لا تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا ككتلة دول متجانسة، ويبدو لها الاتحاد الأوروبي وكأنه تجمّع مصطنَع من بلاد متنوعة ومختلفة بشكل كبير وبالتالي؛ فأمريكا لا تجد من يقابلها من الطرف الآخر من المحيط الأطلسي “ولايات متحدة أوروبية” تتعامل معها كقرين مناسب، هذا الوضع يدفعها إلى عدم الأخذ بهذه المجموعة الأوروبية ككيان سياسي موحد.
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كيسنجر” يجيب عند الحديث عن أوروبا بالقول “ما هو رقم هاتف أوروبا هذه؟!”. وعلى الرغم من أن الأوروبيين هم من استوطن الأراضي الأمريكية في البداية، آتين من (إنجلترا وأيرلندا وفرنسا وألمانيا)، إلا أن الحربين العالميتين الأولى والثانية- حيث كانت مشاركة أمريكا حاسمة في الثانية- هما من مَتَّن الأواصر بين الطرفين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت هناك مساهمة أمريكية ضخمة في عملية إعادة بناء أوروبا التي دمرتها الحرب عبر إقرار خطة “مارشال” والتي بلغت قيمتها حينذاك قرابة 16 مليار دولار.
وأخيرًا، فقد أضحت أوروبا حليفًا أساسيًا مع المواجهة الواقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي إبَّان فترة الحرب الباردة.
مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، والذي أعلن نسبيًا أو مرحليًا نهاية الحرب الباردة- بدأت الأمور بالتغير تدريجيًا من حيث أهمية هذا التحالف السياسي والعسكري والاقتصادي بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وبدا أن الإدارات الأمريكية على مختلف تنويعاتها الحزبية (ديمقراطية أو جمهورية) تتجه باهتمام أكبر نحو مناطق جغرافية تقع في منطقة جغرافية أبعد من القارة الأوروبية القديمة- وبشكل أكثر تحديدًا- فلقد صارت جمهورية الصين الشعبية الديمقراطية تشكّل همًّا أمريكيًا محوريًا حلَّ بشكل شبه كامل محل الخصم الروسي؛ بسبب حجمها الاقتصادي والسكاني الهائل، كما بسبب الطموحات الصينية في توسيع النفوذ الدولي عبر الاقتصاد.
هذا التحول وقع أساسًا مع إدارة الرئيس الديمقراطي “باراك أوباما” (2009 ـ 2017). ومن الخطأ الشائع الإشارةُ التي تتكرر في بعض الأدبيات السياسية إلى دور الرئيس الجمهوري “دونالد ترامب” (2017 ـ 2021) في العمل على تخفيض الاهتمام الحاد بأوروبا، فأوباما ووزيرة خارجيته “هيلاري كلينتون” أطلقا سنة 2011 ما يُسمى بالـ “المحور الأسيوي”، ومن خلال هذه الرؤية الأمريكية الجديدة للأولويات، نشطت الدبلوماسية الأمريكية إلى نقل تركيزها العملي إلى آسيا ومنطقة الباسفيك.
تراجعت أوروبا عن أن تكون ذات الأولوية في نظر الخارجية الأمريكية كما في رهانات البيت الأبيض أيضًا، وقد عزّز دونالد ترامب مما كان قائمًا ومؤسَّسًا له من قِبل سلفِه في هذا التوجه، مضيفًا جرعة من العنف اللفظي والتعبيرات غير الدبلوماسية والتي أُرفقت بمجموعة من الإجراءات الزجرية، كما اعتمد ترامب على العلاقات الثنائية مع كل دولة أوروبية على حدة بعيدًا عن التعامل مع الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، مستندًا إلى دور سلبي لعبته إدارته في تعزيز ميول بريطانيا وخطواتها في الابتعاد والانسحاب من هذا الاتحاد.
من دون أي شك، فقد قام الرئيس جو بايدن، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، بتنفيذ ما سبق ووعد به خلال حملته الانتخابية والمُفضي إلى “طيِّ صفحة السياسة السابقة تجاه أوروبا مُبعدًا العلاقات عن الأجواء المتوترة التي سادتها إبّان سلفه”، فقد سبق لدونالد ترامب أن قام بالاستفزاز الصريح والمبطن تجاه القارة القديمة ملوّحًا أكثر من مرة بالقيام بخطوات عقابية صارمة يمكن اعتبارها جزءًا من حرب تجارية، كما أنه تطرق إلى ميله إلى انسحاب للقوات الأمريكية من أوروبا، منتقدًا بشدة ما اعتبره انخفاضًا ملموسًا للمساهمة الأوروبية في نفقات حلف شمال الأطلسي؛ حيث أورد في تغريدة شهيرة له في 25 نوفمبر 2018 التالي: “أنه على أوروبا أن تدفع حصتها في الحماية العسكرية (الاتحاد الأوروبي) ومنذ سنوات يستفيد منا تجاريًا، وفي المقابل، فهم ليسوا على المستوى فيما يخص التزاماتهم العسكرية من خلال حلف الناتو، يجب أن تتغير هذه الأمور وبسرعة”.
إلى جانب الإجراءات المتهورة السلبية تجاه الاتحاد الأوروبي، أقدمت الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب أيضًا على سحب توقيع الولايات المتحدة من اتفاقية “باريس للمناخ” التي سبق ووقعتها إدارة أوباما عام(2016)، كما أمرَ ترامب أيضًا بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الموقع مع إيران الذي تم التوصل إليه بوساطة أوروبية فاعلة سنة (2015)- ومن جهة الطاقة- فقد أعلن ترامب الحرب على مشروع أنبوب الغاز الروسي المتجه إلى ألمانيا والمسمى “نورستريم2″، إضافة إلى دعمه غير المشروط لسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف المهددة للسلام في فلسطين والتي خرَّبت كل جهود الدبلوماسية الأوروبية على ضعفها وحذرها حول جميع هذه النقاط والقضايا.
غيّر وصول الرئيس جون بايدن إلى سدّة الرئاسة -بوضوح- من السياسات الأمريكية وجعلها أكثر اقترابًا من المواقف الأوروبية دون أن يعني هذا التطابق الكامل في المواقف.
التوجه نحو الإيجابية الحذرة:
مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير من عام 2021، هدأت التوترات في العلاقات الأمريكية مع الحلفاء الأوروبيين عمومًا، وتم استبدال اللهجة القاسية التي انتُهجت لأربع سنوات مضت بدبلوماسية إيجابية وبنَّاءة من قبل الجانب الأمريكي بعد برود امتد لسنوات رئاسة ترامب. بالمقابل، ما زالت الملفات العالقة بين الطرفين تعطي مؤشرات واضحة من وقت إلى آخر إلى استمرار وجود خلافات أساسية وبنيوية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على صُعُدٍ مختلفة: (العسكرية، الدبلوماسية، التجارية والاقتصادية)، ويجري التعبير عنها عمومًا بأشكال متنوعة ومتشابكة لا يبدو أن هناك دينامية واضحة لتجاوزها في الوقت الراهن.
لقد ألغى الرئيس الأمريكي الجديد خطة سلفه القاضية بسحب 12 ألف جندي أمريكي من أصل 35 ألف متمركزين في ألمانيا، وصار تخفيض حجم القوات الأمريكية الموجودة في أوروبا والبالغ عددها 65 ألف، والعاملين ضمن اتفاقية “حلف شمال الأطلسي”، مسألة غير واردة في الآجال القريبة والمتوسطة على الأقل، وعلى الرغم من سعي أمريكا المستمر والمتواصل منذ الإدارات السابقة لدفع الدول الأوروبية إلى تعزيز قدراتها العسكرية بحيث تبلغ موازنة التسليح 2% من الناتج القومي، كما حاولت أن تفعل فرنسا وألمانيا، إلا أنهما لم تصلا إلى هذا المستوى المرغوب أمريكيًا. ومن جهة أخرى، فأمريكا تدعم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي وتساندها في ذلك كل من دول البلطيق الثلاثة كما بولندا، إلا أن فرنسا وألمانيا أيضًا تبديان تحفظات شديدة على تحقيق هذا الانضمام سعيا إلى عدم استفزاز الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”. من جانب آخر، يحاول الرئيس بايدن مراعاة حساسية القيادة التركية وتحاشي التصادم معها في منطقة شمال شرق سوريا، وهذا يتعارض مع الموقف الفرنسي شديد الانتقاد والساعي إلى المواجهة الدبلوماسية شديدة اللهجة على الأقل للسياسات التركية في شرقي البحر الأبيض المتوسط، خصوصًا فيما يخص ملفي الغاز والعلاقات البحرية مع اليونان والتدخل العسكري والسياسي في ليبيا، وأخيرًا وليس آخرًا، تنتقد الدول الأوروبية قرار الإدارة الأمريكية السابقة بتحديد موعد الانسحاب من أفغانستان دون التشاور معها، والذي تمسك به الرئيس بايدن وبدأ بتنفيذه في نهاية شهر أغسطس قبل الموعد المحدد سابقًا من قبل الإدارة الأمريكية.
عارضت واشنطن مرارًا مشروع نقل الغاز الروسي عبر ألمانيا واعتبرت بأن هذه البُنى التحتية الضخمة يمكن أن ترفع من حجم ارتباط أوروبا بروسيا الاتحادية في مجال الطاقة، كما يمكن لهذا المشروع إن تحقّق أن يحرم أوكرانيا جزئيًا من قسم هامٍ من عائدات عبور الغاز الروسي تجاه أوروبا عبر الأنابيب التي تمر من أراضيها، وقد وصل الأمر مع إدارة ترامب إلى فرض عقوبات على مورِّدي احتياجات بناء الأنابيب وحتى الأوروبيين منهم مع إدارة بايدن، وتم تعليق هذه العقوبات شريطة أن تتفاوض ألمانيا مع أوكرانيا لدراسة إمكانية تخفيف العواقب الاقتصادية التي ستقع على أوكرانيا جرّاء تنفيذ هذا المشروع، كما اشترط الأمريكيون أن تشتري ألمانيا غازًا مَسيلًا من الآبار الأحفورية الأمريكية، كما ألغت الإدارة الأمريكية الجديدة الرسوم الجمركية العقابية التي كانت إدارة ترامب قد فرضتها على السلع والخدمات القادمة من أوروبا، في حين استمرت المفاوضات حول الصناعات الجوية التي يُشكل فيها التنافس الحامي بين شركتي (بوينغ الأمريكية وإيرباص الأوروبية) محورًا أساسيًّا، إضافة إلى كل ما سبق، فإن إدارة بايدن أمام تحدٍّ هام يرتبط بالعجز التجاري الذي يسجله اقتصادها مع ألمانيا 67 مليار دولار عام 2019، ومع إيطاليا 33 مليار، وحتى مع فرنسا 14 مليار، ودوليًّا انفتحت الإدارة الأمريكية الجديدة على محاولات الأوروبيين إلى إحياء المفاوضات مع إيران؛ لإنعاش الاتفاق النووي. وفي مسألة الصراع العربي الإسرائيلي التي تشغل مسرح الشرق الأوسط شديد القرب من القارة الأوروبية، فقد ظهر وجود توجه للإدارة الجديدة نحو تحقيق شيء من التوازن في العلاقات مع أطراف النزاع، وإلى تخفيف الدعم غير المشروط لليمين الإسرائيلي، وعلى الرغم من الإحساس الأوروبي بشبه انعدام فرصة عودة السفارة الإسرائيلية إلى تل أبيب بعد أن نقلتها إدارة ترامب إلى القدس المحتلة، ولكن القادة الأوروبيين وجدوا في الحديث المتزايد عن نيّة أمريكا افتتاح قنصلية عامة لها في القدس الشرقية -مؤشرًا إيجابيًا.
وبالمحصلة، فإن الأشهر الأولى من وصول الإدارة الأمريكية الجديدة تَظهر بشكل جليٍّ بأنها تحاول بثبات أن تضع الزيت في مفاصل العلاقات مع الحلفاء الغربيين لتصبح أكثر مرونة وقابلية للتحسّن تدريجيًا مع المحافظة دائمًا على أسبقية المصالح وأولوية السيطرة الأمريكية التي لم تتخلَّ عنها أشد الإدارات انعزالية في التاريخ الأمريكي القصير.
عشية وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقًا حول الاستثمار مع الصين، وعلى الرغم من سعي العواصم الأوروبية المستمر إلى طمأنة واشنطن القلقة من هذا التوجه، وذلك بالإشارة إلى أن هذا الاتفاق لا يتعارض البتَّة مع مصالحها في العالم، إلا أن القلق الأمريكي بدا واضحًا على تصريحات بعض مستشاري الرئيس بايدن عندما طُلب منهم التعليق على هذا الاتفاق الاقتصادي الواسع، ويبدو بأن لهذا القلق الأمريكي شيئًا من التبرير، فالأوروبيون يسعون إلى جانب التوسع في الاتفاقيات الاستراتيجية مع دول كالصين، إلى التخلص من اعتمادهم على الدولار الأمريكي أو كل ما يمكنه أن يُعرّض شركاتهم إلى احتمال أن يكونوا ضحايا العقوبات الأمريكية، فعندما انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي الموقع مع إيران مثلًا، وعادت إلى فرض العقوبات على طهران، وجَدت كثير من الشركات الأوروبية نفسها في موقف حرج؛ لأنها سبق واستجابت للانفتاح الغربي على إيران والذي تلى التوقيع الأساسي على هذه الاتفاقية سنة 2015، وقد قامت بإطلاق عدد كبير من المشاريع الاستثمارية التي استجابت إلى تعطش الاقتصاد الإيراني إلى مختلف النشاطات الإنتاجية، ولكنها اضطرت لاحقًا إلى إيقاف أنشطتها في إيران للمحافظة على شركاتها من خطورة تطبيق العقوبات الأمريكية بحقها. وفي مثال آخر على التأثير الأمريكي – المقيد لحرية الاستثمارات والاتفاقات الاقتصادية الغربية- انسياق أوروبا إلى تجميد التعاون مع شركة الاتصالات الصينية “هواوي” إثر قرار واشنطن بوقف التعامل مع هذه الشركة المتهمة بأنها تمثل خطرًا على الأمن السيبراني الأمريكي.
ثقة متزعزعة:
مع إعلان عن موعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بشكل فاجئَ الحلفاء الغربيين، أضافت إدارة جو بايدن إلى ملف سوء الفهم المتراكم في العلاقات بين أمريكا وحلفائها- صفحات كبيرة العدد وعلى الرغم من توقع الغربيين حصول هذا الانسحاب في زمن قريب خصوصًا بعد أن توصلت واشنطن إلى اتفاق الدوحة الذي وقعته مع حركة الطالبان الأفغانية، إلا أن الحلفاء الغربيين انتظروا أن يُجرى التنسيق معهم في هذا الشأن الأمني والاستراتيجي الهام والخطير، إلا أن شيئًا من هذا لم يحصل! وقد انهالت التحليلات من قبل حلفاء واشنطن الغربيين لمحاولة فهم هذا التصرف أحادي الجانب، ووقع إجماع على استمرار ونمو الشعور المتعالي لدى الإدارات الأمريكية كافة مهما اختلفت توجهاتها، ففي حين تتسم سياسات الحلفاء الغربيين بالتبعية الإرادية لتوجهات واشنطن في كثير من أقاليم الأرض، والتي تدفع بالدول الغربية إلى تنسيق كافة سياساتها الدولية على الأقل مع الحليف الأمريكي، إلا أن أمريكا لا تقابل هذه التبعية الهادئة بأية تنازلات تنسيقية في ملفات شائكة كما الملف الأفغاني، ومن المؤكد بأن الحلفاء الغربيين للولايات المتحدة الأمريكية لا يحلمون بإمكانية تطبيق قاعدة المعاملة بالمثل من قبل الحليف الأمريكي، وهم قانعون بحدود مساحة مناوراتهم على كافة المستويات، بالمقابل، هم ينتظرون بعض التقدير الاستنسابي من قبل الأصدقاء الأمريكيين وهو الذي غاب في معالجة الساعات الأخيرة للتواجد الغربي في أفغانستان الذي استمر منذ عشرين عامًا.
في هذه الأثناء، يحتفل الساسة الفرنسيون باستباقهم هذا الموقف المحرج؛ لأن قواتهم انسحبت من أفغانستان بقرار سيادي سنة 2014، ويسمحون بالتالي لأنفسهم اليوم بمعاتبة باقي الحلفاء الأوروبيين الذين انقادوا إلى اتباع إرادة واشنطن دون أن تعيرهم هذه الأخيرة أي تقدير واهتمام حينما أرادت تغيير اتجاهها في معالجة الملف الأفغاني، وقد بدأ الحديث عن إمكانية تكرار مثل هذه المعالجة المفاجئة والفردية في سياقات أخرى كما في (العراق وشمال شرق سوريا).
إن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاولة قيادة التحالف الغربي ستتعرض خلال السنوات القليلة القادمة إلى عدد متزايد من الامتحانات والعثرات، فكما أثبتت المسألة الأفغانية والتعامل “الأناني” الأمريكي في حلِّها على حساب عدد كبير من الدول ومن الملفات المعلّقة، فإن الانعزالية الأمريكية التي جرى – وعن حق- اتهام إدارة ترامب بها، تبدو مستمرة بصيغ مخففة ودبلوماسية، فمصالح واشنطن هي الأهم، وهذا طبيعي في إدارة السياسات، إلا أنها في طموحها للتصدّر وتحقيق الأولويات المرسومة محليًّا، فهي تتنازل عن مساعدة أو تفهم احتياجات أو استيعاب مصالح أقرب الحلفاء الغربيين.
ستحمل سنوات الإدارة الديمقراطية في واشنطن عددًا من الاستحقاقات الهامة على الصعيد البيئي والاقتصادي والعسكري والسياسي، وهي التي ستحدد مدى إمكانية استمرار التحالف الغربي بقيادة أمريكية أو تراجع الرغبة أمريكيًا وأوروبيًا بتصدر واشنطن للقيادة وللمشهد، وصار من الواضح ضرورة أن تعكف مراكز الأبحاث كما الإدارات الدبلوماسية في الدول التي تتأثر مباشرة بتطورات هذا التحالف على التعمّق في دراسة التطورات المحتملة ووضع السيناريوهات المختلفة تحسبًا لمفاجآت جديدة من العيار الثقيل. وفي هذا الإطار، لن ينهار التحالف الغربي حتمًا، بل سيتعرض لبعض الاهتزازات وستظهر الخلافات بشكل أوضح مع المحافظة على الحد الأدنى من التوافقات الضرورية لاستمرار الهيمنة الغربية، وعلى الدول العربية أن تتدارس الاحتمالات وتحدد تموضعها في هذا المشهد المعقّد.