ظهرت الإدارة الرقمية أو كما تُسمى في بعض الأحيان الإدارة التكنولوجية أو إدارة الأعمال الرقمية بعد الانتشار الواسع لنماذج الأعمال الجديدة والاستخدام المكثف للحاسب الآلي وشبكة الاتصالات الدولية “الإنترنت”، وما يرتبط بها من تكنولوجيا نظم وأدوات، وتطورت الإدارة التقليدية إلى إدارة حديثة تستند على الفكر الإداري الخلَّاق، ومنهج جديد في العمل وممارسات مبتكرة وحلول شاملة للأعمال تعتمد على الحاسب الآلي وتطبيقاته.
كما شهد العالم في الآونة الأخيرة تغيُّرًا جذريًّا في الأساليب الجديدة المتبعة، بشكل أدى إلى سرعة استجابة للتحول الرقمي، وذلك لمواكبة التطورات المستحدثة إذ إن الأنظمة التقليدية بإمكاناتها المحدودة لم تعد قادرة على تلبية متطلبات العصر الحديث.
كما ظهر أيضًا الذكاء الاصطناعي، الذي امتازت به بعض الدول التي سعت إلى التحول الإداري ورقمنة الإدارة منذ عقود، لذا فإن عمليات التجديد و التغيير لمواجهة تحديات العصر والاستجابة لمتطلباته واستحقاقاته لا يمكن أن تكون بأنساق تقليدية، فأصبحت التغيرات معروفة ومسلم بها على نطاق واسع، وأخذت تجبر الدول على نحو غير مسبوق إلى تبني الأعمال الإلكترونية في ظل ثورة العمل، لذلك تسعى بعض الدول للحاق بقطار التقدم السريع الذي لا ينتظر من يتخلف عنه، لهذا الهدف تتجلى فكرة هذا الكتاب للتعرف على رقمنة الإدارة في عصر الذكاء الاصطناعي و علاقة هذا بتحقيق التنمية المستدامة للدول.
يحتوي الكتاب بين دَفتيه سبعة فصول رئيسة بينهما ترابط وتكامل لإيضاح الهدف العام، حيث جاء الفصل الأول والثاني ليتناولا متطلبات تطبيق التحول الرقمي، فمثلًا المتطلبات الإدارية تهدف للتعرف على وجود خطط إستراتيجية لتطبيق الإدارة الرقمية ووضع تصميم خطط الأعمال الإدارية باستخدام تكنولوجيا المعلومات مع تدريب العاملين على استخدام نظم المعلومات الإدارية في العمل وأيضًا المتطلبات المالية، وتهدف لتوفير الحوافز المالية والمعنوية لحث العاملين على توظيف التكنولوجية الرقمية في تطوير البرامج الإدارية التكنولوجية، مع اشتراط الحوافز، شرط لتطوير الأداء والتعامل مع الأنظمة الرقمية الحديثة داخل المنظمة والدفع من كفاءتها.
وبالنسبة للمتطلبات الأمنية فهي تهدف لتوفير برامج الحماية الإلكترونية؛ لتأمين استمرارية نظم المعلومات في حماية البيانات المؤسسة ونشر الوعي الأمني بين العاملين.
ثم يتحدث بعد ذلك عن الإدارة الإلكترونية، حيث إن الإدارة الإلكترونية ليست مسألة فنية بحسب، ولكنها مسألة حضارية وثقافية، فهي ترتبط بتغيير قيم ومفاهيم وعادات سائدة بين العاملين، وبعد دخول الإنترنت وانتشاره في العالم وفي الدول العربية أصبحنا نسمع مصطلحات مثل: الإدارة الإلكترونية، والحكومة الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والتعليم الإلكتروني، … وغير ذلك من المفاهيم الجديدة. ويبدو تحسين الأداء الحكومي لن يتم بدون الثورة الإلكترونية، فالأخذ بمفهوم الإدارة الإلكترونية سوف يؤدي بالضرورة إلى زيادة الكفاءة والفاعلية للجهاز الحكومي.
فالإدارة الإلكترونية هي وسيلة لرفعة الأداء والكفاءة، وهي إدارة بلا ورق، وإنها تستخدم الأرشيف الإلكتروني والأدلة والمفكرات الإلكترونية والرسائل الصوتية، وهي إدارة بلا مكان وزمان وهي إدارة بلا تنظيمات جامدة، ويعتبر مصطلح الإدارة الإلكترونية من المصطلحات الإدارية الحديثة والتي ظهرت نتيجة الثورة الهائلة في شبكات المعلومات والاتصالات، والتي أحدثت تحولًا مهمًّا في أداء المؤسسات بتحسين إنتاجها وسرعة أدائها وجودة خدماتها.
أما عن أهمية الإدارة الإلكترونية، فإنها تؤدي دورًا مهمًّا؛ حيث فتح التطور السريع في استخدامها ميادين أمام وسائل المعالجة الإلكترونية للبيانات، فهي استجابة قوية لتحديات القرن الحادي والعشرين، فضلًا عن أنها تعطي للمستفيدين دورًا إستراتيجيًّا أكبر عن طريق تقليل الوقت المطلوب للقيام بأدوار أكثر فاعلية، وأيضًا المقدرة الكبيرة لهذه الحاسبات على التحليل والحفظ مما يساعد على تقويم سياسات الحفظ بمستوى أفضل لم يكن له وجود في الماضي.
أما الفصل الثالث والرابع يشير فيهما الكاتب إلى الاتجاه نحو مفهوم التحول الرقمي والتحول من العمل اليدوي الورقي التقليدي إلى أساليب التعاملات الإلكترونية، وتوفير بنية تحتية تقنية متطورة انطلقت على أساسها مجموعة من الخدمات الإلكترونية من ميكنة الخدمات المقدمة للمواطنين في العديد من الوزارات والهيئات، بالإضافة إلى إطلاق خدمات الدفع والتحصيل الإلكتروني التي لها أهمية كبرى في سرعة تحصيل إيرادات وتوفير مبالغ كبيرة في طباعة الأوراق النقدية وإطالة العمر الافتراضي لتداولها في السوق، كما توفر الوقت للحكومة في تسوية المعاملات المالية، كما إن التحول الرقمي سيؤدي إلى دمج عمليات الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي.
أما عن مميزات الإدارة الإلكترونية الأخرى فتتميز الإدارة الإلكترونية الرقمية بمميزات عدة منها:
أنها توفر الجهد وتحسِّن الكفاءة التشغيلية وتعمل على تحسين الجودة وتبسيط الإجراءات للحصول على الخدمات المتعددة للمستفيدين، كما يؤدي التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي إلى تقليل الفساد إن لم يكن القضاء عليه، كما توفر المعلومات الغزيرة بالمؤسسات بدلًا من قدرتها الضعيفة في المؤسسات التقليدية، وهذا ما أصبح يتجاوز البيانات إلى مستودع البيانات (يضمن عددًا كبيرًا من البيانات المختلفة)، كما تعطي فرص لتقديم خدمات مبتكرة إبداعية بعيدًا عن طريق الطرق التقليدية في تقديم الخدمات، كما يساعد التحول الرقمي المؤسسات الحكومية على التوسع والانتشار في نطاق أوسع والوصول إلى شريحة أكبر من المستفيدين.
أما عن عيوب التحول الرقمي، فيجب الأخذ في الحسبان أنه مع تطبيق الإدارة الإلكترونية لن تزول كل الصعوبات والمشاكل الإدارية والتقنية، بمعنى أن تطبيقها سيحتاج إلى تدقيق مستمر متواصل لتأمين استمرار تقديم الخدمات بأفضل شكل ممكن. وهناك مشكلة هامة، هي التجسس الإلكتروني، عندما تعتمد الدولة على نظام الإدارة الإلكترونية، فإنها ستحول أرشيفها إلى أرشيف إلكتروني، وهو ما يعرضه لمخاطر كبيرة تكمن في التجسس على هذه الوثائق وكشفها ونقلها، وهنا يأتي أهمية دور تحصين الحاسب الأمني للإدارة الإلكترونية والذي يعتبر أولوية في حالة تطبيق إستراتيجية الإدارة الإلكترونية، وأيضًا هناك مشكلة أخرى تكمن في الاعتماد على الإدارة الإلكترونية وهي ظهور نقص في المواهب والقدرات الإدارية العربية، فليس هناك ما يكفي من المديرين الذين يتقنون العمل الإلكتروني مما أدى بالأعمال الإلكترونية إلى أن تُدار بشكل غير صحيح أو شكل سيء.
أما المشكلة الأكبر هي زيادة التبعية للخارج، فالدول العربية ليس لها دور رائد في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهي دول مستهلكة ومستعملة لهذه التكنولوجيا رغم أن هناك أعدادًا كبيرة من علماء التكنولوجيا في العالم من أصل عربي، وهذا يزيد من تبعيتها للدول الأجنبية، ويؤدي إلى انعكاسات سلبية للدول العربية في المجال الأمني، وذلك عن طريق الاعتماد على التقنيات الأجنبية للحفاظ على أمن معلوماتنا وتطبيقها على الشبكة الرسمية التابعة للدول العربية، وهو ما يؤدي إلى تعريض الأمن الوطني العربي للخطر.
أما معوقات التحول الإلكتروني، فيقول الكاتب هنا: “إن وجود الإجراءات الإدارية الروتينية لدى بعض المؤسسات الحكومية العربية، يعد من العوائق الرئيسة للتحول الرقمي، وهناك أيضًا التخوف وعدم الاقتناع بالتعاملات الإلكترونية، أي الهاجس الأمني، وهو من أكبر التحديات التي تواجه الإدارة الرقمية، وللتغلب على هذا العائق يتطلب الأمر توفير أدوات حماية تقنية تتيح للمستخدم التعامل مع البيئة الرقمية، وأخيًرا الأمنية المعلوماتية، أو الرقمية وصعوبة التواصل عبر التقنية الحديثة”.
وينتقل الكاتب بعد ذلك بحديثه إلى فلسفة الذكاء الاصطناعي، فمع التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع وما يشهده العالم من تحولات سيكون الذكاء الاصطناعي هو محرك التقدم والنمو والازدهار خلال السنوات القليلة القادمة؛ لتعدد استخداماته في المجالات (العسكرية، والصناعية، والاقتصادية، والتقنية، والتطبيقات الطبية، والتعليمية، والخدمية)، ويُتوقَّع له أن يفتح أبواب لا حدود لها مما يحدث تغيُّرًا جذريًّا في حياة الإنسان وإمكاناته وما يتبعه من ابتكارات ليؤسس لعالم جديد قد يبدو الآن من دروب الخيال، ولكن البوادر الحالية تؤكد على أن خلق هذا العالم بات قريبًا وعلى دول العالم الراقية اللحاق بالسباق العالمي الحديث وعدم انتظار المستقبل، بل بالدخول إليه والتنافس على تقنياته واستباق تحدياته ووضع الحلول الناجحة لها، وهذا ما يفسر توجه الدول الحديثة نحو الاستثمار في تفعيل الثورة الصناعية وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها التنموية الطموحة باعتباره لغة المستقبل، وهناك اعتماد للعديد من القطاعات الاقتصادية مثل: الصحة، والتعليم، والخدمات، والقطاعات الحيوية الأخرى عليه، فضلًا عن الفرص الاقتصادية الكبيرة التي يوفرها للكثير من القطاعات الاقتصادية بالدولة، وقدرته على تحقيق أرباح طائلة مع تطبيق استخداماته والاعتماد على ما يقدمه من معلومات واستشارات دقيقة.
ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن دور الحكومات والمؤسسات الوطنية العربية في ترسيخ مبدأ استدامة الذكاء الاصطناعي وربطها بالموارد الطبيعية والحفاظ عليها للأجيال القادمة، مع التأكيد على أن كل عصر له نظرياته وهذا العصر سيكون له نظرياته المختلفة.
أما الفصل الخامس والسادس، فيتحدث الكاتب فيهما عن التنمية المستدامة حيث أصبح مفهوم “التنمية المستدامة” محركًا أساسيًّا عالميًّا يوجه مستقبل الأمم (الاقتصادي، والإستراتيجي)، فقديمًا كانت السمة المميزة للتنمية في الدول هي التنمية الاقتصادية، دون الاهتمام بالبنية مما أدى إلى تفاقم الأزمات التي تتجلى في: تغيير المناخ، وتآكل التنوع البيولوجي، وفقدان الموارد الطبيعية. على صعيد آخر لم تتحقق جهود التنمية الاقتصادية وتطلعات النظام العالمي والحكومات بما يتعلق بمعالجة المشاكل الاجتماعية المزمنة؛ حيث لا يزال الفقر والأمية والتفاوت في مستويات الدخل سائدًا في العديد من البلدان، لذلك جاءت الحاجة الماسة للتنمية المستدامة في جميع الأنشطة البشرية؛ نظرًا لتعقد النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
أما عن التحول الإلكتروني من أجل الاستدامة، حيث أدركت العديد من الدول ضرورة إقامة الحكومة الإلكترونية للتنمية المستدامة؛ لأن الغرض الأساسي من إقامتها يستهدف أساسًا تحقيق التنمية المستدامة التي تستمد مصادر استدامتها من تنمية قدرات البشر جميعًا وتمكينهم من استخدام طاقاتهم وتوسيع قدراتهم.
أما القرن الحالي، فقد جعل المعلومات عنصرًا مهمًّا يدخل في مرحلة تعظيم الثورة إلى جانب عناصر (الأرض، والعمل، ورأس المال التقليدي)، حيث غدت المعلوماتية مفتاحًا للرخاء الاقتصادي ورفاهية المجتمع، فضلًا عن تأثيراتها المختلفة على النواحي (الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية)، كما أن استخدام المنظومات والمعلومات والبرمجيات والحواسب على نحو هادفٍ يؤدى لخروج المجتمع إلى عالم رحب بثروته الإنسانية والتعبير عن معطياته الذاتية في إطار ما يشهده القرن الحالي من المنافسة الحضارية القديمة القائمة على القوة المعرفية والسلطة العلمية، ولعل من أهم مزايا التبادل الإلكتروني للمعلومات: تقليل كلفة العمليات المالية والتجارية، وتقليل مخاطر العمليات وتشريعها.
وتتضح الأهمية القصوى للتحول الإلكتروني من خلال طبيعة العمليات الأساسية التي تقوم بها، والتي تنقسم بدورها إلى أقسام منها:
- الخدمات الإلكترونية.
- تحسين الإنتاجية بتوفير الوقت، وتحسين الكفاءة في جميع إجراءات الأعمال، وتوفير مساحة للموظفين للتركيز على المهام التي تتطلب الإبداع وحل المشكلات.
- الديمقراطية الإلكترونية التي تتضمن عمليات المشاركة الفعالة للمواطنين في عملية صنع القرار والحكم، من خلال الاطلاع على المعلومات الحكومية بطريقة شفافة عبر نشرها بطريقة مدروسة على مواقعها الرسمية على “الإنترنت”، وتبسيط العملية الديمقراطية من خلال تشجيع نشر برامج الأحزاب وإقامة المنتديات “الإلكتروحكومية”، التي تناقش سياسات الحكومة بشكل عام، وكذلك الاستفادة من هذه الخدمة للتصويت الإلكتروني في اختيار المرشحين.
أما بالنسبة للفصل السابع والأخير، فيتناول هذا الفصل فلسفة التحول الرقمي والرقمنة، وفلسفة الذكاء الاصطناعي في عصر التنمية المستدامة؛ حيث يقول الكاتب: “إنه كي يتم تقبل فكرة الرقمنة والتحول الرقمي لدى الشعوب العربية، ذلك يرجع إلى أفراد المجتمع وما لديهم من ثقافة تجاه تقبل فكرة التغيير، لذلك تحظى الثقافة التنظيمية باهتمام متزايد لدى المهتمين، فالثقافة التنظيمية في المنظمات العربية لها دور في التأثير على تفعيل التحول الرقمي والرقمنة المستدامة، وكذلك التطوير والتحسين في بيئة العمل، ولقد تبين مثلًا أن أي منظمة عربية لا يمكن أن تتقدم وتتطور دون العمل على تكوين وتأسيس ثقافة تتناسب معها حسب الأبعاد الأساسية لها، والتي تشمل: الحجم، والنشأة، والهيكل التنظيمي، … وغيره من الأبعاد، لذلك أصبحت اليوم تعمل بكل قوة بالإضافة إلى المحافظة على ثقافتها؛ لأن الثقافة القوية تعطي المنظمة القوة في كل شيء سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ويجب الأخذ بعين الاعتبار ثقافة المجتمع الذي تتواجد أو تعمل فيه المنظمة، وذلك من خلال تكوين الثقافة التنظيمية وعلاقتها بالأداء مما ينعكس على تفعيل الرقمنة والتحول الرقمي المستدام”.