2024العدد 199ملف عربي

في حربها ضد غزة: إسرائيل تكرِّس اعتماديتها على الولايات المتحدة مع بايدن أو ترامب

مضى 11 شهرًا تقريبًا على حرب الإبادة الجماعية التي تشنُّها إسرائيل ضد فلسطينيي غزة، والتي نجمَ عنها تدمير مدن القطاع، وتخريب عمرانه، وتقويض بُناه التحتية، وفي غضون ذلك قُتل عشرات ألوف الفلسطينيين (حوالي 50 ألفًا، منهم 10 آلاف مفقود، وثمة مصادر تضاعف ذلك العدد مرتين)، إضافة إلى جرح أكثر من مئة ألف، أي أن ثمة ربع مليون فلسطيني ذهب ضحية تلك الحرب بين قتيل وجريح ومفقود، تحت الركام، ومعتقل (ضمنهم عشرة آلاف معتقل من الضفة الغربية).

أيضًا، ففي تلك الحرب وضعت إسرائيل أكثر من مليوني فلسطيني في سجن كبير في حصار تحت النار، أو في حقل رماية، لطائراتها ودباباتها ومدافعها، وفي مناطق ضيقة جدًا، مع حرمانهم من: الماء، والكهرباء، والغذاء، والدواء، وأماكن الإيواء، من دون مبالاة بأي شيء، مستندة في ذلك إلى دعم الولايات المتحدة (السياسي، والمالي، والعسكري).

في مقابل ذلك، ثمة إحصائيات رسمية تفيد بمقتل حوالي ألف من العسكريين الإسرائيليين وجرح عشرة آلاف منهم (منذ السابع من أكتوبر 2023)، ضمنهم 273 قُتلوا و3456 جُرحوا، نتيجة عملية “حماس” (طوفان الأقصى)، بمحصلة قدرها حوالي 12 ألف (ضمنهم قرابة 800 مدني قُتلوا في عملية حماس)، هذا إضافة إلى خسائر إسرائيل في المجالين (الاقتصادي، والسياسي)، وضمنه انكشاف وضعها في الرأي العام العالمي كدولة احتلال متوحشة وعنصرية، وتمارس حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

هدف الحرب الإسرائيلية:

في مناخات تلك الحرب المهولة تحركت عديد من الأطراف الدولية والعربية للضغط على إسرائيل لدفعها لوقف حربها العدوانية، بدفع من الحراكات الشعبية، التي عمَّت عواصم ومدن الدول الغربية، التي أدانت تلك الحرب باعتبارها حرب إبادة، تذكِّر بأعمال الفاشية إبان الحرب العالمية الثانية، والتي ضغطت بدورها على حكوماتها لتغيير مواقفها، ووقف مساندتها لإسرائيل، بشتى الطرق.

وبالطبع فإن حكومة بنيامين نتنياهو، التي تعرف بوصفها الحكومة الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ إسرائيل على المستويين (الداخلي، والخارجي)، والتي تشكلت من اليمين القومي والديني المتطرف في إسرائيل، ظلّت تصرّ على مواصلة الحرب، مع مراوغتها في الاستجابة لطلب الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن، في شأن القبول بنوع من صفقة تكون مجرد توقف مؤقت للحرب، وليس وقفًا دائمًا لها، بهدف تخليص الأسرى أو الرهائن الإسرائيليين الموجودين في قطاع غزة (120)، من دون أي حساب لنكبة الفلسطينيين.

وفي الواقع فإن إسرائيل تتوخّى- من مواصلة تلك الحرب- توجيه ضربة قاصمة للفلسطينيين لإخضاعهم والهيمنة عليهم من النهر إلى البحر بمثال غزة، وإعادة هندسة قطاع غزة (جغرافيَّا، وديمغرافيًّا، وسياسيًّا)، وضمن ذلك جعله منطقة غير صالحة للعيش، وللتخفّف من ثقله الديمغرافي، وليس فقط إنهاء “حماس”، أو إخراجها من المشهد السياسي الفلسطيني، على ما يروِّج خطابها المعلَن.

ثمة هدف أبعد من ذلك، أيضًا، إذ إن نتنياهو يرى في الوضع الحالي، وبدعوى الحرب الوجودية، وأن إسرائيل تدافع عن وجودها، بمثابة فرصة سانحة له، للدفع بحرب تؤدي إلى توجيه ضربة قاصمة لحزب الله في لبنان، وللبرنامج النووي الإيراني، لتحجيمهما، والتخلص مما يراه تهديدًا لأمن إسرائيل، من جهتهما.

معلوم إن تلك الحكومة تشكّلت (أواخر العام 2022) بائتلاف حزب ليكود والأحزاب الدينية، وضمت الوزيرين “الكاهانيين” بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية)، الذي عيِّن وزيرًا للمالية، بالإضافة إلى تعيينه وزيرًا في وزارة الدفاع – مسؤولًا عن الإدارة المدنية في الأراضي المحتلة، والوزير إيتمار بن غفير (حزب قوة اليهودية)، وزيرًا للأمن القومي، يعمل على تشكيل “الحرس الوطني” كميلشيا للمستوطنين في الضفة الغربية.

لذا فإن المسألة المفروض إدراكها هنا، تبعًا لطبيعة تلك الحكومة، أن سياسات التطرف والفاشية التي انتهجتها إزاء الفلسطينيين ارتبطت- هذه المرة- بسياسات متطرفة إزاء اليهود الإسرائيليين، أو إزاء نصفهم الآخر أيضًا، بمحاولتها تغليب طابع إسرائيل كدولة دينية ويهودية على طابعها كدولة علمانية ليبرالية ديمقراطية (نسبة لمواطنيها من اليهود)، وهو ما برز منذ تشكيل تلك الحكومة (أي قبل الحرب) بمحاولتها تقويض السلطة القضائية، وإضعاف دور المحكمة العليا.

مقترحات بايدن:

في هذا الإطار، برزت مقترحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” المتعلقة بصفقة، تتضمن هدنة أو تهدئة مرحلية متدرِّجة تُفرج فيها “حماس” عن عدد من الرهائن الإسرائيليين، باعتبار أن ذلك يشكّل أولوية أمريكية، مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين. وتشمل تلك المقترحات أيضًا، انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة، أي ليس انسحابًا لكامل الجيش الإسرائيلي من غزة، وإدخال المساعدات للفلسطينيين، وفتح المعابر، وصولًا في مرحلة أخرى إلى نوع من وقف إطلاق نار شامل، بشروط معينة.

معلوم إن تلك المقترحات شابها “الغموض” في تحديد مفهوم بايدن لـ”اليوم التالي” للحرب، الذي يتضمن إنهاء الحرب، وتحديد مستقبل غزة من الناحية السياسية؛ إذ إن الإدارة الأمريكية لا تخفي اتفاقها مع إسرائيل بأن لا وجود لـ”حماس” كسلطة في غزة مستقبلًا، وهذا الشرط لكل ما يجري، وهو ما أفصح عنه وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن” مرارًا بأنه من غير المسموح لـ “حماس” أن تقرّر مصير المنطقة، في حين ثمة خلاف بين الإدارة الأمريكية، التي تريد عودة السلطة إلى غزة، وحكومة نتنياهو التي تفضل السيطرة ولو لمرحلة مؤقتة على القطاع، أو إيجاد حكومة تكنوقراط فيها، تحت شعار “لا فتحستان ولا حماستان”.

في أية حال، ولاستكمال الصورة، يجدر تفحُّص الدوافع التي تكمن وراء طرح بايدن خطته، وهو الذي يعتبر نفسه صهيونيًّا وإن لم يكن يهوديًّا، ويتمثل أهمها في الآتي:

 أولًا: التخلص من الإحراج الذي لحق بالولايات المتحدة لدعمها حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، إنْ في الداخل الأمريكي، أو إزاء الرأي العام العالمي، لا سيما في الدول الغربية.

ثانيًا: تحسين صورتها إزاء أصدقائها العرب لإضفاء قوة دفع جديدة على خطتها لهندسة المنطقة، مع تطبيع وجود إسرائيل فيها، وهو المسار الذي أصابه الشلل بعد حرب غزة، وذلك بتقديمها خطابات مرنة، والتخفيف من دعمها لإسرائيل، بتقديم خطط تتضمن كبح حكومة بنيامين نتنياهو في حربها الهمجية ضدَّ غزة، مع تسهيل المساعدات للفلسطينيين، وإبداء معارضة لاستهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين.

ثالثًا: تعزيز فرص الحزب الديمقراطي في الانتخابات، في المواجهة مع دونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهوري)، ما يجعل من تصويت أي مجموعة إثنية أو سياسية- مهما كان عددها- حاسمًا، علمًا أن الحديث هنا يدور عن مجموعة باتت تمتلك قاعدة أوسع من السابق، وبالتالي أكثر تأثيرًا في الانتخابات، وهذه تشمل ذوي الأصول العربية والإسلامية، وأصول إفريقية وآسيوية، ويساريين وليبراليين، وحتى جماعات يهودية تستنكر دعم حكومة نتنياهو.

مع ذلك كله، فإن خطة بايدن تلك، مع الدوافع التي تكمن وراءها، لم تخفف من دعمها إسرائيل (سياسيًّا، وعسكريًّا، وماليًّا)، وآخرها صفقة عسكرية بـ 20 مليار دولار (أغسطس 2024).

التجاذبات الأمريكية الإسرائيلية:

بيد إن ما تقدَّم لا يعني أن لا خلافات بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو، لكنها ليست بين دولتين، إنما بين حكومتين؛ إذ إن دعم إسرائيل- في كل المجالات- هو من ثوابت السياسة الأمريكية، ولا يمكن لأيّ إدارة أن تخلَّ به، أو أن تتسبب بما يُضعف إسرائيل، ويشمل ذلك التوافق على شطب “حماس” من المشهد السياسي في المنطقة، وترسيخ هيمنة إسرائيل من النهر إلى البحر، وتعزيز مكانتها على الصعيد الإقليمي في الترتيبات الشرق أوسطية الجديدة.

أما الخلافات، وهي مهمَّة، فتتمحور في المسائل الآتية:

 أولًا: ضرورة تخفيف إسرائيل استهداف المدنيين، علمًا إن الولايات المتحدة تحرَّكت في هذا الاتجاه بعدم اعتقادها أن إسرائيل شبعت من انتقامها من الفلسطينيين، كردٍّ على عملية “حماس” (في 7 تشرين الأول أكتوبر)، وأنه آن الأوان للاكتفاء، والتوجّه لحصد الأثمان السياسية، بعدما هيمنت إسرائيل على غزة، وحوَّلتها إلى مكان بائس غير صالح للعيش؛ إذ لا يمكن للخيار العسكري أن يستمر إلى الأبد. في المقابل، فإن حكومة (نتنياهو، وسموتريتش، وبن غفير) تصرُّ على مواصلة حربها ضدَّ الفلسطينيين، بحجة مقاتلة “حماس”، مع طموح بنقل ما فعلته في غزة إلى الضفة، وتاليًا إلى لبنان وضد إيران ربما، حسب ما يقتضي الأمر.

ثانيًا: تعطي الإدارة الأمريكية تحرير الرهائن أو الأسرى الإسرائيليين الأولوية، في حين ترى حكومة نتنياهو- بعدما عجزت عن تحريرهم عسكريًّا- أن أي هدنة ستفضي إلى تخفيف الضغط عن “حماس” وإظهارها منتصرة، وهذا لن يكون في صالح نتنياهو وحكومته، مع تركيزها على فكرة أن أي هدنة لن تكون إلا موقتة، وهذه مشكلة لحركة “حماس”.

ثالثًا: في حين أن الإدارة الأمريكية تعتقد بضرورة إيجاد بُعد سياسي فلسطيني لمستقبل غزة، من خلال السلطة الفلسطينية، تجاوبًا مع الأطراف العرب الأصدقاء_ فإن إسرائيل ترفض ذلك أو تمانعه، إن بدعوى إيجاد مرحلة انتقالية، أو بدعوى إيجاد قوات دولية في غزة؛ لكسب الوقت في محاولاتها قطع الطريق على أي مسعى لقيام دولة فلسطينية.

رابعًا: ما تقدَّم يشمل لبنان، والموقف من إيران، بمعنى أن إدارة بايدن، في الظروف الأمريكية والدولية والعربية الراهنة، وفي ظرف حربي أوكرانيا وغزة، لا تجد نفسها معنيَّةً بحرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو ما يحاوله نتنياهو لأسباب تتعلق بعقيدته السياسية وإطالة عمره السياسي، ورؤيته لأمن إسرائيل القومي، باعتبار أن ما يحصل يشكل فرصة سانحة له لتوجيه ضربة لحزب الله في لبنان ولإيران، أو لأي منهما على الأقل.

خامسًا: ثمة مقدِّمات لهذا التوتر بين الإدارتين (الأمريكية، والإسرائيلية) قبل الحرب، وهي تكمن في الجفاء بين (الرئيس الأمريكي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية)، منذ كان بايدن نائبًا للرئيس باراك أوباما، كما تكمن في رفض إدارة بايدن لمحاولات بنيامين نتنياهو تغيير النظام السياسي في إسرائيل عبر مصادرة السلطة القضائية، وتغليب طابع إسرائيل كدولة يهودية ودينية، على حساب طابعها كدولة علمانية وليبرالية وديموقراطية (تبعًا لمواطنيها من اليهود)، أي أن إدارة بايدن تصطف لصالح المعارضة الإسرائيلية في هذه المرحلة، التي تحاول إحباط محاولة نتنياهو، والتيارات الدينية المتطرّفة المتحالف معها، وإسقاط حكومته.

 نتنياهو حليف ترامب:

كل ما تقدم لا يغطي على حقيقة أن ثمة بعد آخر للخلاف بين الإدارتين (الأمريكية، والإسرائيلية)، أي بين (بايدن، ونتنياهو)؛ إذ الثاني يصطف سياسيًّا إلى جانب الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري “دونالد ترامب” بكل ما يمثله، كيمين شعبي، وضمن ذلك في سياساته الشرق أوسطية، التي تعطي إسرائيل مكانة مركزية، بعيدًا عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن قرارات المجتمع الدولي.

في هذا الإطار، ذهب بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وألقى كلمة تحدث فيها عن العلاقة الإستراتيجية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، وعن المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل بوصفها جزءًا من الغرب في الشرق الأوسط.

وللتذكير، فإن تلك كانت المرة الرابعة التي يُلقي بها نتنياهو خطابا في الكونغرس الأمريكي: الأولى في العام 1996 في حقبته الأولى (1996-1999)، والمرتان الثانية 2011، والثالثة 2015، في حقبته الثانية (2009 – 2021)، والرابعة (يوليو 2024) أتت في حقبته الثالثة التي بدأت أواخر العام 2022. واللافت، أن نتنياهو خاطب الكونغرس في كل تلك المرات في ظل رئيس للولايات المتحدة ينتمي إلى الحزب الديمقراطي “بيل كلينتون” في المرة الأولى، و”باراك أوباما” في المرتين (الثانية، والثالثة)، والرابعة (الحالية) “جو بايدن”.

وكان نتنياهو يُدعى في كل مرة من قبل قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس، وهو عندما يذهب إلى الولايات المتحدة، لمخاطبة الكونغرس فكأنه يذهب إلى بيته الثاني؛ لحشد الدعم لإسرائيل وَفقًا للسياسات التي ينتهجها، والتي تسببت بتوتر العلاقة بينه وبين الرؤساء المذكورين، وذلك بمخاطبته الشعب الأمريكي مباشرة؛ ولإثارة عصبية الجالية اليهودية للضغط على الإدارات الأمريكية، لكنه في ذلك كله يتقصد أيضًا مخاطبة الفريق الآخر في السياسة الأمريكية( أي الحزب الجمهوري) وتحديدًا جمهور دونالد ترامب في المرحلة الحالية، في ظل الاستقطاب والتوتر السائدين في الولايات المتحدة.

مع ذلك، فهذا لا يعني عدم وجود توترات بين قادة إسرائيل ورؤساء أمريكيين ينتمون إلى الحزب الجمهوري، فقد حصل مثل ذلك، في ظل التوتر الذي ساد بين رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق “إسحق شامير”، والرئيس الأمريكي “جورج بوش” الأب، مثلًا، مطلع التسعينيات، إبان التحضير لمؤتمر مدريد.

عمومًا فإن نتنياهو في اصطفافه هذا، وفي خياراته السياسية، يقف إلى جانب الحزب الجمهوري ضد الحزب الديمقراطي، ويصوت لصالح دونالد ترامب- بكل ما يمثله- ولا سيما بسياساته الشرق أوسطية، التي تعطي إسرائيل مكانة مركزية، بعيدًا عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن قرارات المجتمع الدولي، على رغم أنه في خطابه- هذه المرة- حاول أن يكون متوازنًا، بتوجيهه الشكر إلى الرئيس جو بايدن في دعمه حرب إسرائيل في غزة منذ اليوم الأول، وبمخاطبته ممثلي الحزبين (الجمهوري، والديمقراطي) في الكونغرس.

في ذلك كله، فإن نتنياهو يشتغل من داخل السياسة الأمريكية؛ لإيجاد تقاطعات بين سياساته وسياسات الولايات المتحدة، وبديهي في المقابل أن الإدارة الأمريكية الحالية (إدارة بايدن) اشتغلت من داخل السياسة الإسرائيلية كمساند للمعارضة الإسرائيلية أيضًا؛ بدعوى ترشيد سياسات إسرائيل وملاءمتها مع المصالح الأمريكية “لإنقاذها من نفسها على رغم أنفها”.

وتفسير ذلك، أن الولايات المتحدة- بخاصة في إدارة الحزب الديمقراطي- لا ترى أنها معنيةٌ بدعم سياسات الاستيطان وانتهاج سياسات عنصرية أو قمعية مفرطة ضد الفلسطينيين، على رغم دعمها إسرائيل وضمانها أمنها وتفوّقها، كذلك فهي ضد محاولة حكومة نتنياهو فرض تغيير سياسي في إسرائيل يقطع مع قيم الديمقراطية الليبرالية التي تتبناها.

المطلوب بعيدًا عن الأوهام:

على ذلك يُفترض التخلي عن عديد من الأوهام، وضمنها: أولًا، الاعتقاد أن ثمة مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية حقًا، لا في القاهرة ولا الدوحة، ولا في أي مكان آخر، علمًا أن المفاوضات، وبالأصح المباحثات، تجري بغرض أساسي منها يتعلق بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين. ثانيًا: على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، ورغم حساسية مسألة الأسرى عند “حماس” في غزة، فإن تلك القضية لا تؤثر في حكومة نتنياهو؛ إذ إن الأغلبية الإسرائيلية، وحتى المعارضة، هي مع استمرار الحرب ضدّ غزة، وهذا يشمل زعيم المعارضة “يائير لابيد”، و”غالانت” وزير الدفاع، وأيضًا “بيني غانتس”، و”آيزنكوت” (اللذين استقالا من الكابينت الأمني)، فهما صرَّحا أن الأولوية لصفقة الأسرى، وأنهما في المقابل مع الاستمرار في الحرب في غزة سنوات عدة، لذا من الأفضل إدراك ذلك ونبذ الأوهام أو المبالغات عن تصدع إسرائيلي من حول هذه المسألة. ثالثًا: إن بنيامين نتنياهو لا يخوض معركة شخصية فحسب في سعيه الدؤوب إلى شطب البعد الفلسطيني، وفي حربه على غزة، كما يعتقد بعضهم، فسيرته الشخصية منذ صعد إلى رئاسة حكومة إسرائيل، في الحقب الثلاثة (1996-1999، 2009-2021، 2022 حتى الآن) تمحورت حول إسقاط اتفاق أوسلو جملة وتفصيلًا، ووأد أي محاولة لإقامة كيان فلسطيني، أي أنه يشتغل وفق رؤية أيديولوجية وليس لمصالح شخصية فحسب، وهو ما جسَّده في تعزيز التحالف بين اليمين الإسرائيلي (القومي، والديني)، وهذا هو مغزى تحالفه مع (سموتريتش، وبن غفير)، وإنشاء ميليشيا مستوطنين، وتعزيز الاستيطان في الضفة. رابعًا: بالمثل يفترض نبذ الأوهام، أيضًا، عن توقع أي تصدع إسرائيلي – أمريكي، على خلفية حرب غزة، لا بسبب الأسرى ولا بسبب طول مدة الحرب، ولا بسبب الخسائر الاقتصادية التي يمكن أن تعوضها إسرائيل من قوة اقتصادها، ومن الدعم المالي الذي تحظى عليه من حلفائها في الغرب- سيما الولايات المتحدة- بل إن تلك الحرب، في أهم تداعياتها، إنها عمقت ورسخت ارتباط إسرائيل بالولايات المتحدة، كما بيَّنت في وقائعها أن إسرائيل ليست مجرد دولة عادية في الشرق الأوسط، وإنما هي دولة ذات وضع دولي، أي تحظى على ضمانة الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة؛ لأمنها واستقراها وتطورها وتفوقها من كل النواحي.

هذا يفيد بإدراك أن مصارعة هذه الدولة المصطنعة، وغير الشرعية، تتطلب تغيرًا في المعطيات الدولية والعربية، التي سهلت أو أسهمت في إقامة إسرائيل 1948، وأنه إلى حين ذلك ينبغي تفويت الفرصة عليها لزعزعة صمود الفلسطينيين في أرضهم، وتعزيز قدرتهم على مقاومة السياسات الإسرائيلية بأفضل ما يمكن وبأقل كلفة ممكنة، وضمن ذلك العمل بكافة الطرق لوقف حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة، في هذه المرحلة.

اظهر المزيد

ماجد كيالي

بــاحــث فلسطيــني - سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى