تعود العلاقة الجدلية القوية بين الأحداث الكبيرة وبين الأعمال الفنية التى تعبر عنها إلى العقد الأخير من القرن الثانى عشر بالتحديد منذ الثورة الفرنسية التى أُرِّخ لها فى يوم 14 يوليو / تموز من سنة 1789 وهو اليوم الذى استولى الثوار الفرنسيون فيه على “سجن الباسستيل” رمز النظام الملكى الذى ثار ضده الشعب الفرنسى بعد حملة توعية تاريخية كبيرة قام بها مفكرو وكتاب وفلاسفة وموسوعيو القرن الثامن عشر: فولتير Voltaire و دالمبير D,Alambert وديدرو Diderot وجان جاك روسوJean Jacque Rousseau . وكانت أول صدمة أحدثتها هذه الثورة أن أُعدم الملك لويس السادس عشر وزوجته مارى أنطوانيت على المقصلة. ومن سخريات القدر أن الملك هو الذى وقّع على قرار صناعة هذه الآله التي اخترعها الضابط جيوتان Guillotin . وقد أخذت هذه الآلة ( جيو تين ) اسمها الفرنسي من اسمه، وكان الملك أول من أُعدم بواسطتها. وكانت هذه بداية حقبة جديدة من تاريخ فرنسا وسبب توحد الأنظمة الملكية الاوروبية أي كل أوروبا ضد الثورة الوليدة. وطبعا كان على قاده الثورة استنهاض الشعب وحشده نفسيا وشحنة وطنيا، فقامت بهذا الدور التاريخي الكبير الموسيقى الجديدة التى ظهرت إبان هذه الأحداث.
وقد أفرز هذا الحدث العظيم أنواعا موسيقية جديدة اشتقت من رحم الثورة. فكانت أهم الأناشيد التي عبرت عنها أناشيد الملحن الفرنسي “اتيين نيكولا ميهول” Etienne Nicolas Mehul ( 1763 – 1813 ). وقد كتب “ميهول” عددا كبيرا من الأناشيد إبان الثورة استلهم بعضها الموسيقار الكبير بيتهوفن Beethoven ( 1770- 1827 ) واستعملها فى أعماله البطولية التي ظهرت كنتيجة لتأثره بالأحداث الثورية فى فرنسا، كالسمفونية الخامسة وبالذات نشيد الانتصار في بداية الحركة الرابعة. ولم يستلهم بيتهوفن الحان ميهول فقط بل أيضا التوزيع الذى كانت الأوركسترا العسكرية معزوفة على الآلات النحاسية. فكانت أن أدخلت هذه الأناشيد الآلات النحاسية فى الموسيقى ومنها الترومبون وكذلك بعض من آلات هذه الفرق كالبيكولوPiccolo وهو الناي المعدني الصغير والمثلث وهو آلة معدنية مثلثة يضرب عليها بمضرب معدني أيضا. وكذلك آله السمبال (الضوج) وهى عبارة عن طبقين نحاسيين يضربان ببعضهما فيعطيان صوتا معدنيا قوى التأثير الإنفعالى على المستمع. كذلك أدخل بيتهوفين من خلال تأثره بالثورة وموسيقاها نوع من المارشات التي أفرزتها الثورة والتي كانت تُعرف فى أثناء تشييع جنازة أبطال الثورة، والتى كانت تعرف باسم المارش الجنائزى بإيقاعها المميز. وقد استعمله بيتهوفين فى الحركة الثانية من سمفونيته الثالثة (البطولية) تحت عنوان ( فى ذكرى بطل ) . كذلك استعمل نفس المارش الجنائزي في السوناتا للبيانو رقم 12 فى حركتها الثانية .
ولكن أشهر ما أفرزته العلاقة بين الأحداث والتعبير عنها جاء على يد ملحن وشاعر مغمور لم يلحن فى حياته إلا خمسين أغنية أنه روجيه دو ليل Rouger Delisle ( 1760 – 1836 ) وكان مهندسا فى الجيش إبان الثورة. وبعد إعلان النمسا الحرب ضد فرنسا سنة 1792 ألف دو ليل أغنية كلاما ولحنا على إيقاع المارش أسماها أغنية عسكرية لجيش الرين. وقُدِّر لهذه الأغنية أن تدخل التاريخ لعلاقتها القوية المباشرة بالأحداث التي عبرت عنها وهذه قصتها. كانت حكومة الثورة تحتفل كل سنه بذكرى الثورة بإقامة استعراض عسكري تشارك فيه قوات رمزيه من جميع الجبهات في أنحاء فرنسا. وفي سنه 1792 اشترك ضمن هذه القوات الرمزية قوات من مدينة مرسيليا (Marseille) الواقعة على البحر المتوسط جنوب شرق فرنسا وكانت هذه القوات تغنى أغنية دوليل هذه. فلفتت الأغنية بكلامها القوى والمحفز والمستنهض ولحنها الحماسي الإنفعالي القوى أنظار وأسماع المسؤولين. فوزعها الملحن المشهور آنذاك جوسيك وتحولت إلى نشيد الثورة، وأطلق عليها اسمها الجديد “المارسيلياز” نسبة إلى قوات مدينة “مرسيليا” التي غنّتها، فأصبحت منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم النشيد القومي لجمهورية فرنسا. وهو يعتبر من أشهر _إذا لم يكن الأشهر_ الأناشيد القومية في التاريخ. وقد فرض هذا النشيد بدايته التي جاءت على بعد موسيقى رابع (من الدرجة الخامسة إلى الأولى صعودا) على معظم الأناشيد التي جاءت من بعده لما فيها من عنصر الإنطلاق والاستنهاض والتحريض بهذه القفزة ذات الدرجات الموسيقية الأربع إلى فوق.
ومن أهم الأعمال الفنية غير الموسيقية التي جاءت تعبر بشكل صارخ عن الحدث التي عبرت عنه لوحة الجيرنيكا (Gernika) التي رسمها الرسّام العالمي العبقري الإسباني بابلو بيكاسو( Pablo Picass) وذلك بعد تأثره الكبير الذي لحق بقريه إسبانيه تحمل نفس الاسم جيرنيكا والتي دمّرها الطيران الألماني النازي سنه 1936 إبان الحرب الأهلية الإسبانية بين الثوار الذين يسعون إلى تغيير النظام إلى نظام جمهوري ووديكتاتور إسبانيا آنذاك الجنرال فرانكو. وطبعا جاء هذا التدمير على يد نظام هتلر في ألمانيا لمساعدة أخيه في الديكتاتورية الجنرال فرانكو.
أما في الأدب فأذكر قصة (لمن تقرع الاجراس) للكاتب الأمريكي الكبير أرنست هامنجوي الذي يسرد فيها أحداث الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1936 كشاهد عيان ذلك لكونه عايش هذه الأحداث شخصيا بوجوده في إسبانيا كمراسل حربي في أثنائها إلى جانب الثوار ووضّح في الرواية تأثر الكاتب العميق بالأحداث التي عبّر عنها في روايته. ننتقل إلى بلادنا العربية فنرى أن أول حدث أثار انفعال الفنانين الملحنين للتعبير عنه كان الكارثة التى حلت في فلسطين والتي أدت إلى ضياعها. أول ما ظهر في أغنيات عن هذه القضية ظهرت في أثناء حرب التقسيم وكانت ألحان الملحن السوري المعروف الأربعينيات عبد الغني الشيخ بأغنياته البدوية التي أدتها المطربة المعروفة آنذاك بهذا اللون الغنائي البدوي “سهام رفقي”، غنّت سهام رفقي من ألحان عبد الغني الشيخ أغنيتين اشتهرتا جدا في أثناء الحرب. أولى هذه الأغنيات تقول:
يا فلسطين جينالك جينا وجينالك جينالك
كلنا رجالك جينالك تنشيل حمالك جينالك
و هي من مقام البياتي المؤثر وانفعاليا : فهو مقام بدايه تلاوة القراّن الكريم. أما الغنيه الثانيه فهي مرحى مرحى :
مرحى مرحي قتلى وجرحى
مرحى مرحى بالملايين قتلى وجرحى لفلسطين
مرحى مرحى مرحى
و هي من مقام الهزام الانفعالي الشديد التأثير فهو مقام الأناشيد الصوفية. وكان من تأثير هاتين الأغنيتين الشديد آنذاك أن تحولنا إلى أغاني تحريضية يرددها الشباب الفلسطيني المجاهد ضد السرطان الصهيوني وهو ذاهب إلى جبهة القتال.
وبعد ضياع فلسطين ظهرت في نفس السنة 1948 قصيده محمد عبد الوهاب الشهيرة (فلسطين) شعر علي محمود طه. وكونها لحنت بعد النهايه المفجعة للحدث فقد جاءت القصيدة خاليه من الحماس والانفعال، مليئة بالحزن على ما حصل وكأنها رثاء لضياع فلسطين وهذا ما لم يفهمه منتقدو الأغنية الذين اتفقدو فيها الروح التحريضية. جاء الغناء المرسل فيها يسرد ما حصل وجاء القسم الموقع على ارتفاع يشبه المسيرة البطيئة في الجنازات وكأنها تنعي ضياع فلسطين وترثيها حتى في البيت الشعري الذي لا يتلائم مع الذي حدث بالفعل عند قول الشاعر:
طلعنا عليهم طلوع المنون فصارو هباءا وصارو سدى
وقد توفي الشاعر قبل أن يعرف النهاية المفجعة. وفي سنه النكبة ظهر فيلم “فتاه من فلسطين” بطلته فتاه من لبنان اسمها “سعاد محمد”، وطبعا كان موضوع الفيلم كما يدل اسمه الحدث الكبير “ضياع فلسطين” لحن رياض السنباطي في هذا الفيلم أغنيه رائعة واضح فيه تأثره الكبير بالحدث فجاءت الأغنية شديده الانفعالية والقوة التأثيرية العاطفية. ويقول مطلعها:
يا مجاهد في سبيل الله ده اليوم إلى بتتمناه
و قد غنت سعاد محمد الأغنيه بانفعاليه عاليه جدا واضحه جدا في التسجبل نسمعه لغايه اليوم، وواضح في غنائها تأثرها الشديد بهذا الحدث الجلل وهو ضياع فلسطين.
وينزل سكوت المقابر على الساحه الفنية الغنائية العربية وكأن ما حدث شلّ فيهم مقدرتهم على التفاعل والإبداع. ويأتي يناير/كانون الثاني لسنه 1952 فتشتعل القاهرة بحريقها المشهور فيثير هذا الحدث الكبير مشاعر الشاعر الكبير “كامل الشناوي” ويصيغ نشيده العظيم نشيد الحرية ومطلعه:
كنت في صمتك مرغم كنت في صبرك مكره
فتكلم وتالم وتعلم كيف تكره
ويحرك هذا الكلام التحريضي عبقريه محمد عبد الوهاب فيلحنه ليظهر نتيجة ذلك واحد من أعظم الأناشيد العربية كلاما ولحنا وغناء وتوزيعا وعزفا: وتمنع السلطات الملكية إذاعة هذا النشيد وتحبسه في أدراج الإذاعة المصرية إلى أن ينطلق من قمقمه هذا إلى العُلا ليملأ أثير الإذاعة المصرية وذلك عند قيام الثورة المصرية في 23 يوليو/تموز 1952, فتحولت مقدمه النشيد الموسيقية إلى إشارة لنشرة الأخبار والبرنامج العام للإذاعة المصرية لغايه اليوم. وتأتي الثورة المصرية لتوقظ العالم العربي من الضربة القاضية التي حلّت به من جراء ضياع فلسطين، تعود مقدره التفاعل والإبداع إلى المبدعين في مصر فتظهر أغنيه شعبيه رائعة من جرّاء التفاعل الإنفعالي مع حدث الثورة غنّاها المطرب الشعبي “محمد قنديل” ولحنها الملحن الكبير “أحمد صدقي” وجاءت الأغنية تعبيرا عفويا عن التفاعل الجدلي بين المبدع والأحداث الكبيرة التي يعيشها: أغنيه الدوار الرائعة الخالدة.
وقفه صغيره لفهم العلاقة بين الأحداث والعمل الفني (الموسيقي) الذي يعبر عنها جيب هنا ذكر عاملين مهمين لهما علاقة مباشره بقيمه العالم الفني وبقدرته على الاستمرار في التاريخ وفي ذاكرة الأمة وفي التعبير عن الحدث وفي الاقتناع: العامل الأول هو مستوى موهبة مبدع اللحن. فكلما كانت موهبته أكبر كانت قيمه عمله الفنية أكبر وأقدر على الاستمرار. لكن مستوى الموهبة لا يكفي وينقصها عنصر مهم جدا، وهو مدى اقتناع صانع اللحن بالحدث الذي يعبر عنه بلحنه. فكلما كان اقتناعه بالحدث المعبر عنه أكبر وأعمق كان عمله أقيم. حتى أنه في بعض من الأحيان تعوض قوة الاقتناع عن الموهبة الكبيرة فتكفي موهبة متوسطة لإبداع عمل موسيقي كبير. من هذه العلاقة الجدلية بين مستوى الاقتناع بالحدث المعبر عنه وبين مستوى موهبة الفنان هي من أهم العناصر التي تحدد المستوى الفني للعمل. ولا بد من الإشارة هنا إلى الكثير من اصحاب الموهبة المتواضعة تعتمد شهره أعمالهم على الكلام والشعر القيّم الذي يلحنونه ويؤدونه فتأتي شهرتهم من هذا الشعر فقط ولهذا سبب تاريخي فمنذ المعلقات والشعر العربي هو عنصر التأثير الإنفعالي الأول على المستمع العربي كونه الفن الأول عند العرب بينما تأتي الموسيقى في الدرجة الثانية من هذا التأثير الإنفعالي. لكن لا يدخل التاريخ إلا العمل الموسيقي الغنائي التي تتوازن فيه قيمه الشعر مع قيمه اللحن.
نرجا إلى ثوره يوليو/تموز وكأنها فجرت القمقم الذي انحبست فيه القدرة الإبداعية الفنية للملحنين المصريين فتنطلق الأغنيات المعبّرة عن التأييد لهذه الثورة – الحدث إلى أن تصل إلى ذروتها مع وصول الزعيم جمال عبد الناصر إلى سدة رئاسة مصر بانتخابه رئيسا للجمهورية سنه 1956.
قبل ذلك بسنه أي 1955 جاء إلى مصر من لبنان (الجناح المشرقي لمسيره العطاء الفني العربي الكلاسيكي المعاصر) جاء ثلاثة فنانين في بداية مشوارهم الفني: “عاصي ومنصور رحباني” اللذان عرفا بالأخوين رحباني والمطربة “فيروز”، وكان الفنانان في بداية حياتهما الفنية يميلون إلى مبادئ الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي أسسه المفكر اللبناني أنطون سعادة (وهو ابن مترجم انجيل برنابا إلى اللغة العربية). وكانت مشكله فلسطين تشكل المركز العقائدي في مبادئ الحزب. وكان من الطبيعي أن تشكل هذه المشكلة أحد مصادر الإلهام الفني للفنانين الشابين. فكانت أهم نتائج زيارتهما الأولى لمصر عملين وموضوعهما الفكري والشعري والدرامي فلسطين. وقد ألهب الموضوع الذي كان مازال ساخنا، ألهب قريحه الفنانين فأبدعا شعرا ولحنا. عملان من أهم أعمالهما الدرامية بل هذان العملان يعتبران بدايه الحظ الدرامي الكبير الذي سلكاه لاحقا، والعملان هما: (راجعون) و(مع الغرباء) وسجلا في مصر بواسطة أوركسترا وكورال مصريين مع فيروز. أغنيه “راجعون” تصف حياة اللاجئين الفسطنيين في الخيام وتنتهي الأغنية مرورا بالحاله اليائسه التي يعيشها اللاجئون تنتهي إلى الاستنهاض:
وقوفا أيها المتشردون وقوفا هل يا ترى تسمعون
وتجدر الإشارة إلى أن السبيل المصري لمغناة راجعون شارك فيه المطرب المصري الكبير كارم محمود بجمله واحده تقول:
مقدسي الأرض ثراها مهابط الوحي سماها
أصبحت اليوم خرابا نشتاق للعدل رباها
الأغنيه الثانية كانت مغناة “مع الغرباء” على نفس الموضوع: الفتاه الصغيرة “ليلى” التى لا تفهم لماذا تعيش مع أهلها في خيام. فتتطور الأغنيه للوصول في النهاية إلى مرحله الاستنهاض والشحن الإنفعالي بغناء الإذاعي المصري الكبير “محمد الطوخي” بلعلعة جهورية وبصوته المنخفض:
فصبرا يا ابنتي صبرا غداة غد لنا النصر
مصير “راجعون” كان أحسن من مصير أختها “مع الغرباء” فبعد رجوع الثالوث الرحباني إلى لبنان أعادوا تسجيل “راجعون” دون “مع الغرباء” بنخبه جديدة لتسجيلها على اسطوانات وطبعا سقط مقطع “كارم محمود” من الأغنية.
ويتابع الثالوث الرحباني سلسلة وأغانيه المنبثقة من تأثرهم بما حدث لفلسطين فيقدرون سنة 1956 مجموعة من الأغنيات مرتبطة كلها بموضوع فلسطين: سنرجع يوما إلى حيَّنا- بيسان- غاب نهار اّخر ويافا. وفيما عدا الأغنية الأخيرة والواضح من عنوانها ارتباطها بفلسطين_ وأقصد أغنية “يافا”_ فالأغنيات الأخرى لا ترتبط بفلسطين إلا بالمضمون الشعري لها دون ذكر اسم فلسطين نهائيا. شارك في غناء هذه المجموعة: جوزيف عازار “يافا” سهام شماس “غاب نهار اّخر” وفيروز “سنرجع يوما” و”بيسان”.
ومع تصاعد الأحداث في مصر مع التفاف الشعب المصري حول قيادة الزعيم جمال عبد الناصر تبدأ الأغنيات المعبّرة عن تسارع هذه الأحداث وكثرتها. فكان لا يمر حدث مهما صغُر إلا وظهرت معه أغنيات تعبر عنه. وأذكر هنا حمله التبرعات التي واكبت مشروع صفقة السلام سنة 1956 فظهرت مجموعة من الأغنيات أذكر منها أغنيه محمد عبد الوهاب الشهيرة “زود جيش اوطانك” تم حدث انسحاب جيش الاحتلال البريطاني من منطقة قناة السويس الذي واكبه عدد من الأغنيات المرتبطة بالحدث واذكر أشهرها نشيد “قولو لمصر تغني معايا” لمحمد عبد الوهاب ولأول مره الاشتراك مع مجموعة من الفنانين المشهورين في ذلك الوقت كسعد عبد الوهاب وعبد العزيز محمود ومحمد عبد المطلب وغيرهم. ثم جاء الحدث التاريخي الكبير “تأميم قناة السويس” فتتفتق عبقريه الملحن الشاب محمد الموجي عن أغنيه عبقريه توجتها “أم كلثوم” بصوتها التاريخي “محلاك يا مصري وأنت عالدفة” على الكلمات الرائعة لصلاح جاهين فجاءت الأغنية تحفه فنية بجميع عناصرها: الكلام واللحن والآداء، جمع كل هذا الجو التأثيري الإنفعالي التحريضي العالي المتفجر. فأصبح تأميم قناة السويس لا يذكر ولغاية الآن لا تُذكر قناة السويس إلا وتذكر معها أغنية “محلاك يا مصري وأنت عالدفة” التاريخية التي جاءت بمستوى فني يليق بالمستوى السياسي لتأميم القناة. هذا ما أعنيه بالعلاقة الجدلية بين الحدث والعمل الفني: التوازن بالقيمة الفنيه السياسيه بين الحث والعمل الفني.
وإلى جانب ” محلاك يا مصري” تظهر أغنيه عناصرها كلها لبنانيه: كلمات محمد سلمان ألحان فلمون وهبي غناء نجاح سليم. الأغنية اليوم هي النصر. كان مبدعوها في مصر في فتره تأميم القناة فكان تأثرهم وتفاعلهم القومي دافعا لإبداع هذه الأغنية الرائعة التحريضية كلاما ولحنا وآداء. والأغنية تقول:
اليوم اليوم اليوم النصر عصرنا قلب الأعداء عصرا
فجر جديد وعهد جديد وكل العرب تؤيد مصر
و يقول أحد مقاطعها والمتعلق بالتأميم :
عبد الناصر يا جمال للغرب بتعطي أمثال
قاله:السد العالي قال قال له:أقمنا القنال
بهذا الاقتضاب المركز يصور الشاعر الحدث الكبير. ويأتي حدث قوي تاريخي كبير نتيجة لتأميم قناة السويس: الاعتداء الثلاثي. فيفجر هذا الحدث الجلل عبقريات ومواهب الملحنين والشعراء المصريين وغيرهم الموجودين في مصر المخضرمين منهم والشباب فتظهر الأغنيات والأناشيد العظيمة بسرعه مدهشه عاكسه تفاعل مبدعيها بالحدث: المخضرمون تحث القنابل لمحمد عبد الوهاب، النشيد المارش الرائع “أنا النيل مقبرة الغزال” الذي يمتاز بالصرامة والألم الكبير النبيل الذي أبدعه شعرا الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل ولحّنه العملاق “رياض السنباطي” وأدّاءه الكبير “نجاح سلام”، وتظهر كوكبه من الملحنين الشباب ويظهر معهم التحامهم بالأحداث التي يمر بها وطنهم, وتظهر معهم مجموعه من الأناشيد والأغنيات التي دخلت التاريخ: فكانت الأغنيه التحريضيه العظيمه حفرت لآخر نقطه ف دمي. وتمتاز هذه الأغنيه _ النشيد_ بصفتها التحريضيه في عناصرها الثلاثه: الكلام واللحن والآداء وتقول :
حضرب لأخر نقطه في دمي زي أبويا م قالها لعمي
ومصر جوا عنينا ومدفعي في ايديا حضرب لأخر نقطه في دمي
لحنها الذي أبدعه الدكتور يوسف شوقي جاء وبنتهى التحريض لدرجه الغليان باستعمال آلة الايقاع (السفير) الذي يميز المارشات العسكريه أما الآداء فكان لمدفع الثورة المغنيه الكبيره “فايده كامل.”
أما “علي إسماعيل” فقد أبدع تفاعله مع الحدث أغنيته الرائعه “دع سمائي” بصوت المدفع فايده كامل وشعر كمال عبد الحليم وتوزيع الملحن طبعا فجاءت الأغنيه بمنتهى قوه التحريض على القتال والدفاع. أما الشباب محمد الموجي وكمال الطويل فيدعان اثنين من أهم وأعظم أعمال هذه المرحلة بل وفي تاريخ الأغنيه القومية العربية: محمد الموجي “يا أغلى اسم في الوجود” التي تحولت إلى النشيد غير الرسمي لمصر، وكمال الطويل الذي أبدع ما أسميه “مرسيلياز مصر” “والله زمان يا سلاحي” الذي اعتبره من دون أي تحيز بل بكل تجرد علمي لا يقل بشىء موسيقيا وفنيا عن النشيد الفرنسي المارسيلياز الذي أعتبره فنيا أهم نشيد قومي في العالم. ويفجر الحدث عبقريه محمود الشريف فيتحف العالم العربي بنشيده الخالد “الله أكبر” أحد أعظم الأناشيد في تاريخ الموسيقة العربية ويصدف أثناء الاعتداء وجود الملحن اللبناني الكبير عفيف رضوان في مصر فيتفاعل مع الحدث القومي الكبير ويعبر عنه بنشيد عظيم: من بيت لبيت.
و تأتي فتره البناء بعد العدوان ويخلدها محمود الشريف بأغنيته الأهزوجة بصوت فايدة كامل عاد السلام يا نيل :
عاد السلام يا نيل بعد الكفاح المجيد
يا شعب حر اصيل خلي السلاح بالأيد
افرح وكبر وابني وعمر
عاد السلام يا نيل
و تتولى الأحداث القومية ويلهث الفنانون وراءها للتعبير عن تأييدهم لها والتعبير عن هذا التأييد فيأتي الحدث الأهم الذي عبّر عن حلم هذه المرحلة وهو الوحدة العربية وكانت بداية هذا الحلم الكبير وحدة مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة والتي بقى منها بعض أسماء تذكرنا بيها مثلا: قصر الاتحادية وكان مقر الحكومة الاتحادية بين مصر وسوريا، والإبقاء على أسماء الجيشين المصريين تحت اسم الجيش الثاني والثالث على أساس أن الجيش الأول هو الجيش السوري, فيطلق على هذا الحدث الحلم عنان خيال الفنانين للتعبير عن تأييدهم المطلق له فيتحفنا محمود الشريف بأغنيته الشعبية الخالدة :على الأحباب سلام الله والوحدة ماشاء الله الرائعة التي مازالت تهز المشاعر وتعيد في ذاكرتنا وفي وجداننا فوق كل عربي لهذا الحلم الكبير: الوحدة العربية الكبرى. وبالمقابل يتحفنا محمد عبد الوهاب بقصيدته السردية الملحمية “أغنيه عربيه” بشعر “كامل الشناوي” ليسجل فنيا هذا الحدث القومي الكبير بعمل فني كبير أيضا يحمل كل معاني شمولية فكرة الوحدة العربية والتي يختمها الشاعر بالكلمات التاليه على لحن تحريضي مذهل:
عرف الشعب طريقه وحد الشعب بلاده
فإذا الحلم حقيقه والأماني إراده
بمارش يرمز إلى قصيدة الشعب العربي نحو الوحدة الكبرى. وتأتى أغنيه النشيد “يا إلهي” بشكل دعاء شكر لله على نعمة الوحده. فتتفجر من جديد مواهب الملحنين الكبار فيتحفنا محمد الموجي بأغنيته لم يتم إذاعتها سوى عدة أيام وذلك لظروف الحرب أغنيه “اضرب” ولكن الأغنية جاءت معبره بشكل مذهل عن الآمال التي كانت متعلقة بهذا الحدث. الأغنية من شعر “عبد الرحمن الأبنودي” ولحن محمد الموجي وغناء الكورس و”عبد الحليم حافظ” وأذكرهما بهذا الترتيب لأن العنصر التحريضي الشديد التأثير الانفعالي المركز لحدود الانفجار جاء في آداء الكورال الذي أبدع لتوصيل هذه الحالة الانفعالية الملتهبة التحريضية للمستمع.
قصيده رائعة ل”محمود حسن إسماعيل” يا قدس يا حبيبة السماء وأبدع رياض السنباطي وأدتها بشكل مذهل “سعاد محمد” جاءت بشكل رِثائي عالي المستوى الفني تذكر بطابعها هذا بأغنية محمد عبد الوهاب فلسطين.
ويصدف وجود محمد عبد الوهاب في هذه الفترة في لبنان فيسرع في إبداع كلمات “طول ما أملي معايا” بمشاركة منصور رحباني ووزع النشيد الأخوان رحباني بأستعمال الآلات النحاسية على مقام الصبا، مقام الأغنية النشيد. وجاء النشيد بجدليه قويه تربط المقام الحزين بل أحزن مقام في الموسيقى العربية وهو مقام الصبا بالطابع التحريضي المتفجر للنشيد. العلاقة الجدلية هنا تكمن في وحدة التناقضات في مكونات النشيد فاللحن الحزين على مقام الصبا يرمز إلى مرارة الهزيمة بينما الإيقاع المتدفق الحماسي مع التوزيع النحاسي يرمز إلى مواصلة النضال والكفاح لغايه إزاله آثار الهزيمة.
و يطلق “فلمون وهبه” الملحن اللبناني الكبير أهزوجه شعبيه لم تدم أكثر من الأيام السّت لهذه الكارثة الجديدة غناها على التلفزيون اللبناني وهو يكاد يبكي من شدة الانفعال:
يا أخوات الصياديين بدل جفوتتكم مرتين([*])
ولاقوني على الجبهة بدنا نحرر فلسطين
ونبقى في لبنان حيث يطلق هذا الحدث الكبير كل عواطف الأخوين رحباني فيطلعان علينا بمجموعه من أهم أعمالهما إطلاقا مرتبطة بضياع فلسطين الثاني: مريت بالشوارع (القدس العتيقة) والأغنية التحريضية العظيمة سيف فليشهد شهر سعيد عقل وهي من نوادر الأناشيد التحريضية تدعوا إلى الجهاد شِعرا ولحنا وأداء وتوزيعا وعزفا فقد جاء اللحن السريع مع التوزيع الدرامي القوي مع صوت فيروز المتوهج والمنفعل الذي يعكس تأثرها الواضح بالحدث والمادة الحافية الرائعة المتدفقة كل هذا جاء في وحدة فنيه متلاحمة كثيفة رفعت الشحنة الانفعاليه والوجدانية والتحريضية الإنسانية والوطنية إلى درجة الغليان خاصة عن الزروة الدرامية “قد جن دم الأحرار” واقتحام الكورال لهذه الحملة بكلمات المطلع سيف فليهر. كل هذا يجعل من هذا التغيير مثلا نادرا للفن التحريضي السامي المتميز المرتبط بقوه بالحدث الذي يعبر عنه.
وتأتي “زهرة المدائن” لتتوج أعمال الرحبانيين المتأثرة بأحداث فلسطين حتى أن القدس بدأت تحمل اسم “زهرة المدائن” بعد ظهور هذه المغناة الكبيرة. نعود إلى مصر، إلى حرب الاستنزاف ويطلق سيد مكاوي “الأرض بتتكلم عربي” من نظم العظيم فؤاد حداد وتشحن هذه الحرب العظيمة كمال الطويل فيطلق مجموعه من الأغنيات القصيرة جدا “بحدود الدقيقة والنصف” وهي تحمل الطابع التحريضي والاستنهاضي : ولا يهمك يا ريس، يا بركان الغضب، وكان أشهرها “أحلف بسماها وترابها” نظمها عبد الرحمن الأبنودي التي لم تنزل عن مسارح الغناء العربي لغايه اليوم ولم تفق شيئا في قوتها التحريضية والقوميه بالرغم من مرور هذه المدة الزمنية الكبيرة.
و بعد عودة محمد عبد الوهاب من لبنان حيث كان في أثناء حرب 1967 يسجل نشيد حريه أراضينا سنة 1968 وهو من الأناشيد الكبيره المهمه لهذا الفنان. ويرحل جمال عبد الناصر فيهمد بركان العطاء القومي لغاية ما يثور ثانية عند حرب أكتوبر المجيدة التي أرست من جديد موهبة الفنانين فرجع تدفق الأعمال الفنيه العظيمه المرتبطة بهذا الحدث التاريخي الكبير .
و كان سيد هذه المرحلة الفنان الكبير بليغ حمدي الذي أطلق مجموعة تعتبر من أهم الأغنيات القومية التي ظهرت أثناء حرب العبور وهي مازالت تقدم لليوم على المسارح ولم تفقد شيئا من قوتها التأثيرية الانفعالية عند الجمهور بل تذكره بعظمة هذا الانتصار الكبير لغاية اليوم:
“بسم الله الله أكبر” غناء الكورال ” يا حبيبتي يا مصر” و”عبرنا الهزيمة” غناء شاديه – “على الدبابة” غناء وردة “لف البلاد يا صبية” وخاصة أغنية عبد الحليم حافظ ” عاش اللي قال ” وقدم الموسيقار “حلمي بكر” إحدى أعظم أغنياته على الإطلاق: يا حبايب مصر بصوت العظيمة “علية التونسية” كذلك قّدم علي إسماعيل بكلمات زوجته نبيله قنديل أغنيتين من أهم الأغنيات تلك المرحلة: أم البطل غنّتها “شريفة فاضل” ولحنه العظيم رايحين رايحين شايلين بأدينا سلاح وقدم الملحن الفنان “عبد العظيم محمد” أغنيته سمينا وعدينا بصوت “شهرزاد” وأتحفنا “كمال الطويل” بثلاث أغنيات رائعة مازالت ترن في وجدان الشعب العربي: خلي السلاح صاحي بصوت عبد الحليم حافظ دولا مين بصوت “سعاد حسني” والباقي هو الشعب بصوت “عفاف راضي “.
وتأتي سنة 1982 فتجتاح إسرائيل لبنان فتتفجر علاقة المواطن الفنان اللبناني بهذا الحدث لينتج عن ذلك أعمال فنية تدخل تاريخ الموسيقى اللبنانيه:أغنية بحبك يا لبنان للأخوين “رحباني” بصوت فيروز أضعف أغنيات الأخوين الأغنية الوطنية العظيمة “من يوم إلى تكون يا وطني الغنيم” شعر “جوزيف حرب” ألحان الفنان زياد رحباني غناء فيروز والكورس وهي من أهم أعمال زياد الفنيّة، ومجموعة أغاني وطنية من شعر نزار الحر وألحان العظيم فلمون وهبة وقد كان لي شرف تنفيذ هذه الأغنية التي تحولت إلى أغاني المجاهدين في جنوب لبنان عند انسحاب إسرائيل للجنوب. وأذكر في هذه الأغاني منحنا الك يا جنوبنا – رجالك يا جبل عامل – جايين تانحميها. وقد تحولت هذه الأغنية إلى نشيد المقاتلين اللبنانيين في الجنوب حتى أنها تحولت إلى فيديو كليب يصوّر دبابات إسرائيل وهي تحترق. وقد أدّى هذه الأغنيات الفرقة اللبنانية الموسيقية بقسميها العازفين والكورال.
أما أعظم ما ظهر في أثناء فترة الاجتياح فهي بدون أي شك الأغنية العبقرية التي لحنها العبقري اللبناني الكبير ذكي ناصيف “يا ابن أمي” وكلام هذه الأغنية هي مقتطفات اختارها الشاعر الكبير جوزيف حرب من أعمال “جبران خليل جبران” فجاءت تعبر بشكل مذهل عن الحالة التي كان يمر بها لبنان. ويقول مطلعها: في ظلام الليل أناديكم … هل تسمعون؟ … مات أهلي وعينيهم محدقه في سواد السماء.
تبدأ الأغنية بجو درامي قاتم مذهل من ناحية العمق في التصوير الدرامي الواقع . شيئا فشيئا يبدأ الإقناع الدرامي يسيطر على الجو العام للعمل ليصل في القسم الثالث والأخير إلى نور مبهر مع زخم التحريض على النهوض من هذه الكبوة :
الحق الحق أقول لكم …. وطني أرضي السنابل …. وطني يا ابن السلاسل …. وطني الفلاحون ….وطني الكارمون …. وطني البناؤون …. والغار والزيتون …. وطني هو الإنسان …. وطني لبنان ويصل اللحن إلى ذروة انفعالية متفجرة رائعه تهز المستمع إلى أعماقه بصدتها وقوة تأثيرها الانفعالية وجمال لحنها وآدائها .
ويأتي تحرير طابا فيتحفنا الفنان الكبير جمال سلامه بأغنية رائعة مليئة بالتشبع بتراث كمال الطويل ومن قبله بسيد درويش وأقصد بالجو الشعبي الرائع “ياللي من البحيره” فتصبح هذه الأغنية اختصارا لكل الأغنيات التي ظهرت لتعبر عن هذا الحدث الكبير.
وتهز الفنان العربي في مصر المجازر والفظائع النازية التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الغزل من أبناء فلسطين وخاصة عندما أذاعت وكالات الأنباء العالمية المصورة مشاهد استشهاد الطفل “محمد الدرة” بين يدي والده التابع في زاويه على الأرض، فيظهر أوبريت من تلحين حلمي بكر شارك فيه كل الفنانين المعروفين على الساحة الفنية تبرعا وعلى رأسهم الفنانة الكبيرة “هدى سلطان”، وقد كان لي شرف تقديم هذا العمل ضمن أعمال وطنية أخرى على المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية واشترك في هذه الحفلة أكثر من أربعمائة فنان وفنانة من كل فرق دار الأوبرا : الأوكسترا السنفوني – كورال الأوبرا وكورال الأكابيلا – فرق الموسيقى العربية مع كورالاتها ومطربيها ومطرباتها وكورال أطفال الأوبرا الذي اسسته.
وتأتي جائحة الكورونا فتشل العالم بأسره من أقصاه إلى أقصاه: فهي الحرب العالمية الأولى بكل معاني الكلمة: فما من شعب وما من بلد على وجه الكرة الأرضية لم يدخل هذه الحرب ضدّ هذا العدو الغامض الخفي.
وقد ظهرت الأعمال الفنية التي تدعو المواطنين إلى الالتزام بالإرشادات الصحية للتغلب على هذه الجائحة. وتظهر نتيجة وتأثير هذه الأعمال في النتائج الإيجابية الكبيرة لمقاومة هذا الوباء: فمصر تعتبرها منظمة الصحة العالمية وتميزها من المؤسسات العالمية المهتمه بالموضوع، من أقل البلاد المتضررة بهذه الجائحة مقارنة حتى بأكثر الدول المتقدمة علميا وطبيا وهذا نتيجة التفاعل الجدلي الإيجابي بين الفن والمتلقي المصري.
ومن أطرف وأقصر وأوقع ما شاهدنا وسمعنا في هذا العدد لإبعاد المواطن عن الاختلاط والسلام والتقبيل هتاف : مش هنسلم مش هنبوس مش هننقل الفيروس ومدته 5 ثوانٍ فقط. واذا استطعنا اعتباره عملا فنيا يكون بذلك أقصر عمل فني في مواجهة الكورونا.
هذا هو دور الفن في العلاقة بين الشعب ووطنه: العلاقة الجدلية الثلاثية الدائرية: الحدث الذي يمر به الوطن يشحذ أحاسيس الفنان من أعماق انتمائه الوطني والقومي فيعكس أحاسيسه بالحدث في عمله الفني، ليتفاعل معه الشعب فيزداد تعلقا بوطنه وانتماء له.
وهكذا يكون وهكذا سيكون .
([*]) الجفن: سلاح جيد اما المزرتبن وهو سلاح حربي