة الروسية -خصوصًا الغاز- إلى أوروبا، تمثل قيدًا مهمًا في حسابات القرار الأوروبي تجاه موسكو. وفي نطاق الناتو، فإن دولة مثل تركيا التي تعد ثاني أكبر دولة في الحلف، لها حسابات مختلفة عن تلك الأمريكية بشأن العلاقة مع روسيا. حيث تدير أنقرة العلاقة معها وفق مسارات متوازية بعضها تعاوني وبعضها تنافسي أو خلافي، لكنها لا تتقاطع. وهو ما يعني استبعاد أن تقبل تركيا التعاطي مع روسيا كعدو مطلق أو تهديد إستراتيجي، خاصة في ظل تذبذب العلاقات التركية الأمريكية ومرورها بحالات توتر ومتتالية في الأعوام الأخيرة. وقد عكس الموقف التركي من أزمة أوكرانيا ومجريات الحرب هنا ما يمكن وصفه بموازنات حرجة وحسابات دقيقة تراعي انتماء أنقرة جيوإستراتيجيًّا للناتو وروابطها التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ومصالحها القائمة والمحتملة مع روسيا في الوقت ذاته([9]).

ومفاد كل ذلك، أن ما يمكن اعتباره “إحياء” لحلف الأطلسي (الناتو) بفعل الأزمة الأوكرانية، قد لا يكون وضعًا دائمًا وليس بالضرورة مؤشرًا يعتد به إلى خروج الحلف نهائيًّا من حالة الجمود التي دخلها منذ نهاية الحرب الباردة. والأقرب أن استنفار الحلف أو صحوته المفاجئة جاءت اضطرارية ورد فعل مؤقت، بدليل انخراطه في الأزمة بشكلٍ جزئي ومحدود، ولا توجد دلائل ذات مصداقية حول اتفاق أعضاء الحلف على تغيير وضعية روسيا ونقلها على هذا النحو المفاجئ إلى موقف المُهدد أو التحدي الجدير بعودة الحلف إلى سابق عهده.

3- روسيا الجديدة.. القديمة:

منذ عودة فلاديمير بوتين إلى مقعد الرئاسة في روسيا عام 2012، بدأت السياسة الروسية تبدو أكثر وضوحًا وقوة في ترجمة أفكاره وتوجهاته التي أسس لها خلال فترتي رئاسته الأولى (2000-2008)([10]). حيث السياسة الخارجية الروسية؛ إذ باتت السياسة الخارجية الروسية “خطابًا وسلوكًا” أكثر التصاقًا بالمنظور الجيوإستراتيجي والدوافع الأمنية، ما انعكس على التحركات الخارجية في تبني المبادأة كمنطلق ومحدد رئيس، ومنح أولوية للقوة المادية كأداة.

وتجلت تلك الاختلافات بشكلٍ كبير في التعاطي الروسي مع القضايا الخارجية على مستويين، الأول: يتعلق بالأوضاع والتطورات الإقليمية في المناطق ذات الأهمية للمصالح والأمن الروسي، مثل (القوقاز، وشرق المتوسط)، ومن أمثلة ذلك الدور الروسي العسكري في الاشتباكات بين (أرمينيا، وأذربيجان) قبل عامين، والتدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، والحضور بأشكال ودرجات متفاوتة في الأزمة الليبية.

المستوى الثاني: هو المجال الجغرافي الحيوي المحيط بروسيا بشكلٍ مباشر، وليس أكثر دلالة وتجسيدًا للسياسة الروسية في هذا النطاق من انخراط موسكو في عملية عسكرية واسعة داخل الأراضي الأوكرانية؛ دفاعًا عما اعتبرته موسكو إضرارًا بأمنها القومي، على وقع مؤشرات مبدئية إلى رفع مستوى العلاقة بين (أوكرانيا، وحلف الناتو). والواقع أن تلك المؤشرات التي تسببت في اندلاع المواجهة في 24 فبراير 2022، لم تترجم فعليًا بانضمام أوكرانيا إلى الحلف، أو تنفيذ عملية نشر صواريخ متوسطة المدى تابعة للحلف داخل أراضي أوكرانيا قريبًا من الحدود الروسية. كما غلب على الموقف الغربي بشكلٍ عام، والأمريكي على نحو خاص، تصعيدًا إعلاميًّا أكثر منه عمليًّا (عسكريًّا أو سياسيًّا)، غير أن رد الفعل الروسي كان حادًا من بدايات الأزمة، أولًا على المستوى الإعلامي ردًّا على الاتهامات والتصعيد الغربي، ثم لاحقًا على المستوى العملي بمباشرة التوغل العسكري داخل الأراضي الأوكرانية([11]).

ولما كانت لموسكو سابقة قريبة في التدخل العسكري المباشر وذلك في سوريا، حيث استند العمل العسكري الروسي إلى دوافع أقل أهمية من تدخلها في أوكرانيا، فإن ذلك التسلسل يثير التساؤل عما إذا كانت القوة المسلحة بدأت تستعيد مكانتها السابقة في إدارة العلاقات فيما بين الدول. وحين يكون ذلك بواسطة واحدة من الدول الكبرى في العالم، فهل يؤذن ذلك بأن تصير الأداة العسكرية مجددًا وسيلة إلى تغيير ما في النظام العالمي، إن لم يكن على مستوى طبيعته (أحادي- ثنائي- متعدد- مضطرب)، فعلى الأقل على مستوى الفاعلين فيه والوزن النسبي لكل منها؟. ويزداد التساؤل تعقيدًا حين تكون الأداة العسكرية هي الوجه الأبرز أو الأعلى وزنًا ضمن مقومات القوة الشاملة للدولة، كما هو الحال تحديدًا بالنسبة لروسيا. فهل يكفل لتلك الدولة (روسيا أو غيرها) القدرة على إحداث تغيير في النظام العالمي، أو تعزيز مؤشرات التغيير الجاري، أو ربما مناهضته؟([12]). الإجابة ببساطة أن هذا غير ممكن إلا بشروط، أولها أن تكون تلك الدولة أن يسمح النسق الدولي القائم بذلك، أي أن تكون تلك طرفًا رئيسًا موازنًا في المشهد العالمي. كما يجب أن تكون لدولة طرفًا مباشرًا في المشكلة أو الملف السبب وراء اللجوء إلى القوة. والشرط الأهم أن تمتلك تلك الدولة الإرادة اللازمة لاستخدام القوة وتوظيفها لتحقيق أغراضها.

تتوافر تلك الشروط في روسيا بشكلٍ دائم تقريبًا، لكن الأعوام التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفيتي مباشرة افتقدت الشرط الأخير(الإرادة)، التي أعادها فلاديمير بوتين إلى السياسة الروسية، وعززها بنزعة قومية وبروح العداوات التقليدية مع الغرب (حديثًا) ومن قبله مع الامبراطوريات المنافسة (قديمًا).

وتجسد الأزمة الأوكرانية مثالًا لتوظيف روسيا مختلف أشكال القوة لديها، ليست العسكرية فقط، بل ربما لولا امتلاك موسكو أوراق ضغط أخرى مثل صادرات الطاقة لأوروبا على وجه الخصوص، لكان للعمليات العسكرية في أوكرانيا مردودًا أقل كثيرًا. بشكلٍ عام تتبنى موسكو، خطابًا وسلوكًا، توجهًا يذكر بالقوة العظمى الثانية في العالم، ومن قبلها بروسيا القيصرية. ورغم أن الندية الفعلية مع الولايات المتحدة الأمريكية لا تقارن بما كان عليه الوضع إبَّان الحرب الباردة، إلا أن المؤكد هو توافر إرادة قوية لدى روسيا في عهد بوتين لمقارعة واشنطن، وهو ما جسدته إدارة موسكو لأزمة أوكرانيا وأكده الخطاب السياسي الروسي، الذي وردت فيه غير مرة على لسان بوتين إشارات إلى رفض قواعد وآليات النظام العالمي القائمة.

4- مراجعة علاقات القوى الكبرى والإقليمية:

من أهم النتائج التي ترتبت على الأزمة الأوكرانية ومن شأنها الإسهام في عملية تغيير شكل وربما طبيعة النظام العالمي القائم أو بالأحرى الجاري تبلوره_ الحراك الذي بدأت تشهده التحالفات بين القوى الكبرى، والقوى الرئيسة، والمحورية في الأقاليم المهمة على مستوى العالم، وعلى رأسها بالطبع إقليم الشرق الأوسط.

والمقصود بالحراك، تصدع بعض التحالفات التي كانت قائمة ومستقرة منذ عقود، مقابل مؤشرات مبدئية لتحالفات أخرى جديدة وإن كانت لا تزال في مرحلة التشكيل.

ويمكن التعرف على جوهر ذلك الحراك، من استقراء مظاهر التحول الجاري في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول “الشرق الأوسط” وبالأخص منها الدول العربية، حيث تتلخص تلك المظاهر في انتهاء حالة الاتساق في السياسات والتناغم في المواقف بين معظم الدول العربية، والولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما انعكس بوضوحٍ شديد في مواقف تلك الدول من الأزمة الأوكرانية، إذ اختلفت إلى حد التناقض مع التوجه الأمريكي. ومن أبرز الشواهد على ذلك، السلوك التصويتي للدول العربية في الأجهزة والمؤسسات الأممية بشأن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. والتي كان أبرزها حياد دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه مشروع قرار بريطاني بإدانة روسيا في مجلس الأمن.

في الاتجاه ذاته، كان موقف المملكة العربية السعودية في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) مؤشرًا عميق الدلالة لجهة العلاقة مع واشنطن؛ حيث رفضت الرياض المطلب الأمريكي بزيادة الإنتاج النفطي لتعويض النقص الناجم عن العقوبات على روسيا وبالتالي تجنب ارتفاع الأسعار، ثم أيدت السعودية تبني مجموعة (أوبك+) قرارًا أكثر مناوأة لواشنطن، بخفض تدريجي للإنتاج النفطي.

ولم تبتعد كثيرًا مواقف الدول العربية الأخرى، خصوصًا المحورية منها مثل مصر، فكان الابتعاد عن الموقف الغربي عمومًا والأمريكي خصوصًا واضحًا سواء في البيانات الرسمية أو في التناول الإعلامي الرسمي للأزمة ومواقف أطرافها.

لم تكن الأزمة الأوكرانية الأولى في حالات تعارض المواقف بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان لدول الخليج العربية موقفًا مغايرًا للتقديرات الأمريكية بشأن مفاوضات إحياء “مذكرة التفاهم الشاملة” المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني، وقبلها بشأن الأزمة في اليمن وتذبذب موقف واشنطن من إدراج جماعة “الحوثي” على قائمة الإرهاب الأمريكية.

وسبق أيضًا أن طالبت الدول العربية الأكثر انخراطًا وتأثرًا بمفاعيل الصراع العربي الإسرائيلي -خصوصًا ملف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين- بضرورة اضطلاع واشنطن بدور أكثر نشاطًا والقيام بتحركات عملية لتفعيل التسوية السلمية على أساس “حل الدولتين”.

بالتالي، الابتعاد عن السياسات والمواقف الأمريكية ليس قفزة لحظية خارج السياق، ولا هو انعكاس مباشر لحسابات خاصة بالأزمة الأوكرانية تحديدًا، كما لو كانت استثناءً مؤقتًا من مقتضيات ما يمكن مجازًا وصفه بالتحالف العربي الأمريكي، ما يعني أن تلك الأزمة فرضت على دول المنطقة اتخاذ مواقف واضحة ومحددة، إما أن تتسق مع التوجه الأمريكي بل تتماهى معه، أو تتوافق مع رؤى وتقديرات دول المنطقة لمصالحها وتقديراتها الذاتية لمصفوفة التكلفة والعائد بمختلف جوانبها، سواء توافق ذلك أو تعارض مع التوجه الأمريكي، وهو “مفترق طرق” في علاقات دول المنطقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ربما مرت بغيره في السابق، لكنها المرة الأولى التي يسفر فيها اختبار كهذا عن افتراق الطرفين كلٌ في طريق([13]).

وسواء كان ذلك الافتراق مؤقتًا أو مقدمة لمزيد من التباعد، فإن مغزاه لا يقتصر على طبيعة العلاقة بين قطب عالمي ومجموعة دول إقليمية، هو وضعية ذلك القطب العالمي ووزنه النسبي في النظام العالمي، ومدى تأثير ذلك على تغير قادم أو ربما قائم في النظام العالمي نفسه- خصوصًا حين يتعلق الأمر بإقليم شديد الأهمية، ويتأثر بشكلٍ مباشر وآني بأي تحولات عالمية كبيرة.

ومن ثم، لا يمكن فهم التجرد والاستقلالية التي غلبت على سياسات ومواقف دول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وتجلت في أقوى صورها خلال الأزمة الأوكرانية_ بمعزل عن انحسار قدرة الولايات المتحدة الأمريكية- ولو نسبيًّا- على توجيه دفة الأمور في العالم.

في المقابل، تباشر روسيا منذ بضعة أعوام ما يمكن اعتباره “هجومًا إيجابيًّا” على منطقة الشرق الأوسط، في سياق التغيرات الخاصة بالسياسة الخارجية الروسية، وما سبقت الإشارة إليه من تطوير مُنطلقاتها وأدواتها.

ورغم أن مستوى علاقات دول المنطقة مع روسيا لا يُقارَن بما كان قائمًا (وبدرجة ما لا يزال) مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن التطورات الإيجابية التي طرأت في العلاقة على المسار الروسي تمثل طفرة نوعية وكمية، وإن تفاوتت في مضمونها من دولة إلى أخرى في المنطقة؛ فلمصر مثلًا علاقات قديمة مع موسكو يتجاوز عمرها نصف القرن، وتشمل مجالات تعاون متنوعة، لكنها في الأعوام القليلة الماضية زيدت كثافتها واكتسبت أبعادًا أوسع وأعمق، بينما بالنسبة لبعض الدول الأخرى مثل: (بعض دول الخليج، وإلى حد ما السودان)، فإن العلاقات في العامين الماضيين شهدت تطورًا غير مسبوق، بدءًا من ارتفاع وتيرة ومستوى التواصل السياسي والدبلوماسي إلى حد تبادل المحادثات والزيارات الرئاسية بشكلٍ متكرر، مرورًا بتوسيع وتكثيف التعاون الاقتصادي، وانتهاء باستحداث تعاون عسكري ودفاعي خصوصًا في مجال التسليح.

5- الاقتصاد يتحكم:

رغم الطابع الجيوإستراتيجي لدوافع ومسببات أزمة أوكرانيا وتحولها إلى حرب عسكرية، إلا أن مجريات الأزمة كانت أكثر ارتباطًا بالمحدد الاقتصادي، وهو ما يعني أيضًا أن تطور الأزمة في المستقبل القريب، وانعكاساتها على التفاعلات الدولية وربما مجمل النظام العالمي، سيخضع في جانبٍ كبير منه إلى عوامل اقتصادية، وبوصف أكثر دقة، للمحدد الجيواقتصادي.

معلوم أن حركة الاقتصاد الدولي لعبت في العقدين الأخيرين بصفةٍ خاصة، دورًا جوهريًا في رسم النسق المميز للنظام العالمي، ولا حاجة إلى إيضاح مدى تأثير صرعة “العولمة” وتداخلها مع نزوع القوى الكبرى إلى تحرير التجارة وتوسيع نطاق الاعتماد المتبادل تصنيعيًّا وليس فقط تجاريًّا. وكان لهذه الظواهر الجيواقتصادية مردودًا مهمًّا على النظام العالمي، تمثل في حالة التشابك في علاقات الدول الكبرى بين مصالح اقتصادية مستحدثة وعداوات سياسية تاريخية، وبالطبع تقدم العلاقات بين (الولايات المتحدة الأمريكية، والصين) مثالًا نموذجيًّا على تلك الحالة من الارتباط متعدد المسارات في الاقتصاد والتكنولوجيا بصفةٍ خاصة، والمتناقض مع الاختلاف الأيديولوجي والسياسي فضلًا عن الإرث الثقافي، بل داخل كل من هاتين المجموعتين، يمكن العثور على مظاهر متعاكسة الاتجاهات، إذ يوجد تنافس كبير بين (واشنطن، وبكين) على موارد الطاقة والاستثمار في المناطق الواعدة كأسواق وكمصدر للمواد الخام، بينما تمثل التبادلات التجارية بين الجانبين رابطًا مصلحيًّا قويًّا يجمعهما بل يفرض عليهما كبح المنافسة ويعقد أي إجراءات عقابية بينهما([14]).

من هنا كان واضحًا التمايز في الموقف الصيني من أزمة أوكرانيا في مختلف مراحلها حتى الآن، فقد كان التوقع السائد أن تصطف بكين فورًا وبشكلٍ مطلق وكامل إلى جانب موسكو، لكن السلوك الصيني خيب هذه التوقعات، حيث تبنت بكين موقفًا شبه متوازن مع اقتراب نسبي من روسيا.

وسيكون لهذا التمايز الواضح والملفت في موقف بكين، صدى كبيرٌ لاحقًا ومردود على تموضعها في نسق التفاعلات العالمية بعد الأزمة. فعلى غير ما قد يتصور البعض، فإن الروابط المصلحية المشار إليها بين (بكين، وواشنطن)، قد تكتسب مزيدًا من الوثوقية بعد تجنب بكين مناصرة موسكو بشكلٍ كامل خلال الأزمة -خاصة أن واشنطن بالتأكيد لم تتوقع من بكين التماهي مع الموقف الأمريكي أو الغربي عمومًا.

ويمكن استقراء دلائل مبدئية على تقدير الولايات المتحدة لهذا الموقف من تصريحات الرئيس الأمريكي الإيجابية تجاه الصين خلال قمة مجموعة العشرين([15]).

وفي مستوى آخر، شهدت أزمة أوكرانيا مظاهر عميقة الدلالة للتأثيرات متعددة الاتجاه الناجمة عن إدارة الأزمة بأدوات اقتصادية مثل العقوبات التي تم فرضها على روسيا، فقد كانت مزدوجة التأثير السلبي، على روسيا وعلى بعض الدول الغربية نفسها. بل ربطت بعض التحليلات إلى ما هو أبعد، بأن تلك العقوبات ربما تفضي إلى “تقويض هيمنة الدولار الأمريكي”، وبالتالي “تفتت” النظام المالي العالمي. ومن اللافت هنا أن هذا التحليل أو التنبؤ خرج من “صندوق النقد الدولي”([16]) أهم مؤسسات التمويل الدولية المنتمية إلى النظام الرأسمالي العالمي.

في المحصلة، لم يعد محل شك أن الاقتصاد بالمعنى الواسع، هو المتحكم حاليًّا في كثير من التفاعلات العالمية، وصار هو المحدد المهيمن على نسق النظام العالمي قيد التحول أو الجاري تشكله. لكن المدلول الأعمق، أن هذا الملمح يسري في كل الحالات ويفرض مقتضياته على كافة الدول، إلى حد الجمع والتوفيق وربما لاحقًا التنسيق، بين دول تباشر صراعًا حادًا ومتعدد الأشكال، مثل (الولايات المتحدة الأمريكية، والصين).

ثالثًا: النظام العالمي إلى أين؟

 استطرادًا على تصاعد وزن العامل الاقتصادي في تسيير حركة العالم وتفاعلاته، يمكن القول: “أن مرحلة القطبية الأحادية والهيمنة الأمريكية، استندت بالأساس إلى قوة النموذج الأمريكي، الذي لم يكن عسكريًّا فقط ولا اقتصاديًّا فقط، كما لم تكن القوة الناعمة هي جوهره الرئيس فقط، نعم كانت الثقافة واللغة وصرعات حديثة حاضرة وبقوة، لكنه في النهاية كان نموذجًا شاملًا متعدد الجوانب”.

ما يشهده النظام العالمي حاليًّا، هو صعود “نماذج” أخرى متباينة المكونات والطبيعة، يتقدمها نموذج اقتصادي للشراكة الدولية تطرحه الصين([17]) وتروج له وتحشد من أجله دولًا وتبني له تكتلات. ثم هناك النموذج الروسي المتمحور حول الشخصية القومية والإرادة المستقلة للدول، ولا تزال نماذج أخرى تتبلور ربما تكتمل وربما يتغير مسارها. وقد لا تملك تلك النماذج حتى الآن إمكانية المنافسة الكاملة على صدارة النسق الدولي، لكنها -على الأقل- في صعود متزايد، وفي المقابل يشهد النموذج الأمريكي تراجعًا ملحوظًا ومستمرًا أيضًا.

من شأن تعدد النماذج الصاعدة، أن يفضي إلى نظام عالمي متعدد الأنساق، ولو مرحليًّا، وربما يفضي لاحقًا إلى تغيير طبيعة النظام ككل إلى متعدد الأقطاب بتعدد النماذج([18]).

ومن المهم هنا لفت الانتباه إلى أن النماذج قد لا تكون مرتبطة بالضرورة بالدولة الوطنية، فبروز المنظمات الدولية المتخصصة وتغير التحالفات السائدة، وسهولة تشكل وبلورة فاعلين دوليين جدد خلال الأزمات الكبرى، يفتح الباب ظهور أنماط مختلفة أو تجسيدات جديدة لأنماط قائمة.

ففي مستوى وسيط بين الفاعل “الدولة” والفاعل ” المنظمة” المتخصصة، بدأت التكتلات والتجمعات الدولية تجد لنفسها مكانًا في النظام العالمي، ليس لكونها فاعلًا جديدًا، وإنما لتصاعد دورها واتساع نطاق تأثيرها في النظام العالمي. فبعد أن كانت أدوارها وتأثيراتها مقصورة على التفاعلات الاقتصادية الدولية كما كان الحال في بدايات تلك التجمعات مثل “بريكس” و”آسيان” وغيرها، بحكم نشأتها أساسًا بدوافع اقتصادية، تطورت أدوارها واتسعت نطاقات عملها لتشمل ملفات وقضايا سياسية وجيوإستراتيجية، وبالتالي تحولت إلى نوع مختلف من الفاعلين في النظام العالمي.

في ظل هذا الموزاييك من الفواعل التقليدية والمستجدة، لم يعد النظام العالمي كما كان قبل عِقدين، بل ولا قبل عامين، وأصبح شبه المؤكد أن العالم أحادي القطبية قد انتهى. ولا يعني التفاوت في موازين القوة الشاملة بين الفواعل العالمية القائمة أن العالم ليس متعدد الأقطاب، فالتعددية القطبية لا تستلزم بالضرورة التساوي في القوة أو التطابق بين الأقطاب. ولا يعد استمرار الحراك وتبدل المواقع بين القوى الرئيسة المؤثرة في التفاعلات العالمية، سوى تجسيد لمرحلة انتقالية من الأحادية إلى التعددية، لكنها تعددية غير تماثلية أي تضم فاعلين وأقطاب غير متماثلة، ما يظهر العلاقات والتفاعلات فيما بينها غير منسجمة؛ لذا يبدو العالم حاليًّا كما لو كان قيد الانتقال من نظام إلى آخر، أي لم يتبلور نظامه بعد، أو ربما بلا نظام بالمطلق. بينما في الواقع ثمة نظام عالمي متبلور ومستقر لكنه غير جامد، فهو متحرك بطبيعته ويتسم بديناميكية عالية بين أطرافه، ويحظى بأشكال متنوعة من الفاعلين ولا تزال مفاعيل (ميكانيزمات) بعض العلاقات فيما بينها غير واضحة، لكن الثابت أن تفاعلاتها تجري داخل حدود ذلك النظام ووفق قواعده، وبالتالي يتمتع بملامح وخصائص مميزة له.

وبدون الخوض في تفصيلات ومقارنات ليس هذا مقامها، وجهُ الاختلاف الأبرز في التعددية “غير التماثلية” الحالية عن تلك التقليدية “تعددية الدول الأقطاب”، أنها تسمح بمساحة من التضاغط والاحتكاك توازيًا مع التعاون والتنسيق فيما بين القوى الكبرى وبعضها، وكذلك فيما بينها وبين الدول المتوسطة والصغيرة.

من ثم، يمكن الاقتراب من إجابة التساؤل الرئيس في هذه الدراسة حول طبيعة وحدود التغير في النظام العالمي ارتباطًا بالأزمة الأوكرانية، وهي أن الأزمة نفسها نشبت كجزء من تحولات متعددة المسارات والأشكال والدرجات تجري بالفعل في النظام العالمي، وبدأت قبل الأزمة بأعوام- أي أنها كانت أزمة كاشفة وليست منشئة. ولعبت الأزمة دور المحفز في المعادلات الكيميائية، أي من شأنها التعجيل بتلك التحولات أو ببعضها، بدءًا بالانكشاف العلني لضعف وتراجع الهيمنة الأمريكية، مرورًا بتغير التحالفات والأنساق الدولية السائدة في حركة التفاعلات الدولية اقتصاديًّا وسياسيًّا وتنظيميًّا، وانتهاءً ببزوغ فاعلين جدد ممثلين في دول ومجموعات وتكتلات وتحالفات، بعضها قائم بالفعل لكن اكتسب بفضل الأزمة قوة دفع وقدرة أكبر على التأثير في المشهد العالمي.


([1]) Tom McTague, What America’s Great Unwinding Would Mean for the World, The Atlantic, 12 August 2022.

www.theatlantic.com/international/archive/2022/08/europe-america-military-empire-decline/670960/

([2]) يمكن الرجوع إلى عرض تفصيلي وتحليلي لأوزان أقطاب النظام العالمي وتفاعلاتها البينية قبل الأزمة الأوكرانية، في:

احمد عاطف (محرر)، الحرب الروسية – الأوكرانية.. عودة الصراعات الكبرى بين القوى الدولية، (أبوظبي: مركز المستقبل

للأبحاث والدراسات المتقدمة، نوفمبر 2022)، ص ص 102 – 108.

([3]) حول جائحة كورونا كمثال على وزن وتأثير تلك القضايا في النظام العالمي، انظر:

محمد بلخيرة، تأثير جائحة كورونا على مستقبل النظام الدولي: هل سينتقل مركز القرار الدولي من الغرب إلى الشرق؟، دورية “المجلة العربية للأبحاث والدراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية”، جامعة حسيبة بن بو علي الشلف، المجلد 13- العدد 4، يوليو 2021، ص ص 288- 306.

([4]) د. عصام عبد الشافي، الحرب الروسية-الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي، دورية “لباب” للدراسات الإستراتيجية والإعلامية، السنة الرابعة، العدد 14، مركز الجزيرة للدراسات، مايو 2022، ص 127.

([5]) https://rasanah-iiis.org/english/centre-for-researches-and-studies/the-ukrainian-crisis-and-the-new-world-order/

([6]) احمد عاطف (محرر)، الحرب الروسية – الأوكرانية.. المصدر السابق، ص  82 –84.

([7]) د. عصام عبد الشافي، الحرب الروسية-الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي، المصدر السابق، ص 128.

([8]) https://shafcenter.org/wp-content/uploads/2022/03/Radical-Changes-the-Word-in-the-Aftermath-of-the-Ukraine-Crisis.pdf

([9]) احمد عاطف (محرر)، الحرب الروسية – الأوكرانية.. المصدر السابق، ص ص 195 – 197.

([10]) د. حميد حمد السعدون، الدور الدولي الجديد لروسيا، مجلة دراسات دولية، العدد 42، جامعة بغداد، 2009، ص 2.

([11]) لتتبع إدارة موسكو لمرحلة ما قبل الأزمة وحتى بداية التدخل العسكري، انظر:

بدون مؤلف، نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة: مغامرة روسيا في أوكرانيا تعيد تشكيل النظام العالمي برمته، مركز الجزيرة للدراسات، 28 فبراير 2022، ص ص 3 – 4.

([12]) د. وحيد عبد المجيد، كيف سيحدثُ الانتقالُ في النظامِ العالمي؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 13 مارس 2022.                                                                  https://acpss.ahram.org.eg/News/17429.aspx

([13]) حول تفاصيل اتجاه الدول العربية إلى التمايز عن السياسات الأمريكية، انظر:

Bandar Algaloud, The War in Ukraine and Strategic Hedging by Arab Countries, The Institute for National Security Studies, 21 March 2022.       www.tinyurl.com/2hwvxxmx

([14]) https://www.jsonline.com/story/opinion/2022/09/30/u-s-chinese-cooperation-essential-solving-our-mutual-problems/8122226001/  

([15]) بايدن وشي: توافق معلن لا يخلو من التحذيرات، Independent عربية، 14 نوفمبر 2022.    https://bre.is/oCxercxy

([16]) Russia Sanctions Threaten to Erode Domination of US Dollar, Financial Times, 31 March 2022.https://www.ft.com/content/3e0760d4-8127-41db-9546-e62b6f8f5773

([17]) Randall L. Schweller and Xiaoyu Pu, After Unipolarity .. China’s Visions of International Order in an Era of U.S. Decline, International Security, Vol. 36, No. 1, Summer 2011, Harvard University.

([18]) د. وحيد عبد المجيد، كيف سيحدثُ الانتقالُ في النظامِ العالمي؟، المصدر السابق.

اظهر المزيد

سامح راشد

باحث بمؤسسة الأهــرام - مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى