هذا الكتاب يتناول بالبحث الدقيق منطقة الشرق الأوسط في محاولة لتحليل الأوضاع السياسية الراهنة في تلك المنطقة المليئة بالصراعات .
ولم يقتصر الحديث عن الشؤون السياسية ، بل يتطرق إلى الشأن الاقتصادي حيث الوفرة في الموارد الطبيعية التي نعم بها الشرق الأوسط على مر التاريخ ، بل أضيف إليها منذ أوائل القرن العشرين عنصر البترول حيث لا تزال المنطقة تمتلك نحو ثلثي الاحتياطات العالمية من السلعة الاستراتيجية التي لا تقتصر أهميتها على عمليات الاستكشاف والإنتاج والتكرر بقدر ما تنسحب الأهمية أيضا على جوانب النقل البري ( شبكات خطوط الأنابيب ) والبحري ( السفن – قناة السويس – مضيق هرمز – باب المندب – المنافذ السورية والتركية ) وعلى حركة أسواق الأوراق المالية في العالم كله ، هل كل تلك الثروات وقف أمامها العالم متفرجا بدون أن يبدي أي أطماع فيها وهذا ما سنعرضه داخل فصول ذلك الكتاب .
ففي الفصل الأول والثاني يحدثنا الكاتب فيهما عن الشرق الأوسط الكبير ولماذا تهتم أمريكا بهذه المنطقة ، فيقول الكاتب إن مشكلة المشاكل في تعامل أمريكا خصوصا مع الشرق الأوسط إنما ينبع من حقيقة أن أمريكا نفسها بلد تعاني بما يمكن أن نصفه بـ ( أنيميا التاريخ ) فعمرها الآن 232 سنة فقط ، فإذا بها بحكم عوامل استراتيجية شتى تأتي في صدارتها إسرائيل والبترول مضطرة إلى التعامل والتعاطي مع منطقة الشرق الأوسط بكل تعقيداتها وكل عراقة تاريخها الموغل في الزمن ، وتتقاطع معه خطوط متباينة ومتشابكة من مختلف الثقافات والديانات والإثنيات التي عرفت كيف تتعايش معا عبر هذا التاريخ الطويل ، الأمر الذي جعل راسمي السياسات ومهندسي صنع القرار في أمريكا يتعرفون على المنطقة من زوايا رئيسية ثلاث هي الزاوية العربية والزاوية الغربية والزاوية الشرق أوسطية .
ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن موضوع إسرائيل كأداة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط ، حيث تستعمل إسرائيل من خلال مسئوليها وقادتها والحكوميين للإبقاء على التوتر حيا في الشرق الأوسط ، وهي أداة لتبرير التدخل البريطاني –الأمريكي – الفرنسي – الألماني ، حيث أعداء إسرائيل يوافقون على أن تل أبيب وكيلة المصالح الخارجية البريطانية الأمريكية وقد حذر وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني ، الحكومة الأمريكية بأن الرد العسكري الإيراني على أي هجوم إسرائيلي ، سيستهدف كلا من إسرائيل والولايات المتحدة ، وهذا ما يعني أن إسرائيل لن تقدم على أي عدوان دون إذن من الولايات المتحدة ، ولقد شارك البيت الأبيض بشكل كامل في كل التجارب التي أجريت على الصواريخ الإسرائيلية كما أن التحضيرات الحربية الإسرائيلية قد تمت بتنسيق أمريكي .
ثم يتناول بعد ذلك وضعية دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، حيث عنيت الحكومة الأمريكية بدراسات الشرق الأوسط حتى كانت لجنة الشؤون الخارجية في عهد السيناتور هنري جاكسون تستضيف العديد من أساتذة الجامعات الأمريكية والبريطانية لتقديم شهادتهم في قضايا تخص المنطقة ، وازدادت حاجة الولايات المتحدة لهذه الدراسات بعد حرب الخليج الثانية واحتلال العراق للكويت عام 1990 ، فزاد الدعم لهذه الدراسات وقدمت المنح التي كان بعضها مشروطا بالخدمة في أجهزة الحكومة الأمريكية وبخاصة الاستخبارات ، وقد أثار هذا الأمر اعتراض العديد من الأساتذة ولكن الحكومة الأمريكية مضت في تمويل هذه الدراسات بطريقة مشروطة بالإضافة إلى الحكومة الأمريكية ، بأن الحركة الصهيونية العالمية التفتت إلى هذه الدراسات فزرعت فيها العديد من التلاميذ والأساتذة لتصدر الدراسات والمؤتمرات والندوات مؤيدة لوجهة النظر الصهيونية وليستمر الدعم غير المحدد لإسرائيل ، كما أن بعض العرب والمسلمين قد قاموا بإنشاء معاهد للدراسات العربية والإسلامية ، ولكنهم لم يحققوا النجاح الذي حققه اليهود ، بل إن بعض هذه المعاهد حققت نتائج عكسية .
وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م فظهر تغيير كبير في دراسات الشرق الأوسط أولها استمرار التركيز على اتهام الإسلام بالإرهاب ، وتنال السعودية نصيبا كبيرا من هذا الهجوم لمكانتها الخاصة في العالم العربي ، وازدادت صلة بعض المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط الذين يتبنون السياسات التي يتبناها المحافظون الجدد في الحكومة الأمريكية حتى أصبح هؤلاء الخبراء بالشرق الأوسط أو المستشرقون هم من يقدمون الغطاء الفكري للسياسة الأمريكية في العالم العربي الإسلامي وبخاصة في احتلال العراق وأفغانستان وغير ذلك من القرارات السياسية .
أما الفصل الثالث والرابع من الكتاب فيتناول بداية موضوع الوعي السياسي وتطبيقاته ، حيث إن الوعي السياسي غالبا ما يتم نشره بين الناس عن طريق وسائل الإعلام بجميع أنواعه ، إلا أن الاستغلال والاحتكار لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيري من قبل بعض الجهات في المنطقة كلها أدت إلى تسطيح الوعي السياسي لدى الأفراد في هذه المنطقة (الشرق الأوسط ) وأيضا فإن انعدام المشاركة السياسية وعدم وجود الحرية في عمل الأحزاب المعارضة في داخل المجتمع يؤدي بشكل أو بآخر إلى تخلف الوعي السياسي بالنسبة للمواطنين .
ثم ينتقل الكاتب بحديثه إلى الثورات العربية ومشروع الشرق الأوسط الجديد ، حيث مضى أعوام على اندلاع الثورات العربية ، وما زالت حالات الصخب والفوضى التي بدأت تظهر في دول الربيع العربي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن دول المنطقة بدأت تدخل في إطار الفوضى الخلاقة وهو الشعار الذي رفعته كونداليزا رايس بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 ، وذلك في إطار مشروع الشرق أوسطي الجديد، الذي يتم فيه تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة وتصبح فيه إسرائيل القوة العظمى.
فمثلا بالنسبة للحالة المصرية ، يستدل الكاتب بسلسلة مقالات بعنوان ” مصر الحرب المقبــــــــلة ” نشرها د. محمد عمارة في الثمانينات نقلا عن مجلة يصدرها البنتاجون ” وزارة الدفاع الأمريكية ” ونقلتها مجلة ” كيفونيم ” في القدس ( فبراير 1982) عن أن الخطة الإسرائيلية الأمريكية تقضي بتقسيم مصر إلى دويلات :-
- سيناء وشرق الدلتا ( تحت النفوذ اليهودي ) ، ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات.
- الدولة النصرانية عاصمتها الإسكندرية ، تمتد من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط وتتسع غربا لتضم الفيوم ، ثم تمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون الذي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية ، وتتسع مرة أخرى لتضم أيضا جزءا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح .
- دولة النوبة المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية ، عاصمتها أسوان ، يربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى ، لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب في البحر الأحمر .
- مصر الإسلامية عاصمتها القاهرة ، تضم الجزء المتبقي من مصر ، ويراد لها أن تكون تحت النفوذ الإسرائيلي ، وأنها تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى كما رسم حدودها المشروع الصهيوني .
هذه الدويلات الأربع عادت صورتهم إلى الظهور مرة أخرى بعد فترة من قيام الثورة المصرية عندما كشف المجلس العسكري بصورة مفاجئة عن مؤامرة تستهدف وحدة البلاد جغرافيا ، محذرا من أخطار المرحلة المقبلة .
وأوضح الجيش وقتها أن الهدف النهائي من كل ما سبق هو تفتيت مصر إلى دويلات صغيرة ، وأشار إلى أن ذلك يأتي في إطار خطة أوسع لتقييم الدولة العربية ، مثلما حدث مع السودان والمحاولات التي جرت في العراق وتجري في ليبيا ، كي تصبح مصر في غاية الضعف أمام إسرائيل بحيث تكون إسرائيل هي مخلب القط في الشرق الأوسط الجديد .
واختلاف التعبيرات بين الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الموسع في السياسة الخارجية الأمريكية ، تزامن مع تدشين مشروع خط أنابيب النفط ( باكو – تبليس جيهان ) في شرق البحر المتوسط ، كما أن عبارة ” الشرق الأوسط الجديد ” وصلت إلى أوجها في تصريحات وزير خارجية أمريكا ورئيس وزراء إسرائيل في عز الحصار الإسرائيلي للبنان في عام 2006 بدعم أنجلو-أمريكي ، يوم أبلغ أولمرت ورايس وسائل الإعلام العالمية أن مشروعا لخلق شرق أوسط جديد قد انطلق من لبنان هذا الإعلان شكل تأكيدا لوجود خريطة طريق عسكرية ، بريطانية – أمريكية – إسرائيلية في الشرق الأوسط هذا المشروع الذي كان في مراحل تحضيرية منذ سنوات عدة يقضي بخلق قوس من عدم الاستقرار ، والفوضى ، والعنف ، يمتد من لبنان إلى فلسطين وسورية والعراق ، والخليج العربي ، ولإيران وصولا إلى حدود أفغانستان الشرقية والشمالية مرورا بدول شمال إفريقيا.
ومن المؤكد أن إعادة خريطة الشرق الأوسط وتقسيمه ، ابتداء من الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط في لبنان وسورية ، والأناضول ( في آسيا الصغرى ) ، مرورا بشبه الجزيرة العربية ، والخليج العربي ، والهضبة الإيرانية ، وصولا إلى مصر والسودان ودول شمال إفريقيا يعكس أهدافا اقتصادية واستراتيجية وعسكرية واسعة ، تشكل جزءا من أجندة أنجلو أمريكية إسرائيلية قديمة في المنطقة .
إلا أنه خلال دراسة التغيير السياسي الذي حدث في العالم العربي فيما يعرف بالربيع العربي تم الوصول إلى النتائج التالية :-
أولا: تعتبر ثورات الربيع العربي هي حصيلة لمجموعة من العوامل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة إلى العوامل الخارجية التي كان لها دور محدد ، وبالتالي شكلت هذه الثورات العربية الداعية للتغيير السياسي زعزعة لبنة الدولة التسلطية في العالم العربي مما ساعد على سقوط بعض الأنظمة العربية لذلك كان لثورات الربيع العربي دور فاعل في إحداث التغيير السياسي في المنطقة العربية .
ثانيا : ظهور المجتمع المدني في دول الربيع العربي باعتباره قوة مركزية في أحداث التغيير السياسي في المنطقة .
ثالثا : غيرت ثورات الربيع العربي الرؤية السياسية للدول الغربية حول منطقة الشـــــــــــــــرق الأوسط ، ومستقبلها السياسي، وبالتالي ستفرز هذه الثورات علاقات دولية جديدة مع الغرب تعمل على تغيير شكل التحالفات التي كانت موجودة في المنطقة .
رابعا : أفرزت الثورات العربية هيمنة للقوى الإسلامية على السلطة وذلك بعد نتائج الانتخابات التي أعقبت التغيير السياسي للأنظمة العربية التي سقطت ، ما كان له كبير الأثر في تنشيط التيارات الإسلامية بمختلف أنواعها مما يعني تنشيطا لأيديولوجية الإسلام السياسي في المنطقة العربية .
ثم يتناول الكاتب بعد ذلك موضوع الصراع على الموارد في الشرق الأوسط ، حيث إن الصراع على الموارد هو صراع أزلي قديم ضاربة جذوره في عمق التاريخ الإنساني على الأرض ، فمستويات الصراع على الموارد تم تقسيمها إلى ثلاث مستويات عالمية وإقليمية ومحلية .
الصراع على المستوى العالمي فيشكل قمة الصراع بين القوى العظمى ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وبقية دول العالم ، فبعد أن تمكنت هذه القوى الكبرى من تعزيز مكانتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية وأصبحت كل موازين القوى في مصلحتها بدأت في الهيمنة على موارد العالم لكسب مزيد من القوة ، فمثلا بالنسبة للنفط فتسعى الولايات المتحدة للسيطرة الكاملة عليه فهي سلعة لها أهميتها في الحرب والسلم ، لذا فالصراع على الموارد النفطية صراع عالمي تنافس عليه القوى الكبرى الأمر الذي قاد ويقود إلى إشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم ، وخير مثال على ذلك محاولة الولايات المتحدة قلب نظام الحكم في فنزويلا وهي من أهم الدول المصدرة للنفط في أمريكا الجنوبية لأن الحكومة الفنزويلية لم تخضع للضغوط الأمريكية ، وعلى هذا تستخدم الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة كل الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية للحصول عليها الأمر الذي جعل العالم أقل أمنا في ظل هيمنة القطب الواحد .
الصراع على المستوى الإقليمي ، ويمكن أن يأخذ الصراع على الموارد مستوى إقليميا عندما تتعارض مصالح الدول المتجاورة كما هو الحال في النزاعات على الحدود السياســـية ، فالصراعات على الحدود تعني الصراع على الأرض والأرض تعني الموارد الأرضية ، فقد شهدت نهاية القرن العشرين صراعات دامية على الحدود بين كثير من الدول معظمها في العالم الثالث ، والمشكلة هنا أن الاستعمار الأوروبي رسم حدودا بين المستعمرات لا تستند إلى واقع تاريخي وإثني واقتصادي فلما حصلت المستعمرات على استقلالها بدأت النزاعات على الحدود التي تركها الاستعمار ، ويشير هنا إلى الحرب الأخيرة بين إثيوبيا وأريتريا والنزاعات الكامنة بين مصر والسودان على مثلث حلايب ، وبين ليبيا وتشاد على إقليم أوزو وبين الصومال وكينيا وإثيوبيا والصومال وبين الهند وباكستان على إقليم كشمير وغيرها من النزاعات .
ومن المشكلات أيضا التي بدأت تطل برأسها خاصة في نهاية القرن الماضي وتتواصل في القرن الحالي مشكلة المياه المشتركة متمثلة في الأنهار الدولية ، فإذا نظرنا إلى الأنهار الدولية في المنطقة العربية نجد كلها محل نزاع بين الدول المشاركة في أحواض الأنهار ويمثل نهر الأردن وهو نهر صغير أكبر المشكلات حيث قامت إسرائيل بالسيطرة الكاملة عليه مما يهدد الأمن المائي بالنسبة للأردن وفلسطين ليس هذا فحسب بل تقوم إسرائيل بسرقة المياه العربية في جنوب لبنان وهضبة الجولان السورية المحتلة كما تسيطر على المياه الجوفية في فلسطين المحتلة مما أدى إلى تدمير القطاع الزراعي الفلسطيني .
وقد فعلت تركيا مثلما صنعت إسرائيل فيما يخص مياه دجلة والفرات ، وقد قامت خلال العقود الثلاثة الماضية بإقامة أكثر من عشرين مشروعا مائيا على النهرين خاصة نهر الفرات دون التفاوض مع كل من سوريا والعراق مما أدى إلى تناقص المياه المنسابة إلى سورية بحوالي النصف إضافة إلى تدني نوعية المياه في كل من سورية والعراق .
وأيضا تقوم إثيوبيا الآن ببناء المنشآت المائية دون الرجوع إلى السودان ومصر مما يعقد المشكلة المائية مستقبلا ، وتقدم الولايات المتحدة وإسرائيل الدعم لإثيوبيا في بناء المشروعات المائية على الروافد العليا للنيل الأزرق وبحيرة تانا في محاولة للضغط على السودان ومصر في سبيل تنازلات سياسية .
أما الصراع على المستوى المحلي فملعب دارفور في السودان خير مثال لهذا الصراع والذي يحدث فيه نزاع وصراع بين القبائل وصل إلى حد التدخل الدولي في هذا الإقليم .
أحمــــد محمــــد سعيـــــــد
باحث مصري – القاهرة