2024العدد 199ملف إقليمي

مآلات عودة التأييد الداخلي الإسرائيلي لنتنياهو على غزة واستقرار المنطقة

تكشف استطلاعات الرأي في إسرائيل عن تنامي تدريجي في قوة نتنياهو ومعدلات التأييد له، رغم كارثة التقصير الفادح يوم 7 أكتوبر سواء على المستوى الاستخباراتي أو الفشل في صد هجوم من عناصر محدودة العدد مسلحة بتسليح خفيف، وعدم إعادته للمحتجزين والأسرى وتعطيله لصفقة تبدو من خلالها حماس منتصرة، حتى ولو كان الثمن تراجع أعداد الأحياء بين (المحتجزين، والأسرى) نتيجة القصف العشوائي وطول أمد الحصار والعدوان على غزة، فما الذي يدفع المستوى الشعبي في إسرائيل لتأييد سياسات نتنياهو أو على الأقل عدم معارضتها؟ وما هي مآلات هذه التوجهات والتغيرات في اليوم التالي في غزة، وكذلك في استقرار المنطقة؟

الوضع الراهن:

 ترى الأغلبية في إسرائيل (بنسبة 63%) أن الأولوية يجب أن تكون للإفراج عن المحتجزين والأسرى بصفقة، ويعتبرون هذا الأمر بمثابة صورة نصر، أما بخصوص باقي سياسات ومواقف نتنياهو، فيمكن ملاحظة ترميمه لشعبيته بشكل متصاعد، ويمكن القول بأنه باستثناء الخلاف حول الصفقة وشروطها، يوجد توافق واسع في الشارع الإسرائيلي بشأن سياسات نتنياهو، إذا ما وضعنا في الحسبان أن مواقف الجنرالين “بيني جانتس”، و”جادي إيزنكوت” (المنافسين التقليديين البارزين لنتنياهو) متشابهة إلى حدٍ بعيد من مواقف نتنياهو -خاصة بشأن لبنان وضرورة مهاجمتها في حرب مفتوحة، ورفض الدولة الفلسطينية مما يجعل مواقفهم باهته ولا يتم التعويل عليها، خاصة وأن جانتس سبق وأن انضم مرتين لحكومة برئاسة نتنياهو؛ لينقذه من تصاعد قوة معارضة شرسة نجحت في الإطاحة به لفترة وجيزة، وشكلت حكومة برئاسة “نفتالي بينت” بعد تحالفه مع “يائير لابيد”.

للتدليل على صحة هذه الرؤية يمكن أن نشير إلى استطلاعات الرأي، التي كشفت إنه منذ مايو الماضي، بدأت الفجوة تتقلص بين جانتس (وزير الدفاع السابق، والوزير المستقيل من مجلس الحرب) وبين نتنياهو، ووصلت إلى 3% فقط لصالح جانتس، وسط تراجع لـ”جدعون ساعر” المنشق على نتنياهو والمرشح كبديل له لقيادة الليكود، حيث تبين في استطلاع الرأي الذي نشره موقع “والا”، أن نسبة تأييد حزبه الجديد لن تصل لنسبة الحسم أي لن يكون ممثلًا في الكنيست ولو بمقعد واحد، والملاحظ في هذا السياق أن بديل نتنياهو المقبول هو تحالف بين (أفيجدور ليبرمان، وجدعون ساعر، ويائير لابيد). وهو تحالف متنافر يضم أغلبية يمينية لن تقبل توجهات لابيد الأكثر مرونة بشأن الصفقة ووقف إطلاق النار. وتجدر الاشارة هنا، إلى أن نصف مؤيدي نتنياهو يطالبون بصفقة، أي أنهم يؤيدونه؛ لأن اعتراضاتهم على سياساته تقتصر فقط على هذه الجزئية. وفق استطلاع للرأي بتاريخ 17 أغسطس أجرته القناة 12 الإسرائيلية، وبشكل موازٍ تبين من استطلاع رأي لصحيفة معاريف بتاريخ 23 أغسطس الماضي، أن حزب الليكود سيتفوق على حزب معسكر الدولة بـ 2 مقعد في الكنيست مقابل 20.

جدير بالذكر، أن استطلاعات الرأي تعبر عن حالة يتم خلقها من خلال الإعلام المكتوب والمرئي “مواقع التواصل”، ورسم صورة سلبية وحشية للخصوم والأعداء، وهو ما كشفه نفي الأسيرة المحررة “نوعا أرجماني” بشأن تصريحات نُسبت لها بشأن ضرب المقاومة الفلسطينية لها في كل أنحاء جسدها، وقص شعرها خلال فترة احتجازها في غزة؛ حيث أكدت أن ما جرى هو قيام الطيران الإسرائيلي بقصف المبنى السكني، الذي كانت محتجزة به، مما أسفر عن الإصابات التي لحقت بها، وأن القائمين على احتجازها (أسرة فلسطينية ثرية) لم يقصوا شعرها، بل وسمحوا لها بالخروج محجبة عدة مرات لأسواق غزة، وهو ما تم التعبير عنه أيضًا بخصوص تصريحات للمسِنَّة الإسرائيلية “يوخباد ليفشيتس”، التي قالت بعد خروجها من غزة في دفعة تبادل من بين سبع دفعات: “أن المقاومة كانت تعاملها معاملة جيدة”، وهو ما تم توبيخ مدير المستشفى الذي أدلت فيه بالتصريحات عليه، وتم تدشين حملة لتشويه ما قالته، ومنع المحتجزين الذين شملهم تبادل المعتقلين من الظهور الإعلامي إلا بضوابط. والمقصود هو أن هذه السياسات الإعلامية والحملات التي تنفذ توجيهات الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (واعترف ضمنيًّا ضابط استخبارات داخلية في دراسة كتبها لمعهد مسجاف للأمن القومي ببعض تفاصيلها) تؤثر بالقطع على شعبية نتنياهو وتساعد على زيادتها.

طبيعة الفروق بين اليمين ويمين الوسط حول غزة:

ويعبر عن الفروق الميكروسكوبية بين اليمين، والوسط أو يمين الوسط شعار “النصر التام”، الذي رفعه نتنياهو منذ بداية العدوان على غزة، حيث رفع في المقابل جانتس “النصر الحقيقي”، وعند سؤال رئيس الأركان السابق “جادي إيزنكوت” بصفته قياديًّا في نفس الحزب مع جانتس عن الفارق، رد بإجابة غامضة: “الفرق يماثل الفرق بين من حارب الإرهاب وبين من كتب عنه كتب”. ويتضح لنا على هذا النحو، أن الفروق ضئيلة جدًا، وهذا يصب في مصلحة نتنياهو، وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى تبادل اتهامات بين (جانتس، ونتنياهو) عن المتسبب في ” تعطيل الهجوم على رفح” أي أن الهجوم على رفح بكل التعقيدات الخاصة بالحدود مع مصر وباحتشاد مليون و200 ألف نازح في منطقة كان تعداد سكانها نحو 100 ألف فقط ليس محل خلاف، فالتوافق قائم والخلاف حول التوقيت، والمتسبب في التأجيل؛ حيث كشف جانتس: “نتيناهو خاف أن يبدأ الهجوم البري على غزة، وتأخر في الدخول لخان يونس، وتردد في الدخول لرفح”. وهو ما يكشف مجددًا أن الخلاف بين (جانتس، ونتنياهو) حول التفاصيل الدقيقة، وليس الخط العام أو التوجه الشامل، وأن نتنياهو يخاف مما يعتبره أنصاره قدرًا من النضج في مقابل عسكريين جامحين عاجزين، ويسار ينزوي نحو الهامش.

مع ملاحظة أن جانتس كان قائمًا بأعمال رئيس الوزراء في حكومة سابقة لنتنياهو، ولم يعمل على اختراق لجمود المفاوضات مع الفلسطينيين أو تجميد الاستيطان، كما سبق وأن التقى – في منزله- حينما كان وزيرًا للدفاع بمحمود عباس أبو مازن، ولم يحدث أي تقدم ملموس في مسيرة السلام أو عودة لمسار أوسلو. وفي فبراير عام 2024، أبلغ الولايات المتحدة موقفه الرافض لما وصفه بـ “اعتراف أحادي بدولة فلسطينية”.

مآلات هذا التحول في المجتمع الإسرائيلي على الداخل وسيناريوهات اليوم التالي:

أولًا داخليًّا: الإصرار على يهودية الدولة وتجاوز أفكار الليكود التقليدية المتطرفة نحو أفكار مسيحانية، تزعم بأنها تمهد الطريق للمسيح اليهودي المخلص بطرد “العرب” من “أرض إسرائيل”، يقف عقبة أمام استمرار استغلال شرائح من البدو ومن الدروز في التجنيد لسد النقص، مع توجيهم للأماكن الخطرة فهل سيموت البدوي أو الدرزي المجند في جيش الاحتلال من أجل يهودية الدولة؟ وهل سيبدو على هذا النحو أمام نفسه وأمام الجميع مجرد مرتزق لا تحترمه إسرائيل، رغم انصياعه لقوانينها وتضحيته بنفسه من أجلها، كما أن تحويل سفاح الحرم الإبراهيمي “قاتل المصليين” إلى صاحب كرامات والاحتفاء به وتكريمه أمر من الصعب حتى على الحلفاء الغربيين الدفاع عنه.

ستتفاقم الخلافات بين (الحريديم، والعلمانيين) حول رفض التجنيد في جيش الاحتلال ولو لفترة رمزية وبأعداد رمزية، لتضاف إليها خلافات بين من يريدون دولة لكل مواطنيها وهم أقلية، وبين من يريدون التوسع سواء على حساب الضفة الغربية أو احتلال دول أخرى، ومن يرغبون في منح الأولوية في الميزانيات والتأمين لأراضي الـ 48 وليس للمستوطنات والضم.

ويمكن استشراف تداعيات تحول المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتشدد داخليًّا متمثلة في هيستريا ومزايدات، وربما عنف سياسي بحجم مقتل رئيس الوزراء “إسحاق رابين”، خاصة بعد تكرار قتل يهود بطريق الخطأ، في أعقاب توزيع بن جفير السلاح على “المدنيين الإسرائيليين”، وهو ما يعني تعليق للقانون. وتمثل بالفعل- منذ أسابيع- في التصدي بالسلاح الآلي لمحاولة الشرطة العسكرية الإسرائيلية إلقاء القبض على متهمين بتعذيب واغتصاب وقتل فلسطيني، وهي الواقعة التي دعم فيها أعضاء كنيست ووزراء ملثمين اقتحموا القاعدة العسكرية لمنع مجرد التحقيق مع المتهمين من السجانين المنتمين لقوات الاحتياط برتب مختلفة. وعلى نفس المنوال، يطلب التيار المؤيد لنتنياهو عدم إدانة العنف من المستوطنين تجاه الفلسطينيين في الضفة، وهذا التجاهل والحماية التي يقدمها جيش الاحتلال لقطعان المستوطنين قد يشعل الضفة الغربية بشكلٍ كامل، بل وقد يؤجج مشاعر فلسطيني الـ 48، خاصة بعد حديث حماس عن عودة العمليات الاستشهادية في المدن الإسرائيلية لأول مرة منذ نحو ربع قرن.

 ثانيًا خارجيًّا: لا يجد أنصار نتنياهو غضاضة مع الفكر الكاهاني نسبة إلى “مائير كاهانا”، وهنا يجدر بنا ملاحظة أن هذا التوجه الفكري الجامح تأسس خارج إسرائيل وتحديدًا في الولايات المتحدة، وهناك بالفعل ظاهرة خطيرة تتمثل في انتشار هذه الأفكار بين شرائح من يهود الولايات المتحدة، رغم اعتراض منظمات يهودية عليه، وعلى استمرار الحرب في غزة. وهذا قد يفضي إلى أن تتحول إسرائيل إلى عبء على الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة والعالم، على الرغم من وجود شريحة غير مكترثة بما يجري في إسرائيل، ولا تعطي هذا الملف أولوية مقارنة بالضرائب، ومستوى المعيشة، ومستوى الخدمات الصحية في بلادها، ومن المؤكد أن جماعة يهودية متدينة ومقرها الكبير في الولايات المتحدة ترفض الصهيونية أيضًا. وستضرر الجاليات اليهودية من استمرار سيطرة الهوس اليميني الفاشي على الشارع الإسرائيلي، خاصة وأن محكمة العدل والجنائية الدولية (تم تأسيسهم لملاحقة مجرمي حرب أغلبهم من الأعداء المباشرين للغرب) تلاحق إسرائيل وقادتها، وهو ما يعني بالضرورة أن الخلافات الداخلية في إسرائيل سيتم تصديرها تدريجيًّا للولايات المتحدة، وكما تتورط واشنطون في دعم عسكري مباشر لإسرائيل بعد 7 أكتوبر، سيتأثر الداخل الأمريكي بهذه التجاذبات بعد أن استشعر أنصار نتنياهو القوة من التصفيق المتواصل ممن حضروا خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي.

ومن الجوانب السلبية للعرب وللقضية الفلسطينية على مستوى التداعيات الخارجية لتأييد قطاع عريض من الشارع الإسرائيلي لسياسات نتنياهو، أن تنامي قوة تأييد الشارع الإسرائيلي لنتنياهو وسياساته يقابله تحول “الإسناد” إلى “إلهاء”، و”الصراع العربي الإسرائيلي” إلى “صراع إيراني إسرائيلي” ينزع التعاطف عن القضية والشرعية الدولية، ويروج إلى قدرة طهران على التأثير في القضية بالسلاح، وقد تنسف أبواقها لها أي تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار، بزعم أن التحرك الأمريكي الأخير جاء لتقليل حجم الرد الإيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران.

خارجيًّا أيضًا تجدر الاشارة إلى أن الانجراف يمينًا في المجتمع الإسرائيلي يجعل فرص تفاقم مشاكل الشرق الأوسط أيسر، خاصة بعد أن سقط القناع عن العروض والدراسات الأكاديمية والافتراضية، التي تتحدث عن سيناء بوصفها وطنًا للفلسطينيين أو جزء من غزة الكبرى؛ ليتبنى هذه الأفكار رسميين ووزراء، وهو ما تم الرد عليه مرارًا رسميًّا وشعبيًّا بكل قوة باعتباره خط أحمر، وتصفية للقضية الفلسطينية، حتى ولو تم الدعوة إليه من خلال المطالبة بمعسكرات مؤقتة!! وستجد إسرائيل نفسها معزولة حتى عن الدول التي وقَّعت الاتفاقات الإبراهيمية، ومصر، والأردن. بجانب تصعيد محتمل مع سوريا، تتعرض لهجمات مستمرة من طيران جيش الاحتلال على مدار سنوات بعد أن قبلت دمشق – مع بقية الدول العربية- التفاوض مع إسرائيل في قمة فاس سبتمبر 1982، وحضرت مؤتمر مدريد للسلام، والتقى رئيس أركان جيش الاحتلال -آنذاك- “إيهود باراك” مع رئيس أركان الجيش السوري، بعد منح ما عرف باسم “وديعة رابين” بشأن إعادة الجولان مقابل ترتيبات أمنية، وقبلت المبادرة العربية، وهذا يجعل السعي لتحرير الجولان أمرًا مشروعًا وقانونيًّا حتى ولو دعمت الاشتباك الجديد قيادات عسكرية إيرانية وميليشيات داعمة. ونرى أن جبهة لبنان ستتضرر من تنامي أعداد الجمهور المؤيد لأفكار وسياسات نتنياهو؛ حيث تستهدف تل أبيب دومًا في حالة تجاوز قواعد الاشتباك الحالي، سواء بمبادرة من حزب الله أو من إسرائيل، الخدمات والبني التحتية في لبنان وليس مقرات حزب الله فقط، وتتحدث مرارًا عن ضرورة إعادة احتلال شريط حدودي من جنوب لبنان. وفي هذا السياق، عبرت أصوات حكومية لبنانية عديدة عن دعمها للمقاومة، رافضة إدانتها أو شق الصف.

وعند النظر إلى الأردن، سنجد أنه يتعرض دومًا للابتزازات من معسكر “نعم لنتنياهو”، الذي يؤيد الاقتحامات المتتالية للحرم، وهو ما تفاقم مؤخرًا بدخول وزراء للحرم وتدنيسه وأداء صلاوات تلمودية فيه (وهو ما يرفضه مئات الحاخامات في فتاوى منشورة تحذر من تدنيس الحرم قبل ظهور البقرة الحمراء وحرقها، وتطهر أحد كبار رجال الدين برمادها، والدخول لمحيط بقايا الهيكل المزعوم)، وهو ما يتعارض مع الوصاية الهاشمية ويغير من الوضع الراهن للحرم، كما تتوالي الاتهامات بأن الأسلحة يتم تهريبها من الأردن للضفة، وهو اتهام مثير للسخرية؛ حيث تسيطر القوات الإسرائيلية على الحدود مع الأردن بالكامل، وعلى هذا فإذا غض طرف النظر عن التهريب من جانبه فلماذا يغض جيش الاحتلال عن التهريب الذي يمر بين صفوف قواته وداخل أراضي تسيطر عليها بالكامل قوات إسرائيلية؟ كما سبق وأن زعم أكثر من قيادي إسرائيلي بأن الاردن هي وطن الفلسطينيين، ومن المستغرب أن تكون هذه الأجواء سائدة ومطلوب من الأردن أن تساعد في إسقاط المسرات والصواريخ المتجهة لإسرائيل، إذا ما مرت في المجال الجوي الأردني.

ويمكن القول أن مصر على رأس من سيتضررون من تأييد قطاع عريض من الشارع الإسرائيلي لسياسات نتنياهو الحالية؛ حيث تقوم هذه السياسات على تشويه مصر ومحاولة ابتزازها بغية الضغط على القاهرة لتراجع مواقفها الرافضة لنقل فلسطينيين لإقامة “مؤقتة” في سيناء حسب التعبير الإسرائيلي، أو لكي تضغط بدورها على المقاومة. على الرغم من أن مصر هي التي حذرت مبكرًا من هذه السياسات منذ تولى حكومة نتنياهو السلطة في ديسمبر 2022.

الخلاصة: إن رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” مدعومًا من تيار كبير في الشارع الإسرائيلي يقود إسرائيل إلى مفترق طرق خطير بين صفقة المحتجزين أو التصعيد في (قطاع غزة، ولبنان، والمنطقة)، وهو ما أبرزته صحيفة “هآرتس” العبرية نهاية أغسطس الماضي، نقلًا عن مسؤولين مشاركين بالمحادثات الأمنية، قالوا: “إن نتنياهو أوصل إسرائيل إلى أسوأ وضع إستراتيجي لها على الإطلاق مع احتمال اندلاع حرب كبرى”، وأضاف المسؤولون: “أن ليس لإسرائيل إطار زمني تعمل وفقه باستثناء احتمال وصول ترامب للبيت الأبيض”.

وعلى هذا، ومع استبعاد العودة لمسار أوسلو وتأييد كل أعضاء الكنيست من اليمين ومن المعارضة، مع استثناءات قليلة للعرب وعدد من الشخصيات اليسارية، قيام دولة فلسطينية، فإن الانفجار القادم لن يتأخر، وسيؤدي هذا التعالي المتفشي في المجتمع إلى:

  1. مزيد من العزلة الدولية التي عبرت عنها السياسات التصويتية في المنابر والهيئات الدولية، وحرص نتنياهو على السفر في رحلة مباشرة للولايات المتحدة خشية أن يتعرض للاعتقال لو هبطت طائرته في دولة أوروبية في الطريق.
  2. زيادة احتمالات تكرار الهجوم على أراضي الـ 48 من غلاف طولكرم أو غلاف مزارع شبعا، أو غلاف الجولان.
  3. السعي لاستفادة نتنياهو من “الإسناد الإيراني” تحت شعار “وحدة الساحات” وعلى يد أذرع إيران، حيث يحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع إيراني إسرائيلي، وهو ما يقوله ويحذر منه نتنياهو الغرب منذ سنوات، ويقلل من التعاطف مع شعب يتعرض لاحتلال وإبادة وتجويع، رغبة في عدم توجيه الدعم السياسي واللوجيستي والقانوني لإيران، التي ترغب هي أيضًا في التوسع على حساب الأراضي والمصالح العربية.
  4. حرص أكبر من المجموعة التي يقودها نتنياهو على أن تعود الأوضاع إلى يوم 7 أكتوبر الساعة 6 ونصف صباحًا 2023؛ ليتم التعامل بشكل مختلف مع الأحداث مع استبعاد حماس ونقيضها السياسي السلطة الفلسطينية، وتجاهل وجهة النظر الفلسطينية -خاصة بعد مخرجات المصالحة في بكين بمسار سياسي شامل للقضية الفلسطينية يفضي لقيام دولة فلسطينية، وهو ما يحتاج أولًا للعودة إلى “6 أكتوبر 2023″، أي انسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل مع القطاع وإنهاء الحرب، مع سيطرة السلطة الفلسطينية على رفح وإدارة القطاع تدريجيًّا بالتوازي مع بدء عمليات إعادة الإعمار.
اظهر المزيد

د.أحمد فؤاد أنور

عضو هيئة تدريس جامعة الإسكندرية -عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى