2025العدد 201ملف دولى

ترامب والتحولات الدولية الكبرى

مقدمة.

بتنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير 2025، دخل العالم حقبةً جديدة، سيكون الرئيس الجديد مستعدًا خلالها – بحسب تحليلات غربية رصينة – لمنافسة “كل عنصر تقريبًا من عناصر النظام الليبرالي الدولي: التجارية، التحالفات، الهجرة، تعددية الأطراف، التضامن بين الديمقراطيات وحقوق الإنسان”. ويشير “جون إيكينبري” أستاذ العلاقات الدولية بجامعة برينستون إلى أن ذلك يعني أنه بدلًا من دعم النظام الدولي الراهن، باتت الولايات المتحدة على استعداد لأن تصبح المزعزع الرئيس للأمن.

وللتذكير، كثيرًا ما هاجم ترامب حلفاءه الأساسيين خلال ولايته الأولى، واضعًا إياهم إلى جانب روسيا والصين، واصفًا الجميع بالأعداء. وعلى سبيل المثال اعتبر ترامب، في مقابلة أجراها مع شبكة (CBS) عشية لقائه بنظيره الروسي “فلاديمير بوتين” في هلسنكي في 15 يوليو 2018، أن روسيا والاتحاد الأوروبي والصين “أعداء” للولايات المتحدة لأسباب عدة. وقال ترامب “اعتقد أن لدينا كثيرًا من الأعداء، أعتقد أن الاتحاد الأوروبي عدوًا بسبب ما يفعلوه بنا في التجارة … روسيا عدوًا في بعض الجوانب، الصين عدوًا اقتصاديًّا، بالتأكيد هي عدو، ولكن هذا لا يعني شيئًا، هذا يعني أنهم منافسون”.

ومع عودة ترامب في ولاية ثانية، عاد الخوف والترقب بشأن مستقبل العلاقات بين ضفتي الأطلسي، في بيئة أوروبية تبدو مختلفة إلى حد كبير عما كانت عليه خلال ولايته الأولى، فالحرب الروسية الأوكرانية تدخل عامها الرابع وسط انقسام حاد حول كيفية التعامل معها، فضلًا عن صعود اليمين المتطرف في عدد من البلدان الأوروبية.

وخلال حملته الانتخابية، وأيضًا في خطاب تنصيبه وما تلاه من تصريحات، طرح ترامب خطة حول وقف الحرب في أوكرانيا أثارت مخاوف وغضب الأوروبيين الذين قاموا بتقييمها على أنها انحياز كبير لصالح روسيا، فقد أعلن ترامب أن انضمام كييف إلى حلف الناتو بات مستبعدًا، وهو مطلب تتمسك به روسيا، وأن عودة أوكرانيا إلى حدود ما قبل 2014 أصبح أمرًا غير واقعي. وفي هذا السياق، فاجأ وزير الدفاع الأمريكي “بيت هيجسيث” زملاءه الأوروبيين بخطاب في 13 فبراير الجاري، حدد فيه ما اعتبره العديد من المراقبين الغربيين سلسلة من التنازلات التي يتعين على أوكرانيا تقديمها لتوقيع أي اتفاق سلام مع روسيا بوساطة الرئيس ترامب، فقد قال إنه من “غير الواقعي” الاعتقاد بأن أوكرانيا يمكن أن تستعيد أراضيها التي احتلتها روسيا، كما هو الحال مع مطلبها بالعضوية في حلف شمال الأطلسي، مضيفًا أن الأمر متروك للقوات الأوروبية وليس الأمريكية للحفاظ على السلام هناك.

من ناحية أخرى، أشارت تقديرات غربية إلى أن هناك تساؤلات مشروعة حول كيفية تفسير ترامب لأجندته “أميركا أولًا”، وأن مثل هذه التساؤلات باتت أكثر تعقيدًا بسبب حقيقة أن الرئيس الأمريكي لن يعمل في فراغ دولي، إذ سيكون عليه أيضًا أن يستجيب لأفعال وردود أفعال القوى الأجنبية الأخرى، خاصة الرئيسين الروسي والصيني، اللذين لدى كل منهما مطالب إقليمية محددة.

وفي هذا السياق، طرحت سيناريوهات عدة بشأن الكيفية التي سيتطور بها النظام العالمي الجديد، من بينها سيناريو يقوم على طبيعة ترامب ومزاجه الخاص وتصميمه على تجنب الحرب واحتقاره للحلفاء الديمقراطيين وميله لتفضيل الأقوياء والمسيطرين بشكل فج على حساب حقوق الأخرين، مما قد يدفعه إلى عقد صفقات كبرى مع روسيا والصين، بموجبها تمنح الولايات المتحدة البلدين مجالات نفوذ في منطقتيهما.

ويتناول هذا المقال سيناريو الصفقات المحتملة مع كل من موسكو وبكين، من خلال تناول النقاط التالية:

أولًا: ملامح السياسة الخارجية لرئاسة ترامب الثانية.

تستند رؤية إدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية إلى مبدأ “السلام من خلال القوة”؛ إذ يقول إنه يهدف منها إلى منع اندلاع حرب عالمية ثالثة، واستعادة السلام في أوروبا والشرق الأوسط، وتحصين الولايات المتحدة من أي هجمات معادية، ويتحقق ذلك من خلال:

  • الإعلاء من شأن المصلحة الوطنية الأمريكية.
  • تحديث الجيش الأمريكي ليبقى أقوى جيش في العالم.
  • ضمان وفاء الحلفاء بالتزاماتهم في مجال الدفاع المشترك.
  • تعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لـ “حماية أسلوب الحياة الأمريكي”.
  •  الدفاع عن حدود الولايات المتحدة.
  • إحياء القاعدة الصناعية الأمريكية لضمان خلق وظائفَ جديدة للأمريكيين، مع إيلاء الصناعات الدفاعية الأولوية.
  • حماية البنية التحتية الأمريكية من الهجمات السيبرانية المعادية.

وتثير هذه المبادئ حملة من المخاوف لدى حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء، بالنظر إلى ما تنطوي عليه مواقف ترامب السلبية من العمل الدولي المتعدد الأطراف، ومعارضته للاتفاقات التجارية الدولية، وسعيه للتحلل منها، وإعجابه بالأنظمة والقادة الاستبداديين. وبالقدر نفسه، يثير افتقاده إلى مقاربة متسقة في السياسة الخارجية، وعدم القدرة على التنبؤ بقراراته، وإحاطة نفسه بمجموعة من المستشارين المتطرفين، وميله إلى تبني مقاربات في السياسة الخارجية على نمط الصفقات التجارية Transactional Foreign Policy_ مخاوف كبيرة من تراجع دور الولايات المتحدة في العالم. ويضاف إلى ذلك تفكيك مؤسسات النظام الدولي، على نحو يخدم أهداف روسيا والصين، وتقويض أسس التحالف الغربي، ولا سيما مع تشكيك ترامب في أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفاعليته، والاتفاقات والمعاهدات الدولية مع الحلفاء والشركاء.

ووفقًا لبعض التقديرات التي تداولتها الصحافة الأمريكية، نقلًا عن مصادر مقربة من الرئيس الأمريكي، فإن تصريحاته بشأن ضم (جرينلاند، كندا وقناة بنما) مرتبطة بسياسة مواجهة روسيا والصين، وإن هذه التصريحات “ترتبط بخيط مشترك مع مهمة شاملة لمواجهة روسيا والصين”، وأن “ترامب يعرف ما هي الروافع التي يجب سحبها، وما هي الدفاعات الموجودة لديه، ولديه القدرة على استخدام تلك الروافع”.

وتذهب أغلب التقديرات إلى التأكيد على أنه، ومن منظور كلي، يمكن وصف نهج ترامب للشؤون الدولية بعدة نقاط رئيسة، أبرزها أنه يعطي الأولوية للجوانب الاقتصادية، مثل: العائد الاقتصادي والتكلفة، بدلًا من التركيز على الجوانب السياسية أو الإستراتيجية المرتبطة بالجغرافيا. كما يمكن وصف نهج ترامب بأنه قصير الأجل وتعاملي (متعلق بالتجارة) بطبيعته، بعقد الصفقات البراجماتية، التي تركز على مفهوم الفائز والخاسر بدلًا من الاعتبارات الأخلاقية للصواب والخطأ.

من ناحية أخرى، لا يعد ترامب من دعاة الحرب، بل هو من أنصار عقد الصفقات، وعلى نحو شخصي للغاية؛ حيث لا يعتمد ترامب على المؤسسات الدبلوماسية مثل: وزارة الخارجية، لتحقيق الأهداف.

وارتباطًا بما تقدم، فإنه إلى جانب رؤية إدارة ترامب وميولها الانعزالية، تشير ترشيحاته للمناصب الرئيسة في مجالي (الأمن، السياسة الخارجية) القدر نفسه من القلق. فخلافًا لفترته الرئاسية الأولى، التي شهدت سلسلة من عمليات الإقالة أو الاستقالات لكبار المسؤولين الذين اختلفوا أو تناقضوا معه، بما فيهم ثلاثة مستشارين للأمن القومي ووزيران للدفاع ووزير للخارجية، اتسمت ترشيحاته للمواقع الحساسة في إدارته الثانية، في وزارتي الخارجية والدفاع والأجهزة الاستخباراتية والسفراء، بأن الولاء لشخصه يتقدم على سائر المعايير في التعيينات، بما فيها معيار الكفاءة التي مثلها بعض الرجال الأقوياء المحسوبين على المؤسسة التقليدية في الدولة في بداية إدارته الأولى، مثل: وزير الدفاع الأسبق “جيمس ماتيس”، ووزير الخارجية “ريكس تيلرسون”. وتثير ترشيحاته لكل من “بيت هيجسيث” المقدم السابق في قناة فوكس نيوز اليمينية، لمنصب وزير الدفاع، و”تولسي جابارد” النائبة الديمقراطية السابقة لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية_ مخاوف كبيرة داخل مؤسسات الحكم الأمريكية، وعبر العالم أيضًا، ليس فقط بسبب قلة خبرتهما، بل وأيضًا بسبب تطرفهما والأفكار الانعزالية التي يتبنيانها والمناصب الحساسة المتوقع أن يشغلاها. في حين يتماهى مرشحا ترامب لوزارة الخارجية (ماركو روبيو، مايك والتز) لمنصب مستشار الأمن القومي، مع مبدأ “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، الانعزالي الذي يقوده ترامب، علمًا بأنهما كانا من المحسوبين على تيار المحافظين الجدد الذي سبق وهيمن على الحزب الجمهوري.

وهكذا فإن رؤية إدارة ترامب واختياراته للمناصب الرئيسة فيها، توحي بأننا أمام مرحلة من الاضطراب في السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة، وسوف تشمل خصوصًا، بجانب منطقة الشرق الأوسط، الحرب في أوكرانيا والتنافس مع الصين.

ثانيًا: الصفقة المحتملة مع روسيا.

خلال حملته الرئاسية، أطلق ترامب تصريحات حول قدرته على وقف الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، مشيدًا بمهاراته التفاوضية وأنه قادر على إنهاء الصراع في غضون 24 ساعة إذا أعيد انتخابه. وقد بدا ترامب متعاطفًا مع وجهة النظر الروسية، الأمر الذي أثار قلق حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين من أن يتخلى عنهم في مواجهة روسيا، وأن يسعى لعقد صفقة مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على حساب أوكرانيا؛ إذ صرح ترامب أن الرئيس الأوكراني” زيليسنكي”: “ما كان ينبغي له أبدًا أن يسمح ببدء هذه الحرب”، ووصفه بأنه أحد أعظم “مندوبي المبيعات على الإطلاق”.

وينطلق ترامب في مقاربته للحرب في أوكرانيا من أن الأوروبيين هم الذين ينبغي لهم تحمل العبء الأكبر في جهود التصدي للتهديد الروسي لقارتهم، ويرى أيضًا أن دعمًا أمريكيًّا كبيرًا لأوكرانيا قد يمس بتوازنات القوى مع روسيا على نحو قد يدفعها إلى استخدام السلاح النووي، ما يعني انزلاق الولايات المتحدة والعالم إلى حرب عالمية ثالثة.

ويؤكد كتاب أمريكيون أن الحظ العام للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية السابقة، والذي يعكسه موقف الاتحاد الأوروبي بصفة عامة، قد تم التنصل منه بالفعل من قبل إدارة ترامب، وتبدَّى ذلك بوضوح من بيان صدر عن وزير الخارجية الأمريكي “ماركو روبيو”، في الأول من فبراير الجاري، وصف فيه دعم فكرة أن أوكرانيا قادرة على هزيمة روسيا على أرض المعركة بـ “غير الأمينة”. وقد أشارت تقديرات روسية، في هذا السياق، إلى أن الضغط الأمريكي لإجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا هو وسيلة مشروعة للتخلص من قيادة زيلينسكي “التي تجاوزت كل الحدود، واستبدالها برئاسة أكثر مرونة وميلًا إلى دعم خطة التفاوض المتفق عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية”. ومع ذلك، اتهمت نفس التقديرات واشنطن ببدء عملية للتأثير على السياسة الأوكرانية في سياق الانتخابات المقبلة بهدف إنشاء حزب جديد موالٍ للولايات المتحدة الأمريكية، وقادرٍ على ممارسة رقابة، ولو برلمانية، على اختيارات الرئيس الأوكراني القادم.

وقد كتب الرئيس ترامب على منصات التواصل الاجتماعي في 13 فبراير الجاري بأنه أجرى مكالمة “طويلة ومثمرة جدًا” مع نظيره الروسي، مضيفًا أنهما اتفقا على البدء فورًا بمفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقال ترامب إنه تبادل مع بوتين الدعوة لزيارة كل منهما بلد الآخر، مضيفًا أنه بحث مع نظيره الروسي أيضًا قضايا عدة أخرى، مثل: الوضع في الشرق الأوسط والطاقة والذكاء الاصطناعي. وكشف أنه طلب من كل من: وزير الخارجية ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومستشاره للأمن القومي ومبعوثه إلى الشرق الأوسط “قيادة المفاوضات التي أشعر بقوة بأنها ستكون ناجحة”.  ووجه ترامب الشكر إلى بوتين على “وقته ومجهوداته” خلال الاتصال. من جانبه، أعلن المتحدث الرسمي للكريملين “أن المكالمة بين الزعيمين استمرت ساعة ونصف ساعة، وأن بوتين وترامب اتفقا “على أن الوقت قد حان للعمل معًا”، وأضاف أن بوتين أبلغ ترامب أيضًا أن التوصل إلى “حل بعيد المدى للنزاع في أوكرانيا أمرٌ ممكن”.

من جانبها، أعلنت الرئاسة الأوكرانية عن اتصال هاتفي بين الرئيس زيلينسكي ونظيره الأمريكي، عقب مكالمة الأخير مع بوتين، وقال الرئيس الأوكراني أنه ناقش مع ترامب إعداد وثيقة جديدة تتعلق بالأمن والتعاون الاقتصادي والشراكة بالموارد، في إشارة إلى المعادن النادرة التي ذكر زيلينسكي أن بلاده تمتلك الكثير منها، داعيًا الولايات المتحدة إلى الاستثمار في استغلالها في إطار شراكة بينهما. وأضاف أنهما تحدثا عن “فرص تحقيق السلام” و “نعمل بالتعاون مع الولايات المتحدة على رسم خطواتنا التالية لوقف العدوان الروسي وضمان سلام دائم وموثوق”.

وبالفعل استضافت الرياض، في 18 فبراير الجاري، أولى جولات التفاوض بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد نحو ثلاث سنوات من التجميد شبه الكامل للعلاقات، وقبل أسبوع من الذكرى السنوية الثالثة لبدء الحرب في أوكرانيا. وضم الوفد الروسي وزير الخارجية “سيرجي لافروف” و”يوري أوشاكوف” المستشار الدبلوماسي للكريملين، بينما ضم الوفد الأمريكي كلًا من: وزير الخارجية “ماركو روبيو” ومستشار الأمن القومي “مايك والتز” والمبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط “ستيف ويتكوف”.

ووفقاً لما صدر عن الجانبين من تصريحات، تناولت المناقشات عدد من القضايا الرئيسة هي: الأمن الدولي، بما في ذلك سبل تعزيز الاستقرار في المناطق الساخنة مثل: الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، الحد من التسلح وتغير المناخ والتعاون الاقتصادي بما في ذلك مجال الطاقة.

وقد توافق الجانبان على أهمية خفض التوترات في أوكرانيا، ووقف إطلاق النار، ودعم التوصل إلى تسوية سلمية للصراع. وقد أشار الرئيس ترامب إلى أنه سوف يعمل على جذب الصين للمفاوضات بشأن أوكرانيا، وطلب معاونتها في تسوية الأزمة.

والخلاصة، هي أن المحادثات بشأن الحرب في أوكرانيا قد تبدأ قريبًا، إلا أنه من غير الواضح متى وكيف ستنتهي؟ وصحيح أنه بوسع الرئيس بوتين أن يدعي أنه حقق انتصارًا دبلوماسيًّا كبيرًا من نواحٍ عدة أبرزها فرصة التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، إلا أنه من غير الواضح إلى أي مدى ستكون موسكو مستعدة لتقديم تنازلات، خاصة وأن بوتين أكد مرارًا بأن روسيا تحتفظ بكل الأراضي التي ضمتها بعد غزوها أوكرانيا.

ثالثًا: ترامب والحلفاء الأوروبيون.

كانت تصريحات الرئيس ترامب حول اعتزامه ضم إقليم جرينلاند الدانماركي ورغبته في أن تكون كندا ولاية أمريكية، أثارت جدلًا كبيرًا وردود فعل غاضبة من قبل حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين اعتبر بعضهم أن ترامب يمثل تهديدًا جديًّا لمصالحهم.

ذهبت تقديرات أوروبية عديدة إلى التأكيد على أن المحادثة الهاتفية بين ترامب وبوتين، وما تلاها من تصريحات أمريكية بشأن أوكرانيا، بما فيها ما ذكره ترامب من أنه سيسعى لعودة روسيا لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى وأنه كان من الخطأ إبعادها منها_ مثلت ضربة مريرة لأوكرانيا، خاصة بعد أن أكد وزير الدفاع الأمريكي لشركائه الأوروبيين في حلف الناتو أن “أوكرانيا هي مشكلتكم … هذه هي أوروبا، عليكم حل المشكلة، وإنفاق المزيد على الدفاع”.

وفي أول رد فعل على تصريحات ترامب وأركان إدارته، أصدر وزراء خارجية (إسبانيا، ألمانيا وفرنسا) بيانًا أكدوا فيه أن “أي قرار حول أوكرانيا لا يمكن اتخاذه بمعزل عن كييف، ومن دون مشاركة الأوروبيين”. ومن جانبها، شددت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي “كايا كالاس”، في تغريده على حسابها على منصة X في 3 فبراير الجاري، على أن استقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها لا تخضع للشروط. كما اعتبرت أن الأولوية في الوقت الحالي يجب أن تنصب على تعزيز الضمانات الأمنية القوية لأوكرانيا، وأن على أوروبا أن تلعب دورًا مركزيًّا ومحوريًّا في أي مفاوضات مقبلة. وكان أمين عام حلف شمال الأطلسي “مارك روته” حذَّر، في كلمة له أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل في 13 يناير 2025، من أن أوكرانيا ليست حاليًّا في موقع قوة لبدء مفاوضات سلام مع روسيا. وقد صدرت عن الرئيس الأوكراني تصريحات مماثلة في منتصف فبراير الجاري.

والواقع أن خطابات ومداخلات كبار المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين أمام مؤتمر ميونخ للأمن الذي عقد في الفترة من 14 إلى 16 فبراير الجاري، عكست إلى حد كبير مدى تباين الرؤى حول التحديات الأمنية والسياسية العالمية، لا سيما فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا، وعلاقة الولايات المتحدة بأوروبا ومستقبل الأمن الأوروبي. وعلى حين تصدرت القضايا الدفاعية جدول أعمال المؤتمر، إلا أن التصريحات التي خرج بها القادة أكدت عمق الخلافات حول كيفية التعامل مع التهديدات الراهنة، خاصة فيما يتعلق بمستقبل أوكرانيا وأوروبا في ظل التحولات السياسية المتسارعة. وكان “جي دي فانس” نائب الرئيس الأمريكي قد ألقى خطابًا أمام المؤتمر شن فيه هجومًا حادًا على ألمانيا والاتحاد الأوروبي، متهمًّا الحكومات الأوروبية بتقييد حرية التعبير من خلال فرض قواعد على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، وعزل حزب “البديل من أجل ألمانيا” سياسيًّا.

وقد عبر رئيس المؤتمر “كريستوف هوسجن” في تصريحات لوسائل الإعلام الألمانية، بأن مؤتمر هذا العام كان “في بعض النواحي كابوسًا أوروبيًّا” وأضاف “في الوقت نفسه كان مؤتمرًا توضيحيًّا للغاية”، مشيرًا إلى أن “أمريكا تحت قيادة دونالد ترامب تعيش في عالم مختلف”. كما أشار إلى أنه حتى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أصبحوا شديدي الحذر في التعبير عن آرائهم علنًا؛ لأنهم يخشون رد فعل رئيسهم.

وبإيجاز، يمكن القول بأن رؤية الرئيس الأمريكي “ترامب” للحلفاء الأوروبيين، خاصة في سياق الحرب في أوكرانيا، تعكس سياسته الخارجية التي تقوم على مبدأ “أمريكا أولًا” وتستهدف تعزيز المصالح الأمريكية على حساب التحالفات التقليدية. وتقوم هذه الرؤية بصفة خاصة على المرتكزات التالية:

  1. الضغط على الحلفاء الأوروبيين لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على اقتصاداتهم، وعلى سبيل المثال: بريطانيا. وقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية إذا لم تلتزم هذه الدول بزيادة الإنفاق الدفاعي، مما يعكس سعيه لتقليص العبء الأمريكي في حلف الناتو.
  2. تقليل الالتزامات الأمنية تجاه أوروبا، فقد دعا ترامب الحلفاء إلى تحمل مسؤولية دفاعهم بأنفسهم مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ستركز على التهديدات الأكثر إلحاحًا مثل الصين. وارتباطًا بهذه المسألة قالت “أورسولا فون دير لاين” رئيسة المفوضية الأوروبية، في خطابها أمام مؤتمر ميونخ للأمن في 14 فبراير: “سأقترح تفعيل بند الإفلات من الاستثمارات الدفاعية، ما سيسمح للدول الأعضاء بزيادة نفقاتها الدفاعية بشكل كبير”. وقد جاء تصريح رئيسة المفوضية في سياق الحديث عن حاجة دول الاتحاد الأوروبي الملحة لاستثمار 500 مليار يورو في قطاع الدفاع خلال العقد المقبل، وسط صعوبات في التوصل إلى اتفاق بشأن آليات التمويل المشترك.
  3. تجاهل المصالح الأوروبية في مفاوضات السلام، ففضلًا عن بدء مفاوضات مباشرة مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، دون إشراك كامل للحلفاء الأوروبيين أو حتى أوكرانيا نفسها، تعتقد الدول الأوروبية الرئيسة أن ترامب يتجاهل مصالح القارة في هذه المفاوضات، في الوقت الذي من المتوقع أن تتحمل فيه أوروبا تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا دون أن يكون لها دور مركزي في صنع القرار. ويرى الأوروبيون أن هذا النهج يضعف الثقة فيما بين الحلفاء التقليديين ويهدد مستقبل التحالف عبر الأطلسي.

وفي محاولة لحشد موقف أوروبي موحد، استضافت باريس قمة غير رسمية، في 17 فبراير الجاري، لقادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وشددت تصريحات القادة المشاركين على أهمية مواصلة دعم كييف ومشاركة الأوروبيين وأوكرانيا في أي عملية تفاوضية مع روسيا، بينما دعا زيلينسكي حلفاءه الأوروبيين إلى التحرك ضد روسيا والعمل على تجنب أن يبرم الأمريكيون اتفاقًا معها “من وراء ظهر” أوروبا.

ومن جانبها، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن اجتماع باريس “جدد التأكيد على أن أوكرانيا تستحق السلام عبر القوة، سلامًا يحترم استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها”.

وردًا على تصريحات للرئيس الأوكراني قال فيها أن الرئيس ترامب يعيش في “فضاء التضليل” الروسي، وأن “من يريد استبدالي لن ينجح الآن”، متهمًا الولايات المتحدة بمساعدة الرئيس بوتين على إنهاء عزلته، صعَّد ترامب من انتقاداته للرئيس الأوكراني، واصفًا إياه بـ “الدكتاتور غير المنتخب” وأن “الكوميدي زيلينسكي أقنع أمريكا بإنفاق 350 مليار دولار على حرب خاسرة”.

  • تعزيز العلاقات مع القادة الشعبويين الأوروبيين، يقترب الرئيس ترامب من القادة الشعبويين اليمينيين في أوروبا، مثل: فكتور أوربان في المجر، وجورجيا ميلوني في إيطاليا، الذين يشاركونه رؤيته غير الليبرالية تجاه الديمقراطية والهجرة. وينظر إلى هذا التقارب على أنه يعزز الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي ويضعف موقفه الموحد تجاه السياسات الأمريكية.

ويضاف إلى ذلك الانتقادات الحادة التي وجهها ترامب ونائبه للقادة الأوروبيين علنًا، والتي تزيد – وفقًا لتقديرات أوروبية – من التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا وتعطي دفعة للأحزاب اليمينية المتطرفة في القارة.

  • إعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية قصيرة الأمد، ذلك أنه من منظور أوروبي يركز ترامب على تحقيق مصالح أمريكية قصيرة المدى، مثل إنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الأوروبية والأمنية طويلة المدى.

وتعكس هذه المقاربة رؤية الرئيس الأمريكي للعلاقات الدولية كمعاملات تجارية أكثر من كونها تحالفات إستراتيجية.

والخلاصة هنا، أن رؤية ترامب للحلفاء الأوروبيين تتمحور حول تقليل التزامات الولايات المتحدة تجاه أوروبا وزيادة الضغط عليها لتحمل المزيد من الأعباء الدفاعية والمالية. وفي سياق الحرب في أوكرانيا، يعكس نهجه تجاه المفاوضات مع روسيا استبعادًا متعمدًا للحلفاء الأوروبيين، مما يهدد بزعزعة التحالف عبر الأطلسي ويعزز النفوذ الروسي في المنطقة.

رابعًا: صفقة ترامب المحتملة مع الصين.

خلال ولايته الأولى، اتفقت مقاربة ترامب للصين مع مقاربة إدارة بايدن ومؤسسة الحكم الأمريكية عمومًا، والتي ترى أن الصين هي المنافس الجيوسياسي الأبرز للولايات المتحدة على الساحة الدولية. وخلال حملته الانتخابية، تبني ترامب نهجًا أكثر تشددًا؛ حيث تعهد بإنهاء المعاملة التفضيلية للصين في التجارة مع الولايات المتحدة، وبفرض رسوم جمركية على الواردات منها تتجاوز 60%، وهي نسبة أعلى كثيرًا من الرسوم التي فرضت خلال ولايته الأولى.

ولا تخفي الصين قلقها من بعض أعضاء فريق السياسة الخارجية لترامب، وفي مقدمتهم: روبيو ووالتز، وجون راتكليف. فقد عبر وزير الخارجية “روبيو” عن اعتقاده أن “الصين تعد عدوًا للولايات المتحدة”، وسبق له أن دعم، وهو عضو في مجلس الشيوخ، الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في هونج كونج، ما أدى إلى فرض عقوبات صينية عليه شملت منعه من السفر إليها. أما “والتز” مستشار الأمن القومي فقد سبق ودعا، وهو عضو في مجلس النواب، إلى مقاطعة الولايات المتحدة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية عام 2022 في بكين، بناءً على قوله إن للصين دورًا في نشوء وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، وسوء معاملتها المستمر للمسلمين الإيجور. أما “راتكليف” مدير الاستخبارات المركزية، فقد سبق أن وصف الصين بأنها التهديد الأكبر لمصالح الولايات المتحدة وبقية العالم الحر.

على صعيد آخر، يخشى حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين (الهندي، الهادئ)، وتحديدًا (أستراليا، اليابان، كوريا الجنوبية وتايوان) من تقلبات إدارة ترامب ومقاربتها للعلاقة مع الصين، كما يخشون أن تطالبهم الولايات المتحدة بمزيد من الإنفاق العسكري مقابل دعمها لهم. وقد سبق أن وضع ترامب، خلال ولايته الأولى، شروطًا للدفاع عن تايوان، منها مطالبته إياها بمضاعفة إنفاقها الدفاعي أربع مرات.

وتشير بعض التقديرات الأمريكية إلى أنه من المتوقع أن تقوم تايوان بعمليات شراء أسلحة كثيرة بعد تولي ترامب منصبه، علمًا بأنها اشترت خلال رئاسته الأولى أسلحة أمريكية بأكثر من 18 مليار دولار، مقارنة بنحو 7.7 مليار خلال إدارة بايدن.

ومع ذلك، أعطى الرئيس ترامب بعض الإشارات الإيجابية تجاه الصين خلال الأسابيع القليلة التي تلت تنصيبه، والتي بدت متناقضة مع الموقف المتشدد للغاية الذي أظهره تجاه بكين خلال حملته الانتخابية، عندما ذكر أن الرسوم ضد الصادرات الصينية ستبلغ 60%. ففي الأول من فبراير الجاري، اختص الصين بنسبة 10% فقط تعريفات جمركية كجزء من تدابير تجارية شاملة استهدفت أيضًا المكسيك وكندا بنسبة 25%. وفضلًا عن ذلك، تشير تقديرات أمريكية إلى أن ترشيح ترامب “بيرديو” سفيرًا لواشنطن لدى بكين، فضلًا عن دعوة الرئيس “شي” لحفل تنصيب ترامب؛ حيث أوفد مبعوثًا رفيع المستوى لهذه المناسبة_ هي إشارات تعكس رغبة ترامب في شراكة مع الصين وليس انفصالًا عنها، وأن ثمة مفاوضات تمهيدية بين الجانبين من أجل صفقة جديدة على غرار تلك التي عقدت في ديسمبر، والتي تمكنت الولايات المتحدة من الحصول بموجبها على نفاذ تفضيلي إلى السوق الصينية بصادرات بقيمة 200 مليار دولار أمريكي كصادرات إضافية سنويًّا، وأيضًّا النفاذ التفضيلي إلى القطاع المصرفي الصيني ضمن أمور أخرى.

وقد جاءت هذه التطورات على خلفية اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الصيني وترامب، وصفه الأخير بأنه “جيد للغاية”، قبل أيام من تنصيب ترامب. كما أكد الأخير مرارًا بأنه في موقف لإبرام الصفقات مع بكين، وأنه يأمل في العمل مع شي لتسوية الحرب في أوكرانيا.

وفي أعقاب إعلان ترامب الرسوم الجمركية ضد الصين، قالت وزارة الخارجية الصينية في بيان صدر اليوم التالي أن فرض هذه الرسوم ينتهك “قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل خطير”،” وأن الصين ستدافع عن حقوقها”. وقد فسرت تقديرات غربية هذا الإعلان على أنه رسالة إلى أعضاء الحزب الشيوعي بأن الصين تتصرف وفقًا للقواعد العالمية، بينما الولايات المتحدة هي التي لا تفعل ذلك.

من ناحية أخرى، أشارت تحليلات اقتصادية صينية إلى أنه إلى أن تظهر نتائج تحقيق أوسع في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين، وفقًا لأمر تنفيذي وقعه ترامب بُعيد تنصيبه، سيكون لدى بكين الوقت لبناء علاقة مع ترامب أو استقباله في العاصمة الصينية أو الدفع نحو اتفاق استباقي لتجنب عقوبات اقتصادية أشد. وقد اتسم رد الفعل الصيني، من أعلى المستويات السياسية، بنبرة تصالحية؛ حيث ذكر نائب رئيس الوزراء الصيني “دينج شيانج” للمجتمعين في مؤتمر دافوس الاقتصادي في يناير الماضي، أن بكين تريد “تعزيز التجارة المتوازنة” في العالم، في حين دعا الرئيس شي إلى “نقطة انطلاق جديدة” في العلاقات بين واشنطن وبكين.

والواقع أنه مما يدفع الطرفين إلى تفادي المزيد من التوترات مع احتدام المنافسة التجارية والتكنولوجية والعسكرية بينهما، حقيقة أن مصالح البلدين باتت متشابكة بشكل عميق منذ عقود. وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز660 مليار دولار العام الماضي، وتبلغ الأرباح السنوية لأكثر من 70 ألف شركة أمريكية تعمل في الصين حوالي 50 مليار دولار. وفضلًا عن ذلك، تدعم الصادرات الأمريكية إلى الصين مئات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة. كذلك تمثل إيرادات شركتي “كوالكوم” و “أنتل” الأمريكيتين في السوق الصينية نحو ثلثي وربع إيراداتهما العالمية، على التوالي. كما أن نسبة 80% من سلسلة الإمداد الخاصة لشركة آبل الأمريكية تأتي من 200 شركة عاملة في الصين، وتستحوذ شركة تسلا وحدها نحو 28.6% من حصة صادرات الصين من السيارات الكهربائية عام 2024.

ويكفل كل ذلك وجود مساحة كبيرة للتعاون بين الصين والولايات المتحدة، على قاعدة المنافع المتبادلة. وترجح تقديرات عديدة أن يستخدم الرئيس الأمريكي التعريفات الجمركية ضد الصين وسيلة لتحقيق غاية تتمثل في انتزاع صفقة من بكين، تسمح الأخيرة بموجبها بشراء السلع الزراعية وصادرات الطاقة الأمريكية وتعزيز وصول الشركات الأمريكية إلى الأسواق الصينية، وزيادة الاستثمارات في الولايات المتحدة، والحصول على بعض المساعدة من بكين في مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. أما بالنسبة للصين، وبجانب الأوضاع الاقتصادية الداخلية التي لا تبدو ملائمة لردود فعل انتقامية حادة، لا تبدو بكين في عجلة من أمرها؛ حيث تشير تصريحات الرئيس الأمريكي ومواقفه الأكثر ميلاً إلى رفع شعار “أمريكا أولًا” و”ابتزاز” شركاء واشنطن التقليديين في آسيا، إلى احتمال تراجع الضمانات الأمنية الأمريكية تجاه كل من: اليابان، كوريا الجنوبية والفلبين، وهو ما يوفر فرصًا للصين يمكنها استغلالها، خاصة وأنها الشريك التجاري الأكبر لدول آسيا، بما فيها الدول الثلاث، ناهيك عن هيمنتها على سلاسل التوريد والتكنولوجيات المتقدمة.

وختامًا، فإنه على الرغم من المؤشرات عاليه، والمؤسسة على رؤية ترامب نفسه وعلى اختياراته للمناصب الرئيسة في إدارته، إلا أن مزاجيته وتقلباته وعدم امتلاكه منظومة أفكار منسجمة، هي كلها عوامل ستجعل من الصعب التنبؤ بسياساته الخارجية، خاصة بعد أسابيع فقط من تنصيبه، لذلك سيكون على العالم التعايش مع فترة من التقلب وعدم اليقين، قد يشوبها الكثير من العنف، وإن كان ترامب يؤكد أنه يريد أن ينهي الحروب القائمة لا أن يبدأ حروبًا جديدة. وعلى خلاف الصفقة المحتملة مع الصين، والتي تبدو أقل تعقيدًا، تبدو الصعوبات الخاصة بصفقة محتملة مع روسيا أكثر تعقيدًا لارتباط الصراع بعدد من المحددات الداخلية ذات الصلة بمؤسسات الحكم الأمريكي نفسه، وأخرى خارجية؛ حيث لا تبدو الدول الرئيسة في حلف شمال الأطلسي راضية عن الأفكار العامة التي طرحها ترامب حتى الآن لتسوية الأزمة الأوكرانية على نحو يرضي الحلفاء الأوروبيين، خاصة بلدان أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية السابقة، والتي لا تزال ترى في روسيا تهديدًا وجوديًّا لها. وفي هذا السياق، كشفت خطابات ومداخلات كبار المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين أمام مؤتمر ميونخ للأمن عن عمق تباين الرؤى حول التحديات السياسية والأمنية العالمية، لا سيما فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا وعلاقة الولايات المتحدة بأوروبا ومستقبل الأمن الأوروبي.

وتثير السياسات الأمريكية الجديدة قلقًا كبير في أوروبا يدفع قادتها إلى البحث عن سبل لتعزيز استقلالهم الإستراتيجي من خلال تقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة في بعض المجالات وتطوير قدرتهم الدفاعية من خلال بعض المبادرات، مع السعي في الوقت ذاته إلى الإبقاء على الحوار مع إدارة ترامب وإيجاد نقاط التقاء في قضايا مثل: مكافحة الإرهاب، التجارة والحفاظ على العلاقات الاقتصادية والأمنية المهمة.

اظهر المزيد

د.عزت سعد

سفير مصر السابق في موسكو ومدير المجلس المصري للشئون الخارجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى