تشهد السياسات الدولية تحوّلات واضحة في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي من المقدر له أن ينعكس على الصراعات والتحالفات القائمة في المنطقة، وقد شهدت المنطقة على مدار العقد الأخير تحوّلات استراتيجية في سياسات النظام الدولي في المنطقة وَضعت المنطقة العربية في حالة من الانتقال وعدم الاستقرار، وباتت مرتبطة بالتفاعلات الدولية وعلاقات الفاعلين بعضهم البعض.
يُشكّل الانسحاب من الشرق الأوسط توافقًا بين نخب السياسة الخارجية الأمريكية، التي باتت مقتنعة أنَّ هذه المنطقة لم تعد تملك الأهمية الكافية التي تحفّز استمرار الوجود الأمريكي بها، فهذه المنطقة التي كانت تُشكّل درة تاج النفوذ الأمريكي في العالم أرجعتها المتغيرات الجيوسياسية إلى مرتبة متأخرة في أولويات السياسة الأمريكية واهتماماتها تلك السياسة التي بدأت مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما”، الذي أعاد تقييم المصالح الأمريكية في المنطقة، وتوصلت إدارته إلى ضرورة ترشيد التدخل الأمريكي وتخفيف درجة الانخراط في صراعات المنطقة التي يجب أن تتولى بنفسها حل أزماتها المزمنة والمعقّدة.
وفي زمن إدارة ترامب جرى إعادة تعريف المصالح الأمريكية في المنطقة، حيث تم نزع البعد الاستراتيجي من علاقة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وحصر المصالح والعلاقة الأمريكية في إطار المنافع المباشرة التي جرى ترجمتها في الغالب على شكل صفقات تسلّح مع دول المنطقة، ما دفع دول المنطقة إلى توسيع دوائر علاقاتها الخارجية وعدم حصرها باللاعب الأمريكي الذي بات يستخدم بكثافة ورقة الانسحاب والبقاء لمساومة دول المنطقة، في وقت بدا حضور الفاعلين الدوليين الآخرين في المنطقة يظهر بوضوح.
معطيات المنطقة الجديدة من وجهة نظر النخب السياسية الأمريكية.
بنت النخب السياسية الأمريكية نظريتها الإنسحابية من الشرق الأوسط على فرضية تقول أنَّ مجموعة المصالح التي شكَّلت سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط فقدت أهميتها في الوقت الذي أصبحت فيه المنطقة أكثر تعقيدًا_ وخاصةً بعد سنوات الربيع العربي وحالة عدم الاستقرار التي ضربت أماكن كثيرة في المنطقة، وبالتالي لم تعد تستحق التكاليف التي تنفقها أمريكا في سبيل الحفاظ على نفوذ لم يعد له ما يوازيه من مصالح على الأرض لأسباب عديدة:-
نهاية حاجة أمريكا للنفط الشرق أوسطي: فقد شكّل الحصول على النفط الرخيص من الشرق الأوسط واللازم لتسيير الحياة الأمريكية أحد أهم الأسباب التي دفعت أمريكا لوضع المنطقة على رأس أولوياتها الأمنية والسياسية، والمحرك الأساسي لرصد موارد دفاعية ودبلوماسية ضخمة من أجل ضمان التفوق الاقتصادي الأمريكي وضمان دوام الرفاهية للأمريكيين.
وقد سمحت زيادة إنتاج النفط في السنوات الأخيرة، لأن تتحوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى طرف مستقل عن الحاجة للطاقة من الأطراف الخارجية_ وخاصةً من الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع وبقوّة السؤال عما إذا كانت حماية التدفق الحر للنفط من الشرق الأوسط تستحق التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة.
متغيرات الأمن الإسرائيلي: لطالما شكّلت إسرائيل أحد ركائز الاهتمام الأمريكي في الشرق الأوسط، ولا تزال تحظى بالاهتمام الأمريكي لاعتبارات سياسية داخلية، لكن ظهور متغيرات كثيرة في إسرائيل نفسها، وفي البيئة المحيطة بها، بدأت تؤثر في موقف النخب الأمريكية من دعم إسرائيل.
لم تعد إسرائيل بحاجة ملحة للدعم المالي الأمريكي، نتيجة تطوّر اقتصادها في العقود الأخيرة، وباتت تحتل مكانة متقدمة في صناعات تكنولوجيا المعلومات، ويماثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للفرد في فرنسا والمملكة المتحدة، كما أنَّ إسرائيل باتت بوضع استراتيجي مريح نتيجة استنزاف خصومها في صراعات بينية خلال العقد الماضي، والذين تراجعت قدراتهم على تهديد أمن إسرائيل، وبات بمقدورها التعامل مع هذه التهديدات بفضل قدرة جيشها الذي يُصنف على أنَّه الجيش الأقوى والأكثر تطورًا في المنطقة.
يضاف إلى ذلك، تراجع تصنيف إسرائيل كعدو أول بالنسبة للعديد من الدول العربية، بل ثمة توجهات لتحويل إسرائيل كجزء من منظومة أمن المنطقة المنشغلة في صراعات وتهديدات لا تُشكّل إسرائيل جزءًا منها.
تراجع مخاطر الإرهاب الموجه للولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان أحد محركات الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط، فقد شهدت السنوات الأخيرة تراجع مخاطر الأعمال الإرهابية إلى درجة الصفر، وقد تم القضاء على تنظيم “داعش” وحصر فعاليته ضمن نطاقات ضيقة في صحارى العراق وسورية، كما أنَّ تنظيم” القاعدة” يمر بمرحلة ضعف في مناطق تمركزه في أفغانستان، وتتكفل القوى المحلية “حركة طالبان” في ضبطه وتخفيض حدة فعاليته.
أمَّا فروع القاعدة في المنطقة، وخاصة “هيئة تحرير الشام” في سورية، التي تصنف بكونها أقوى هذه الفروع، فهي تسعى إلى الابتعاد عن الفكر القاعدي، وخاصةً في الجزء المتعلق منه بالقيام بعمليات خارجية، وتحصر نشاطها ضد خصوم محليين وتسعى للانخراط ضمن العملية السياسية في سورية.
وفي موازاة ذلك، تراجع اهتمام الرأي العام الأمريكي بالإرهاب، نتيجة الانشغال بقضايا أكثر مساسًا بحياة الأمريكي- مثل الأوضاع الاقتصادية- كما بات الرأي العام في أمريكا أكثر قناعة بأنَّ الإرهاب الذي تعرضت له بلادهم كان نتيجة طبيعية للتدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والذي استغلته التنظيمات الإرهابية لتجييش عناصرها ضد الأمريكيين، ويُشكّل تخفيف الوجود الأمريكي في المنطقة أحد وسائل نزع الذرائع من يد هذه التنظيمات.
خطأ إدارة قضية عدم الانتشار النووي: وقد شكَّلت هذه المسألة أحد ركائز التواجد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وقد تعرضت هذه القضية لأضرار كبيرة بعد غزو العراق، الذي ثبت أنَّه لم يكن يمتلك أسلحة نووية وليس لديه مشروع نووي واضح، وقد كلَّف غزو العراق – بذريعة منعه من إنتاج سلاح نووي- الولايات المتحدة تكاليف باهظة( بشريًا واقتصاديًا)، أثَّرت على قدراتها التنافسية في القرن الجديد.
وترى النخب السياسية الأمريكية أنَّ حل مسألة الانتشار النووي ممكن بطريقة أقل تكلفة بكثير، عبر الطرق الدبلوماسية، أو من خلال العقوبات الاقتصادية، أو في أسوأ الأحوال لا تحتاج لرصد موارد عسكرية أمريكية ضخمة في المنطقة من أجل ضبطها.
وباستثناء الفوائد التي يجلبها تخفيف الوجود الأمريكي في المنطقة، وخاصةً على صعيد تقليل حجم الإنفاق الذي يعتبر أحد ركائز الدعوات الأمريكية للانسحاب من المنطقة، يعتقد جزء من النخبة أنَّ الانسحاب سيساهم بتقوية مواقف حلفاء الولايات تجاه المنافسين المحليين الذين يتذرعون بالوجود الأمريكي في استهدافهم لمواقف خصومهم السياسيين، وخاصةً في العراق، حيث تتذرع الميليشيات الموالية لإيران بالوجود الأمريكي برفض برنامج رئيس وزراء العراق بشأن جمع السلاح والإنفتاح على الأمريكيين والعرب.
البدائل المقترحة لتعويض الوجود المباشر.
تقترح نخب السياسة الأمريكية مجموعة من البدائل؛ لتثبيت المصالح الأمريكية في المنطقة، وضمان بقاء المنطقة مرتبطة بالنفوذ الأمريكي، وتتمحور هذه البدائل حول:
- تطوير القدرات الدفاعية في منطقة الخليج، خصوصًا تلك المضادة للصواريخ والطائرات التقليدية منها والمسيّرة لتعويض النقص البشري.
- تفعيل اتفاق حماية الملاحة بشكلٍ أوسع، ورفع مستوى الاعتماد على دول المنطقة في الدفاع عن مياهها ضد أي اعتداءات إيرانية.
- إبقاء أسلحة الدفاع الصاروخي المتطورة “ثاد” قوة جوية دفاعية وهجومية متكاملة في منطقة الخليج العربي.
- أن يكون الانسحاب تدريجيًّا، ويجري التركيز خلاله على تخفيف الوجود المباشر في القواعد الأمريكية بالخليج والعراق على أن يستمر الوجود الجوي أو يتدعم كاستراتيجية مستقبلية في المنطقة.
- ألَّا يكون الانسحاب هدفًا بحد ذاته بقدر ما هو إعادة صياغة للواقع الحالي أكثر من كونه تحولًا استراتيجيًّا.
- تعويض الوجود المكثف عبر التركيز على أصول الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، إذ تستطيع الأقمار الصناعية جمع معلومات جوهرية عن النقاط التي تهمّ الولايات المتحدة في المنطقة، وتستطيع القوات الأمريكية المتمركزة في أوروبا التعويض عن أي معلومات استخباراتية قد تفوتها من خلال قدرتها على التحليق فوق أيٍّ من مناطق الشرق الأوسط وجمع المعلومات منها.
إدارة بايدن والانسحاب من الشرق الأوسط.
تضع إدارة الرئيس جوزيف بايدن التصدي للصعود الصيني على رأس قائمة أولوياتها، وتذهب إلى توجيه الموارد والأصول الأمريكية بهذا الاتجاه، وقد كلَّفت الإدارة فريق خاص في وزارة الدفاع بالعمل على وضع خطة متكاملة نحو تجهيز القوات والعتاد العسكري الأمريكي المنتشر في مختلف أرجاء العالم؛ استعدادًا لمواجهة الخطر الصيني الآتي من الشرق، ويأتي هذا الإجراء ضمن سياسة تقدير الاحتياجات الدفاعية اللازمة في حالة وقوع مواجهة عسكرية مع الصين، مما يشمل السياسة الدفاعية والحاجات من الأفراد والأسلحة والنقص التقني والسيبراني في الترسانة الأمريكية.
الفارق بين إدارة بايدن والإدارات التي سبقته في التعاطي مع الملف الصيني، هو اعتبار إدارة بايدن أنَّ الصين خطر استراتيجي لا يمكن التساهل معه، ويتوجب تخفيف سرعة الصعود الصيني إلى أبعد درجة، وأي تأخير في التعامل مع هذا الخطر ستدفع الولايات المتحدة الأمريكية مقابله أثمان مرتفعة.
وبناء على هذا التقدير، يمكن تأجيل أي فعل لا يصب في سياق الجهود الأمريكية في محاربة الصعود الصيني، كما يجب توظيف كافة الموارد والأصول في خدمة هذا الهدف؛ لأن الأخطار الأخرى تبقى ثانوية وهامشية مقارنة بالخطر الصيني، ويجب ألَّا تؤثر على الاستعدادات الأمريكية في محاصرة الصعود الصيني.
ويعتبر بايدن من المخططين الأوائل لاستراتيجية التركيز على العدو الصيني، والتي بدأ التنظير لها في عهد إدارات باراك أوباما، التي شغل فيها بايدن منصب نائب الرئيس، ولولا خسارة الديمقراطيين في انتخابات 2016 م لصالح دونالد ترامب، لكانت هذه الاستراتيجية قد قطعت شوطًا كبيرًا في طور التطبيق، وفي موازاة ذلك كان الانسحاب الأمريكي من المنطقة قد أخذ مداه، ففي القمة التي جمعت قادة مجلس التعاون الخليجي بالرئيس باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد، في منتصف أيار/ مايو 2015 م رفض الرئيس الأمريكي نشر درع صاروخي لحماية الخليج العربي على غرار ما يوجد في دول أوروبا الشرقية، وحاول أوباما تشجيع قادة دول الخليج على إشراك إيران في قضايا المنطقة، وهي ما اعتبرت في حينه مؤشرات على رغبة الإدارة الأمريكية في التخلص من التزاماتها تجاه حلفائها في الخليج العربي.
لكن هذه التقديرات تبقى نظرية إلى حدٍ بعيد، وكذلك الافتراض بأنَّ فوز الديمقراطيين في انتخابات 2016 م كان سيُعجّل بالانسحاب الأمريكي من المنطقة، ذلك أنَّ الموقف الأمريكي من هذه المسألة في عهد إدارة أوباما لم يكن حاسمًا باتجاه الانسحاب، بل كان مترددًا ومرتبكًا، صحيح أنَّه جرى ترجمة هذا التوجه من خلال سحب القوات الأمريكية من العراق، لكنه لم يكن انسحابًا كاملًا، كما تمت إعادة أعداد كبيرة من هذه القوات إثر ظهور تنظيم “داعش”، وفي ذات السياق، سحب دونالد ترامب جزءًا من القوات الأمريكية من العراق، وأبقى على جزء منها في إطار محاربة “داعش”.
وفي بداية نيسان/ إبريل من العام الحالي، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع العراق يقضي بسحب القوات الأمريكية المقاتلة في البلاد؛ لتتحول مهمة واشنطن والتحالف الدولي- للتصدي لتنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق- إلى مهمة “تدريب ومشورة”، وذلك في إطار مساعي الرئيس جو بايدن إلى سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، وقد جاء هذا القرار في وقتٍ تتعرض فيه القوات الأمريكية في العراق إلى هجمات شبه يومية من فصائل مرتبطة بإيران.
هل فعلًا تستطيع الولايات المتحدة الاستغناء عن المنطقة؟.
لا يعتبر سحب أجزاء من القوات الأمريكية مؤشرًا على نهاية الاهتمام الأمريكي في المنطقة، والأهم ليس مؤشرًا أيضًا على تراجع النفوذ الأمريكي، وقد أثبتت التجربة السورية أنَّ وجود أعداد بسيطة من القوات الأمريكية يساهم في خلق توازن مع الأطراف الأخرى التي تمتلك جيوش وميليشيات كبيرة في المنطقة، كما يُبقي على الفاعلية الأمريكية.
وتفيد الخبرة التاريخية- في قراءة علاقة الولايات المتحدة بالمنطقة- أنَّه في الثلاث عقود الأخيرة من تاريخ هذه العلاقة جرى إطلاق الكثير من المبادرات الأمريكية من “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي أطلقه جورج بوش الابن في بداية الألفية، إلى “مشروع التوجه شرقًا” صوب المحيط الهادي، لكنَّ جميع هذه المبادرات لم تستطع تجاوز الوقائع، صحيح أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن من إخضاع المنطقة لسياساتها -كما أراد بوش- لكن أيضًا لم تستطع أمريكا الرحيل عن المنطقة وتركها لشؤونها كما أراد أوباما.
وبالتالي من غير المتوقع أن تستطيع إدارة بايدن إنجاز هذه المهمة المعقّدة لأسباب موضوعية عديدة.
لا يزال الشرق الأوسط، في تقدير نخب أمريكية عسكرية وسياسية واقتصادية، يحظى بأهمية مميزة، ورغم اقتناع هذه الفئات بأثر التغييرات السياسية والتكنولوجية في جعل المصالح الأمريكية أقل حيوية مما كانت عليه سابقًا، إلَّا أنَّ ذلك لا يلغي حقيقة وجود مصالح هامة تستحق الحماية، وعلى الإدارات الأمريكية إيجاد مقاربة لتكييف وجودها في المنطقة مع هذه الوقائع، وليس مغادرة المنطقة والتضحية بالمصالح الأمريكية.
وحتى في لحظة اكتفاء الولايات المتحدة نفطيًّا، سيبقى النفط في الشرق الأوسط مهمًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، كما أنَّ ضمان وصول إمدادات النفط لحلفاء أمريكا في شرق أسيا وأوروبا مصلحة حيوية للولايات المتحدة، بالنظر للترابط الاقتصادي مع بلدان تلك المناطق، ويمكن للولايات المتحدة تحقيق هدف التقليل من النفقات على حماية أمن الممرات النفطية في المنطقة من خلال إبقاء أعداد صغيرة من القوى الجوية دون الحاجة لحاملات الطائرات التي يتطلب تشغيلها نفقات عالية.
سيسرع خروج الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة في انتشار الأسلحة النووية، ذلك أن حلفاء واشنطن في المنطقة سيجدون أنفسهم مضطرين للانخراط في سباق تسلح نووي؛ لتعديل ميزان القوى الذي سينتج عن خروج المنطقة من مظلة الحماية الأمريكية، في حين أنَّ الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران لن يعمل سوى تأخير إنتاج إيران للقنبلة النووية لسنوات معدودة، ولن ينتظر الفاعلون الإقليميون فرض إيران أمرًا واقعًا على دول المنطقة.
بالإضافة لذلك، فإنَّ استقرار وأمن منطقة البحر الأبيض المتوسط سيكون أول ضحايا الخروج الأمريكي للمنطقة، إذ تشهد المنطقة نزاعات على الثروات والحدود بين حلفاء الولايات المتحدة أنفسهم، والخروج الأمريكي يعني ترك الساحة لروسيا؛ لضبط علاقات هذه الأطراف ، الأمر الذي يعيد تأهيلها كقوّة عظمى على حساب التراجع الأمريكي.
تُشكّل منطقة الشرق الأوسط أحد ساحات الصراع القادم مع الصين وروسيا، وهما العدوان المعلنان لإدارة بايدن، ولن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إدارة الصراع معهما بكفاءة إن هي خرجت من المنطقة، ولا يمكن لعقل استراتيجي تصوّر كيف يمكن التضحية بورقة الشرق الأوسط التي تتميز بقربها من روسيا وتأثيرها النفطي على الصين من أجل حسابات غير دقيقة؟.
بات بحكم المؤكد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ذاهبةً باتجاه تخفيض الوجود المادي لقواتها في الشرق الأوسط نتيجة حسابات سياسية داخلية، وحسابات مواجهة النفوذ الصيني، إلَّا أنَّه من غير المرجح الاستغناء عن المنطقة نهائيًّا؛ لاعتبارات جيوسياسية، وفي ظل عودة التنافس الاستراتيجي مع القوة العالمية الصاعدة التي تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية في الشرق الأوسط على حساب المصالح الأمريكية.