ضرب وباء كورونا كل دول العالم دون استثناء،وألحق بها من الخسائر البشرية والاقتصادية ما لم يكن في الحسبان. رغم أن الكارثة تفرض علي الجميع التعاون للتصدي لهذا الوباء الخطير؛ فقد كان مفاجئا أن ينحو العديد من الدول اتجاها يتعارض مع مبدأ التكافل والتضامن لضمان سلامة البشر أولا ومن ثم الاقتصاد.
وبرز هذا التباين في موقف دول الاتحاد الأوروبي التي تصرفت كل واحدة منها بطريقة تضع حدودها الوطنية فقط نصب أعينها،متخلية عن الاهتمام بسائر دول الاتحاد الآخرين،ولا سيما أن إيطاليا التي فتك بها الوباء أولا قد تُركت لمصيرها المؤلم.
ولكن الوباء أخذ اتجاها أكثر حدة في العلاقات بين الدول عندما اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصين بأنها البؤرة الأولى للوباء،وبأنها قدمت معلومات مضللة متوعدا إياها بعقوبات مؤلمة وتحميلها ثمن الخسائر التي ألحقها الوباء بالعالم.وجاءت اتهامات واشنطن للصين إثر فشل الولايات المتحدة في السيطرة على الوباء وظهور نظامها الصحي عاجزا عن المواجهة فضلا عن الاستخفاف في بداية الوباء؛ما أفضى لانتشاره بسرعة فائقة في الولايات المتحدة التي أصبحت البؤرة الأكبر لتفشي الوباء في العالم.
واعتمدت المفاضلة في الدول الغربية الرأسمالية بين أولوية صحة المواطنين وبين ضرورة إعادة العمل علي الصورة الاقتصادية الطبيعية لتطرح تساؤلات أخلاقية قبل أي شيء آخر عن المنحى الذي تسير فيه البشرية خارج احترام القيم الإانسانية والمعايير الأخلاقية.
كما أن العديد من الدول وجدت في انتشار الوباء فرصة لتحقيق مكاسب سياسية تجاه دول أخرى إضافة إلى أن القوى السياسية في السلطة والمعارضة حاولت تطويع الوباء قدر استطاعتها لصالحها في الصراعات الداخلية.
كانت تركيا من الدول التي تباهت بأن الوباء قد لا يصل إليها أو قد لا يتفشى فيها بقوة؛إذ تأخر الإعلان عن أول إصابة إلى أوائل آذار/ مارس في وقت كان قد مر على بدء ظهور الوباء في العالم حوالي شهرين.
وكان هذا التأخر في الكشف عن أول إصابة مثار شكوك.فتركيا هي نقطة تقاطع مواصلات إقليمية وعالمية من الدرجة الأولى وهي مقصد ملايين السائحين وخط ترانزيت نشط جدًا برًا وجوًا وبحرًا بين دول العالم.فإما أن هناك تعتيما على الحقيقة وإما ان الخبر صحيح.لكن مع بدء ظهور الإصابات بدأت وتيرة الأرقام تتصاعد بحيث أنه خلال شهر نيسان/إبريل كان المعدل اليومي للإصابات خمسة آلاف إصابة يوميا وتقدمت تركيا،كما لو أنها في مبارزة؛لتكون بين الدول الثمانية الأكثر إصابة في العالم.
كان الانطباع لدى الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية أنه يمكن أن تكون تركيا استثناء؛ وبالتالي سيحسب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن إجراءاته حالت دون تفشي الوباء فيحصد المزيد من الدعم الشعبي الذي هو في أمس الحاجة إليه بعدما خسر حزبه الانتخابات البلدية قبل حوالي عام في المدن الرئيسية الكبرى، لكن الرهان على مثل هذا الإنجاز تهاوى بعد تفشى الوباء في تركيا.
وكان أردوغان يحاول بعد تفشي الوباء أن يطمئن إلى متانة الإقتصاد التركي وبأن العودة إلى الإنتاج هي أساس المواجهة إذ قال في نهاية آذار/مارس :” تركيا _تحت أي ظرف أو شرط_هي بلد مضطر لأن يواصل الإنتاج ويضمن عودة عجلته للدوران.”رأى الخبراء في ذلك تضحية بأرواح الناس من أجل عدم توقف عجلة الإنتاج، خصوصا أن أردوغان يبني دائما على الوضع الاقتصادي من بين العوامل التي تبقي موقعه قويا لدى الرأي العام.
ولقد تحولت جائحة كورونا _كما في كل الدول_ إلى معركة بين القوى السياسية الداخلية،لكن بدا واضحا أن المعركة التي خاضها أردوغان داخليا اتسمت بأمرين:الأول الانتهازية في استغلال الجائحة لإضعاف خصومه السياسيين. والثاني:العجز عن مواجهة التأثير السلبي لكورونا على الاقتصاد.
الانتهازية بدت جلية في مجموعة من الإجراءات التي لا يمكن للمنطق قبولها في ذروة انشغال البلاد بالجائحة الوبائية.
- منع البلديات المعارضة من جمع المساعدات لمساعدة الأسر الفقيرة التي اضطر أبناؤها للبقاء في الحجر المنزلي دون عمل،وقد طال الحظر بلديات اسطنبول وأنقرة وإزمير وغيرها.وكان الهدف من ذلك عدم إبراز دور الأحزاب المعارضة في التصدي لجائحة كورونا وتجيير الفضل في المساعدات حصرا للحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم،علما أن النتائج السلبية عن الكورونا في مجال العمالة والاستخدام تحتاج لمواجهتها إلى جهود كل القطاع الرسمي،ولا سيما البلديات والخاص على حد سواء.
- انتهاز الفرصة للضغط على المعارضة ولا سيما حزب الشعوب الديموقراطي الكردي من خلال إقالة العديد من رؤساء بلدياته وتعيين القائمين أو المحافظين بالوكالة بدل المُقالين.وهذا نهج بدأ بعد الانتخابات البلدية قبل عام لكنه انتهز جائحة كورونا لتمرير المزيد من حالات عزل الخصوم بأقل ضجة ممكنة.
- وكان مشروع قنال أو قناة اسطنبول الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة قد ووجه باعتراضات متعددة سياسية وبيئية؛ لكن تم تلزيم شقّه في منتصف نيسان في غفلة عن اهتمامات الرأي العام المنشغل بكورونا ليواجَه بأقل قدر من الاعتراض.
- إصدار الحكم بقضية جمال خاشقجي وإصدار اتهامات لمسئولين سعوديين بالمشاركة في الجريمة التي وقعت في خريف 2018.
العجز عن مواجهة الانهيار الاقتصادي
كما في كل الدول أرخت ضائقة كورونا على تركيا ولا سيما في المجال الاقتصادي.خسائر تركيا بعشرات المليارات من الدولارات، وتزداد صعوبة التعويض لكونها بلدا سياحيا يعتمد على حركة المواصلات الخارجية المتوقفة حاليا حتى وقت طويل.فمن قطاع السياحة وحده كانت تركيا تحصل على دخل بالعملة الصعبة لا يقل عن خمسين مليار دولار سنويا.كما أرخت الأزمة الاقتصادية على قطاع العمالة حيث ازدادت أعداد العاطلين عن العمل وبات يزيد على الـثلاثين في المئة من اليد العاملة.بل إن علي باباجان زعيم حزب الديموقراطية والتقدم_الذي تأسس حديثا_والمسئول السابق عن ملف الاقتصاد في تركيا في سنوات ازدهاره قبل ان ينفصل عن حزب العدالة والتنمية، يقول أنه يخاف من إعلان الرقم الحقيقي لنسبة البطالة. وبطبيعة الحال تتراجع الصادرات وإلى وقت طويل والتي لا تقل عن مائة وسبعين مليار دولار سنويا.
لكن الضغوط على الليرة التركية كانت الأبرز حيث تراجعت قيمة الليرة التركية إزاء الدولار والعملات الصعبة بما لا يقل عن عشرين في المئة خلال أقل من شهرين، وباتت تتراجع بسهولة مع كل يوم يمر.
وإذا كان كورونا عاملا أساسيا في ذلك فإن “صحيفة يني شفق” الموالية لحزب العدالة والتنمية ترى فيها ضغوطا تستهدف السياسات التي تسعى لإقامة اقتصاد مستقل متحرر من الهيمنة الخارجية، ومحاولة العودة لرهن تركيا بصندوق النقد الدولي.
التراجع في سعر الليرة ووصوله من 5.50 إلى 7.30 اضطر المصرف المركزي للتدخل. وما بين نهاية شباط/فبراير 2020 م وحتى اليوم تراجع احتياط تركيا من العملة الصعبة والذهب من 108 إلى 86 مليار دولار من بينها 25 مليار دولار فقط كتلة نقدية صافية. ويرى خبراء اقتصاديون أنه إذا استمر ذوبان مخزون العملة الصعبة في البنك المركزي فإن تركيا ستحتاج برأي الخبير الاقتصادي “إيرول طايماز” إلى ما لايقل عن أربعة وخمسين مليار دولار، ولا توجد جهة يمكن أن تعطيها سوى صندوق النقد الدولي. لا سيما أن تركيا عليها أن تسدد ديونا خارجية على المدى القصير ما يقارب 122 مليار دولار فيما لا يوجد لذلك أكثر من 16 مليار دولار كما يقول الخبير الاقتصادي إيفرين زيليوت.
لكن صندوق النقد الذي يملك تريليون دولار يواجه طلبات من 90 دولة كما أن شروطه لا تقبل بها تركيا وهي إغلاق حنفيات الفساد ووضع برنامج تقشف واعتماد الشفافية في السياسات.
وإذ يقول وزير المالية_صهر أردوغان_ برات البيرق إن الوضع ليس مقلقا ولا داع للخوف وكل شيء سيكون جيدا،يحذّر كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري إن الوضع في حال استمراره بتراجعه بهذه الوتيرة فستكون تركيا أمام أزمة اقتصادية أسوأ بكثير من أزمة 2008.
ويحذّر باباجان من أن أزمة تركيا الاقتصادية عميقة خصوصا أن الحكومة قد خلقت لنفسها عداوات كثيرة مع الخارج ولا سيما الدول الغربية حيث تراجعت الاستثمارات الأجنبية التي بلغت ذروتها في عهد باباجان وبلغ مجموعها ستمائة مليار دولار.وكما في حالات مماثلة فقد دعت الحكومة التركية الصين وبريطانيا وألمانيا إلى تبادل العملات(سواب) بما يوفر ضخ دولارات إلى تركيا؛ لكن هذه الدول لم تستجب، فيما كانت قطر هي المنقذة جزئيا عندما ضخت عشرة مليار دولار في الخزينة التركية في منتصف أيار/مايو 2020.
في البعد الإقليمي والدولي:
أما إقليميا ودوليا فقد انتهز أردوغان جائحة كورونا في أكثر من اتجاه:
- حاول أردوغان التودد إلى الاتحاد الأوروبي من خلال محاولة إظهار وجه حضاري لسلطته بأن أرسل مساعدات كمامات وغيرها إلى بعض الدول ومنها إيطاليا، وكان يأمل أن تكسر”ديبلوماسية الكورونا” هذه جدار الاستياء الأوروبي من سياسات أردوغان القمعية في الداخل والتدخلية في الخارج. علما أن تركيا احتجزت في مطلع نيسان/أبريل 2020 طائرة تحمل معدات طبية من الصين إلى أسبانيا وصادرت منها 162 جهاز تنفس لمرضى الكورونا في العناية الفائقة رغم مراجعة وزير الصحة الأسبانية ثلاث مرات السلطات التركية.
وألحق أردوغان ذلك برسالة إلى الاتحاد الأوروبي بمناسبة الذكرى السبعين لإعلان “شومان”(نسبة إلى وزير خارجية فرنسا حينها روبرت شومان) في 9 أيار/مايو 1950 الذي يؤخذ على أنه بداية تشكّل فكرة الوحدة الأوروبية.
وقد دعا أردوغان بمناسبة جائحة كورونا الدول الأعضاء في الاتحاد إلى الوحدة في مواجهة كورونا.كما دعا إلى قبول عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد معتبرا أن عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد تُكسب الاتحاد نظرة المشاركة والاحتضان،وتمكنه من لعب دور أكثر أهمية على الصعيد الدولي،مؤكدا على التصميم الكامل لتركيا لتكون عضوا في الاتحاد.
- وعمل أردوغان على تجيير جائحة كورونا من أجل منح فرصة أكبر لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث واصل أردوغان “ديبلوماسية الكورونا.” وكما فعل مع الاتحاد الأوروبي أرسل أردوغان طائرة مساعدات طبية وفي رأسها الكمامات إلى الولايات المتحدة التي وجدت نفسها في أزمة نقص كبير في الكمامات.
وكانت عين أردوغان في ذلك على قضية صفقة صواريخ “أس 400” مع روسيا. والمعروف أن هذه الصفقة قد اعترضت عليها الولايات المتحدة بشدة وأقر الكونجرس بجناحيه عقوبات على تركيا.
فتركيا بحثت عن وسيلة لتعزيز دفاعاتها الجوية في مواجهة التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها خصوصا بعد تفاقم الأزمات بينها وبين معظم جيرانها في المتوسط والشرق الأوسط والقوقاز.وكون تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي فقد طلبت في البداية شراء صواريخ باتريوت من أميركا،لكن واشنطن امتنعت عن تلبية الطلب التركي بسبب الخلافات بين البلدين منذ عهد باراك اوباما حول العديد من الملفات؛ حينها لجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا وأتم صفقة صواريخ أس 400 المتطورة.
وكانت هذه الخطوة خطوة نوعية في تغيير تركيا مصادر حصولها على السلاح. ولم يكن الأمر ليمر مرور الكرام خصوصا أن تركيا دولة أطلسية،فكانت ردة الفعل الأميركية والأطلسية قوية،وتصدى الكونجرس الأميركي للخطوة التركية فأقر بمجلسيه النواب والشيوخ في بداية خريف 2019 عقوبات عسكرية على تركيا تمثلت في إخراج تركيا من مشروع انتاج طائرات أف 35 المتطورة وعدم تسليمها لتركيا علما أنها كانت قد دفعت أكثر من نصف قيمة الطائرات الخاصة بها.
كذلك أقر الكونجرس عقوبات اقتصادية على تركيا،وقد اقترحت إدارة ترامب تجميد العمل بمنظومة “أس 400” وعدم إدخالها قيد العمل إلى أن يتوصل الطرفان إلى مخرج لهذه المشكلة.
أما الاتفاق بين تركيا وروسيا فقد نص على إدخال منظومة الصواريخ قيد التشغيل في نهاية نيسان/إبريل 2020.وقد جاءت جائحة كورونا لتمنح أردوغان فرصة ذهبية لكسب الوقت فأعلن عن تأجيل العمل بالمنظومة ريثما تمر الجائحة مما يمنح الطرفان المزيد من الوقت للبحث عن حلول لهذه المشكلة.
لكن تجميد تركيا تفعيل صواريخ “أس 400” من نهاية نيسان/إبريل إلى أجل غير مسمى قد لا يثير ارتياح موسكو التي قد تنظر إلى الأمر على أنه انقلاب على التفاهمات بين البلدين تحت ضغط البيت الأبيض؛ ولهذا فإن أردوغان سينتظر الفرصة المناسبة لحسم قرار التفعيل من عدمه مع إدراكه أن عدم التفعيل سينعكس عليه سلبا في الداخل التركي لأنه يبدد الأموال في شراء منظومة لا يفعّلها كما أن عدم التفعيل قد يعرّض التفاهمات التركية مع روسيا في سوريا للاهتزاز.
- ليبيا:لم تقف جائحة كورونا دون مضي أردوغان في سياساته الليبية المؤيدة لحكومة “فايز السراج” في طرابلس وفي ما كان ينتظر أن تحدّ جائحة كورونا لأسباب صحية ومالية من التدخل التركي في ليبيا،إذا بأنقرة تستغل الجائحة لإرسال المزيد من الجنود الأتراك والأسلحة من طائرات وآليات وصواريخ إلى قوات السراج في مواجهة قوات الجيش الوطني بقيادة “اللواء خليفة حفتر”،كذلك أرسلت أنقرة المزيد من المسلحين السوريين وغير السوريين الذين يقاتل بهم في سوريا تحت مسميات الجيش الحر وغيره إلى ليبيا للمشاركة في القتال ضد حفتر.
كذلك عززت تركيا شحنات الأسلحة إلى ليبيا بطريقة مباشرة عبر مطار معيتيقة في طرابلس وغير مباشرة عبر جنوب أفريقيا وعبر تونس التي تحولت في ظل دعم حركة النهضة ورئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى ساحة تتحرك فيها تركيا بقوة وحرية ومنصّة للإنطلاق إلى ليبيا.
وتحت ستار مساعدات طبية لمواجهة كورونا أفادت وكالات أجنبية أن طائرات شحن عسكرية تركية نقلت بعض المساعدات الطبية إلى دول أفريقية ولا سيما جنوب أفريقيا وعادت منها محملة بأسلحة مباعة من شركات الإتجار بالأسلحة ووجهة تفريغها في ليبيا.
وفي أواسط أيار/مايو 2020 تحدث الناطق باسم قوات حفتر عن حركة كثيفة في منطقة جربة التونسية للطائرات التركية والتونسية التي تتخذ من أراض تونسية منطلقا للدخول إلى ليبيا لمساعدة قوات السراج،ولم تتردد أنقرة عبر وزارة خارجيتها في 10 ايار/مايو عن اعتبار قوات حفتر “أهدافا مشروعة” لها ردا على قصف حفتر لمطار معيتيقة ومدينة طرابلس.
- سوريا: أما في سوريا فإن الوضع العسكري لم يتأثر بجائحة كورونا. والهدوء النسبي الذي تتخلله اشتباكات من وقت لآخر بين الجيش السوري والتنظيمات المسلحة المدعومة من تركيا_طبيعي نتيجة الاتفاق الروسي/التركي_ في موسكو في 5 آذار/مارس 2020 . كما لم تحل جائحة كورونا دون إرسال تركيا المزيد من التعزيزات العسكرية على خط الجبهة في جنوب غرب حلب في مواجهة الجيش السوري.
على الرغم من كل ما سبق فإن تداعيات كورونا على العلاقات الدولية لا تزال قيد التبلور إلى ما بعد انتهاء الجائحة بصورة شبه كاملة وحساب الخسائر والمكاسب المترتبة على ذلك.
ومما يظهر حتى الآن أن تركيا تواصل سياساتها الإقليمية بمعزل عن تأثيرات كورونا فتحشد في سوريا وتواصل اندفاعتها العسكرية الواسعة في ليبيا دفاعا عن حكومة السراج وضد اللواء خليفة حفتر في ظل تراجع للدور المصري والإماراتي والسعودي،ولكن هذا يمكن أن يوسع الندوب الكارثية التي ستتركها جائحة كورونا على الاقتصاد التركي وهي كبيرة؛وهذا يفترض أن يتوازن الإهتمام بالقضايا الخارجية مع خطوات إعادة إنعاش الاقتصاد لا سيما أن هناك انتخابات رئاسية مصيرية ستحدث عام 2023 في تركيا ولا يمكن لأردوغان أن يصل إليها طالما أن الاقتصاد التركي لم يستعد تعافيه.
وعلى ما يبدو فإن أردوغان يحاول أن يستعيض عن النتائج الداخلية السلبية لكورونا بمكاسب على الصعيدين الإقليمي والدولي، عبر دبلوماسية الكورونا مع الغرب من جهة وعبر المزيد من التدخل العسكري في ليبيا دون إغفال الإشارة إلى أن العديد من الأزمات الاقتصادية في التاريخ كانت عاملا في الذهاب إلى حروب.
وفي الحالة التركية غالبا ما كانت الإخفاقات الداخلية والأزمات يتم الهروب منها أو تلافيها عبر مغامرات عسكرية خارجية تشد العصب الوطني وتلتف حول الواقع الاقتصادي المتردي خصوصا أن النزعة القومية الدينية تتقدم على الأولويات الأخرى لدى حزب العدالة والتنمية وشريكه حزب الحركة القومية اليميني المتشدد.