2024العدد 198ملف عربي

مسارات التدهور في الأزمة السودانية

ربما يكون حجم واتجاهات تفاعل القمة العربية الأخيرة المعقودة في المنامة بشأن السودان، مؤشرًا على حجم الإحباط العربي المحيط بالأزمة السودانية، من حيث طبيعة المسؤولية السودانية عن تدهور الأوضاع، ودورها في كبح مجهودات وقف الحرب على المستويين (الإقليمي، والدولي)، وإن كان ذلك لا ينفي أن هناك أدورًا خارجية متسببة أيضًا في إطالة هذه الأزمة إلى حد أنها ساهمت في تقويض قدرات الدولة السودانية والعودة بها ربما قرنًا إلى الوراء.

في هذا السياق، نستعرض التطورات السياسية بالسودان خلال الفترة الأخيرة، وكذلك اتجاهات التفاعلات الإقليمية والدولية في محاولة وقف الحرب.

١- التطورات السياسية والعسكرية:

يمثل مصير مدينة الفاشر في إقليم شمال دارفور، والمتواصلة فيها حاليًّا مواجهات عسكرية_ نقطة تحول أساسية في الصراع السوداني، ذلك أنه في حالة قدرة الجيش وحلفائه من الفصائل الدارفورية الأخرى في دحر قوات الدعم السريع، أن يمثل ذلك فرصة جديدة تتاح تمكن الفاعلين الدوليين والإقليميين من توافر منصة للتواصل بين الطرفين المتحاربين، وربما التوصل لوقف إطلاق النار يترتب عليه بلورة عملية سياسية.

في المقابل، فإنه في حالة استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، فإن ذلك يعني سيطرة الدعم السريع على الأقاليم الثلاث الدارفورية، وهو تطور سوف يواجه بعدد من التحديات: الأول، مقاومة دارفورية داخلية نظرًا للتنوع القبلي في هذا الإقليم، وهو ما يعني استمرار الصراعات المسلحة في السودان.

 أما التحدي الثاني: فهو تدخل قوات تشادية في السودان تكون منتمية للنظام الحاكم هناك، أي قبيلة الزغاوة التي سوف تقود تحالفًا عسكريًّا، ربما تمتد جذوره إلى كل دول الساحل الإفريقي ضد تحالف من القبائل العربية تقوده قوات الدعم السريع، وهو ما يعني في الأخير حربًا مفتوحة على الأراضي السودانية تمتد نيرانها إلى الداخل التشادي على أقل تقدير.

في هذا السياق، فهناك تطور عسكري لافت هو تقدم قوات الدعم السريع في منطقة شندي بولاية نهر النيل شمال العاصمة الخرطوم، وذلك بالتزامن مع معارك الفاشر؛ حيث تم الإعلان عن مقتل 300 من الجيش السوداني وأسر 25 خلال تقدمها في جنوب مدينة شندي، وكذلك الاستيلاء على عتاد عسكري ضخم ممثلًا في 70 عربة قتالية بكامل عتادها العسكري، وعدد 3 سيارات مصفحة إضافة إلى 3 راجمات 122، و5 شاحنات محملة بالذخائر، والأخطر منظومة تشويش كاملة، ومدافع هاوزر.([1])

على صعيد وسط السودان، يمثل استيلاء قوات الدعم السريع على منطقة الجزيرة في وسط السودان في نهايات عام 2023 تطور سلبي فيما يتعلق بطبيعة مشروع قوات الدعم السريع، الذي يطمح أن يكون بديلًا عسكريًّا للجيش القومي، قادرًا على حكم كافة أنحاء البلاد، وهو أمر قد يكون مشكوكًا فيه نظرًا لطبيعة الأداء الإجرامي الذي تقوم به القوات المنتسبة للدعم السريع من سلب ونهب واغتصابات للنساء، وكذلك الشكوك القوية في قدرة قيادة الدعم السريع على السيطرة العسكرية والسياسية على كافة القوات.

على صعيد مواز،ٍ نستطيع أن نلمح عددًا من التحولات الميدانية على المستوى العسكري، إن أبرزها: تطور قدرات الجيش السوداني على المستوى العسكري، وتحوله إلى وضعية الهجوم، خصوصًا في عاصمة البلاد الخرطوم، التي استطاع فيها تحقيق إزاحة لقوات الدعم السريع خصوصًا من مدينة (أم درمان، والخرطوم بحري)، والاستيلاء على مبنى الإذاعة والتليفزيون في مارس الماضي، بما يمثله ذلك من قيمة رمزية، كما نجح الجيش في فبراير 2024 نجاح قواته في فك الحصار عن سلاح المهندسين، كما تراكمت التحديات العسكرية وتصاعدت، التي واجهت الدعم السريع خارج العاصمة الخرطوم، حيث فشلت في شن بعض الهجمات العسكرية على مناطق تقع تحت سيطرة الجيش في (شمال دارفور، وغرب كردفان وجنوبها).

وقد يكون من المرجح أن تتعزز فرص الجيش في تحسين أوضاعه العسكرية، وذلك في كل من: الخرطوم التي ماتزال فيها جيوب لقوات الدعم السريع بالأحياء، وكذلك على الطرق الرابطة بين الخرطوم والمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. كما أنه من المرجح أن يحافظ الجيش علي مناطق تواجده وهيمنته الراهنة في ولايات شمال وشرق السودان.

ويمكن تفسير التحولات في الميزان العسكري لصالح الجيش السوداني في هذه المرحلة في أكثر من عامل منها حصول الجيش على مسيرات إيرانية، وكذلك استعانته بخبرات أوكرانية في حرب المدن، التي تقول تقارير وتحقيقات فرنسية أن كييف قد عمَّقت من تعاونها العسكري مع الجيش السوداني في مواجهة دعم موسكو للدعم السريع بآليات الفيلق الإفريقي لقوات فاغنر سابقًا، وكذلك ويُمكن إعادة مكاسب الجيش في العاصمة إلى عاملين رئيسين: يرتبط أولهما بالحصول على مسيرات مهاجر6، التي تتمكن من إلقاء 40 كليو جرام من المواد المتفجرة، وكذلك القدرات المرتبطة بإمكانات المراقبة والاستطلاع، وذلك في وقت تواجه قوات الدعم السريع متغير تحالف الفصائل الدارفورية المسلحة مع الجيش القومي؛  إذ يجمع بين المكوِّن القبلي الإفريقي الذي تنتمي له قيادات الحركات الدارفورية، وقوات عبد العزيز الحلو التي تتنمي إلى المكون الإفريقي_ عداءٌ تاريخي مع المكوِّن العربي القبلي، الذي ينتمي له قادة الدعم السريع.

ومن غير المستبعد أن يُمهِّد اتساع سيطرة الجيش في أم درمان والخرطوم بحري إلى حدوث تحوّل في ميزان القوى في العاصمة؛ حيث تحظى مدينة أم درمان بأهمية نسبية في سياق النزاع؛ إذ تربط بين بؤر التمركز العسكري للدعم السريع في غرب البلاد، وبين أماكن وجودها في شمال العاصمة ووسطها، والتي تحتوي عددًا من المقار الإستراتيجية، مثل القصر الجمهوري، ومجمع اليرموك للصناعات العسكرية، ومصفاة النفط الرئيسة بالبلاد([2]).

٢- مجهودات وقف الحرب:

برزت في يناير 2024، مجهودات دولية وإقليمية؛ للجمع بين طرفي القتال السوداني في عاصمة البحرين المنامة، حضرها الفريق “شمس الدين الكباشي” نائب وزير الدفاع السوداني، ولكن تراجع الجيش عن التوقيع على الوثيقة في اللحظات الأخيرة، وذلك بعد مجهودات خلال 2023 من الأطراف الإقليمية وتمثلت في التالي:

  • مايو/أيار 2023، بدأت “مفاوضات جدة”، التي دعت إليها السعودية وحلفاؤها الدوليون، الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الإيغاد، وممثلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد أسابيع قليلة فقط من اندلاع الحرب.
  • 12 مايو/أيار 2023، أثمرت المحادثات في جدة توقيع اتفاق مبادئ أوليٍّ لوقف الأعمال العدائية بين الجانبين، بعد أن أكد الطرفان التزامهما به، وبالعمل على الامتناع عن أي هجوم من شأنه أن يتسبب بأضرار مدنية.
  • مع كل تلك التعهدات تواصلت الخروقات، واستؤنفت المعارك في الخرطوم والولايات في دارفور وكردفان.
  • في منتصف مايو، استضافت إثيوبيا قمة إقليمية لدول شرق إفريقيا، لكن الجيش السوداني قاطعها، متهِمًا كينيا الراعي الرئيس لهذه القمة، بالتحيز لصالح قوات الدعم السريع.
  • في منتصف يوليو 2023، دعت مصر دول جوار السودان لحضور قمة احتضنتها القاهرة بمشاركة (إريتريا، وإثيوبيا، وكينيا وجنوب السودان)، بالإضافة إلى مشاركة دولية وإقليمية واسعة، في محاولة للتوسط بين الطرفين المتحاربين؛ بهدف إحداث مساعٍ رامية لمنع اندلاع حرب أهلية.

ونتيجة لمسارات الصراع العسكري السوداني، وبروز ممارسات لها طابع داعشي، تعرضت الإدارة الأمريكية لاتهامات من الكونجرس بشأن إهمال الملف السوداني، فتحول من الخارجية الأمريكية إلى إدارات مكافحة الإرهاب، ومع تعيين “توم بيريليو” مبعوثًا أمريكيًّا للسودان في أبريل الماضي؛ حيث نستطيع أن نرى ملامح نهج أمريكي جديد ركز على فصل دمج  مساري وقف إطلاق النار و المسار السياسي، وذلك بعد أن كانت ترفض دخول العسكريين في النقاش بشأن القضايا السياسية، كما تم توسيع أطر السعي للحل السلمي السوداني، وضم كلًّا من (مصر، ودولة الإمارات) لهذه الأطر، وكذلك تم توسيع السياقات السياسية والشعبية لتمثيل الشعب السوداني، وذلك إضافة لدعم تنسيقية تقدم، وهو الاتجاه الذي انحاز إليه أيضًا الاتحاد الأوربي؛ حيث تم استخدام منهج توسيع المشاركة في كل من: مؤتمر باريس، الذي عقد منتصف أبريل 2024، وجمع المؤتمر وزراء وممثلي 58 دولة تشمل دول من الجوار (ليس كل دول الجوار)، ومن الإقليم، والمانحين، إضافة لممثلي المنظمات الإقليمية مثل: الاتحاد الإفريقي، والإيقاد، والجامعة العربية، والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء وممثلي برامج ووكالات الأمم المتحدة مثل: برنامج الغذاء، ومنظمة الصحة، … إلخ، والصليب الأحمر الدولي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، … إلخ، إضافة لحوالي 50 منظمة غير حكومية سودانية ودولية، وتمثلت أهدافه في:

  • حث الأطراف على إنهاء الحرب والالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
  • السماح بدخول ومرور المساعدات الإنسانية ووصول المواطنين إليها.
  • جمع الأموال اللازمة للأغراض الإنسانية، وقد أعلن المنظمون أن المانحين قد تعهدوا بدفع 2 مليار، يساهم الاتحاد الأوربي فيها بمبلغ 900 مليون يورو، وذلك استجابة لنداء الأمم المتحدة في7/2/2024، الذي لم يجد حينها استجابة.
  •  في هذا السياق أيضًا، تم عقد ورش عمل للمكونات السودانية الموسعة في كل من (جنيف، وهلسنكي)، وقد تكون أهم مخرجات مؤتمر باريس وورش كل من (جنيف، وهلسنكي)، هو حث الأطراف على الالتزام بما تم الاتفاق عليه في جدة – خاصة إعلان جدة في 11 مايو 2023.
  • حث كل الأطراف الأجنبية على وقف دعمها بالسلاح والعتاد للأطراف المتحاربة، والامتناع عن أي عمل من شأنه زيادة التوترات وتأجيج الصراع.
  • حث جميع الأطراف الإقليمية والدولية على دعم (مبادرة سلام موحدة) من منابر جدة، والاتحاد الإفريقي، والإيقاد، وآلية دول الجوار، أي توحيد المبادرات في مبادرة واحدة ([3]).
  • الالتزام بدعم التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني، والالتزام بدعم عملية شاملة وتمثل السودانيين يقودها السودانيون وتؤدي لاستعادة الحكم المدني. وقد التزام بيان مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي بهذه المخرجات، وأصدر بيانًا لاحقًا لمؤتمر باريس، أكد فيه على أن حل النزاع السوداني لن يكون إلا عبر (عملية سياسية شاملة وتمثيلية كاملة)، والتأكيد على إستراتيجية الاتحاد الإفريقي نحو حوار سياسي شامل لجميع السودانيين، فضلًا عن دعم التمسك بإعلان جدة الصادر في مايو 2023.

أما على المستوى السوداني، فقد تم عقد مؤتمرين: أحدهما في القاهرة في الأسبوع الأول من مايو 2024، والثاني في أديس أبابا في الأسبوع الثالث من الشهر؛ حيث شكل المؤتمر الأول حالة توسيع للكتلة المناصرة للجيش السوداني والفصائل المسلحة السودانية لتشمل تكتلات ورموزًا قبلية -خصوصًا من ولاية دارفور فيما كان مؤتمر أديس أبابا هو تمثيلًا لتنسيقية تقدم، التي تقدم نفسها كقوة قائدة لعملية تحول ديمقراطي في السودان.

وعلى الصعيد الدولي، يكثف المبعوث الأمريكي للسودان من مجهودات توسيع الحوار الداخلي السوداني، وكذلك التشاور مع القاهرة -خصوصًا التي تستضيف 5 مليون سوداني على أراضيها، وذلك بالتوازي مع عمليات تشاور إقليمية مع كل من (أبو ظبي، والرياض).

وتحت مظلة هذه المجهودات السياسية، يكون من المفهوم توسع الصراع العسكري وحدته على الصعيد الميداني، وذلك بحسب أن الأطراف المتقاتلة تسعى لتحسن أوزانها في الميزان العسكري علي مائدة تفاوض قد يتم النجاح في الوصول إليها.

إجمالًا، يبدو أن هناك ضرورة لتكثيف جهود وقف الحرب السودانية، ذلك أن استمرارها لا يشكل فقط تهديدًا وجوديًا لدولة السودان، ولكنه تهديد وجودي أيضًا لدولة تشاد، واستمراره يعني فتح جبهات فرعية أخرى تهدد كل إقليم غرب إفريقيا.


([1]) موقع سكاي نيوز عربية متاح على: https://2u.pw/DQrGT4gfحولات.

([2]) سمير رمزي، تحولات المشهد السوداني وفرص التسوية، مركز الإمارات للسياسيات، متاح على https://2u.pw/MatRjLsj :

([3]) د. عبد الرحمن الغالي، الحراك السوداني والدولي لإيقاف الحرب، الفرص والمحاذير متاح على: https:\\almohagig.com\4695

اظهر المزيد

د.أماني الطويل

كاتبة وباحثة ،مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى