تعد السياسة المائية من قبل الدول المطلَّة على الأنهار الدولية المشتركة_ عاملًا مهمًا وذا حساسية شديدة في العلاقات الدولية فيما بين الدول النهرية خاصة في الفترة الأخيرة ، كما تعد بعدًا للأمن القومي لتلك الدول ، لذا اهتمت منظمة الأمم المتحدة ، طبقًا للأهداف الرئيسة من إنشائها للعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين، بما يتطلبه ذلك من إنماء أُطر التعاون بين الدول في شتى المجالات.
تكليف لجنة القانون الدولي بإعداد الدراسات وصولًا لإعداد اتفاقية لاستخدام المجاري المائية الدولية في غير الشؤون الملاحية، وقد أعدت اللجنة المشروع وتمخضت عنه اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية في غير الشؤون الملاحية عام 1997 ، والتي تضمنت العديد من المبادئ الحاكمة لهذا الأمر والتي تعد في حد ذاتها سياسات مائية للدول المتشاطئة ، وتعد في ذات الوقت تقنينًا لقواعد عرفية في هذا الشأن ، وبمراجعة مواد هذه الاتفاقية لوحظ أنها اتفاقية أطارية استجمعت القواعد الرئيسة الحاكمة في هذا المجال التي لا يجب بأي حال الخروج عنها في علاقات الدول المتشاطئة أيّا ما كانت هذه السياسات الخاصة بالاستخدام .
وبالنسبة للكتاب فهو مقسم إلى ثلاثة أبواب :
الباب الأول، مكون من أربعة فصول يتكلم فيهم الكاتب عن المبادئ والقواعد العرفية الخاصة باستخدام مياه الأنهار الدولية المشتركة .
فيقول الكاتب:” أنه لبيان حق دولة ما في حصة معينة من مياه النهر الدولي الذي يمر بإقليمها فيجب أولًا بيان حدود سيادة هذه الدولة على هذا الجزء من النهر لتحديد كيفية الانتفاع بحصتها في مياه هذا النهر وحدود هذا الحــق ، وفى هذا الصدد وجدت عدة نظريات لبيان مدى سيادة الدولة على ذلك الجزء من النهر الذي يمر بإقليمهـــــا ، فلا هي سيادة مطلقة إلى الحد الذي يكون فيه جورًا على حق باقي دول النهر ولا هي سيادة مقيدة إلى الحد الذي يحرم تلك الدولة من ممارسة حقوقها على ذلك الجزء من النهر الذي يمر بأرضها” .
وهناك أربع نظريات تتحدث عن حدود السيادة على النهر الدولي، هي نظرية السيادة الإقليمية المطلقة ، ففي مجال استخدام الأنهار الدولية المشتركة فتمارس الدولة حقها في استخدام هذه الأنهار طبقًا لنظرية السيادة على ما يجري داخل إقليمها من مجارٍ مائية ، والنظرية الثانية هي نظرية الوحدة الإقليمية المطلقة ومفاد هذه النظرية أن كل دولة تتمتع بوحدة كاملة لإقليمها بعناصره الثابتة والمتحركة ( الأرض والماء ) ويرى أنصار هذه النظرية أن الدولة التي يمر بإقليمها النهر الدولي لها الحق في استخدام مياه ذلك النهر مع مراعاة حقوق الدول الأخرى ، أى أن يكون استخدامها غير ضار أو مؤثر على حقوق الدول الأخرى ، ويكون النهر كله من منبعه إلى مصبه وحدة إقليمية متكاملة ، وسيادة الدولة على الجزء الذي يمر بإقليمها مقيدة بوجوب عدم التصدي للمجرى الطبيعي للنهر ، فلا يجوز طبقًا لهذه النظرية للدولة أن تحول مجرى النهر أو توقف جريان مياهه ولا أن تزيد من جريان المياه أو تقلل منه بأي وسيلة كانت .
وبمعنى آخر، أن الدولة التي تمر بإقليمها مجارٍ مائية دولية لا يمكن لها أن تدخل عليها أية تعديلات بأن تتدخل في سير المجرى الطبيعي للنهر أو تستخدم النهر على نحو ينتقص من كمية المياه أو تعدل من نوعيتها مراعاة لحقوق الدول الأخرى للنهر في الحصول على حقها من المورد الطبيعي المائي ، ولذلك يكون طبقًا لهذه النظرية من حق الدول الأخرى للنهر الدولى المطالبة بالحفاظ على الوضع القائم والاعتراض على ما يؤثر فيه ، ويظهر ذلك بصورة قوية في مطالبة دول المصب للدول المشتركة معها في المجرى المائي للحصول على نفس كمية المياه التي يوفرها المجرى المائي وبنفس جودة المياه من مصدر المجرى المائي دون تدخل من دول المنبع ، ويكون لدول المصب حق الاعتراض على أي مشروعات تقوم بها دول المنبع على النهر مما يؤثر في جريان المياه في النهر .
وهناك نظرية أخرى بعنوان السيادة الإقليمية المقيدة وهى نظرية لم تلقَ قبولًا. وملخص النظرية، أن الدول التي تمارس السيادة على الجزء الخاص بالمجرى المائي مقيدة بالالتزام بعدم التصدي للمجرى الطبيعي للمياه فلا يجوز في إقليمها أن تحول مجرى النهر أو أن توقف جريان مياهه ولا يجوز أن تزيد من جريان المياه أو تقلل منه بوسائل صناعية، وهذا يعني أـن لكل دولة أن تنتفع بمياه النهر في الجزء الذي يمر بإقليمها بكل وسائل الانتفاع، بشرط عدم الإضرار بحقوق الدول الأخرى التي يمر النهر في إقليمها .
أما النظرية الرابعة فتقوم على تجاهل الحدود السياسية بين الدول التي تشترك في مجرى مائي واحد ، واعتبار ذلك المجرى المائي حوضًا واحدًا بحيث يُشكّل وحدة اقتصادية وجغرافية واحدة ـ، وتعتبر هذه النظريات التي جاءت في تكييف حق الدولة على الجزء الخاص بها من النهر .
ويرى أنصار هذه النظرية أنها تحقق أفضل استخدام للنهر لاعتبارها أن النهر وحدة واحدة ، وتقتضي التعاون الحقيقي بين دول النهر وتستبعد التعارض والخلافات بين الدول النهرية قدر المستطاع .
وعلى كل ذلك، ومن خلال الاتفاقيات الدولية والأحكام القضائية وآراء الفقهاء فإن السيادة على النهر الدولي هي سيادة مقيدة وليست مطلقة من خلال قواعد العدالة والانصاف، والتي تؤثر العمل الدولي على العمل بها في مجال المياه النهرية الدولية مما جعلها قاعدة عرفية تكاد تكون القاعدة الأولى في تصنيف القواعد العرفية التي تحكم استخدام مياه الأنهار الدولية .
ثم تناول الكاتب، بعد ذلك، الأخطار و التشاور والتفاوض حول المشروعات الجديدة المقامة على النهر الدولـــــــــي ، حيث يقول:” إذا كان القانون الدولي قد رسّخ مبدأ التقسيم العادل والمنصف لمياه النهر الدولي ومن أهم أُسسه احترام مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة لدولة ما في مياه النهر الدولي، فبحكم الضرورة رسخ مبدأ أو قاعدة أخرى وطيدة الصلة بسابقتها وهى الأخطار والتشاور والتفاوض بين دول النهر الدولي حول المشروعات الجديدة المراد إقامتها من إحدى هذه الدول على النهر الدولي المشتركة فيه هذه الدول” ، فهذه القاعدة هي وليدة عن سابقتها وتندرج تحت ( المعقولية والعدل والانصاف ) .
ثم يتناول بعد ذلك موضوع تفادي الأضرار المترتبة على الاستخدام المشترك للنهر الدولي والمسؤولية المترتبة على تلك الأضرار .
حيث أنه من المبادئ أو القواعد العرفية في القانون الدولى العام في مجالات استخدام أو استغلال الأنهار الدولية_ تفادي الأضرار المترتبة على الاستخدام المشترك للنهر الدولي ،وقد تناولت مؤلفات الفقهاء هذا المبدأ تحت مسميات عدة مثل مبدأ عدم مشروعية الاستغلال الضار ، ومبدأ الاستعمال البرئ لمياه الأنهار الدولية ، وعدم الإضرار بالدول المتشاطئة وغيرها من المسميات، والتي تجمع كلها على ” ضرورة تفادي الاضرار المترتبة على استخدام الدول لمياه النهر الدولي المشترك ” وهناك الكثير من الاتفاقيات الدولية التي تفيد بحظر الأنشطة التي تسبب أي ضرر كان لدولة أخرى من دول المجرى المائي نذكر منها :
- اتفاقية 17 سبتمبر 1955 بين إيطاليا وسويسرا بشأن تنظيم مياه بحيرة ” لوجانو” .
- اتفاقية ديسمبر 1949 المتعلق بنظام الحدود النرويجية السوفيتية وإجراءات تسوية المنازعات والحوادث تشترط في الفقرة الأولى أن تكفل بقاء مياه الحدود نظيفة وعدم تلويثها أو إفسادها اصطناعيًا بأي وسيلة .
- اتفاقية 1971 بين الأكوادور و بيرو التي تتعلق بأحواض أنهار (بوياجو- – تومبيس- ماتامايو) تعترف بحق كل بلدة باستخدام المياه الموجودة في إقليمه من أجل حاجاته شرط ألا تسبب ضررًا أو أذىً للطرف الآخر .
هذا بالإضافة إلى العلاقات الدولية الكثيرة التي تدل على ضرورة تفادي الاستخدام الضار للنهر الدولي ، وأيضًا اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالات الإختلاف وهناك نماذج كثيرة لقرارات المحاكم الدولية.
ويخلص إلى أن الممارسات الدولية جميعًا من (اتفاقيات، وإعلانات دولية، وقضاء وتحكيم دولى، وفقه، وعُرف) تُعتبر مبدأ ضروريًا لتفادي الأضرار المترتبة على استغلال النهر الدولي ويجعل ذلك المبدأ مثيرًا للمسؤولية الدولية على الدولة المتشاطئة عن الأضرار التي قد تصيب غيرها من الدول المتشاطئة الأخرى، لذا فاستخدام المياه بصورة تسبب ضررًا للدول الأخرى المشتركة في النهر يعد فعلًا غير مشروع يُوجب المسؤولية الدولية .
أما الباب الثاني من الكتاب، فيتحدث فيه الكاتب عن النظام القانوني لاتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997م والسياسات المائية لدول حوض النيل من خلال موقعها من الاتفاقية
حيث لم يقتصر الاهتمام بتدوين وتقنين قواعد القانون الدولي بشأن الاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية على رابطة القانون الدولي ، بل كان الاهتمام من قبل لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة ، وتطورت جهود هذه اللجنة حتى وصلت إلى قيامها بإعداد مشروع لاتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997 بشأن قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية .
هذا وتعتبر الاتفاقية مرجعًا رئيسًا لما قد ينشب من خلافات بين الدول في مجال الأنهار الدولية نظرًا للمجهود الذي بذل فيها واحتوائها على أكثرية القواعد المعمول بها في هذا المجال ويدل على ذلك نسبة التصويت عليها ، فنسبة الأغلبية توضح مدى ثقلها ومؤشرًا لاتساع موافقة المجتمع الدولي على المبادئ العامة التي تحكم الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية ، مما يجعلها لها دور أيضًا في تفسير اتفاقيات المجاري المائية الأخرى سواءً عامة أو خاصة والتي تكون ملزمة لأطراف الـــــنزاع ، وذلك بغض النظر عما إذا كانت الاتفاقية بذاتها ملزمة لأطراف النزاع أو لا .
إلا أن مصر قد تحفظت على تلك الاتفاقية ، حيث أنها باعتبارها إطارية لن يكون لها تطبيق مباشر على اتفاقات دول حوض النيل حتى ولو أصبحت جميعًا من أطراف الاتفاقية الجديدة ، ما لم يتم إبرام اتفاقية خاصة بين دول حوض النيل تعكس القواعد والأحكام التي وردت بالاتفاقية الإطارية وتقوم بإنزالها على خصوصيات نهر النيل .
وأيضًا تجنب الاتفاقية الاعتماد على فكرة الحوض واعتمدت فكرة المجرى المائي ، حيث أن فكرة الحوض أوسع بكثير؛ لأنها تشمل الموارد المائية المتمثلة في الأنهار الجوفية غير المتصلة بالمجرى المائي ، أما المجرى المائي فهو يحصر الموارد المائية في المياه الجارية في المجرى المائي .
وأكدت مصر وقتها حين تحفظت على الاتفاقية أن دول حوض النيل ستظل على التزامها باحترام الأعراف الدولية بشأن استخدامات مياه الأنهار بصفةٍ عامة والأعراف الإقليمية بشأن نهر النيل بصفةٍ خاصة ، وما هو قائم ونافذ بشأن اتفاقيات دولية ثنائية أو متعددة الأطراف وذلك حتى تتوصل هذه الدول فيما بينها إلى اتفاقية دولية واحدة بشأن نهر النيل تعكس العرف الدولي الإقليمي .
وقد اتخذت دول نهر النيل المتشاطئة مواقف متباينة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في غير الشؤون الملاحية لسنة 1997 وذلك على الرغم من عمومية القواعد الواردة بها ومدونتها وترك المجال أمام الدول المعنية للتوصل إلى ما تريد من اتفاقيات جديدة في ضوء الالتزامات الثلاث الواردة في الاتفاقية خاصةً وأنها اتفاقية إطارية ومن الجدير بالذكر أن موقف دول حوض النيل من الاتفاقية إن دل على شيء فإنما يدل على المطالب الحقيقية لتلك الدول بشأن التوزيع الراهن لمياه النيل وهذا ما يؤكده موقف هذه الدول من التنظيم القانوني لمياه النيل .
أما الباب الثالث فيتحدث عن السياسات المائية لدول حوض النيل من خلال موقفهم من التنظيم القانوني المقرر لحقوق مصر التاريخية من مياه النيل .
حيث يتناول الكاتب بداية الموقف المصري الإثيوبي في ظل حقوق مصر التاريخية المكتسبة من مياه النيل .
ومن استقراء موقف إثيوبيا باتجاه مياه النيل فإن سياستها أو أطماعها التوسعية ترتكز على ثلاثة محاور وذلك فيما يخص مياه النيل :-
الأول: الموقف الرافض للاتفاقيات المنظمة لاستخدام مياه النيل والمتضمنة لحقوق كل من مصر والسودان التاريخية بمياه النيل وذلك على أساس أن هذه الاتفاقيات أُبرمت في عهد الاحتلال وأنها اتفاقيات تتسم بصفةٍ الإذعان غير المشروع ، وذلك يناقض موقفها حيث أنها تمسكت من جانبها بالاتفاقيات التي وقعتها مع الدول الاستعمارية ذاتها التي حققت إثيوبيا من خلالها توسعها الإمبراطوري في أراضي الصومال وأريتريا .
الثاني: انشاؤها لبعض السدود على روافد النيل الأزرق ، وذلك بنية خفض كمية المياه المتجهة نحو السودان .
الثالث : رفض التعاون والتنسيق مع سائر دول حوض النيل وعدم سماحها بإجراء أية رقابة هيدرومترولوجية على روافد النيل الإثيوبية .
وتحتل إثيوبيا مركزًا مهمًا ، بل مركز الصدارة في السياسة الخارجية المصرية تجاه إفريقيا فهى مصدر تهديد دائم للأمن المائي المصري ، حيث أن الاعتقاد الراسخ لدى كلا من المصريين والإثيوبيين والذي ساد لفترة طويلة من الزمن _بأنه بإمكان إثيوبيا تحويل مجرى نهر النيل والأمر الذي انعكس على سياسة كل منهما تجاه الآخر .
ويرجع الموقف القانوني المصرى للعلاقة المائية بين مصر وإثيوبيا بالنسبة للمياه الواردة من الهضبة الإثيوبية إلى اتفاقيات خمس بداية من عام 1891 إلى عام 1993 ، والاتفاقية الأخيرة كانت في إطار التعاون بين كلًا من الرئيس “محمد حسنى مبارك” ورئيس الوزراء الإثيوبي “ميليس زيناوي” وقد تضمّن هذا الإطار التعاون في النقاط التالية :-
- ضرورة المحافظة على مياه النيل وحمايتها
- احترام القوانين الدولية .
- التشاور والتعاون بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفواقد .
- أما ما تم تنفيذه من مشروعات إثيوبية من بداية السبعينات على النيل الأزرق ونهر السوباط والأنهار الداخلية فتتمثل في :-
- سد فيشا، وبدأ إنشاؤه على نهر فيشا أحد روافد النيل الأزرق عام 1976 بتمويل هيئة التنمية الدولية والبنك الدولي بهدف توليد 65 ميجاوات ، وجدير بالذكر أن كلًا من مصر والسودان قد احتجتا على إقامة المشروع بمفردها (إثيوبيا) حيث أن هذا المشروع لا يسبب ضررًا في ذلك الوقت لمصر وأن الخطورة تكمن فيما لو نفذت إثيوبيا مشروعات أخرى على النيل الأزرق .
- مشروع نهر السوباط، ونُفذ المشروع في إطار المساعدات السوفيتية لإثيوبيا عام 1977 وأن المشروع سوف يشمل بناء ثلاثة سدود ضمن الخطة الموضوعة لدى 100 ألف هكتار حتى سنة 2000، وتقدر كمية المياه اللازمة لذلك بنحو 2 مليار متر مكعب سنويًا .
بالإضافة لمشروعات نهر سنيت وخور القاش ومشروعات تم تنفيذها على الأنهار الداخلية .
وبصفةٍ عامة بالنسبة لاتفاقيات المياه التي تمت خصوصًا عام 1959 فيتسم الموقف الإثيوبى بنزعة استفزازية ، حيث يتنكر للاتفاقيات المبرمة بين دول حوض النيل والضامنة حقوق مصر والسودان التاريخية بمياه هذا النهر الحيـــــــــوي ، بحجة أن هذه الاتفاقيات تعود إلى عهود الاحتلال السابقة وهى اتفاقيات إذعان غير مشروعة .
ثم إن قواعد القانون الدولي الخاصة بتوارث المعاهدات الدولية وخاصة المعاهدات الإقليمية التي ترسم الحدود بين الدول خاصةً الفقرة الـ (11،12) من اتفاقية فيينا للمعاهدات تقرر وبوضوح بقاء هذه المعاهدات على حالها وتلتزم بها الدولة الخلف .
وأن القول بأن القانون الدولي لا يقبل بمقولة الحقوق المكتسبة أو الثابتة لدولة ما في نهر دولي فإن هذا الكلام يعد قولًا مغلوطًا؛ لأن قاعدة الحقوق التاريخية هي إحدى القواعد الراسخة من قواعد القانون الدولي ومفادها الكيفية التي جرى بها اقتسام مياه نهر دولي بين الدول المتشاطئة لذلك النهر خلال الحقب التاريخية السابقة ولذلك يسميه الفقه بالاقتسام السابق وعلى هذا المنوال فقد عرفته المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية في بعض قضايا الأنهار بين بعض الولايات الأمريكية مثل قضية أريزونا ضد كاليفورنيا عام 1931 .
وعلى كلٍ فإن الموقف الإثيوبي سواء الرسمي أو الفقهي من الاتفاقيات المنظمة لاستغلال مياه نهر النيل والموضحة لحقوق مصر التاريخية في مياه النهر ، لم يتغير سواء قبل الاتفاق الإطارى لعام 1993 أم بعده .
أما عن الموقف السوداني من التنظيم الاتفاقي لحوض النيل فالسودان ترى أن اتفاقيات مياه النيل هي اتفاقيات قانونية ملزِمة للأطراف المعنية لكن ما حدث من تطور وتغير في الرأي العالم العالمي بخصوص المياه وتغيرات من أحوال دول حوض النيل يستلزم تقنينًا جديدًا يستوعب تلك المستجدات ويكون عادلًا في نظر دول حوض النيــــــــل ، وأن هناك عوامل قلصت من دور الاتفاقيات القانونية الملزمة ولابد من إغفال تلك العوامل لحفظ الاستقرار بالمنطقة ، ففي السابق لم تكن دول منابع النيل في حاجة لمياهه ولكن هناك عوامل موضوعية جعلت هذه الدول تحتاج لهذه المياه ، فقد ركزت الاتفاقيات القديمة على المياه من ناحية حماية حقوق دولة المجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرى ( السودان ) ودولة المصب ( مصر ) في المياه الموجودة في المجرى فعلًا ومن المفترض النظر إلى مياه النيل من زاوية زيادة المياه المتفرقة لكل المجرى ، وأن دول المنابع أعلنت بوضوحٍ تام رفضها وتخليها عن الالتزام بالاتفاقيات السابقة واستعدت للتفاوض بشأن اتفاق جديد أن لم يكن فهي مستعدة للتصرف أحاديًّا وهذا مدعاة للنزاع والحلول بالقوة العسكرية وفى هذا خطر شديد فيما يخص حوض النيل لعدم فتح مجال لحروب العصابات خاصةً وأن المنشأت النهرية من السهل تخريبها ، وأن مبادرة حوض النيل لن تكون لها فاعلية إلا باتفاق سياسى يزيل الخلافات الحالية والمستقبلية .