2025العدد 201ملف ثقافي

المسرح العربي بين الأمس واليوم

عندما نتحدث عن المسرح العربي بين الماضي والحاضر تقفز أمامنا اعتبارات عديدة أولها، الهدف من هذه الدراسة وهذا التناول، فدراسة الماضي والحاضر تكون دائمًا بهدف الاستفادة المستقبلية؛ حيث يهدف المسرحيون دائمًا إلى تطوير فنهم من خلال دراسة المشاكل والمعوقات التي تواجه القائمين على هذا الفن ومحاولة سد ثغرات وعلاج الأخطاء، والتواصل مع الجديد في فنون المسرح على مستوى العالم.

إن المسرح يضم مجموعة من العناصر الهامة باعتباره فنًّا جماعيًّا يقوم بصهر عناصره مع بعضها البعض ليقدم منتجًا فنيًّا متغيرًا ومتجددًا قابلًا للتقديم والتناول، فالمسرح يجمع بين عناصر التأليف(النص)، الإخراج، الإنتاج، التمثيل، الديكور، الأزياء، الموسيقى، الإضاءة، الاستعراض، ولا تكتمل العملية المسرحية بدون العنصر الأهم وهو الجمهور الذي سيشاهد العرض أو سيقرأ النص في أبسط حالته.

وعندما ندرس المسرح العربي بين الأمس واليوم فعلينا أن نتناول العناصر الأساسية التي تؤدي إلى نجاح العملية الفنية وهي: النص، الإخراج، التمثيل الإنتاج، الجمهور، وأيضًا بناء المسارح وإنشاء الفرق المسرحية بشقيها الخاصة والأخرى التابعة للدولة، وربط كل هذه العناصر بالمتغيرات (الاجتماعية، الثقافية والسياسية) للعالم العربي والتي انعكست وأثرت على تطور هذا الفن.

إن المرور السريع على تاريخ المسرح العربي يشير إلى تعرف العرب على فنون المسرح من خلال الأجانب؛ حيث تعرف المصريون على هذا الفن في أثناء الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، كما تعرف (العراق، لبنان وسوريا) عليه أيضًا من خلال العروض التي قدمتها المدراس والإرساليات الأجنبية أيضًا، وتعرف المغرب العربي على المسرح من خلال العروض الفرنسية المقدمة. ومما لا شك فيه أن الخلاف حول وجود مسرح عربي من عدمه قد انتهى إلى وجود ظواهر مسرحية عربية مثل (التعازي، المقامات، المحبظين، البابات وخيال الظل) ولكن هذه الظواهر لم تتطور ولم تصل إلى مستوى المسرح الكامل. فالمسرح العربي من حيث الشكل منقول عن المسرح الغربي، ولكنه من حيث المضمون سعى إلى تقريب الموضوعات المسرحية والنصوص للمشاهد العربي.

وكانت جهود (مارون نقاش، أبو خليل القباني ويعقوب صنوع) ذات أثر كبير في تعريف الجمهور العربي بفنون المسرح، وساهمت حركة الترجمة والتعريب والاقتباس في النصوص العالمية في تطور العرض المسرحي ومعالجة الموضوعات والتيمات الفنية لتتناسب مع المجتمعات العربية، ولتدفع بالمؤلف العربي للظهور متأثرًا بما شاهده وقرأه من المسرح العالمي ثم التعامل معه تعريبًا وتمصيرًا واقتباسًا تمهيدًا للتأليف العربي الخالص الذي لا يمكن إنكار وجود مؤثرات أوروبية غربية عليه.

إن النقلة الكبرى في تاريخ المسرح العربي جاءت من خلال ظهور المؤلف المسرحي العربي، فكانت جهود (القباني، إبراهيم رمزي، محمد عثمان جلال، أحمد شوقي، على أحمد باكثير، توفيق الحكيم، عزيز أباظة وبديع خيري). إن هذه المسرحيات كانت تكتب لتقدم في عروض مسرحية من خلال فرق عديدة ارتبطت بالمؤلفين بقدر ما ارتبطت بأسماء مخرجين أو ممثلين أو مطربين؛ حيث ظهر في بدايات القرن العشرين العديد من الفرق المسرحية المهمة والتي نلاحظ فيها ما يلي:

  1. هذه الفرق كلما كانت فرق خاصة تعتمد على شباك التذاكر؛ حيث يقوم الجمهور بدفع ثمن التذكرة، وقد أدى ذلك إلى تعرض هذه الفرق لهزات عنيفة طبقًا للمتغيرات الاقتصادية، وانعكس ذلك على إغلاق بعض الفرق وإفلاسها واندماج فرق مع أخرى في صراع من أجل البقاء أو توحيد الجهود لتقديم عروض فنية جيدة تجذب الجمهور.
  2. كانت الأشكال الفنية كلها موجودة؛ حيث كانت العروض التراجيدية تقدم على جانب العروض الكوميدية والغنائية وإن كانت تلك الأخيرة أكثر جذبًا للجمهور. فإلى جانب عروض جورج أبيض ويوسف وهبي التي تقدم عروضًا لنصوص عالمية مترجمة أو تراجيديات مؤلفة خصيصًا، كانت فرق الريحاني وعلي الكسار تقدم الكوميديا، فرقة سليم النقاش، فرقة إسكندر فرح، فرقة سليمان القرداحي، فرقة يوسف الخياط. بينما كانت فرق سلامة حجازي، بديعة مصابني، سيد درويش، كامل الخلعي، داود حسني، … وغيرها من الفرق تقدم عروضًا غنائية واستعراضية، وقد أسهم كل منهم في تطوير العروض المسرحية الغنائية من خلال: التلحين والغناء والتمثيل وتأسيس الفرق المسرحية أيضًا.
  3.  كانت النصوص العربية المؤلفة في معظمها تستلهم التراث العربي واللجوء إلى قصص ألف ليلة وليلة، والتاريخ، كما لاقى المسرح الشعري رواجًا كبيرًا بوجود شعراء كبار، خاصة أمثال أحمد شوقي وبعض الشعراء الذين كتبوا للمسرح الغنائي.
  4. ظهرت وظيفة المخرج بشكل كبير؛ حيث كان يقوم بها في معظم الأحيان الممثل النجم صاحب الفرقة، مثل: جورج أبيض، يوسف وهبي، إلا أنه سرعان ما ظهر المخرج المتخصص، مثل: عزيز عيد، فتوح نشاطي، زكي طليمات، … وغيرهم.
  5. كانت الفرق والعروض المسرحية تجوب العالم العربي، خاصة في رحلاتها لبلاد الشام والعراق، وكانت معظم الفرق أيضًا تضم فنانين ودول عربية مختلفة، خاصة من بلاد الشام.
  6. في ثلاثينيات القرن العشرين تم إنشاء المعهد العالي لفن التمثيل في القاهرة، بعد أن كان قد تم إغلاقه ليتحول إلى المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1944، ثم إنشاء قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة بالعراق، وقد انعكس ذلك على المسرح العربي بشكل كبير في الانتقال من مرحلة الهواية إلى استخدام المناهج العلمية والارتقاء بالمهن المسرحية، من خلال الدراسة وتخريج فنانين دارسين ومثقفين في تخصصات (التمثيل، التأليف، الإخراج والديكور)، وتوافد الدارسين العرب على معهد الفنون المسرحية بالقاهرة وقسم المسرح بالعراق، ثم توالى إنشاء معاهد فنون المسرح في العالم العربي؛ حيث أنشئ في تونس 1951، الجزائر، الكويت بتوأمه مع معهد القاهرة من خلال مؤسسه “زكي طليمات” 1973، سوريا 1977، المغرب 1985، بالإضافة إلى إنشاء العديد من أقسام المسرح في كليات الفنون الجميلة أو الآداب بالجامعات المختلفة. وقد أثرى خريجو هذه المعاهد والكليات الحياة الفنية والثقافية في العالم العربي في مجالات المسرح المختلفة كـ: التأليف والإخراج والديكور والموسيقى والتمثيل وكذلك الحركة النقدية، التي أسهمت بدورها في تحريك وعي الجمهور وإقباله على مشاهدة العروض المسرحية المختلفة.

الجدير بالذكر أن آخر أكاديمية تم إنشاؤها منذ عدة أعوام هي أكاديمية الفنون الأدائية بالشارقة، وهناك العديد من أقسام الفنون التي تم إنشاؤها بالجامعات السعودية، بالإضافة إلى المشروع الطموح بإنشاء أكاديمية الفنون بالرياض بالمملكة العربية السعودية.

  • في النصف الأول من القرن العشرين تم إنشاء العديد من الفرق التابعة للدولة، خاصة الفرق القومية المصرية للمسرح 1935، الفرقة القومية للتمثيل في حلب بسوريا 1937، وقد تطورت هذه الفرق لتصبح بمثابة نواةً للفرق الوطنية والمسارح الوطنية أو القومية بالإضافة إلى الفرق الخاصة.

ويجدر بنا الإشارة إلى الإضافة التي قدمها دخول التليفزيون للدول العربية حيث تم إنشاء فرق التليفزيون المسرحية في مصر 1962؛ حيث أُنشئت عشر فرق مسرحية كان الهدف منها تقديم عروض مسرحية يتم تصويرها وإذاعتها تليفزيونيًّا ولملأ ساعات الإرسال من خلال إنتاج درامي، وقد انعكس أداء هذه الفرق وعروضها على المسرح بشكل كبير، ففي حين بدأت بداية قوية ومؤثرة إلا أنها سرعان ما انحرفت عن طريقها؛ إذ طغى الاهتمام بالكم على حساب الكيف واتجه القائمون عليها على سرعة إنتاج المسرحيات دون أن تأخذ حقها سواء من حيث اختيار النصوص الجيدة، أو كم البروفات والتدريبات أو حتى ظروف الإنتاج  الملائمة، وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان تجربة الفنان/ أشرف عبد الباقي القريبة والتي أُطلق عليها “مسرح مصر”؛ حيث بدأ بعروض جيدة وقوية نتج عنها عدد من النجوم والفنانين المشاركين الذين حصلوا على إعجاب الجمهور ولكن سرعان ما طغى الكم على الكيف وأصبح هؤلاء النجوم مشغولين عن العروض والبروفات، بالإضافة إلى الميزانية الضخمة لتلبية رغبات هؤلاء النجوم وأدى ذلك إلى توقف المشروع وفشله.

وبشكل عام، فإن مسرح التليفزيون قد أدى إلى مجموعة من العناصر:

  • سيطرة الكم على الكيف.
  • تخريج وتقديم عدد من النجوم الجدد وبث دماء جديدة في الحركة الفنية من ممثلين ومؤلفين ومخرجين ومهندسين ديكور، كان لهم دور أكبر فيما بعد.
  • تم حل هذه الفرق وتوزيعها على مسارح البيت الفني للمسرح مع محاولة إكساب كل منها طابعًا مميزًا عن غيره ومازال معظمها حتى الآن، مثل: فرقة المسرح القومي، فرقة السلام “المسرح الحديث”، مسرح الطليعة، مسرح العرائس، مسرح الشباب، مسرح الطفل، … وهكذا.
  • تم إنشاء عدد من المسارح في الدول العربية؛ حيث اهتمت كل دولة بوجود مبنى مسرحي مهم لتقديم عروض واحتفالات خاصة وهو ما أطلق عليه “المسارح الوطنية أو القومية”، ولكن يجدر بنا الإشارة إلى قلة أعداد هذه المسارح وأن نسبة المسارح الجديدة التي يتم إنشاؤها حتى الآن لا تتناسب مع نسبة الزيادة السكانية ولا مع التطور التكنولوجي في مجال المسرح، وكذلك الأهداف المرجوة من المسرح كثقافة وكعنصر هام مشارك في التنمية وفي التعبير عن المجتمع بمشاكله وأحلامه وطموحاته وحركة تطوره.

لقد اقتصر إنشاء المسارح على بعض المراكز الثقافية، رغم أن ما أطلق عليه مسمى “الثقافة الجماهيرية” في مصر في فترة الستينيات قد قامت بإنشاء المئات من المسارح في قصور الثقافة ومراكز الشباب والمدارس والجامعات. واليوم نجد أن هناك مُدنًا جديدة كاملة تم إنشاؤها دون مراعاة وجود مسرح بها، واقتصر بناء المسارح الجديدة في معظم الدول في القرن الحادي والعشرين على بناء دور للأوبرا، والمسارح التي تقوم ببنائها الجامعات سواء الحكومية أو الأهلية والخاصة.

  • في خمسينيات القرن العشرين وكردِ فعلٍ للمتغيرات الاقتصادية والسياسية خاصة في مصر، ونتيجة لوجود عدد من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية_ اتجهت مصر إلى إرسال البعثات الدراسية لدراسة الفنون والحصول على درجات الماجستير والدكتوراه في التخصصات المسرحية المختلفة، وقد حرصت الدولة المصرية على تنوع الجهات التي ترسل لها البعثات (روسيا، ألمانيا، إنجلترا، فرنسا، أمريكا، إيطاليا، النمسا، المجر، … وغيرها).

بعودة هؤلاء المبعوثين ساهموا في تخصصاتهم المختلفة وقادوا إدارة الفرق المسرحية، فكان هناك أسماء لعظماء أمثال: نبيل الألفي، مهدي غيث، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، سعد أردش، سمير العصفوري، أحمد عبد الحليم، … وغيرهم من الفنانين الكبار الذين قاموا بالتدريس أيضًا إلى جانب الإخراج والتمثيل وإدارة الفرق، وقد ساهم بعضهم في إنشاء معاهد التمثيل والمسرح في الدول العربية وشاركوا بتخريج أجيال عديدة من المبدعين المسرحيين العرب، الذين حملوا لواء هذا الفن ونقلوا للجمهور العربي تجارب مسرحية جديدة، وعرفوه بأهم المدارس والاتجاهات المسرحية العالمية.

  1. ذكرنا فيما سبق أن المسرح قد بدأ من خلال فرق خاصة تهدف إلى الربح من خلال بيع تذاكر لمشاهدة العروض، وقد حرصت معظم الدول العربية على إنشاء الفرق التابعة للدولة كي تحمل وجهة نظر الدولة وتوجهاتها. فالمسرح يحتاج دائمًا إلى الدعم لمواجهة المتغيرات والهزات الاقتصادية، وقد كان لهذه الفرق أيضًا دور في منافسة الفرق الخاصة، وقد اتجه المسرح الرسمي التابع للدولة إلى تقديم النصوص المسرحية الجادة سواء المؤلفة عربيًّا أو المترجمة وسواء كانت تراجيدية أو كوميدية أو استعراضية، فحين اتجه القطاع الخاص والفرق الخاصة أدى ذلك إلى مجموعة من الخصائص أهمها:
  2. ارتباط العروض بالنجم الأول صاحب الفرقة بداية من فرقة الريحاني، إسماعيل ياسين، فاطمة رشدي، عادل إمام “المتحدين” سمير غانم، الرحبانية، دريد لحام، محمد صبحي، غانم السليطي، وهذا الممثل نجم الشباك هو الذي يذهب الجمهور لمشاهدته فهو عنصر الجذب الرئيس للجمهور ومن ثم فهو يتحكم في كل شيء بداية من النص، واختيار المخرج والممثلين، ومن ثم فكل الأحداث تدور حول محور رئيس وهو الشخصية التي سيقوم النجم بتجسيدها، وكل العناصر ستقوم بخدمة هذه الشخصية والتمهيد لها وجعلها تقدم في أفضل صورة.
  3. اتجهت هذه الفرق إلى تقديم لون واحد من ألوان الدراما وهو الكوميديا، والتي يمكن أن تتخللها بعض الاستعراضات والأغاني، وقد سيطر هذا النوع من العروض المسرحية على المسرح العربي لدرجة أن أجيال كثيرة من المشاهدين قد ربطت بين المسرح والكوميديا والممثل النجم القادر على إضحاكه، وأكد هذه الانطباعات تكرار تقديم عدد من هذه المسرحيات الكوميدية على شاشات التليفزيون بشكل مكثف. وفي مقابل ذلك، اتجهت المسارح الحكومية والفرق الحكومية إلى الأعمال الجادة، ولكنها أفرطت في جديتها لدرجة أدت إلى انصراف الجمهور عنها وأصبحت هناك هُوة كبيرة بين الجمهور ومسرح الدولة وانصرف الجمهور عنه.
  4. بعد انتشار هذه الظاهرة، وهي سيطرة القطاع الخاص وتقلص مسرح الدولة، في سبعينيات القرن العشرين واستمرت حتى بدايات القرن الواحد والعشرين.     

 مع بدايات القرن العشرين وظهور القنوات الفضائية التليفزيونية بأعداد كبيرة من خلال الأقمار الصناعية، وبظهور الإنترنت والسوشيال ميديا وتأثير الثورة الرقمية، ومع عدم تطور المسرح العربي وتقلص المسرح العربي بشكل كبير_ توقفت عروض القطاع الخاص نهائيًّا، خاصة مع ارتفاع أسعار التذاكر وتكلفة العرض، ونلمس هذا في عروض القطاع الخاص في (مصر، الكويت، سوريا، البحرين، تونس، قطر، …) حيث توقفت الفرق الخاصة عن الإنتاج تقريبًا، وبقي مسرح الدولة يسعى لتقديم عروضه مع انصراف الجمهور عنه. وفي واقع الأمر، إن المسرح على مستوى العالم كله قد مر بأزمة كبيرة في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين؛ وذلك بسبب المتغيرات التكنولوجية والاقتصادية وحتى الطبيعة البشرية والإنسانية، وأصبح المسرح عاجزًا عن تحقيق التفاعل مع الجمهور وظهرت دراسات وأبحاث كثيرة على مستوى العالم تتناول موضوعات “التفاعل في المسرح”، تقليص دور المؤلف وإعلان موت المؤلف ضمنيًّا وانتهاءً بتقليل أهمية الكلمة واعتبار المسرح صورة أكثر منها كلمات وأفكار ، والبحث عن لغات مسرحية جديدة ولغة الجسد في الفراغ المسرحي، والاهتمام بدراسات التلقي ودراسة الجمهور وجماليات التلقي … إلخ.

وقد أخذت هذه الأفكار شكل موجات على مستوى العالم تعلو وتخفت في محاولات لبث الحياة في المسرح وضخ دماء وأفكار جديدة فيه وقد اتجه العالم إلى ثلاثة اتجاهات:

  • اتجاه العروض البسيطة التي تهدف للتفاعل مع الجمهور وإشراك الجمهور في الحدث سواء في القاعات المسرحية، أو نقل العروض للشارع والمقهى وأماكن تواجد الجمهور.
  • اتجاه العروض التجارية الكبيرة والتي يطلق عليها بالسياحية؛ لإنتاج عروض مسرحية موسيقية عظيمة ضخمة التكلفة يتم التسويق لها، وباستقطاب نجوم وتكنولوجيا وفنانين عظام.
  • اتجاه التجريب بالبحث داخل الأشكال الفنية ذاتها ومحاولة إيجاد وسائل جديدة للتعبير وتحقيق التفاعل مع الجمهور سواء بالاعتماد على جسد الممثل، تقليل الكلمة، الموقف من التكنولوجيا.

وفي حقيقة الأمر، لم يكن المسرح العربي بعيدًا عن هذه المتغيرات حيث تم طرح هذه الأفكار، وشهد المسرح العربي عدة محاولات وتجارب مسرحية تهدف إلى إعادة الدور الذي يلعبه المسرح في الحياة الثقافية والفنية. وفي محاولة من جانب المسرحيين لطرح أفكار وأشكال مسرحية جديدة، فتم الإعلان عن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 1988، ثم تبعها مهرجان “أيام قرطاج المسرحية” وليبدأ المسرح العربي بأخذ صفة المهرجانية؛ حيث قامت كل دولة عربية بإقامة مهرجان خاص بها، وأصبحت هناك مهرجانات مسرحية في الجامعات، والمدن كلها، وتم إنشاء عدد من المهرجانات النوعية مثل: مهرجان المسرح الخليجي، الذي يقام كل سنتين في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي.

لقد أثرت المهرجانات المسرحية بشكل كبير على الحركة المسرحية العربية، فقد أصبحت المهرجانات هدفًا في حد ذاتها؛ إذ يتم إنتاج عروض خصيصًا للتسابق وللمشاركة في المهرجانات خاصة مع وجود جوائز مالية كبيرة. وتعددت المهرجانات وكثرت حتى غلبت الصفة المهرجانية على المسرح العربي، وأصبح المسرحيون ينتقلون من بلد إلى بلد ومن مهرجان إلى مهرجان ولم يعد يمر شهر دون وجود أكثر من مهرجان مسرحي، بل وأصبحت العروض نفسها تتكرر في المهرجانات، وغفل المسرحيون الهدف الأول من العملية الفنية وهو الجمهور، فلم نجد أية دراسة تهتم بالجمهور أو الملتقي حتى اليوم.

إن المهرجانات المسرحية لها أهميتها فهي تجمع لمجموعة من المتخصصين يهدفون إلى تطوير فنهم والتعرف على مستجداته ومشاكله ويتبادلون الآراء ووجهات النظر، خاصة مع وجود عدد من الفعاليات والندوات التي تقام على هامش المهرجان وكذلك المطبوعات والأبحاث والدراسات، بالإضافة إلى الاحتكاك الفني ومشاهدة إبداعات الآخرين، ولكن ما نهدف إليه هو أن يحتفظ كل مهرجان بخصوصية تميزه عن غيره، وأن يحدد أهدافه، وأن يتم التنسيق بين المهرجانات، ودمج بعض المهرجانات التي تقدم في بلد واحد أو على الأقل التنسيق بينها.

إن المهرجانات أيضًا لها جانب دعائي سياحي لا يمكن غفوله، لذا يحرص القائمون على المهرجانات على دعوة أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين لتغطية وقائع وأحداث المهرجانات.

جهود الهيئة العربية للمسرح. 

بتوجيه من صاحب السمو الشيخ “سلطان بن محمد القاسمي” حاكم الشارقة، تم إنشاء الهيئة العربية للمسرح، والتي كان لها ومازال دور كبير في دعم المسرح كافة في البلدان العربية من تدريب الكوادر خاصة في البلدان التي تفتقر للكوادر الفنية المسرحية، دعم المؤسسات المسرحية، إقامة مهرجان سنوي للمسرح يقام كل عام في أحد الأقطار العربية، إلى جانب طباعة ونشر عدد كبير من المؤلفات والأبحاث الخاصة بفنون المسرح، وتعتبر الهيئة الأكثر دعمًا للمسرحيين العرب؛ إذ لا يخلو من دعم مقدم من الهيئة.

واقع المسرح العربي الآن. 

يمر المسرح العربي اليوم بمنعطف هام، حيث يمكن أن نلمس ما يلي:

  1. عودة القطاع الخاص للإنتاج مرة أخرى وخاصة بعد بالدعم الذي تقدمه الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية للقطاع الخاص لتقديم عروض مسرحية متنوعة، وتطور أداء المسرح الخاص في هذا المجال على مستوى كافة الدول العربية؛ حيث قدم المسرحيون السعوديون والخليجيون عروضًا مسرحية متميزة إلى جانب العروض المسرحية المصرية التي انقسمت إلى عروض تعتمد على النجوم خاصة نجوم الكوميديا، والعروض التي تسعى لتقديم أشكال وتجارب فنية جديدة منها: الموسيقي أو الكوميدي والتراجيدي أيضًا. وقد أدى ذلك إلى سعي الجهات الإنتاجية في مصر أو العالم العربي لتقديم عروض مسرحية جيدة تعرض في مصر كما تعرض بالمملكة العربية السعودية، ولا يمكن غفول الدور الذي تقوم به وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية من محاولة دعم الشباب سواء بالدراسة أو تقديم العروض والتجارب المسرحية وتحقيق صفة التنافس بينها وإقامة الورش التدريبية للشباب في كافة تخصصات المسرح.
  2. عودة الجمهور للمسرح مرة أخرى من خلال توافق عناصر الجذب المختلفة وأهمها النجم وتطوير المسارح وتوفير الدعاية اللازمة، فقد شهدت المواسم المسرحية الماضية إقبالًا جماهيريًّا يشير إلى عودة اهتمام الجمهور بالمسرح، وقد لمست ذلك في عروض المسرح القومي المصري، وفي عروض قرطاج، والعروض المقدمة بموسمي (الرياض، جدة).
  3. التطور التكنولوجي في المسرح العربي؛ حيث أصبحت تكنولوجيا الشاشات والتصوير والهولجرام من العناصر اللازمة في المسرح العربي إلى جانب الاهتمام بعناصر الموسيقى والغناء والتشكيل.
  4. مازالت الموضوعات الاجتماعية التي تتناولها العروض المسرحية هي المفضلة، كما يميل المسرحيون إلى استخدام الرمز، كما جاءت قضايا المرأة والحرية هي الأكثر تناولًا في المسرح العربي المعاصر.
  5. الاتجاه للعلم والدراسة في مجال المسرح من خلال افتتاح عدد كبير من أقسام المسرح في كليات العلوم الإنسانية والفنون في (مصر، السعودية، الإمارات وتونس).
  6. المهرجانات المسرحية العربية كثيرة ومتنوعة، ولكنها تفتقد إلى التنسيق وإلى تحديد هويتها وأهدافها.

إن المسرح العربي قد قطع شوطًا كبيرًا في دعم الثقافة والهوية العربية، واليوم أصبح الهدف الأكبر هو توصيل تلك الثقافة إلى العالم كله على اختلاف توجهاته. إن طرح القضايا العربية وعناصر الثقافة الخاصة بنا من خلال أطر فنية راقية قد أخذت طريقها من خلال تقديم عروض مسرحية فنية مشتركة مع بعض دول العالم، ويبقى الأمل الأكبر في وضع خريطة مسرحية عربية للإنتاج الفني المشترك الذي يشاهده الجمهور العربي في كل مكان من أنحاء الوطن العربي.   

اظهر المزيد

د.ايمن الشيوي

مدير المسرح القومي المصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى