2025العدد 201ملف عربي

دلالة الاهتمام الدولي بسوريا وربط التعامل مع القيادة الجديدة بسلوكها السياسي

يسعى هذا النص لاستعراض مختلف المواقف الدولية من الحدث السوري الأخير الذي أدى إلى تغيير النظام السوري بعد هروبه أمام هجمات قوات المعارضة الإسلامية. ولقد كانت السرعة القياسية لوقوع هذا التغيير الذي لم يحتَج إلى أكثر من أسبوعين من القتال الرمزي خاضته قوات “ردع العدوان” ضد فلول الجيش السوري، وخصوصًا فرقته الرابعة المخوَّلة نظريًّا بحماية النظام وكانت مشغولة حقيقة بتصنيع وتصدير الممنوعات وفرض الإتاوات على صناعي وتجار البلد، وصولًا إلى المواطنين العاديين. ويحاول هذا النص أيضًا تفسير أهم أبعاد الهجوم الدبلوماسي الغربي على دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، مستعرضًا محفزاته كما حدوده.

الانفتاح الذي سبق العاصفة.

خلال النصف الثاني من العام الماضي 2024، كانت بعض الدول العربية المؤثِّرة قد بدأت بتمهيد التوجه نحو مسار “التطبيع” مع النظام السوري السابق، وقد استندت الرغبة في ذلك على السعي لإصلاح ما يمكن إصلاحه في سياساته الداخلية والإقليمية، كما بحثًا عن تعزيز فرص الاستقرار السياسي والأمني بهدف إطلاق عملية إعادة بناء ما خلفته 14 عامًا من المواجهات المسلحة داخل هذا البلد. ومن خلال هذا التوجه، اضطرت هذه الدول مجبرة أن تقوم بتجاوز ماضيه وحاضره الذاخرين بالإجرام تجاه شعبه كما تجاه الدول العربية المجاورة له، ولقد عملت هذه الدول العربية على محاولة الانفتاح دبلوماسيًّا على دمشق سعيًا لتحييده على الأقل من أن يستمر بكونه مصدرًا للتوتر الإقليمي ومُصدِّرًا له. قررت إذًا استمالته وذلك بهدف تحقيق بعض المكاسب الأمنية والإستراتيجية التي اعتقدت أنها ستعود بالفائدة على الشعب السوري المكلوم كهدف أساسي، وعليها وكما على مجمل دول المنطقة كهدف ثانوي. ولقد أصرَّت الدول صاحبة هذه المبادرة على هذا الاعتقاد، وذلك أمام كل من انتقد هذا التوجه داعيًا للتأني ومُحذّرًا من استحالة إصلاح نظام الأسد السوري، ولو حتى في الحدود الدنيا الممكنة. كان المحذرون يبنون استنتاجاتهم المتشائمة فيما يخص نظام الأسد، خصوصًا بعد عقود من الطغيان على شعبه الذي قتل منه أكثر من نصف مليون إنسان، كما أشاروا إلى قيامه بتهجير (داخليًّا، خارجيًّا) أكثر من نصف تعداد سكانه، عبر آلة الدمار العسكرية وأجهزة القمع الأمني، ونشر الفوضى والتوتر في محيطه العربي. وقد تمثَّلت هذه المكاسب المبتغاة بعنصرين أساسيين هما: إنهاء تبعية دمشق للنظام الإيراني، كما العمل على إيقاف صناعة وتصدير مخدر الكابتاغون المزدهرة في سوريا تحت رعاية أجهزة الأمن والفرقة الرابعة من الجيش السوري.

يتمحور العنصر الأول، حول العمل على تحرير القرار السوري من التبعية إلى طهران التي أثبتت خطواتها كما خطوات أذرعها الإقليمية، أنها تسعى للعمل على تهديد أمن واستقرار دول المنطقة، وذلك على الرغم من تذرّعها بحجة أن سياساتها تعمل على مساعدة العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا في مواجهة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. بالمقابل، فقد صار من الواضح أن السياسة الإيرانية تسعى من خلال توسيع سيطرتها الإقليمية إلى تحقيق أهداف ذاتية في الأساس، وهي تعتمد على ترسيخ النفوذ السياسي والأمني إضافة إلى البعدِ المذهبي، وهي بالتالي منافع بعيدة للغاية عن مصالح المنطقة العربية، ومنها فلسطين المحتلة. أما العنصر الثاني، فقد أَمِلت الدول العربية التي سعت للانفتاح على نظام دمشق، وكانت قد وقعت ضحية تجارة الموت التي طورها النظام السوري السابق بتصنيع مخدرات كيميائية كالكابتاغون والكريستال_ بالنجاح في إقناعه بالعمل على الحدِّ من هذه الصناعة والتجارة الرابحة بالنسبة له ولأعوانه. لقد طوَّر هذا النظام خلال السنوات القليلة الماضية شبكة معقدة متعلقة بهذا السمِّ الصحي والاجتماعي الزعاف، انطلقت من التصنيع في عدة مواقع داخل سوريا، إضافة إلى الترويج باتجاه الدول الجارة كما بعض الدول الأوروبية.

إذًا، فقد فشل الساعون إلى عودة النظام السوري إلى الصف العربي في استمالة نظام بشار الأسد ودفعه نحو هذا الهدف؛ حيث إنهم لم ينجحوا في حثِّه على التوقف عن تجارة المخدرات هذه، خصوصًا أن تعريف الدولة السورية تحت سطوة هذا النظام قد صار يُعرف بالـ Narco Stat، أي الدولة التي يعتمد اقتصادها التسلطي أساسًا على تصنيع وتجارة المخدرات بأنواعها. كما استمر النظام السوري بالقيام بإرسال المخدرات على أنواعها وبكميات ضخمة لإغراق أسواق (دول الخليج العربي، والأردن، … وغيرها). وتبيَّن أنه، وعلى الرغم من الانفتاح العربي الحذر والمشروط عليه، فقد واصل النظام، عبر أجهزته الأمنية والعسكرية المختلفة، وعلى رأسها الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر وهو شقيق بشار الأسد_ في العمل “الدؤوب” على تصنيع وتوزيع السموم المخدرة، بل وأنه عمل على مضاعفة كميات الذي يتم تصديره منها.

ومن جهة أخرى، تابع النظام السوري عملية فتح الأبواب على مصراعيها وذلك بهدف تعزيز هيمنة وتسلط الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا كما في دول عربية أخرى على حساب الاستقرار الأمني والسياسي فيها، وذلك بهدف المساعدة على تحقيق المصالح الإيرانية أولًا، والتي لا تلتقي في مجملها مع مصالح الدول العربية المستهدفة. كما سمح النظام السوري وساعد على الانتشار الواسع والمكثَّف لميلشياتها المباشرة وغير المباشرة على الساحة الداخلية في البلاد، وكان هدف هذه القوات الأساسي هو العمل على الحفاظ على أمن النظام وعلى مصالح طهران، وذلك على حساب مصالح وحيوات المواطنين السوريين. يضاف إلى ذلك كله، السعي الدؤوب الذي قامت به طهران، بالتعاون مع السلطة السورية؛ لتغيير الهندسة الديموغرافية في البلاد. كما توسَّعت العقود التي وقعت مع طهران في مجالات استغلال الموارد المحلية وكذلك امتلاك بعض المصانع الرئيسة والإستراتيجية.

دوليًّا، بدأ مندوبو بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومنذ مطلع العام الماضي، بالضغط على بروكسل في سبيل إعادة العلاقات مع دمشق تحت حكم الأسد، وتمركزت بدايةً هذه الرغبة لدى دول شرق أوروبا إضافة إلى قبرص واليونان، ولكنها سرعان ما توسعت لتشمل إيطاليا وبعض الدول الإسكندنافية كـ(الدانمارك). ولقد حفَّز هذا التوجه، رغبة واضحة لدى أغلب هذه الدول للتخلُّص من “عبء” اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى بلادهم على الرغم من توثيق معلومات تفيد بأن النظام كان يعتقل أغلبهم لمجرد وصولهم إلى الحدود. وكذلك، حافظت دول شرق أوروبا كـ (رومانيا، التشيك) كما (اليونان، قبرص)، على علاقات تجارية مرتبطة بالعائلة التي كانت تحكم سوريا ومن يحيط بها، وكان عامل الفساد هو الحاسم في تطوير هذه العلاقات. ومنذ أشهر قليلة، وقعت ثمان دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، على رأسها النمسا وإيطاليا، على وثيقة تطالب فيها من مؤسسات الاتحاد إعادة النظر في القطيعة مع دمشق، ورافق إصدار هذه الوثيقة، حملة سياسية وإعلامية تصدرتها أخبار مزيفة عن الاستقرار والازدهار في بعض جوانب الحياة السورية على الرغم من نفيها القاطع عبر المؤسسات (الإنسانية، الحقوقية المحلية، الإقليمية، والدولية).

الهروب من دمشق.

لم يكن أحد يتوقع، وعلى رأس هؤلاء غير المتوقعين، هيئة تحرير الشام برئاسة “أبو محمد الجولاني”، الاسم الحركي للسيد “أحمد الشرع” رئيس الجمهورية في سوريا حاليًّا، بأن تقدم قوات المعارضة التكتيكي باتجاه مدينة حلب الشمالية، ومحاولتهم السيطرة على بعض مناطقها لتحسين شرطهم التفاوضي إن وقعت المفاوضات_ ستودي بهم، خلال عشرة أيام أو أكثر قليلًا، إلى الوصول إلى العاصمة دمشق. لقد انسحبت قوات النظام بكثافة لم تعرفها أسهل الحروب في التاريخ وخلع الضباط والجنود لباسهم العسكري ورموا بأسلحتهم وغادروا ثكناتهم وهاموا في طرقات الهروب نحو بيوتهم، حتى الفرقة الرابعة التي كانت تُرهب البشر والحجر كانت من أول الهاربين. لمن ستقاتل؟ وعما ستدافع؟ الشرفاء منهم انضموا إلى الجيش العربي السوري لحماية وطنهم ورد العدوان، وهم خلال عقود لم يدخلوا في معركة ضد العدو الحقيقي للأمة السورية وللوطن العربي، بل هم دخلوا في عدة معارك ضد الشعب السوري وضد الشعب اللبناني وضد الشعب الفلسطيني.

لقد استيقظ السوريون كما العالم كله، صبيحة يوم 8 كانون الأول / ديسمبر، على خبر سقوط نظام الأسد وهروب رئيسه فجرًا إلى موسكو تاركًا من ورائه بلدًا مدمرًا واقتصادًا منهارًا. ولقد رافق السقوط السريع توافدٌ أوسع لممثلي الخارجيات العربية كما الأجنبية على زيارة دمشق واللقاء بالقيادة الجديدة حتى قبل اتضاح الصورة سياسيًّا وأمنيًّا. 

الانفتاح الغربي على سوريا الجديدة.

على الرغم من الحذر المعلن أمريكيًّا وأوروبيًّا والناجم عن وصول قوى إسلامية متشددة – كما تصفها الدول المعنية – إلى السيطرة على نظام الحكم في دمشق، إلا أن ردود الفعل المرحِّبة بالتغيير القائم في سوريا كانت مفاجئة للمراقبين. ولقد سارعت الوفود من مستويات مختلفة بالقيام بزيارة العاصمة دمشق ووزير خارجيتها “أسعد الشيباني”، وكانت أبرز الزيارات هي لوزراء خارجية (ألمانيا، فرنسا وإيطاليا). وجرت مباحثات تضمنت عدة محاور وأهمها: الاعتراف بشرعية المؤسسة الحاكمة الجديدة، إضافة إلى الحديث عن ضرورة رفع العقوبات بشكل عام والتي تم فرضها أوروبيًّا على النظام السابق، وبدأت البعثات الدبلوماسية بالعودة إلى دمشق بكثافة. من جهتها، قامت السلطات السورية الجديدة بحركة دبلوماسية نشطة تجاه الدول العربية وتركيا؛ حيث اختارت أن تنفتح عربيًّا دون تمييز لترسل إشارات اطمئنان إلى الجميع، إشارات نجحت في رفع بعض التحفظات لدى بعض القادة العرب إن وجدت. ومن جهة أخرى، نجحت السلطة الجديدة في الانفتاح الحذر على روسيا التي كانت مشاركة طوال السنوات الماضية في مجذرة الشعب السوري. وأخيرًا، استقبل أحمد الشرع وفدًا من السفارة الصينية ناقلًا رسالة اطمئنان صينية وعروضًا دسمة للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، على الرغم من اتخاذ الصين لموقف سياسي مؤيد لنظام بشار الأسد الراحل.

في هذا المجال، طرح العدد الأكبر من زائري دمشق مجموعة من النقاط التي هدف من خلال استعراضها القيام بامتزاج رأي القيادة السياسية الجديدة بمدى قدرتها على تنفيذها. ويمكن اعتبار هذه النقاط وطريقة طرحها وكأنها تترجم لشروط محددة يكون تحقيقها هو مفتاح العودة الدولية الكاملة إلى دمشق، وتشكل هذه الشروط محور الموقف الدولي تجاه الحكم الجديد في دمشق، مع تفاوت في الأولويات بين الدول المختلفة. ومن أبرز هذه النقاط / الشروط: تحقيق الانتقال السياسي الشامل والحقيقي؛ حيث يتم من خلاله شمول جميع مكونات المجتمع السوري (الدينية، العرقية) ويتم ذلك بالرجوع إلى قرارات الأمم المتحدة التي صدرت عن الجمعية العمومية وعن مجلس الأمن كالقرار 2254. في حين تعتبر دمشق بأن القرار الأخير لم يعد ساريًا بسقوط النظام؛ لأنه ينصُّ أساسًا على مفاوضات بين نظام بشار الأسد وقوى المعارضة.

الشرط الثاني، يتمثَّل في احترام حقوق الإنسان السوري وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف الانتهاكات، ويُعتبر هذا الشرط ملائمًا بشدة لحكومة دمشق التي كان من أول خطواتها فتح أبواب المعتقلات على مصاريعها. بالمقابل، يتضمن حديث الغرب عن حقوق الإنسان حقوق المرأة ومجتمع الميم، مما يُمثِّل عائقًا جديًّا لتنفيذ هذا الشرط بالنسبة للقيادة الجديدة لاعتبارات دينية محافظة.

وبارتباط واضح مع الشرط الثاني، يتطرق الشرط الثالث إلى ضرورة إطلاق مسار العدالة الانتقالية بما تعنيه من محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وعلى الرغم من أن مسؤولية النظام السابق فاضحة في هذا البند، إلا أن المطالبة بالمحاسبة تشمل جميع الانتهاكات ومن أية جهة ارتكبت. وكانت قوات المعارضة قد اتبعت تكتيكًا فعَّالًا ساعدها على تحييد الكثير من قوى النظام السابق وذلك عبر العفو السريع -وربما المتسرِّع -عن بعض رموز مرتكبي الانتهاكات.

ويُشدِّد الغرب على ملف التعاون في مكافحة الإرهاب كشرط آخر لتنشيط العلاقة مع دمشق؛ حيث يعتبر التعاون مع المجتمع الدولي في محاربة التنظيمات الإرهابية أمرًا أساسيًّا لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد حفلت العلاقات مع النظام السابق بتوترات متعلقة بلجوئه إلى الإرهاب لتفعيل دوره الإقليمي عبر أذرع متعددة تتنكر أحيانًا بلبوس مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وهي تحصر عملها الفعلي بترسيخ حكمه واستبداده.

كما يشجع المجتمع الدولي حكومة دمشق الجديدة على العمل على تقليص والحد من النفوذ الأجنبي على القرار السوري. ويهدف هذا الشرط أساسًا إلى إبعاد طهران وموسكو عن إدارة شؤون السوريين. وإن كان هناك اتفاق على تحييد الملف الإيراني لدى الطرفين، يبقى الملف الروسي كنقطة خلاف نسبية؛ فانفتاح موسكو على أحمد الشرع، والذي ترجمته زيارة نائب وزير خارجية موسكو إلى دمشق والتي تلتها مكالمة هاتفية أجراها فلاديمير بوتين بالرئيس السوري الجديد، يمكن أن تكون قد أثَّرت سلبًا في التعاطي الغربي مع هذا الشرط على الرغم من أن هذا التواصل يدخل في إطار المصلحة السورية ويمكِّن القيادة الجديدة من تصفير عداد المشاكل والعداء الذي رفعه بشار الأسد ومن قبله والده حافظ بنسب كبيرة.

وأخيرًا، يتمحور الشرط الأخير حول ضرورة تهيئة الظروف (المادية، المعنوية والأمنية) التي تتيح عودة العدد الأكبر من اللاجئين السوريين المنتشرين في أربعة أصقاع الأرض إلى ديارهم التي أجبروا على مغادرتها بسبب سياسة القتل والتدمير التي انتهجها نظام بشار الأسد طوال سنوات المذبحة السورية (2011 – 2024). هذه العودة الجزئية تحتاج إلى إطلاق مشروع إعادة الإعمار، والذي يرتبط عضويًّا بالتزام القيادة الجديدة بالشروط السابقة في مجملها. إذًا، يبدو من الواضح والمؤكد أن كل ما ورد من شروط تُفرض أو نقاط تُطرح على دمشق مرتبطة تشابكيًّا بعضها ببعض.

ماذا تنتظر دمشق؟

أمام ما تقدَّم من شروط تقاسمها المسؤولون الدوليون مع القيادة السورية الجديدة، والتي كان طرح بعضها قد بدا وكأنها إملاءات، من الطبيعي أن تطرح القيادة الجديدة أهم النقاط الإشكالية والتي يمكن أن ينتج عنها إعاقة حقيقية في تنفيذ خروج سوريا من عنق الزجاجة الذي وضعها فيه النظام السابق، وتُعتبر العقوبات الاقتصادية التي فرضت على النظام السابق من أهمها. ولقد أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي بعد اجتماعه يوم 24 شباط / فبراير الماضي، قرارًا يُعلن من خلاله تعليق عدد من التدابير التقييدية التي وردت في نصوص العقوبات التي فُرضت على نظام بشار الأسد، وتتمحور هذه التدابير الجديدة حول مجالات (الطاقة، النقل وإعادة الإعمار) فضلًا عن تسهيل المعاملات المالية والمصرفية المرتبطة بها. وقد ورد في نص هذا القرار بأن الإقدام على هذا الإجراء هو جزء من “نهج تدريجي”، مرتبط استكماله بوفاء الإدارة السياسية الجديدة للبلاد بتعهداتها التي استعرضتها مع مختلف ممثلي الدول الذين أبدوا تأييدًا متحفِّظًا نسبيًّا للحكم الجديد. هذا وقد تمت الإشارة إلى أن مجلس الاتحاد سيقوم بتقييم تعليق المزيد من التدابير التقييدية في خطوة تالية، كما سيواصل مجلس الاتحاد الأوروبي، كما ورد في نص القرار، دراسة ما إذا كانت عمليات التعليق لا تزال مناسبة، بناءً على المراقبة الدقيقة للوضع في البلاد. وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا خلال اجتماع عقد في بروكسل في 27 كانون الثاني/ يناير الماضي، على خريطة طريق تضمن خطوات رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا، تبدأ من قطاع الطاقة. وأعلنت حينها مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “كايا كالاس”، عن خريطة الطريق هذه. بالمقابل، أكدت كالاس، أن الاتحاد لن يرفع أية عقوبات تتعلق بتصدير الأسلحة، كما وجهت تحذيرًا واضحًا إلى الإدارة الجديدة في سوريا من القيام بتنفيذ “خطوات خاطئة” قد تتسبب بتراجع الاتحاد الأوروبي عن خطواته حسب قولها.

تعليق العقوبات لا يعني حتى الآن إلغاؤها، وهذا يُتيح استمرار التلويح بها للحصول من دمشق على تجاوب كامل مع الشروط السابق ذكرها في أعلاه. من جهة أخرى، تنحصر الوعود الدولية بمسألة تسهيل عملية إعادة الإعمار دونًا عن التطرّق للخطر الإسرائيلي الداهم الذي استغلَّ فرصة سقوط نظام بشار الأسد، الذي لعب دور الحامي الوديع لحدود الكيان الصهيوني الشمالية؛ لكي يقوم بغزو الأراضي السورية وانتهاك اتفاقية الهدنة التي وقعت سنة 1974، وما يعنيه ذلك من التغوُّل عمقًا في الأراضي السورية، كما قامت القوات الإسرائيلية بتدمير ممنهج للبنى التحتية العسكرية السورية وللعتاد العسكري السوري.

على القوى الدولية، بما فيها الدول العربية، مساعدة سوريا الجديدة بالحفاظ على وحدة أراضيها بعيدًا عن أطماع بعض القوى الإقليمية في تعزيز تقسيمها وتحويلها إلى كيانات مجزئة. كما ينتظر السوريون انخراط حقيقي في عملية تعقُّب واسترجاع الأموال التي نهبها مسؤولو النظام السابق والموثقَّة عبر جميع المنظمات المدنية الدولية المتخصصة.

خلاصة.

التحديات أمام السوريين والسوريات كبيرة وحاسمة، والاهتمام الدولي بسوريا مرتبط أساسًا بالدور الذي تلعبه في تحقيق الاستقرار الإقليمي أو تهديده، كما أن تموضعها الجغرافي على عدة طرق دولية تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، تعطيها دورًا هامًا لتلعبه في تحقيق التنمية المتساوية في المنطقة العربية إن أُريد لها يومًا الاستقرار والسلام. إن طبيعة النظام الجديد، على الرغم من البعد الديني الواضح، لم تتجلَّ تمامًا. وإن التطور الأيديولوجي الذي حمله مشروع الرئيس أحمد الشرع بدءًا بانخراطه بالمقاومة العراقية بعد الغزو الأمريكي سنة 2003، مرورًا بانضمامه إلى منظمة القاعدة ومن ثم انشقاقه عنها وتطوير خطابه الديني والوطني باتجاه الشريحة الأوسع من السوريين، هو مؤشِّر مشجِّع على ضرورة النظر بإيجابية للمشهد السوري ومساعدة القيادة السياسية الجديدة. إن التغاضي عن ذلك أو التردد فيه قد يؤديان إلى تعزيز فرص الأجنحة المتطرفة وهي بالتأكيد موجودة.

اظهر المزيد

د. سلام الكواكبي

باحــث سوري في العلوم السياسية - فرنسا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى