تُصنَّف آلية العقوبات أحدَ أدوات القوة الصلبة لأي دولة، وذلك طبقًا لتيار وازن من خبراء العلاقات الدولية، وهي القوة التي تضم أيضًا العمليات العسكرية، إلا أن بعض كلاسيكييِّ مدارس السياسية الواقعية يترددون في تصنيف العقوبات الاقتصادية كأداة مستقلة من أدوات القوة الصلبة، ويعتبرونها دون هذا المستوى، وعلى الرغم من ذلك فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ بداية الألفية الثالثة اعتمدتها كآلية ضغط، وتوسعت في استخدام آلية العقوبات الاقتصادية لردع الدول والمنظمات والأشخاص حول العالم، عطفًا على حوادث الحادي عشر من سبتمبر وفي إطار الحرب على الإرهاب، وذلك بالمخالفة لسياستها خلال القرن العشرين، والتي اعتمدت على التجارة الخارجية كآلية تأثير أمريكي على المستويين (السياسي، الدبلوماسي).
الأسباب الرئيسة في اعتماد الولايات المتحدة آلية العقوبات تتعلق بحربها على الإرهاب، وهي الحرب التي تم التورط فيها بتدخلات عسكرية في دول أخرى باهظة التكلفة الاقتصادية، ودون قدرةٍ على حسم عسكري، وهو الأمر الذي حتم اللجوء إلى آليات بديلة ومنها العقوبات الاقتصادية؛ حيث تم توقيع عقوبات على كلٍ من: إيران وسوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية وروسيا والسودان.
وإذا كان السودان قد تم رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب قبل خمس سنوات بعد فترة فاعلية للعقوبات الأمريكية امتدت لما يقارب من ثلاثة عقود، فإن ثمة عقوبات جديدة من وزارة الخزانة الأمريكية قد تم فرضها مؤخرًا على طرفي الحرب السودانية في محاولة لتجفيف منابع الإمداد الاقتصادي للآلة العسكرية لكليهما، الأمر الذي قد يساهم – وفقًا للمنظور الأمريكي- في تضييق نطاق هذه الحرب وكذلك مداها الزمني.
في هذا السياق، نسعى في هذه الدراسة للتعرف على آلية العقوبات الأمريكية ضد الدول والمنظمات والأشخاص من الفاعلين من غير الدول، وكذلك تقييم هذه الآلية، وثالثًا مدى انعكاس آلية العقوبات الأمريكية على فرص حل أزمة الحرب السودانية والنجاح في الوصول لحالة وقف إطلاق النار.
أولًا: آلية العقوبات.
تم تدشين آلية العقوبات الأمريكية كآلية ضغط للدبلوماسية الأمريكية لتحقيق أهدافها، وذلك في إطار الحرب على الظاهرة الإرهابية حول العالم، بعد أن فشلت أساليب التدخل العسكري المباشر ضد الجماعات المتطرفة خصوصًا في كل من: أفغانستان التي وقعت بالكامل تحت سيطرة طالبان، والصومال التي مازال فيها تنظيم شباب المجاهدين التابع للقاعدة فاعلًا ومؤثرًا ومنهكًا للدولة الصومالية.
وقد توسعت إدارة الرئيس الأمريكي” دونالد ترامب” الأولى، في فرض العقوبات كوسيلة رئيسة من وسائل تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وفي محاولة لخفض التكاليف المرتبطة بالتدخل المباشر، وتعذُّر الحسم العسكري في الصراعات المعقدة، ذات الأطراف المتعددة؛ حيث استقرت منظومة صناعة القرار الأمريكي على فكرة أن اللجوء إلى العقوبات هو حالة وسيطة ما بين التدخل العسكري الباهظ التكلفة وبين عدم اتخاذ إجراء فعلي تجاه القضية الخلافية.
وتتدرج الأهداف المعلنة لهذه العقوبات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية في إحداث تغييرات جذرية في سلوك النظام السياسي لدولة ما، كعقوبات الضغط الأقصى ضد إيران، وصولًا إلى فرض عقوبات على شركات تجارية تنخرط في مشاريع تتصادم والرؤية الأمريكية في قضية من القضايا، كذلك العقوبات الأمريكية التي فُرضت جزئيًّا – حتى أكتوبر 2020– على شركات أوروبية ناشطة في تطوير مشاريع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أنابيب تمر بتركيا وألمانيا، وذلك فضلًا عن العقوبات على حزب الله اللبناني وأخيرًا العقوبات على طرفي الحرب السودانية؛ حيث فرضت الإدارة الأمريكية مطلع يناير الماضي عقوبات على الرجل الأول قائد الدعم السريع “محمد حمدان دقلو” و7 شركات تابعة له، بعدما اتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، وتطهير عرقي وعنف جنسي بحق المدنيين في السودان، حيث سبق هذه المرحلة من العقوبات خطوتان: الأولى في يونيو 2023؛ حيث أصدرت واشنطن عقوبات في يونيو 2023 على شركات تتبع الدعم السريع. والثانية في سبتمبر 2023، على القائد الثاني لقوات الدعم السريع “عبد الرحيم دقلو”، والمسؤول العسكري في ولاية غرب دارفور “عبد الرحمن جمعة” المتهم بقتل حاكم الولاية “خميس أبكر”، وقتل وتشريد العديد من السودانيين.
وفي مايو 2024، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على مسؤول العمليات في قوات الدعم السريع “عثمان حامد” بالإضافة إلى “علي يعقوب” أبرز القادة العسكريين في القوات، الذي قُتل لاحقًا في معارك عاصمة ولاية شمال دارفور الفاشر.
كما تزايد الضغط الأمريكي على قوات الدعم السريع؛ حيث فرضت الخزانة الأمريكية في أكتوبر 2024، عقوبات على الشقيق الأصغر لقائد الدعم السريع “القوني حمدان دقلو”، وبعض الشركات التابعة أيضًا لهذه القوات. ([1])
وقد تبلورت الأهداف الأمريكية المعلنة في فرض العقوبات على قائد الدعم السريع طبقًا للمكتب الرسمي للمتحدث الأمريكي باسم الخارجية، في محاولة تحجيم قدرة هذه القوات على الاستمرار في الحرب ضد المدنيين. أما “توم بيريليو” المبعوث الأمريكي للسودان في إدارة بايدن، فقد أضاف هدفًا إضافيًّا متمثلًا في التعبير عن الرفض الأمريكي لفكرة تكوين حكومة موازية لحكومة بوتسودان في دارفور؛ حيث أشار إلى أنه سيتم تنسيقًا أمريكيًّا مع كلٍّ من (الاتحاد الأوربي، بريطانيا) بهذا الشأن بشأن الاستمرار في الحرب وارتكاب الفظائع فيها، مشيرًا إلى الإجراءات والعقوبات الأمريكية سوف “تذكر الناس بعدم شرعية هذه المجموعة”. ([2])
وفي سياق موازٍ، فرضت الولايات المتحدة في نهاية فترة إدارة بايدن عقوبات على الجيش السوداني وتدرجت في فرض العقوبات على الشركات التابعة له لتصل إلى توقيع عقوبات على قائد الجيش بذاته الفريق “عبد الفتاح البرهان” والذي تتهم قواته بتنفيذ هجمات على مدنيِّين، وفق ما أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية التي قالت إن هذا القرار يثبت التزامنا بإنهاء النزاع السوداني، على أن المسكوت عنه في هذا القرار هو رفض البرهان الانخراط في مفاوضات مع قوات الدعم السريع خاصة الجولة التي عُقدت في سويسرا في أغسطس 2024، والتي أعدت لها إدارة بايدن على مدى شهور على المستويين (الإقليمي، الدولي) وهو الأمر الذي أحرج إدارة بايدن وضاعف من مظاهر ضعفها على المستوى الدولي.
ثانيًا: تقييم آلية العقوبات الأمريكية.
تتجاهل الإدارة الأمريكية حقيقة تراجع الهيمنة الأمريكية حول العالم وبروز فاعلين دوليين باتوا يملكون من الأدوات ما يستطيعون به إبطال مفعول هذه العقوبات، وذلك على الصعيدين (الاقتصادي، السياسي).
أ- الصعيد الاقتصادي.
برزت الصين كقطب دولي مالكًا لأدوات المقاومة خصوصًا على الصعيد النقدي؛ حيث تستند العقوبات الأمريكية لمجموعة العمل المالي “Financial Action Task Force” التي أُسست كمنظمة حكومية دولية عام 1989 على هامش قمة مجموعة السبع التي انعقدت في باريس في نفس العام، وهدفت المجموعة إلى اعتماد وتنفيذ التدابير الرامية إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من الأنشطة غير القانونية؛ حيث تمارس شكلًا من أشكال الرقابة على مدى الامتثال للعقوبات، وتتبادل البنوك المركزية المعلومات المتعلقة بالتحويلات المشبوهة التي تنتهك العقوبات، كما تتشارك المعلومات المتعلقة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال.
وثاني هذه الأدوات التي تسند العقوبات الأمريكية هي جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك المعروفة اختصارًا بـ “SWIFT” والتي أُسست عام 1973 في بروكسل، التي تحتضن عددًا من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وتضم حاليًّا وفقًا للبيانات المنشورة على موقعها قرابة 11 ألف بنك ومؤسسة نقدية في أكثر من 200 دولة حول العالم،[1] وهذا يعني أنها تغطي تقريبًا كل دول العالم.
ويتضح من وظيفة نظام “SWIFT” أنه يوفر نفاذًا دقيقًا إلى بيانات المعاملات البنكية بما يسمح بتحديد نقطة بداية ونهاية الحركات المالية، وتُشدد وزارة الخزانة الأمريكية على ضرورة التزام المنظومة بعقوباتها وعدم قبول أي حركة مشبوهة. وبالطبع لا تجازف المنظومة بانتهاك العقوبات الأمريكية حتى لا تتعرض هي بدورها إلى عقوبات تحد من قدرتها على التعامل بالدولار؛ إذ يتراوح حجم تبادل العمليات اليومية التي تتم بالدولار عبر الجمعية ما بين (5-6) تريليون دولار.
ولذلك اضطرت الدول المستهدَفة بالعقوبات إلى البحث عن بدائل لإتمام تعاملاتها المالية دون المجازفة بكشف المعاملة أمام النظام النقدي الأمريكي.
وإحدى هذه البدائل الصاعدة هي النسخة الصينية من “SWIFT” والصادرة عن بنك الشعب الصيني والمسمّاة بـ “نظام دفع البنوك العابر للحدود”Cross-border Interbank Payment System”، ولا يزال هذا النظام الذي أُطلق عام 2015 بعيدًا جدًا عن مزاحمة “SWIFT”؛ حيث بلغ عدد أعضائه من المؤسسات المالية قرابة 980 مؤسسة موزَّعة على 96 دولة ومنطقة إدارية، وفقًا لتقرير نشرته رويترز في يوليو 2020، ويبلغ حجم العمليات اليومية التي تتم عبر هذا النظام قرابة 135.7 مليار يوان – أي ما يعادل 19.4 مليار دولار.
وقد أطلقت الصين مؤخرًا اختبارات تجريبية جزئية لليوان الرقمي الصادر عن بنك الشعب الصيني أيضًا، ويتوقع أن يزداد توجه الحكومات والشركات المتخوفة من التعرض للعقوبات الأمريكية نحو هذه الكيانات المستحدثة الموازية بهدف تفادي التعامل بالوسائل النقدية الخاضعة لرقابة المؤسسات الأمريكية كوزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي.
في هذا السياق، تستطيع السودان الإفلات من المتابعة الدقيقة للنظام المصرفي العالمي الذي تقوده واشنطن؛ حيث تستطيع أن تلجأ للأدوات الصينية المصرفية، كما لجأت تحت مظلة نظام الرئيس السابق “البشير” من قبل إلى الشرق عمومًا والصين خصوصًا فتوسعت وتشعبت العلاقات الاقتصادية بين البلدين خصوصًا في مجال التنقيب عن البترول الذي انسحبت منه شركات أمريكية في أعقاب إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستطاع النظام السياسي عبر هذه العلاقة الاستمرار لثلاثة عقود دون مهددات حقيقية؛ حيث دعمت الصين اقتصادها بالبترول السوداني المنتج من جنوب السودان قبل استقلاله الذي تسبب في إضعاف النظام السياسي للرئيس البشير تدريجًا حتي تم إسقاطه عام 2019 بعد أن فقد موارد تأمين نظامه التي وفرها التعاون الاقتصادي مع الصين.
أما الآلية السودانية الثانية للإفلات من العقوبات الأمريكية راهنًا فهي قنوات الاقتصاد غير الرسمي، والتي يتم عن طريقها تهريب الموارد الطبيعية، خصوصًا الذهب والصمغ العربي، وبيعه في الأسواق العالمية عبر وكلاء محليين وإقليميين، وكذلك الشركات الأمنية الأجنبية وأشهرها الفيلق الإفريقي التابع لروسيا “فاغنر سابقًا”، وذلك في بيئة سودانية حدودية تتسم بالسيولة الأمنية والقدرة على تهريب كل شيء؛ حيث تملك السودان حدودًا مع سبع دول، وتسيطر آليات الجريمة المنظمة على آليات اقتصادية في إفريقيا عمومًا، كما توسعت ودعمت قدراتها خصوصًا بعد اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023.
وقد تشمل الارتدادت الأمنية العكسية اضطرار الدول المعاقَبة إلى تمويه تعاملاتها التجارية عبر التواطؤ مع جهات غير قانونية كـ (الجماعات الإرهابية، كارتيلات المخدرات) وهو ما يعني وجوبًا الدخول في شبكات تمويل الإرهاب والأنشطة المحظورة، لا سيما أن التكنولوجيا تُسهِّل القفز على كثير من الحواجز المادية، فلا يكاد يمر شهر إلا وتَعْرِض مراكز الأبحاث الأمنية تقريرًا حول نشاط تجاري يتضمَّن تحايلًا رقميًّا – أحد أطرافه دولة على قائمة العقوبات الأمريكية. ([3])
وطبقًا لهذه المعطيات لم تنجح آلية العقوبات الأمريكية في تحقيق أهدافها؛ حيث لاتزال قوات الدعم السريع تحصل على أدوات دعمها العسكري حاليًّا عبر تشاد على الأقل بعد أن نجح الجيش السوداني في قطع مصادر الإمداد لها في شرق ووسط السودان بعد تكثيف عملياته العسكرية في نوفمبر الماضي.
وعلى صعيد موازٍ، نجح الجيش السوداني في دعم مصادر تسليحه العسكري ودعم مخزونه من الذخائر العسكرية من إيران والموقع عليها عقوبات أمريكية أيضًا، وذلك طبقًا لتقارير دولية، وهكذا فإنه على الرغم من بدء الإدارة الأمريكية منذ عامين في إقرار مبدأ العقوبات على طرفي الحرب السودانية تدريجًا، فإن قدراتهما العسكرية لم تتأثر كما لم يتم تجفيف منابع تمويل حربهما ضد بعضهما البعض والاستمرار فيها، وكذلك لم تتأثر خياراتهما بشأن الحرب؛ حيث أعلن الفريق البرهان أكثر من مرة رفضه خيار التفاوض السريع وأصر على تنفيذ خطة عسكرية لطرد الدعم السريع من شرق ووسط السودان على الأقل خصوصًا العاصمة (الخرطوم)، كما مازال هناك إرادة للاستمرار في الحرب من جانب كل طرف ضد الآخر.
ب- على الصعيد السياسي.
في الوقت الذي رفض فيه قائد قوات الدعم السريع “حميدتي” العقوبات الأمريكية ضده، وقال أنها “جائزة لأعداء الديمقراطية في السودان”، فإن الفريق “عبد الفتاح البرهان” لجأ في مواجهة إعلان العقوبات ضد شخصه إلى ممارسة ضغوطًا على الإدارة الأمريكية عبر التقارب مع روسيا، والمضي قدمًا في منحها قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وذلك بعد جولات عدة من المفاوضات بدأت عام 2017، وتعثرت أكثر من مرة بسبب الضغوط الأمريكية على السودان الرافضة لهذه الخطوة.
ويتيح الاتفاق وجود 4 قطع بحرية روسية ونشر 300 عنصر وينتظر أن تتبلور ملامحه النهائية قريبًا طبقًا لوزير الخارجية السوداني في الفترة القليلة القادمة.
في المقابل، تعمل روسيا على دعم الجيش السوداني بالأسلحة والمعدات الحربية اللازمة لتطويره، وكذلك مده بالذخائر اللازمة لتعزيز موقفه العسكري على المستوى الميداني. ([4])
على أن الخطوة السودانية تجاه روسيا لاتنفي إمكانية أن تتفاعل الولايات المتحدة مع الأزمة السودانية من باب الضغوط، وذلك بدعم قيام حكومة في غرب السودان ممثلة لقوات الدعم السريع؛ حيث يكون هذا الدعم الأمريكي على المستوى غير الرسمي أي عبر شركات أمريكية تعمل في مجال الصمغ العربي، وهي الحكومة التي سوف تم إعلان ميثاقها في كينيا مؤخرًا، كما تم الإعلان عن هياكلها السياسية، وبعض الوزراء فيها.
في هذا السياق ربما تلجأ إدارة ترامب إلى خلق آلية تفاعل مضافة للتعامل مع الأزمة السودانية، والتي أخفقت في حلها إدارة بايدن؛ حيث من المنتظر أن يسمي ترامب مبعوثًا لإدارته للسودان، ويساعد في ذلك أن الإدارة الجديدة تحت رئاسة “دونالد ترامب” قد تكون راغبة في تحقيق انتصار سريع في ملف السودان، يثبت أنها أقدر من سابِقِها “جو بايدن” في إدارة ملفات الصراعات الدولية، كما نجحت في ملف الشرق الأوسط بالاتفاق الأخير.
ولعل كل هذه التفاعلات السودانية بشأن العقوبات الأمريكية تقلل من فاعليتها وتسلط الضوء بصورة رئيسة على تداعياتها السلبية التي أضرت بوزن الوضع الإستراتيجي لواشنطن على الساحة الدولية؛ حيث لم تستطع العقوبات الأمريكية بشكل عام ورفض مجلس الأمن في أغسطس 2020، على سبيل المثال: مشروع قرار تقدمت به أمريكا لتمديد حظر السلاح المفروض على إيران، ولم يتم إعادة تفعيل عقوبات مجلس الأمن وفق القرار الأممي رقم 2231، الذي تضمن خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بالاتفاق النووي مع إيران، ويبدو أن انخفاض الإسناد الدولي الذي تلْقاه سياسة العقوبات الأمريكية ذلك أن المبررات الأمريكية السياسية للعقوبات المفروضة لم تعُد مُقنعة بالقدر الذي يُحفِّز الحكومات الحليفة على الانخراط في دعم العقوبات الأمريكية.
ثالثًا: أثر العقوبات الأمريكية في وقف الحرب السودانية.
تعزز آلية العقوبات الاقتصادية الأمريكية ديناميات الآثار السياسية العكسية للأهداف الأمريكية؛ حيث تدعم الأصوات والاتجاهات المتطرفة على المستوى المحلي، خصوصًا في حال تأثير هذه العقوبات على مستوى المعيشة للشعوب، والتي تدعم ظهور صعوبات معيشية واحتجاجات شعبية، فمثلًا: حققت قوائم التيار الأصولي التي تضم قيادات من الحرس الثوري الإيراني نجاحًا واضحًا في الانتخابات التشريعية التي أُجريت في فبراير 2020. وفي فنزويلا، لم تُفلح المعارضة المسيطرة نسبيًّا على السلطة التشريعية في تغيير نظام الحكم رغم فرض واشنطن لعقوبات صارمة قلَّصت من صادرات البلاد النفطية. أما في السودان، فقد عزز الإعلان عن العقوبات على الفريق عبد الفتاح البرهان الاتجاهات الداعية إلى توليه السلطة في الفترة الانتقالية لبعد الحرب والممتدة لأربع سنوات طبقًا لمشروع قدمته بعض الأطراف السياسية السودانية للبرهان في بورتسودان مؤخرًا ([5])، وهو الأمر الذي يناهض الاتجاهات الأمريكية للتحول نحو الحكم المدني في السودان.
وفي سياق موازٍ فقد عززت سياسيات العقوبات الأمريكية حضور منافسي واشنطن في الساحة الدولية فعلى المستوى السوداني تتواصل علاقات كل من (بكين، موسكو) مع الفريق البرهان، الذي يضمن دعمها في مواجهة العقوبات الأمريكية خصوصًا في مجالي (التنقيب عن النفط، استخراج المعادن).
([1]) المتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية
([3]) المؤتمر الصحفي لعلي يوسف وزير الخارجية السوداني في موسكو، متاح على
([4]) المؤتمر الصحفي لعلي يوسف وزير الخارجية السوداني في موسكو، متاح على
([5]) صحيفة الراكوبة السودانية، 11/2/2025.