لا يجادل أحد في استفحال أزمة الفلسطينيين، التي باتت تشمل الشعب والقضية والحركة الوطنية، إذ بات يصعب اليوم الحديث عن اجماعات وطنية، أو عن مشروع فلسطيني موحد، أو عن خيارات وطنية متفق عليها، أو عن كيانات سياسية، إذ بات كل ذلك متآكلا أو مستهلكا أو متقادما، سيما بعد تجربة قدرها أكثر من نصف قرن.
ويمكن فحص تجليات تلك الأزمة، في الجوانب الأساسية الآتية:
أولاً: واقع تغييب أو تهميش منظمة التحرير، التي يفترض انها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده، وأنها الكيان السياسي الجامع والقائد له، إذ تكاد هذه المنظمة تصبح مجرد صورة من دون أي فاعلية، ويكفي أن نذكر هنا أن المجلس الوطني الفلسطيني، أعلى هيئة تشريعية وقيادية فلسطينية، لم يعقد سوى ثلاث مرات (1996، 2009، 2018)، خلال 23 عاما، ولم يشهد تغييراً في تركيبته منذ عقود.
ثانياً: حقيقة إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وفقا لاتفاق أوسلو (1993) الناقص والمجحف والجزئي، من دون أي أفق يفتح على دولة فلسطينية مستقلة، وعلى حساب حقوق الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، ولاسيما حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون نصف الشعب الفلسطيني. والمشكلة أن إقامة تلك السلطة تم في أرض مازالت تخضع للاحتلال، إذ أن الهيمنة في المجالات الأساسية، السياسية والأمنية والاقتصادية والإدارية، وفي مجال البني التحتية، في الضفة والقطاع، ظلت لإسرائيل، ما يعزز ارتهان الفلسطينيين لسلطات الاحتلال، ويضعف من مقاومتهم لها، ويظهر السلطة وكأنها شريكة للاحتلال أو وكيلة له، رغم كل ما تبديه من معارضة أو مقاومة للسياسات الاستعمارية والاستيطانية الإسرائيلية.
ثالثاً: ظهور مسارات تفتح على تذويب الفلسطينيين، سيما نتيجة ماسبق، حيث غاب الكيان المعبر عنهم (منظمة التحرير)، وحيث نشهد اختفاء مخيمات اللاجئين في بعض الدول العربية بواسطة القوة او بواسطة الإكراه، بسبب الاضطرابات التي تعيشها، وكلها وقائع تظهر وكأن الفلسطينيين أضحوا بمثابة “شعوب” عديدة، ذات أولويات وحاجات متباينة او مختلفة، يعزز من ذلك خضوعهم لأوضاع سياسية وقانونية مختلفة في البلدان التي يعيشون فيها، وحتى في أرض فلسطين التاريخية، ثمة اوضاع متباينة لفلسطينيي 48، ولفلسطينيي القدس، وفلسطينيي الضفة وفلسطينيي غزة.
رابعاً: انتقال الحركة الوطنية الفلسطينية من كونها حركة تحرر وطني إلى كونها سلطة، في جزء من أرض، على جزء من شعب، مع جزء من حقوق، أي قبل أن تحقق أهدافها، ولو في الحد الأدنى، وأقله دحر الاحتلال من الضفة والقطاع، ونيل الاستقلال في دولة فلسطينية.
خامساً: انسداد أفق خيار التسوية، رغم مرور قرابة ربع قرن، على إقامة سلطة الحكم الذاتي الانتقالي، لم يتوفّر في الأفق بعد ما يشير إلى احتمال انهاء احتلال الأراضي الفلسطينية (1967)، وإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، بحسب فهم القيادة الفلسطينية لاتفاق اوسلو (1993)، بل إن إسرائيل تعمل بكافة الوسائل والمجالات، على عكس ذلك، لتكريس احتلالها للضفة الغربية، مع استمرار فرضها الحصار على قطاع غزة، ويأتي ضمن ذلك تعزيز بناء المستوطنات وتهويد القدس وإقامة الجدار الفاصل.
سادساً: ما يفاقم الأزمة الفلسطينية أن كيان السلطة يعتمد في كل حاجاته الأساسية، وضمن ذلك موازناته، ورواتب موظفيه، على الخارج، (مع موظفين يقدر عددهم بـ 160 ألفا في السلكين المدني والأمني)، كما يعتمد في البني التحتية على إسرائيل، التي تسيطر على الموارد والمعابر وحتى على حركة التجارة، بموجب اتفاق باريس الاقتصادي (الملحق باتفاق اوسلو).
سابعاً: سعي الإدارة الأميركية الحالية الى تغيير مبنى القضية الفلسطينية، صحيح أن الإدارات المتعاقبة ظلت منحازة إلى إسرائيل، وظلت تغطي سياساتها، لكننا اليوم إزاء إدارة تتبنى على نحو واضح، وبجرأة بالغة، قلب الطاولة على كل شيء، بما فيها على اعتبارها راعياً نزيهاً ووسيطاً محايداً وطرفاً موثوقاً، في ما اعتبر، منذ قرابة ثلاثة عقود، بعملية السلام. وقد تمثل ذلك، كما شهدنا، في اعتراف إدارة ترامب بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وتجاهلها بناء المستوطنات في الضفة، لا سيما مع سعيها الى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، من خلال وقفها تمويل وكالة «أونروا» (لغوث وتشغيل اللاجئين)، وإعادة النظر بتعريف اللاجئين الفلسطينيين، بما يحصر عددهم بنصف مليون، بدلاً من خمسة ملايين، أي عبر إخراج أبناء وأحفاد اللاجئين (1948) من إطار هذا التعريف، وتحميل مسؤولية النصف مليون لاجئ للسلطة الفلسطينية، ناهيك عن سحبها الاعتراف بمنظمة التحرير واغلاق مكتبها في واشنطن.
ثامناً: تهميش القضية الفلسطينية على الصعيد العربي، إذ غابت تماماً مصطلحات أو مفاهيم الصراع العربي – الإسرائيلي، وباتت المسألة تتعلق بمجرد صراع فلسطيني – إسرائيلي، لكن ليس على الكليات، وإنما على الجزئيات، فقط، بحيث باتت المسألة تتعلق ببناء مستوطنة هنا أو هناك، أو بتخفيف الإجراءات التسلطية الإسرائيلية في المسجد الأقصى، وتخفيف القيود على دخول الفلسطينيين إلى القدس، وتخفيف السيطرة على المعابر. أيضاً، الوضع على الصعيدين العربي والإقليمي ساهم في تهميش القضية الفلسطينية، إذ لم يعد ثمة نظام عربي، وإنما محاور عربية متنافسة أو متنازعة، كما باتت كل دولة عربية مشغولة بأوضاعها الداخلية، وبالتحديات الخارجية التي تواجهها. ولا يمكن في هذا السياق إلا أن نذكر بدور إيران التي ساهمت سياساتها في خلق المحاور العربية المختلفة، وتهميش القضية الفلسطينية، بعد أن باتت إيران، بتدخلاتها وميليشياتها الطائفية والمذهبية المسلحة، خصوصاً في المشرق العربي (سورية ولبنان والعراق وحتى اليمن) لا تقل خطورة عن إسرائيل، بخاصة أنها استطاعت، في العقدين الماضيين، تقويض البنى الدولتية والمجتمعية في البلدان المذكورة، أكثر مما استطاعت إسرائيل في سبعة عقود. هكذا تمت إزاحة قضية فلسطين من سلم الأولويات في الأجندة الدولية والإقليمية والعربية، من الناحة العملية، على رغم بقائها مجالاً للادعاء والتوظيف والمزايدة في الخطابات السياسية لهذه الدولة أو تلك.
تاسعاً: زيادة التدخّلات الخارجية في الشأن الفلسطيني، وهو ما توضح مؤخرا في قيام دولة عربية، مثلا، بتمويل شحنات وقود إلى غزة، لتشغيل محطتها الكهربائية، واستعدادها لدفع الرواتب لمنتسبي حماس، بالتفاهم مع إسرائيل، الأمر الذي اعتبرته القيادة الفلسطينية (وهي قيادة المنظمة والسلطة و”فتح”)، بمثابة تدخّل خارجي غير مقبول، لأنه لم يأت من خلالها، ولأنها تعتقد أن هكذا خطوة تقوي حركة “حماس” بدل إضعافها، وتشجّعها على تكريس الانقسام والانفصال عن الضفة، وتاليا التعنّت في مباحثات المصالحة، بدل العمل من أجل استعادة وحدة الكيان الفلسطيني واستعادة الاجماعات الفلسطينية. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (إبان جهود المصالحة المصرية اواخر العام الماضي) صرح بأنه “لن يقبل بأي وجود أو دور لأي دولة أو جهة بعينها في غزة…وألا يتم تكرار تجربة حزب الله اللبناني.. وعدم السماح بوصول أي مساعدات مالية من أي جهة كانت إلى القطاع إلا عبر حكومة التوافق الوطني”. (“الحياة”، 3/10/2017)
عاشراً: ظهور ما يسمى مشروع “صفقة القرن”، الذي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طرحه وتمريره في المنطقة العربية، ولاسيما بتجاهل حقوق الفلسطينيين. وفي الواقع فإن مصدر خشية القيادة الفلسطينية من هذا المشروع، هو الذي يفسّر تعاملها بصرامة مع حركة حماس، ورفضها أي تدخل خارجي في موضوع قطاع غزة بعيدا عنها، أي بالتعامل مع حركة حماس، اعتقادا منها أنها في ذلك تقطع الطريق أمام “صفقة القرن” من البوابة الفلسطينية، لظنها أن “حماس” تتساوق مع تلك الخطوة، التي تتضمن فصل غزة عن الضفة، بتقديم “جوائز” لحماس، تحت عناوين التهدئة أو الهدنة، وانعاش الوضع الإقتصادي، ودعم اعمار غزة، وتخفيف الحصار عنها، سيما أنها ترى ان هذه الخطوات تأتي بالتساوق مع سعي الإدارة الأمريكية لإضعاف القيادة الفلسطينية، وانهاء منظمة التحرير، وتصفية قضية اللاجئين، وتهويد القدس والحؤول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، وإبقاء السلطة في مكانة حكم ذاتي للسكان، من دون ألأرض. هكذا، ففي بيان أصدرته بعد انتهاء اجتماع لهيآتها القيادية، (11 أكتوبر/2018) حملت قيادتا منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بشدة على حركة حماس، لكن سبب الحملة هذه المرة، بحسب البيان، ينبع من أسباب عديدة. أهمها دور تلك الحركة في تمرير “صفقة القرن”، “التي تنص على التنازل عن القدس وحق اللاجئين في العودة والتعويض، وفصل الضفة عن قطاع غزة، لمنع إقامة دولة فلسطين المستقلة… واعتبار أن حماس، التي تدّعي أنها تريد دولة على أراضي فلسطين التاريخية، قبلت بدولة في غزة بمساحة واحد بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، مقابل الاعتراف بحكمها والتعامل معها من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، علما أن حركة حماس على لسان قيادييها تنفي ذلك، جملة وتفصيلا، وتعلن معارضتها صفقة القرن، وأن الهدف فقط هو رفع الحصار عن غزة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية عليها.
ولعل أهم ما ينبغي إدراكه جيداً من جانب القيادات الفلسطينية، في المنظمة والسلطة والفصائل، ومن جانب السياسيين والمثقفين والنشطاء الفلسطينيين، من المهتمين بالشأن العام، أن الأزمة الفلسطينية لم تعد تتعلّق، هذه المرّة، بالتحديات التي تواجهها حركتهم الوطنية، ضعفها، واختلافاتها، وتقادمها، وفوات شرعيتها، واستراتيجيتها المضطربة، وتوظيفاتها الخارجية، وأيضاً الاختلال الفادح بينها وبين إسرائيل في موازين القوى والمعطيات العربية والدولية، فقط، إذ هي باتت تتعلّق، أيضاً، بالمسارات الجارية التي تمهّد، أو تفضي، أو تسهّل، محاولات إزاحة قضية فلسطين من جدول الأعمال العربي والدولي، وحتى الإسرائيلي، جملة وتفصيلاً. ولعل هذا ناجم تحديدا عن السياسات التي تنتهجها إدارة ترامب، التي كشفت عن وهم الاعتماد على الولايات المتحدة التي تبدو اليوم كمن يحاول تصفية القضية الفلسطينية، وازاحة منظمة التحرير، وفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، وأخذ الدول العربية نحو التطبيع، قبل قيام إسرائيل بما عليها لجهة الانسحاب من الأراضي المحتلة (1967) والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وذلك وفقا للمبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)
بيد أنه، وإضافة إلى كل ما تقدم، ثمة كثير من المشكلات والتحديات والتعقيدات الداخلية، التي تشكّل مصدرا للأزمة الفلسطينية، أو محرّكاً لها، يتمثّل أهمها في:
أولاً: صعود حركة “حماس” في المشهد الفلسطيني، ككيان سياسي ينافس أو ينازع حركة “فتح” على القيادة في السلطة، وفي عموم العمل الوطني، بخاصة مع أفول معظم الفصائل الأخرى، ويفاقم من ذلك أن علاقات “حماس” على الصعيدين العربي والإقليمي تختلف عن علاقات “فتح”، ما يجعل للأزمة الفلسطينية الداخلية محفّزات وتوظيفات خارجية، أيضا، سيما في حركة وطنية تعتمد في مواردها على الخارج.
ثانيا: نجم عن صعود حركة “حماس”، وفوزها في الانتخابات التشريعية الخاصة بكيان السلطة (2006)، وردة الفعل على ذلك من القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة و”فتح”، تحوّل الخلاف السياسي إلى حالة اقتتال (كما حدث لحظة استيلاء “حماس” على السلطة في غزة في العام 2007)، وتاليا إلى انقسام في كيان السلطة، حيث سلطة “فتح” في الضفة، وسلطة “حماس” في غزة، ولكل قيادة اولوياتها السياسية وتحالفاتها الخارجية وخياراتها الوطنية المختلفة عن الأخرى، كما لها مواردها المالية وقواتها الأمنية، وذلك منذ 11 عاما.
ثالثا: فاقم من واقع الخلاف والانقسام السياسي الفلسطيني حال الحصار المشدّد، الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، حيث يعيش حوالي مليونين من الفلسطينيين في منطقة من أكثر مناطق العالم كثافة بالسكان، وهي قليلة الموارد، وليس لها منافذ على الخارج، مع تركيبة سكانية شابة، ما يجعل من البطالة، والفقر، وانسداد الأفق، من عوامل زيادة الاحباط والغضب والقهر عند الفلسطينيين، وهذا مايجعل من قضية قطاع غزة من اهم قضايا الصراع الداخلي الفلسطيني، ومن أهم أعراض الأزمة المستفحلة في الجسم الفلسطيني الضعيف والمشتت أصلاً.
رابعاً: ترتّب على استنقاع حال الانقسام، المستمرة منذ 11 عاما، عطالة كبيرة في النظام السياسي الفلسطيني وهذا يشمل كياني المنظمة والسلطة في آن معاً، وقد نتج عن ذلك ولادة مشكلة الشرعية، للكيانين الوطنيين الجمعيين، فالمنظمة بحاجة إلى إعادة بناء، وإعادة هيكلة، من كل النواحي، وضمن ذلك اعادة تركيبة المجلس الوطني على أساس الانتخابات والتمثيل، أما السلطة فهي لم تنظم انتخابات رئاسية او تشريعية منذ اكثر من عقد، وهذا الأمر بات من أهم محرضات الخلاف والانقسام الفلسطينيين. على ذلك من المهم أن يدخل في إدراك القيادات الفلسطينية بأن الانتخابات هي المدخل الأسلم لحسم الخلافات حول القضايا المطروحة، وضمنها الخيارات الوطنية التي ينبغي اعتمادها، بعد كل ما مر من تجارب، وعلى ضوء الإخفاقات السياسية الحاصلة، وضمنها إخفاق خيار أوسلو، وانسداد الأفق أمام إمكان قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، إذ ليس من المعقول المراوحة عند هذا الخيار العقيم، الذي لم يعد بالإمكان تجسيده في الواقع بحكم الاستيطان المستشري، وبحكم هيمنة إسرائيل على الكيان الفلسطيني، من النواحي الاقتصادية والأمنية والإدارية. وبديهي أن القصد بالانتخابات هنا هو انتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني ورئاسة السلطة، حيث أمكن ذلك، أما حيث تعذر فيمكن اللجوء إلى تنظيم انتخابات عبر ما باتت تتيحه وسائط التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، على أن تكون هذه الانتخابات لكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ما يضمن تمثيل كل الفلسطينيين.
خامسا: ثمة مشكلة في العقل السياسي الفلسطيني، لاسيما في ادراكات الفصيلين الكبيرين المهيمنين، أي فتح وحماس، إذ أن كل منهما يتصرف وكأنه وحده ولي أمر الفلسطينيين، وأنه وحده يقرر خياراتهم ومصيرهم واحوالهم، وكأن شيئا لم يحصل طوال العقود الماضية، من قيادتهما للساحة الفلسطينية، ومن إخفاق الخيارات التي انتهجاها، وضمنها خيار التسوية والمفاوضة، والمقاومة والعمليات التفجيرية، وتخبط إدارتهما للسلطة في الضفة او غزة، وتهميشهما للمنظمة والهيئات المنبثقة عنها، وتآكل شرعيتهما في المجتمع. والقصد هنا أن على الحركتين أن تقرا بأن استنهاض الوضع الفلسطيني يتطلب منهما أكثر من التوافق، وأكثر من مجرد الشراكة أو تقاسم السلطة، باتجاه إعادة بناء الكيانات الفلسطينية على أسس جمعية ومؤسسية، وطنية وديمقراطية وتمثيلية وكفاحية. وفي الواقع فإنه لا يمكن الحديث عن اتفاق منجز، سواء للمصالحة، أو لإعادة البناء، إن كان لازال ثمة امكانية لهذا أو ذاك، دون تخلي الحركتين عن واقعهما كسلطتين، مع أجهزة أمنية وموارد مالية، إذ المشكلة أن “فتح” هي سلطة إزاء شعبها وإزاء الفصائل الأخرى، وأن “حماس” هي سلطة أيضا، إزاء شعبها وإزاء الفصائل الأخرى، وليس إزاء إسرائيل المسيطرة والمهيمنة في فلسطين التاريخية، والحديث عن السلطة هنا يشمل الموارد الأمنية والمالية، إذ ثمة علاقة وطيدة بين الطرفين، ولا يمكن الفصل بينهما. لذا فإن المخرج من هذا الأمر هو استعادة الحركتين لطابعهما كحركتي تحرر وطني، أي تغليب طابع التحرر على طابع السلطة، وطابع الصراع مع إسرائيل على طابع الصراع الداخلي، لأنه من دون تغيير في إدراكات وثقافات الحركتين ستبقى الأزمة الفلسطينية قائمة، بل وربما تستفحل أكثر، بحيث تغيب المنظمة، وبحيث تصبح السلطة بمثابة أكثر من حكم ذاتي بقليل، ولكن أقل من دولة، وبحيث يصبح الفلسطينيون في كل تجمع من تجمعاتهم، أو في كل مكان يقطنون فيه، لكل حاجاته ومصالحه وأولوياته وحتى شعاراته.
قصارى القول، الأزمة الفلسطينية هي من نوع الأزمة الشاملة والمستديمة وهي لذلك بحاجة إلى تفكير من نوع جديد ومن خارج الصناديق المغلقة والمستهلكة.