أصدرت منظمة الدول المنتجة للنفط وشركاؤها أو ما يعرف باسم “دول مجموعة أوبك بلس” خلال اجتماعها المنعقد في فيينا بتاريخ 5 أكتوبر 2022 قرارها المتعلق بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل في اليوم، وذلك اعتبارًا من بدء شهر نوفمبر 2022. ويمثل هذا الخفض نسبة 2 % من حجم الإنتاج اليومي العالمي من النفط، ويعد أكبر خفض للمنظمة منذ ذروة وباء كورونا في 2020، وقد اتُخذ هذا القرار بهدف الحفاظ على المصالح الوطنية للدول المنتجة للنفط في ظل تراجع أسعار النفط بنحو 40% منذ شهر مارس الماضي، وتزايد القلق من أن يؤدي التباطؤ المتوقع للاقتصاد العالمي إلى تقليل الطلب على النفط، وذلك وفقًا لتوقعات بتراجع نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023 بمقدار 2.9%، المعلن من قبل صندوق النقد الدولي.
وإثر صدور القرار تزايدت المخاوف بشأن نقص إمدادات النفط وزيادة التضخم، كما عمقت هذه الخطوة من الخلاف بين مجموعة دول أوبك بلس والدول الغربية، التي خشيت أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي الهش، إلى جانب عرقلتها للجهود المبذولة لحرمان موسكو من عائدات النفط في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا. وفي ظل ما يعاني منه العالم من أزمة الطاقة فقد جاء قرار أوبك بلس ليدفع أسعار النفط في السوق الدولية نحو مزيد من الارتفاع، مما أدى إلى تحسن المؤشرات المالية للدول العربية المصدرة للنفط، بينما تضررت على الجانب الآخر العديد من الدول في المنطقة العربية المستوردة للنفط؛ حيث تحملت موازناتها آثارًا سلبية مضاعفة. كما جاء القرار أشد تأثيرًا على البلدان العربية التي تعاني من أزمات اقتصادية ولديها برامج تنتظر التمويل من قبل صندوق النقد الدولي.
الموقف الأمريكي وتوتر العلاقات السعودية -الأمريكية:
جاء قرار “أوبك بلس” مخيبًا لآمال الإدارة الأمريكية باعتباره مؤشرًا على فشل محاولاتها لإقناع الرياض بالمساعدة في احتواء أزمة ارتفاع أسعار الطاقة من خلال رفع إنتاج النفط، والتغلب على ما سببته الحرب الروسية- الأوكرانية من ارتفاع في معدلات التضخم العالمية. وفي هذا الإطار أثار القرار حالة غير مسبوقة من الغضب والانزعاج في الولايات المتحدة على مستوى الإدارة الأمريكية والكونجرس الأمريكي على حد سواء؛ نظرًا لما له من تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها. ففي تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” اعتبرت واشنطن القرار عملًا عدائيًّا ضد الولايات المتحدة؛ لأنه يضع “أوبك بلس” في تحالف غير معلن مع روسيا ويقوض مساعي واشنطن لعزل موسكو وحصارها سياسيًّا واقتصاديًّا. كما ارتأت واشنطن أيضًا أن روسيا هي أكبر المستفيدين من هذا القرار، على اعتبار أن خفض إنتاج النفط سيؤدي إلى رفع سعر البرميل مما يساعد الخزينة الروسية في تمويل تكلفة الحرب ضد أوكرانيا. وقد جاء القرار أيضًا في توقيت حرج للغاية بالنسبة للإدارة الأمريكية الراهنة قبل شهر تقريبًا من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس؛ نظرًا لما سيترتب عليه هذا القرار من حيث ارتفاع أسعار البنزين والغاز، الأمر الذي يُعد بمثابة انتكاسة لإدارة الرئيس الأمريكي “بايدن”، إذ من المرجح أن يستغلها خصومه الجمهوريون كمؤشر على فشل سياساته الاقتصادية ومن ثم التأثير على توجهات الناخب الأمريكي .
وقد تمثل رد الفعل الأمريكي إزاء القرار في بيان صيغ بلهجة غاضبة على لسان كل من “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي الأمريكي، و”براين ديس” مدير المجلس الاقتصادي بالبيت الأبيض، وقد عبر البيان عن خيبة أمل الرئيس “بايدن” من القرار واصفًا إيِّاه بأنه “قصير النظر”، كما ورد فيه أن “خفض الإنتاج سيضر بالدول التي تعاني أصلًا من ارتفاع الأسعار، بينما يتعامل الاقتصاد العالمي مع استمرار التأثير السلبي للهجوم الروسي على أوكرانيا”.
وفي تصعيد آخر، أفاد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض “جون كيربي: “أن الرئيس الأمريكي مستاء من الموقف السعودي، وأنه قد شرع في إعادة تقييم علاقة بلاده بالسعودية”، لافتًا إلى: “أن ” بايدن” سيعمل مع الكونجرس للنظر في شكل العلاقة مع الرياض وأنه مستعد للخوض في هذه المسألة فورًا ودون تأخير، على اعتبار أن المسألة لا تتعلق بالحرب في أوكرانيا فحسب بل تتعلق أيضًا بمصالح الأمن القومي الأمريكي”. كما اتهم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الرياض بتقديم “دعم اقتصادي ومعنوي وعسكري لروسيا”؛ لأنه سيسمح لموسكو بمواصلة تمويل آلتها الحربية، وهو الأمر الذي نفته الرياض معربة في بيان صادر في هذا الشأن عن رفضها التام للاتهامات الأمريكية لها بتقديم دعم لروسيا، حيث أكدت أن قرار أوبك بلس قد اتُّخذ من ” منظور اقتصادي بحت”.
وفي خطوة استباقية تهدف إلى حماية المستهلكين الأمريكيين أمر الرئيس الأمريكي وزارة الطاقة بالإفراج عن 15 مليون برميل من الاحتياطي البترولي الإستراتيجي الأمريكي في الأسواق، وذلك بهدف تخفيف حدة ارتفاع أسعار الطاقة وتصاعد معدلات التضخم. وفي ظل تصاعد التوتر بين (واشنطن، والرياض) أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي ” جيك سوليفان” أن الرئيس الأمريكي سوف” يتصرف بشكلٍ منظم ومنهجي في إعادة تقييم العلاقات مع المملكة العربية السعودية”، لافتًا إلى ” أن خياراته سوف تشمل تغييرات فيما يتعلق بالمساعدات الأمنية التي تقدمها بلاده لأكبر مصدر للنفط “، وذلك استنادًا إلى وقوفها إلى جانب روسيا ضد مصالح الشعب الأمريكي” .
وفي تصعيد آخر على مستوى الكونجرس الأمريكي، حث رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ “بوب مينينديز” – من الحزب الديمقراطي – صراحة على تجميد جميع صور التعاون مع السعودية بما يشمل معظم مبيعات الأسلحة وأي تعاون أمني يتجاوز ما هو ضروري لحماية المصالح الأمريكية. ومن جانبه صرح السيناتور الديمقراطي “إد ماركي” بأنه سوف يعيد تقديم مشروع قانون لمطالبة الممثل التجاري الأمريكي بمتابعة ملف الممارسات الاحتكارية للدول المنتجة للنفط والمناهضة للسياسات التنافسية. وقد فسر محللون سياسيون هذه التصريحات على أنها تهديد بدعم مشروع قانون نوبك NOPEC)) المقدم من الحزبين (الديمقراطي، والجمهوري)، والذي يهدف إلى إخراج التحكم بأسعار النفط من قبضة دول قليلة، من خلال تعريض دول أوبك لقوانين مكافحة الاحتكار. وجدير بالذكر أنه في حالة إقرار مثل هذا القانون سيتم رفع الحصانة عن أعضاء أوبك وشركاتهم النفطية، كما يسمح هذا القانون بمقاضاتهم للتواطؤ في رفع الأسعار.
ومن جانبها حذرت الرياض من أن بعض التصريحات التي تصدر بحقها منذ صدور قرار خفض إنتاج النفط ” لا تستند إلى الحقائق، وأن المملكة تنظر لعلاقتها مع الولايات المتحدة من منظور إستراتيجي يخدم المصالح المشتركة للبلدين”، كما أكدت الرياض على أن قرارات أوبك بلس قد تم تبنيها من خلال التوافق الجماعي للدول الأعضاء ولا تنفرد بها دولة دون باقي الأعضاء، وأنها تأتي من منظور اقتصادي بحت يراعي توازن العرض والطلب في الأسواق البترولية ويحد من التقلبات. وفي هذا الإطار أكد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية “عادل الجبير”: ” أن السعودية لا تستخدم النفط وتحالف أوبك بلس كسلاح ضد الولايات المتحدة “، مشيرًا إلى أن ” النفط بالنسبة لنا سلعة مهمة للاقتصاد العالمي والذي نمتلك فيه مصلحة كبيرة، وأننا لا نقوم بتسييس النفط ولا القرارات المتعلقة به”. كما أوضح وزير الدفاع السعودي الأمير “خالد بن سلمان” أن” : “القرار قد اتخذ بالإجماع ولأسباب اقتصادية بحتة”، معربًا عن أنه ” مندهش من الاتهامات الموجهة إلى السعودية بأنها تقف إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا”. وإلى جانب ذلك أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير “عبد العزيز بن سلمان” أن بلاده قررت أن تتعامل “بنضج” تجاه توتر العلاقات بين (المملكة، والولايات المتحدة)، بعد الخلاف حول قرار مجموعة أوبك بلس، منوهًا بأن أزمة الطاقة الحالية ” قد تكون الأسوأ “، وأن بلاده تتواصل مع العديد من الحكومات الأوروبية بشأنها ولضمان تلبية احتياجاتها.
ردود الأفعال الإقليمية والدولية:
أثار قرار منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط العديد من التفاعلات وردود الأفعال (الإقليمية، والدولية). فعلى الصعيد الإقليمي: جاءت أولى ردود الأفعال الداعمة للقرار من قبل مجلس التعاون الخليجي، الذي أعلن دعمه لموقف المملكة العربية السعودية ورفضه للتصريحات التي انتقدت أو هاجمت موقف الرياض. وفي هذا الإطار أعاد البيان الصادر عن المجلس التذكير بالدور المحوري الذي تقوم به المملكة مشيرًا إلى مسألة “الاحترام المتبادل بين الدول”، وعدم المساس بسيادتها، في تنبيه واضح لواشنطن بأن القرار الذي اتخذته الرياض مع 23 دولة أخرى أعضاء في أوبك بلس هو قرار سيادي يقتضي من الولايات المتحدة احترامه. ومن جانبها أكدت الإمارات العربية المتحدة وقوفها التام مع المملكة في جهودها الرامية إلى دعم استقرار وأمن الطاقة مشددة على الطبيعة التقنية للقرار، ورفضها التصريحات التي تدفع باتجاه تسييسه. وقد أعلنت كل من (تونس، والعراق، ولبنان) مساندتها للقرار مشيدة بالدور المركزي للسعودية في استقرار النظام الاقتصادي العالمي في هذه المرحلة الدقيقة. كما أعلنت كل من (الكويت، والجزائر) ترحيبها بقرار أوبك بلس؛ حيث وصفه وزير الطاقة الجزائري “محمد عرقاب” بأنه “قرار تاريخي”، وأنه “فني بحت قائم على اعتبارات اقتصادية”. وبالنسبة لسلطنة عمان فقد أعربت وزارة الخارجية العمانية عن دعمها لهذا القرار المبني على اعتبارات اقتصادية بهدف تحقيق الاستقرار المرجو للسوق العالمي. ومن جهتها رفضت مملكة البحرين تسييس قرار أوبك بلس أو اعتباره انحيازًا في صراعات دولية، وأعربت عن تضامنها مع السعودية مشيدة بالدور المحوري للمملكة في ضمان أمن الطاقة واستقرار السوق النفطية. وقد تابعت مصر عن كثب واهتمام أصداء القرار، مؤكدة دعمها لموقف السعودية في شرح الاعتبارات الفنية للقرار، وأنه يهدف إلى تحقيق انضباط سوق النفط.
كما أعربت جامعة الدول العربية عن تضامنها مع السعودية؛ حيث أعرب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام عن استنكار أحمد أبو الغيط ورفضه لما يمكن تسميته بالحملة السلبية من التصريحات الإعلامية ضد المملكة في أعقاب صدور قرار أوبك بلس، مشيرًا إلى أن “تلك التصريحات تبتعد عن الحقائق وترتكز على تسييس كامل لقرارات اقتصادية بحتة”، مشيدًا بالنهج السعودي المتوازن الساعي إلى تحقيق استقرار سوق النفط.
وعلى الصعيد الدولي: أكد المتحدث باسم الكرملين الروسي أن قرار أوبك بلس يهدف إلى استقرار السوق. كما أعربت كل من (غينيا الاستوائية، وجمهورية الكونغو) عن تضامنها مع قرار أوبك بلس مؤكدة أنه قرار فني ولا علاقة له بالسياسة، ويهدف إلى استقرار سوق النفط. أما وكالة الطاقة الدولية فقد حذرت من تداعيات قرار أوبك بلس مشيرة إلى أن هذا القرار قد أدى إلى ارتفاع أسعار النفط وقد يدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود.
مستقبل العلاقات السعودية – الأمريكية:
بادئ ذي بدئ يتعين التنويه بأن المملكة العربية السعودية لا تزايد بأي حال من الأحوال في المسائل المرتبطة باستقرار الاقتصاد العالمي، وأنه من الواضح أن إستراتيجيات الإنتاج عند منتجي أوبك بلس بعيدة كل البعد عن التسييس، وعليه فإن قرار أوبك قد جاء بناءً على اعتبارات اقتصادية بحتة؛ وذلك نظرًا لأن الأسواق كانت في حاجة إلى جرعة من تخفيض الإنتاج قادرة على إعادة ضبط السوق، مما يساعد على الحد من التقلبات الحادة في أسعار النفط، لكن السؤال الذي يثار في هذا الشأن: هل سيؤدي التوتر الذي طرأ على العلاقات السعودية- الأمريكية من جراء قرار أوبك بلس إلى احتمالات تصدع في العلاقات بين الجانبين وتدهور الشراكة الإستراتيجية بينهما؟ الواقع أن العلاقات السعودية- الأمريكية هي علاقات إستراتيجية بالأساس، وقد مرت بعدة مراحل من التعاون المشترك، كان للمملكة خلالها دور محوري في ضمان وتأمين النفط مقابل قيام الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن المنطقة. وتعد المملكة العربية السعودية من أكبر حلفاء واشنطن في المنطقة في ضوء مساهمتها في التمكين السياسي والاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة في المنطقة ومن ثم محافظتها على المصالح الأمريكية في المنطقة.
ولا مراءَ أن قرار أوبك بلس الأخير قد أدى إلى حدوث تراجع في العلاقات السعودية- الأمريكية، ودخولها في منعطف جديد؛ حيث تكمن خطورة القرار في توقيته المتزامن مع الحرب الروسية -الأوكرانية، وتداعياتها التي أثرت على سوق النفط. هذا إلى جانب ما أحدثه هذا القرار من إرباك للمشهد السياسي الأمريكي؛ نظرًا لتزامنه مع انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، حيث رأت فيه الأوساط السياسية الأمريكية أنه يمثل فشلًا كبيرًا لإدارة ” بايدن” في إدارة ملف الطاقة.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من رد الفعل الأمريكي تجاه القرار قد جاء حادًا بعض الشيء وذلك في ظل توالي تصريحات الرئيس الأمريكي باعتزامه مراجعة تقييم العلاقات الأمريكية -السعودية، وظهور بعض الدعوات بمجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية. إلا أن المحللين السياسيين يستبعدون تنفيذ التجميد الكامل لمبيعات الأسلحة للسعودية، كما يستبعدون أيضًا أن تدرس الإدارة الأمريكية الراهنة سحب القوات الأمريكية من (السعودية، والإمارات)؛ نظرًا لأن القيام بمثل هذه الخطوة سوف يترك فراغًا أمنيًّا وعسكريًّا في المنطقة قد تحاول خصوم الولايات المتحدة مثل: (إيران، أو الصين، أو روسيا) أن تملؤه. وعليه يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي “بايدن” أمامه مساحة محدودة للمناورة مع المملكة العربية السعودية لعدة اعتبارات من بينها: أن السعودية شريك مهم للغاية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ إذ لا يمكن التخلي عنها على الجبهة الأمنية في ظل ما تضطلع به من جهود لاحتواء التهديدات الإيرانية، هذا إلى جانب كون الرياض هي أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية. كما أن قطع التعاون العسكري الأمريكي مع الرياض سيؤدي إلى شل القدرات العسكرية والدفاعية للسعودية مما يؤدي إلى زيادة احتمالات عدم الاستقرار الإقليمي، ومن ثم قد يدفع خصوم واشنطن مثل (روسيا، والصين) إلى المسارعة بتقديم الدعم العسكري للرياض. كما أن وقف التعاون مع الرياض في المجال العسكري قد يدعم رؤية البعض لواشنطن كشريك غير مضمون لا يمكن الاعتماد عليه مما قد يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وأخيرًا ففي ظل النظام الدولي الذى بات يعاني من حالة الاستقطاب الحاد بين القوى الدولية الكبرى، ومن ثم أصبح من المرجح تحوله من عالم القطب الواحد إلى عالم المتعدد الأقطاب، فإن دخول الولايات المتحدة في صدام مباشر مع السعودية من خلال تمرير تشريع ” نوبك”NOPEC على سبيل المثال لن يكون في مصلحتها؛ حيث أنه سيعجل بتسريع وتيرة سقوط النظام العالمي الراهن القائم على هيمنة القطب الواحد، كما أنه قد يدفع دول الخليج إلى الرد بقوة من خلال قبول العرض الصيني لشراء نفطها باستخدام العملة المحلية الصينية بدلًا من الدولار و التقليل من حصتها من سندات الخزانة الأمريكية، مما سيؤدي إلى تقويض هيمنة الدولار كعملة احتياطية دولية .
وفي ضوء هذه المعطيات فمن المرجح أن تتعامل واشنطن مع تداعيات قرار أوبك بلس بحكمة وتأنٍ وأن تكتفي بالإعراب عن استيائها وخيبة أملها إزاء القرار مع سعيها إلى العمل على تأخير بعض الطلبات الرئيسة بما في ذلك بعض المبيعات العسكرية، وذلك لمجرد تذكير شركائها فقط بأن الولايات المتحدة ستظل الشريك الأول في هذه العلاقة. ومن المرجح أيضًا أن واشنطن سوف تحرص على الحفاظ على شراكتها الإستراتيجية مع الرياض بهدف حماية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، ومما يدلل على ذلك ما أكده مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مؤخرًا من حيث أن “بايدن لن يتصرف بشكل متهور” في إعادة تقييم علاقة واشنطن بالرياض. هذا بالإضافة إلى ما أعربت عنه واشنطن مؤخرًا خلال شهر نوفمبر 2022 – على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي – “عن قلقها من تهديدات إيران للسعودية “، مؤكدة أنها “لن تتردد في الرد إذا لزم الأمر، وأنها سوف تتحرك دفاعًا عن مصالحها وشركائها في المنطقة ” لافتة إلى أنها على اتصال مستمر مع السعوديين من خلال القنوات العسكرية والمخابرات.