2020العدد 183ملف خاص

تحديات الإعلام في الوطن العربي

يطرح البحث في تحديات الإعلام في الوطن العربي قضية افتراضية مفادها أنّ هناك إعلام عربي متفق عليه يواجه تحديات، لذلك يتوجب علينا البحث في مضمون هذا الإعلام العربي وبرنامجه وتحديد نوعية التحديات التي يواجهها ؛ لكي يتمكن من التصدي لها،_ وهذه فرضيّة_ ليس إلاّ أن الواقع الميداني يخبرنا بوجود وسائل إعلام متعددة منطلقة من كل دولة عربية وليس من وطنٍ عربي واحد موحد ..

 وطالما لا وجود لبرنامج إعلامي عربي متكامل اتفقت عليه الدول العربية، فإنّ التحديات إذًا تواجه الإعلاميين العرب وليس الإعلام العربي ، أما النشاطات الإعلامية العربية بمختلف تسمياتها وتوجهاتها فهي نشاطات في غالبيتها قطرية، وتبدو المؤسسات الإعلامية المنطلقة من الدول العربية متنافسة ومتنافرة ولا ناظم لها، ولكل منها استراتيجياتها وفقًا لمراميها السياسية والمصلحية، وتبقى النشاطات الإعلامية المنطلقة من خيمة جامعة الدول العربية لوحدها تغرد في ميدان العمل الإعلامي العربي المشترك..

استيقاظ الذات الإعلامية والعمل على جهوزيتها:

 اعتاد الباحثون العرب عند تناولهم لموضوع التحديات التي تواجه وسائل إعلام الدول العربية أو تواجه الإعلاميين العرب، وبالبحث في التحديات الخارجية التي تضع الإعلامي العربي في مواجهة الآخر الغربي أو الصهيوني أو تواجه الآخر من الدول المجاورة للبلدان العربية، وكأنّ وسائل إعلامنا العربي قد استكملت جهوزيتها الذاتية والعلمية وتصدت بنجاح لكل عقبات الداخل وتجاوزت الخلافات وتفرغت ؛ لكي تنصب كل همومها على مواجهة الآخر في الخارج ..

وبدل أن نسير منصاعين لمثل هذا المنطق- كما جرت العادة – سوف نترك الآخر الخارجي أيًّا كان، ونتوجه إلى الداخل، أي إلى الذات الإعلامية العربية؛ لأن من المنطق أن نبدأ بمواجهة الذات قبل مواجهة الآخر، أوليس كان هذا أحد أبرز أسئلة النهضة العربية، وكان سببًا في تفرق الصديقان (جمال الدين الافغاني والشيخ محمد عبده) بعد تأييدهما لثورة “أحمد عرابي “عام 1882 م ، ونفيهما إلى “باريس” وإصدارهما لمجلة (العروة الوثقى) ؟ سؤال النهضة الذي أدى إلى افتراق الصديقين هو أن الأول قال: “بأولوية مواجهة التحدي الأوروبي ومنع استعماره لبلداننا”، والثاني: وجد أن نبدأ ببناء الذات قبل مواجهة الآخر الأوروبي.

 من هذا المنطلق سوف نتناول التحديات الداخلية التي يواجهها الإعلاميين العرب بكل أنواعها (العلمية والتقنية والمهنية والاخلاقية) ، فلو حددناها وأحسنّا التصدي لها واستجبنا لمتطلباتها، حينها فقط تتوفر لنا الأرضية المناسبة؛ لتحديد نوعية التحديات الخارجية ووضع سياسة واقعية لمواجهتها .

 وقبيل التطرق إلى هذه التحديات سنقوم بالاتفاق على عدد من البديهيات المتعلقة بالإعلام في معناه البسيط والمباشر وهو صياغة الأخبار ونشرها وتوزيعها، وتوخي الأمانة في نقلها، والعمل بكل ما تقتضه الثقافة الإعلامية اليوم من وعي في ماهية الإعلام ومراميه ومدارسه من خلال التجربة الإعلامية الكونية والإلمام بكل جديدٍ فيها .

ثورة الإعلام الجديد:

 في العشرية الأخيرة من القرن الماضي حدثت ثورة إعلامية واتصالية كبيرة تمثلت في تطور (علمي وتقني) على الصعد المعرفية كافة. فقد استدعى تطور هندسة الاتصالات دخول علم الإحصاء، وعلم تحليل المضمون الميداني الإعلامي، واتساع دائرة استخدام علم النفس في تحليل نفسية الفرد، واستخدام علم الاجتماع بدراسة الاتصال الجماهيري.

 لقد أدت كل هذه التطورات إلى ظهور ما يسمى “الإعلام الجديد” أو “الإعلام الرقميّ”، و”الإعلام التفاعُليّ”، الذي يشارك عن طريقه جمهور المتلقين في صنع الرسالة الإعلامية وصياغة الخطاب الإعلامي ونشره، وبذلك يتحول الاتصال أحادي الاتجاه إلى اتصال حيوي متعدد الاتجاهات منتجًا بثقة وثبات ما سمي بالإعلام الجديد، ويمكننا أن نعدد بعض سمات هذا الإعلام الجديد واختصارها بالتالي :

  1. التدفق الهائل في سيل المعلومات، الأمر الذي أحدث انفجارًا معرفيًا وتضاعف بسببه الإنتاج الفكري في شتى ميادين الحياة .
  2. القيام بكسر الاحتكار الإعلامي للأخبار الذي هيمنت عليه قوى ومؤسسات كبرى وأدى ذلك إلى نشوء منابر إعلامية جديدة للتعبير عن الرأي خارجة عن السيطرة الاحتكارية .
  3. وضع أرشيفات ووثائق ومكتبات وخزائن معلومات هائلة تحت تصرف الباحثين والأفراد والمؤسسات الأكاديمية والجهات المهتمة ومؤسسات صناعة القرار وغيرها.. ، ويتسم الاطلاع على هذه الخزائن المعرفية بملامح مستجدة ومشجعة مثل : (سرعة التلبية ، قلة الجهد ورخص التكلفة ).
  4. أدت الثورة المعلوماتية إلى ظهور ما يسمى بـ “المواطن الصحفي” والتعرف على مساهماته في إبداع محتويات إعلامية متنوعة .
  5. ظهور التواصل الإنساني بأبرز صوره، إذ يمكننا الإشارة إلى المنجز الإعلامي الكوني المستجد وهو تشكيل شبكات التواصُل الاجتماعيّ لمُجتمعات واقعية وافتراضيّة تجمعها قضايا مشتركة من دون قيود الهويّة، والانتماء.

 مراحل التطور الإعلامي:

 بادئ ذي بدء، فإنّنا نتحدث عن علم الإعلام، وبالتالي علينا أن نشير إلى أنّ هذا العلم كغيره من العلوم الإنسانية والاجتماعية يُدرس في الجامعات العربية والدولية، وهناك اليوم في أغلب البلدان كليات للإعلام والاتصال بأقسامها المختلفة سواء (الإذاعة والتليفزيون والسينما، أو الصحافة، أو العلاقات العامة والإعلان)، تدرس الطلبة النظريات والمدارس الإعلامية كافةً، وتمنحهم القدرة على التعامل مع تقنيات العصر في هذا الميدان وغيره والالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي، وقد عرف علم الإعلام وتطور على مر الزمان ومر بثلاث حقب رئيسية وهي :

الحقبة الأولى : استخدام الإعلام كوسيلة للتواصل المدون وهي الحقبة التي عرفتها البشرية عندما جرى اكتشاف الكتابة ” الهيروغلوفية” في الحضارة الفرعونية لوادي النيل (مصر) ما بين عام(03300 ق. م _3200 ق.م)، واكتشاف الكتابة المسمارية في حضارة الرافدين (العراق) التي تعود إلى سنة 3000 ق.م. وظهرت أولى اللوحات الإعلانية؛ لنقل الأخبار متجسدة بالمسلات والمعابد الفرعونية، وآلاف من اللوح الطينية المسمارية التي دونت أخبار الملوك والأمراء واِلشؤون الحياتية والدينية ونشر القوانين مثلما تضمنته مسلة “حمورابي”، ملك بابل (1792 -1750 ق م ) المتضمنة 282 مادة قانونية، وكانت هذه المسلة أول جريدة في التاريخ الحضاري ؛ لنشر القوانين التجارية والأحوال الشخصية والآداب والأساطير .. وبعد ذلك بحوالي ثلاثة آلاف سنة تقريبًا، بدأ تطور جديد وهو ظهور أحد أقدم وسائل التعبير الإعلامي في العالم وهو المسرح اليوناني متمثلًا بمسرح “إبيدورس” الذي يعود تأسيسه إلى القرن الرابع قبل الميلاد.

الحقبة الثانية: بدأت عام 1400 م عندما جمع رجال الأعمال في المدن الإيطالية والألمانية السجلات المكتوبة بخط اليد التي تحتوي على الأحداث المهمة، وقاموا بنشرها. وأعقب ذلك البدء بطباعة الصور بالقوالب الخشبية عام 1423 ، ثم حدثت النقلة النوعية الهائلة عندما اخترع الألماني “يوهان غوتنبرغ” المطبعة المتحركة عام 1436، وأحدث ثورة كبيرة في الطباعة والنشر والتوزيع الإعلامي للثقافة والفكر وشتى فروع العلوم، وقد تكللت تلك المساعي الإعلامية بانتشار الصحافة الورقية وصدرت باللغة الألمانية أول صحيفة في العالم وهي “ريلاسيون” من قبل “يوهان كارولوس” عام 1603 م، وفي عام 1810 م اخترع العامل الأمريكي “صمويل مورس” التلغراف، واخترع العالم “ألكسندر بوبوف” عام 1895م أول جهاز استقبال بذبذبات كهرومغناطيسية، وأطلق عليه اسم الراديو (المذياع) واخترع “وليام فريز “السينما ما بين(  1888 م_1891 م) واخترع” جون لوجي بيرد” في الفترة نفسها التلفزيون؛ لتصبح الثقافة الإعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية .

الحقبة الثالثة: هي الانطلاقة الإعلامية التي تلت تشغيل أول قمر فضائي للاتصالات في منتصف ستينات القرن الماضي ؛ لتوجيه إشارات الاتصالات اللاسلكية عبر جهاز إرسال و استقبال في مواقع مختلفة على الأرض، وهناك اليوم أكثر من(2000) قمر صناعي بأنواعها الثلاثة 🙁 أقمار الطقس، وأقمار الاستطلاع الصناعية وأقمار الاتصالات التي تخدم اتصالات التلفزيون والهاتف والراديو والإنترنت والتطبيقات العسكرية بنحو خاص) ، تنقل هذه الأقمار وتضخم الإشارات الصوتية الراديوية عير أجهزة الأرسال والاستقبال جميعها، وقد أدت هذه القفزات التكنولوجية في علم الفضاء وفي ميدان العلوم المتصلة بالنشاطات الإعلامية إلى الثورة المعلوماتية التي نتجت عن اكتشاف شبكة الإنترنت عام 1973 م، وانطلاقًا الثقافة الإعلامية الجديدة؛ لكي تبدأ تشغيل المواقع الإلكترونيّة على الشبكة العنكبوتيّة عام 1991م وعلى أثرها جرى إنشاء أوّل موقع لتبادل رسائل البريد الإلكترونيّ عام 1994م.

 لقد ساهمت كل تلك التطورات في إثراء علم الإعلام بكل فروعه وفي إحداث القفزات الإعلامية التالية:

  • تسارع وتيرة الإعلام الخبري حيث تنقل الأخبار في لحظة وقوعها،
  • تسارع الإعلام السلعي بمضاعفة وتيرة التبادل والتجاري،
  • تسارع انتشار الثقافات والفنون والمساهمة في تعاضد التواصل الإنساني والحضاري.

تحديد التحديات:

 لن نبحث في التحديات الخارجية التي يواجهها الإعلاميون العرب ،فهي كثيرة ومتعددة ولها تأثيرات بالغة وضاغطة على واقعنا العربي، ولكي نكون في مستوى مواجهتها لابد إذًا من إعادة بناء الذات الإعلامية العربية أولًا من خلال معرفة التحديات الداخلية التي تعيق فعاليتها، والعمل على تلبية مستلزماتها، وعندئذ سنتمكن من استيعابها معرفيًا وميدانيًا ،وبذلك نستعد لمواجهة أيّ تحديات خارجية يفرضها علينا الواقع الدولي المتحرك. وقد سجلنا تسعة تحدياتٍ داخلية أساسية وربما هناك غيرها وهي.

  1. التحدي المعرفي: إن الحقيقة التي يسجلها المراقب للساحة الإعلامية العربية تكشف لنا أن الغالبية العظمى من الإعلاميين في دولنا العربية لا يمتلكون المؤهلات الدراسية ولا المعرفة العلمية في العلوم الإعلامية، قد يكونوا مؤهلين في تخصصات أخرى ،أو يمتلكون ثقافة عامة، ولكن لم يدرس أغلبهم علم الإعلام ،كما درس الطبيب ،أو المهندس علومه الجامعية مثلًا قبل أن يقوم بممارسة مهنته، وهذا يعني أنّ وسائل الإعلام العربية تفتقر إلى علمية العمل ومنهجيّته ؛ لأن العاملين فيها ليسوا على دراية بما يجري تدريسه في المدارس والجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة عن تاريخ علم الإعلام ونظرياته ومناهجه ومدارسه، وليسوا على دراية كافية بتطور سبل الإعلام الجديدة وتقنياتها.
  2. التحدي المهني: بسبب أنّ غالبية الإعلاميين لم يتلقوا الإعلام مدرسيًا أو جامعيًا أي علميًا. شاع القول بأنّ :”الإعلام هو مهنة من لا مهنة له” ، فالأكثرية تجهل أصول المهنة وتاريخها ومدارسها وتطور مراحلها وتقاليدها، والأذكى من ذلك أنّها لم تمر بمرحلة تدريبية أو دورات تطبيقية تؤهلها لممارسة المهنة بنحو متطابق مع المواصفات الدولية. الأمر الذي يفرض علينا العمل على زيادة الوعي بالمهنة الإعلامية وتمكين العاملين في الإعلام منها والتقيد بمتطلباتها .
  3. التحدي القانوني: ربما تكون إحدى أهم مستلزمات مزاولة المهنة الإعلامية هي الوعي الثقافي المتعلق بالجوانب القانونية وما يرتبط بالمجتمع والدولة .. ومعرفة التنظيمات القانونية المتعلقة بحقل الاتصالات السلكية واللاسلكية وبحقل تكنولوجيا المعلومات والبث المسموع والمرئي والإلكتروني_ ناهيك عن التشريعات الخاصة بالإعلانات، وبرامج الترفيه، وخدمات الإنترنت وحماية الملكية الفكرية، وهذا يعني أنّ مهنة الإعلامي تقتضي أن يتوفر لديه وعي كافي بالبنية القانونية والأخلاقية للمجتمع الذي يمارس فيه المهنة، وله معرفة كافية بمترتبات النشاطات الإعلامية التي يمارسها و تأثيراتها الإيجابية والسلبية على حقوق الجمهور المتلقي ؛ لكي لا يقع الإعلامي في مغبة خرق القوانين أو تجاوزها ويقوم بإيقاع الضرر على الغير. إنّ الإلمام الواعي باللوائح القانونية والأخلاقية شرط أساسي لمزاولة المهنة الإعلامية .
  4. تحدي التقيد بأخلاقيات المهنة : لا تفرض الأخلاقيات المهنية من رقابة الدولة وإنّما هي سلوك ذاتي رقابي تفرضه معايير إعلامية موضوعية صارمة . إنّ عدم تبلور مفهوم واضح للرقابة الذاتية يخل بأخلاقيات المهنة الإعلامية، _ وبخاصة عندما نلاحظ غياب مسطرة رقابية إعلامية واعية بالفروق الفردية والجماعية في الرأي والدين والجنس_  الأمر الذي ينتقص كثيرًا من الدراية الواعية والتقاليد المهنية. إنّ وسائل الإعلام تساهم في ترسيخ السلوكيات الفرديّة وتغليب النزوات والعواطف وتقليد نماذج المشاهير الضارة في المجتمعات، وتغليب هذا النوع من الاستهلاك المتعارض مع أخلاقيات المهنة الإعلامية مما يعرض التربية الثقافية والقيم الاجتماعية للخطر ؛ ولمواجهة هذا التحدي لابد من التقيد بمواثيق الشرف الإعلامية والالتزام بمستوى مقبول من المهنة، وتنظيم دورات تدريبية حول المعايير الأخلاقية التي ينبغي مراعاتها في ممارسة النشاطات الإعلامية كافة ً.
  5. التحدي التكنولوجي: لقد باتت المعرفة التكنولوجية إحدى أهم المحركات الإعلامية والاتصالية؛ لكونها أسلوب تواصل مع الجمهور بواسطة استخدام أحدث التقنيات التكنولوجية. لذلك فإنّ الإعلامي الجيد مدعو لدراسة تراكم هذه المعرفة الإعلامية التي تستوعب كل التحديثات التي تطرأ على الوسائل الإعلامية وبرامجها وعلى مستجدات شبكات التواصل الاجتماعي دون إهمال للمعرفة التاريخية لتكنولوجيا الاتصال والإعلام القديمة والحديثة ومقتنياتها ومستجداتها. إنّ معرفة خصائص هذه التكنولوجيا الجديدة وسماتها وسلبياتها، يستدعي مواكبة تطورات التحديث في التكنولوجيات الإعلامية و الاتصالية الجديدة التي باتت تصنع لنا مستقبلنا السياسي والاقتصادي والثقافي.
  6. التحدي الاقتصادي: ليس المقصود هنا توفير خبرة اقتصادية في أجهزة الإعلام المختلفة، لدراسة المتغيرات المحلية والعالمية، ولكن المقصود هو أنّ للإعلام علاقة وثيقة بخطط التنمية الشاملة وما ينضوي تحتها من نشاطات ثقافية وسياسية واجتماعية إذا ما توفر العمل الإعلامي الحر بعيدًا عن سيطرة الدولة أو تحكم رأس المال وحرمان الإعلامي من دوره التوعوي وحرية رأيه وشفافية عمله، فوسائل الإعلام الكبرى تؤثر في المسار الاقتصادي ومناط بها التوعية الإيجابية للمتلقين، وبناء عليه يتمثل التحدي الاقتصادي بتوفير الدعم المالي للمشروع الإعلامي من دون أن ينتقص ذلك من مهنة الإعلامي عندما يخضعها لضرورات التوجيه، وهنا تقف قضية تمويل الإعلام الخاص، وحتى إعلام الدولة أمام قضية تضييق مساحة الحريات لدى الإعلامي وخضوعه طوعًا أو قسرًا لسلطة رأس المال وتحويله إلى أداة تخدم مصالح سياسية أو مصالح نفعية.
  7. تحدي التوازن ما بين المهنية والوطنية: تتأرجح حرية الإعلام في عالمنا العربي، ما بين الالتزام بمعايير العمل الإعلامي الموضوعي ومواثيقه، وبين الانتماء الوطني ومقتضيات المصلحة العامة، وما تعلق بمسألة الأمن القومي . إن الالتزام بالمهنية يفترض التحلي بالموضوعية حتى في القضايا الوطنية، التي لا تقبل الانتقاص من سيادتها، ومع ذلك يرمي تعارض الأمرين بظلاله على التوازن المطلوب بين المهنية والوطنية، وغالبًا ما تضيق حرية الإعلام ؛ بسبب الموقف الوطني على حساب الالتزام المهني . والتحدي هنا: هو ذلك التوازن الإيجابي للاحتراف الإعلامي وتعزيز أخلاقيات المهنة بتوفير أقصى درجات الموضوعية والعمل بمقتضياتها.
  8. تحدي غياب المهمات التدريبية والتطويرية: يعتبر التدريب الإعلامي وسيلة مهمة من وسائل تطوير المهارات اللّغوية والفنية والتقنية وتنمية القدرات التحريرية وإعداد التقارير والتغطيات الصحفية للأحداث المحلية والدولية. ويستفيد الإعلاميون من تنظيم دورات تخصصية في مجالات التصوير والمونتاج والإخراج التلفزيوني وتنمية المهارات الإدارية والتخطيط الإعلامي والتفكير الاستراتيجي وغيرها، وكل تلك المهمات التدريبية جوهرية وضرورية؛ لتطوير العمل الإعلامي العربي، وفي أغلب المؤسسات الإعلامية العربية يحرم الإعلاميين من التدريب بذرائع الشحة المالية. إنّ غياب التخصيصات المالية أو شحتها في الميزانيات المرصودة للإعلام يحول دون تطوير سبل العمل الإعلامي، مما يؤدي إلى تغييب استراتيجية ترقية القدرات الإعلامية ويحبط خططها المستقبلية، فالدورات التدريبية تهدف إلى تطوير برامج وأليات مؤسسات الإعلام في الدول العربية ، وعدم الاكتراث بما يمكن أن تؤول إليه العملية الإعلامية يسيء بنحوٍ كبير للضرورات الوطنية والقومية.
  9. تحدي الوعي بالشرائع والمواثيق الدولية الخاصة بمهنة الإعلاميين وبالبنية القانونية الضامنة لحرية الإعلام والتي تحدد طبيعة العلاقة بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات التنفيذية؛ لضمان صواب ممارسة المهنة والحماية من أنظمة الاستبداد وفي مناطق التوترات والحروب، ومعرفة المحظورات والممنوعات في الإعلام مثل 🙁 الحث على الكراهية أو العنف أو العنصرية أو الطائفية ).

يمكننا الإشارة إلى أبرز هذه المواثيق الدولية مثل:

 أولًا : ميثاق حقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في (20/12/  1948 م)، وبخاصةٍ (المادة 19 ) منه التي تذكر “أنّ لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار بأيّة وسيلة، وإذاعتها دون التقيد بالحدود الجغرافية”. وتستدعي المعرفة الإعلامية وعي جمهور الإعلاميين العرب بثقافة حقوق الإنسان عامة وحقوق الإعلاميين وواجباتهم، والوعي بالممنوعات والمحظورات في خضم التدفق الإعلامي.

 ثانيًا : “ميثاق ميونخ” الصادر في (24 و25 /11/ 1971 م) الذي حدد واجبات الصحفيين بالتالي :

“احترام الحقيقة وكتابة الأخبار  دون كتمان المعلومات المهمة أو تعديل النصوص، الدفاع عن حرية الإعلام، احترام الخصوصية، احترام السرية المهنية، عدم الإتجار بالمعلومات، رفض الضغوط ومقاومتها، الالتزام بالمبادئ المهنية…”

 ثالثًا : قرار مجلس الأمن (رقم 1738 ) الخاص بحماية الصحافيين والإعلاميين في مناطق الصراع الصادر في( 23/12/ 2006 م) ، الذي قدمته منظمة “مراسلون بلا حدود” في (16/10/2006 م) إلى “فيليب دوست بلازي” وزير الخارجية الفرنسي وقتذاك، وقدمه بدوره إلى أعضاء مجلس الأمن في (الرابع من ديسمبر 2006 م)، ” لقد تابعت عن قرب مع زميلي” روبير مينار” الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود” وقتذاك كل تطورات وتعديلات مشروع القرار حتى اعتماده، وأسهمت بمناقشة خاصة قام بها عدد محدود جدًا من المهتمين نظّمها “مينار” ووزارة الخارجية الفرنسية في (19/12/ 2006 م)، وشاركت فيها 10 شخصيات منهم: “فيليب دوست بلازي “والنائبين : “الديغولي بيار لولوش” والاشتراكي” فرانسوا لونكل “وسفير اليونان في فرنسا “ديميتريوس باراسكيفوبولوس” والصحفيّان “باتريك بوافر دارفور” و”فلورانس اوبينا.”. وبحكم كوني رئيس اللجنة الدولية لحماية الصحفيين العراقيين وقتذاك فقد رحبت بصدور القرار الذي يضع إمكانية محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات بحق الإعلاميين، بل وقتلهم، ولا يسمح بالإفلات من العقاب وأهم ما جاء به :

  • اعتبر القرار أنّ أيّ اعتداء يتعرض له الصحافي يمثل خرقًا للقانون الإنساني الدولي.
  • شجع القرار على تعرض الصحافة والإعلاميين للقمع والاعتداءات وطالب بمحاكمة الفاعلين، معيدًا على مسامع الدول كلها التزاماتها بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة والصحافيين
  • طالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بالتطرق لسلامة الصحافيين في تقاريره المنتظمة حول حماية المدنيين في الصراعات المسلحة. وبناءً عليه ستضطر الأمم المتحدة ومنظماتها في كل تقاريرها السنوية إلى تحديد أسماء الدول التي أخفقت في تأمين سلامة صحافييها.
  • إنّ نقطة الضعف المركزية في القرار هي :عدم تضمينه لآليات ملزمة لتنفيذه ومع ذلك يؤدي التقرير السنوي إلى الفضح العلني والرسمي للدول والأطراف التي ترتكب أعمال عنف بحق الصحافيين.

 رابعًا : الاطلاع على دليل الصحفيين: أعد مركز الدوحة لحرية الإعلام إبان إدارتي له عام 2008  م بالتعاون مع منظمة “مراسلون بلا حدود” كتيبًا اعتبر خلاصة تجارب الإعلاميين في أنحاء المعمورة كافةً بعنوان: (دليل الصحفيين) ،يتضمن معلومات وإرشادات للمراسلين الصحفيين الذين يغطون الصراعات المسلحة في مناطق التوتر، وذلك حفاظًا على حياتهم وسلامتهم من المخاطر التي تهددهم ،أو التي قد يتعرضون لها خلال وجودهم في قلب الأحداث الساخنة وداخل حلقة الصراعات الدموية.. ويتضمن الدليل مجموعة من المواثيق الدولية التي وصلت إليها المجموعة الدولية ؛ لتحقيق أفضل درجات الحماية للإعلاميين وصيانة مصادرهم المعرفية ومواثيق الشرف الإعلامية..

 تلك هي تحديات لابد أن يواجهها الإعلاميون العرب ويدركونها جيدًا ويستوعبونها ؛ لكي يتمكنوا من إعادة بناء الذات الإعلامية العربية، فتكون بمواصفات دولية قادرة على فهم كل طرائق وسائل الإعلام العالمية النظرية والميدانية وعلى دراية كافية بخطابها ، حينها فقط سوف تمتلك القدرة على مواجهتها والتصدي لتحدياتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى