2023العدد 195ملف عربي

هل تقبل دول المنطقة تبعات تحوُّل السودان إلى دولة فاشلة ؟

دقَّت الحرب السودانية ناقوسَ الخطر عند دول الجوار السوداني، فالسودان الذي يتشارك الحدود مع سبع دول في المنطقة، تربطها به مصالح أمنية واقتصادية وسياسية، يتأثر ويؤثر بهذا الجوار أكثر من غيره، وقد كانت مصر أكثر من استشعر مخاطر استمرار الحرب في السودان وتداعياتها المحتملة التي باتت تلوح في الأفق، ولعل أخطرها انهيار الدولة المركزية، وتحوّل السودان إلى دولة فاشلة، وما ستشكله من مخاطر مؤكدة على المنظومة الجيوسياسية لشرق إفريقيا وغربها ووسطها.

ورغم السياق الإقليمي والدولي الاستقطابي الحاضن لحرب السودان، ومحاولات بعض دول الجوار السوداني احتكار الأزمة السودانية، وهو الأمر الذي انعكس بتعدد المبادرات وتصورات الحلول، إلا أن قمة القاهرة، التي سارت وسط هذه المسارات المعقَّدة، تميزت بقبول مخرجاتها من قبل جميع أطراف الأزمة السودانية، وقدرتها على وضع آليات لتفكيك الأزمة تتابع تطوراتها وتفتح قوات تواصل مع جميع الأطراف (العسكرية، والمدنية).

استطاعت مصر جمعَ حشدٍ إقليمي للتأثير في أطراف النزاع، التي ترتبط بروابط (سياسية، وأمنية، وإثنية، وثقافية) مع مكونات دول الجوار، واستفادت مصر من ميزة حياديتها وعلاقاتها المتزنة نسبيًّا مع جميع الأطراف، بعكس بعض الأطراف التي انحازت لهذا الجانب أو ذلك من الصراع.

وإذ ينطوي تدخل دول الجوار على ميزة خاصة تتمثل بمعرفة هذه الدول بتعقيدات المشهد السوداني والقدرة على التأثير على طرفي القتال، فإن تحركها أيضًا ينطوي على قلق مشروع، فهذه الدول هي الأكثر تأثرًا بتداعيات النزاع السوداني، كما أن تحوّل السودان إلى دولة فاشلة ستنعكس آثاره الكارثية على النطاق الإقليمي، وتتمدد آثاره إلى بقية دول العالم؛ نتيجة ترابط الأقاليم وانتقال التأثيرات بينها عبر طرق ووسائل عديدة.

على حافة الفشل:

في حقل العلاقات الدولية وفي النظام الدولي تُعتبر الدولة الفاشلة هي تلك التي تحوَّلت من فاعلٍ منظم ومسيِّر للعلاقات الدولية إلى خطر يهدد السلم والأمن الدوليين، والدولة الفاشلة هي تلك الدولة التي لا توجد فيها حكومة وجهاز دولة عسكري وأمني مسيطِر، يحقق الاستقرار والسيادة ويدير الدولة والمجتمع في الحيز الجغرافي الذي تحدده حدود الدولة المستقر عليها دوليًّا (بحدودها البرية والبحرية )، بما يمكِّن الدول الأخرى من التعامل معها على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية.

وفي الوقت الراهن، توجد العديد من الدول التي وقعت في مأزق الفشل، حيث لا توجد حكومات مسيطرة (سياسيًّا، وعسكريًّا، واقتصاديًّا) على حدود الدولة بريًّا وبحريًّا، كما لا تنتظم فيها مؤسسات دولة فاعلة ومسيطرة تحظى باعتراف داخلي وخارجي، فضلًا عن وجود كيانات وقوى سياسية ومسلحة، تُنازع الدولة سلطاتها وتفرض سلطاتها في مناطق متعددة، داخل حدود إقليم الدولة.

ولأن الفشل لا ينحصر ضمن نطاق عمل محدد في الدولة بل يشكل ديناميكية لسلسلة متراكبة من الإخفاقات على صُعُدٍ متعددة، فإن الفشل الأمني،  يستتبعه فشل في بقية وظائف الدولة تبرز مباشرة من خلال ضعف وانهيار فعالية الدولة في إدارة الموارد والقدرة الاقتصادية والإدارية على تقديم الخدمات لمواطنيها، الأمر الذي يتسبب بتأثيرات قاتلة لمختلف قطاعات الشعب ويدفعها للبحث عن حلول فردية تعمق جميعها الأزمة وسرعان ما تنتقل آثارها السلبية لدول الجوار.

في السنوات الأخيرة، بدا ميلُ السودان باتجاه السقوط في كارثة الفشل واضحًا، وخاصة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، حيث بدأت التشققات في الهيكل العسكري- الأمني تظهر بوضوح، وخاصة في الهيكلة التي قام بتصميمها عمر البشير، عبر تأسيسه لقوات من خارج الهيكلة العسكرية” قوات الدعم السريع” ، ومنحها وضعًا قانونيًّا جعل قادتها يحصلون على رُتب عسكرية رسمية، فشكلت بذلك قوىً أمنية موازية للأمن النظامي للدولة، وكان من الطبيعي أن تختلف هذه القوى بـالرؤى والتصورات، وشكل وطبيعة إدارة الأمن، والضبط في بلد ما زال يعيش على وقْع ثورة جارية، وبروز العديد من الفاعلين السياسيين الجدد، بالإضافة إلى وقوع السودان تحت مجهر الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية التي لها مصالح جيوسياسية في بلد يزخم بالثروات والموقع الإستراتيجي المهم، وفي ظل هذه المعطيات، اختلف الجيش وقوات الدعم السريع بسبب الخطة الدولية لعملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة، فضلًا عن الخلاف حول كيفية دمج قوات الدعم السريع ضمن هياكل الجيش.

غير أن الأسباب العميقة تعود إلى مرحلة أبعد نسبيًّا، حيث فشلت نخب الحكم المتعاقبة في حل المشاكل (العرقية، والدينية، واللغوية، والقبلية)، ولم تستطع بناء هُوية وطنية عابرة للمكونات السودانية الأولية، ولم تستطع النخب الخروج عن سياسات دولة الاستعمار (بريطانيا)، والتي صممت سياساتها لأغراض وظيفية تخدم هدفها في الحفاظ على سيطرتها على السودان، وقامت هذه السياسات على خلق بيئة صراعية دائمة بين المكونات السودانية تحت عناوين عديدة: الزنوجية والعروبة، والختمية والميرغنية، والأنصار والمهدية، وأضافت لها نخب الحكم صراعًا من نوع جديد يتمثل بالصراع بين المركز والهامش، عبر قيام الشمال الحاكم المتطور نسبيًّا بتهميش بقية المناطق والاستحواذ على الجزء الأكبر من موارد البلاد ومناصب الجيش ومؤسسات الحكومة.

إن استمرار تفاعل هذه الأسباب وتراكم الأزمات من شأنه أن يدفع بالسودان إلى قلب الفشل، الذي يصبح الخروج منه حلمًا مستحيلًا، حيث يأتي هنا دور المؤثرات الخارجية ومصالح اللاعبين الخارجيين التي تسهم في تغذية الانقسامات والصراعات على مختلف مستوياتها، وفي بلد مثل السودان، ثمّة مغريات كبيرة تدفع اللاعبين الخارجيين للانخراط في سياقات أزمته، فالبلاد التي تشكل سلة غذائية كبيرة، ومنجم للذهب، وموقع إستراتيجي حاكم، ليس مهمًّا أن يكون دولة موحدة في ظل دولة مركزية قوية، وقد ينطوي تحوّله إلى دولة فاشلة على مكسب للعديد من اللاعبين الذين يمارسون السياسات الخارجية بمنطق المقامرة ومراكمة الأوراق، وهو ما أدركته دول الجوار بقيادة مصر وتعمل على إخراج السودان من براثن هذا المستقبل المرعب.

مخاطر فشل السودان على دول الجوار.

لا تدخل هذه المخاطر في نطاق التقدير والتخمين، بل هي مخاطر موجودة بدأت نذرها بالظهور حتى قبل أن يصبح السودان دولة فاشلة بالمعنى الحقيقي، وهذه المخاطر:

تمدد الصراع:

يرتبط السودان، بحدود مفتوحة، مع سبعة بلدان إفريقية، ويُعد السودان من الدول الإقليمية التي لا يمكن فصل محددات سياساتها الداخلية عن اعتبارات الجوار الجغرافي، ما يحتم النظر إلى الحرب الأهلية في السودان ضمن هذا النطاق الإقليمي؛ بسبب وجود تداخل عرقي من شأنه تسهيل الاستقطاب من الدول المجاورة، بالإضافة لوجود عدد كبير من المنظمات السياسية والحركات المعارضة التي ترتبط ببعضها بتحالفات قد تدفعها للانخراط في الصراع السوداني أو العكس ما من شأنه تعقيد الأزمات في هذه المنطقة.

 يقع السودان وسط محيط من الدول الهشّة التي تعاني اضطرابات أمنية وسياسية، وتواجه مرحلة انتقال مستعصية بسبب التداخلات والصراعات العابرة للحدود، فليبيا تقتسمها أعدادٌ كبيرة من المليشيات المختلفة الأجناس، وتشاد التي تعاني الانقسامات السياسية والقبلية ولديها تداخلات كبيرة مع السودان وتعدّ أسرع وأقرب الدول تأثرًا بما يجري فيه، وثمّة تقديرات دولية باحتمالية أن يؤدي الصراع في السودان إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي الهش وأن يكون للحرب تأثير الدومينو عبر تشاد ومنطقة الساحل الإفريقي بأكملها.

وثمة بُعدٌ في الصراع السوداني، يشكل مخاوفَ أمنية لدى دول الجوار يتمثل بانتشار متوقع للسلاح في مختلف أنحاء المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى اتساع التجارة غير المشروعة للأسلحة، وتساعد الطبيعة السهلة لاختراق الحدود بين دول المنطقة في تعقيد هذه المشكلة، بالإضافة إلى اتساعها وصعوبة السيطرة عليها.

انتعاش التطرف:

يشكل الصراع في السودان، والانشغال عن متابعة الأوضاع الأمنية، فرصة للقوى المتطرفة للاستفادة من هذه الأوضاع، وربما إعادة تشكيله لصالحها، الأمر الذي من شأنه تعقيد الوضع الأمني لدول الجوار وتقويض عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي، فبخسارة الطرف السوداني وخروجه من عملية محاربة التنظيمات المتطرفة، بما يعنيه ذلك من تبادل للمعلومات وتجفيف منابع التمويل، ستنتعش هذه التنظيمات وتندفع إلى تغيير إستراتيجياتها التي قامت على التعامل مع السودان بوصفه قاعدة لوجستية إلى ساحة معركة.

ويتنافس تنظيما (القاعدة، وداعش) للحصول على وضع تشكيل مظلة بديلة لاستقطاب آلاف العناصر المحسوبين على التيار الإسلامي في السودان، مستغلين التغيرات التي شهدتها الساحة السودانية في الآونة الأخيرة، وقد لوحظ مؤخرًا، ومن خلال المنصات التابعة لتنظيمي (القاعدة، وداعش) الاهتمام المتزايد بالأوضاع في السودان، وثمة توقعات باقتراب الإعلان عن ولاية السودان.

ويمنح السودان، بموقعه الجغرافي، ميزة مهمة لعمل التنظيمات المتطرفة، وقد لفت تقرير لمؤسسة الأبحاث والتطوير “راند” إلى أن السودان يشارك الحدود مع سبع دول ويملك خطًا ساحليًّا ممتدًا على البحر الأحمر مما يضع الدولة  في قلب بعض أكثر المناطق التي تعرف انتشارًا للنشاط الإرهابي في (إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية)، تقع جماعة بوكو حرام وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وداعش في الصحراء الكبرى في الغرب، في حين أن الحدود الشمالية للسودان مع ليبيا ومصر تجعلها عرضة للاختراق من قبل مجموعات موالية للقاعدة وداعش، ويجعل ذلك من السودان بوابة محتملة لربط محاور النشاط المتشدد في شمال ووسط وشرق إفريقيا.

أزمة لجوء

 تزيد أزمة السودان من معاناة ضعف تمويل البرامج الإنسانية في المنطقة وتدفعها للانهيار في ظل الضغط الكبير الذي تتعرض له في منطقة تعج باللاجئين أصلًا، ويؤكد مفوض الشؤون الإنسانية بالاتحاد الأوروبي ” يانيز لينارتشيس” إن هناك مخاطر حقيقية لتوسع الأزمة في السودان لتصل إلى دول الجوار، إذ من المتوقع أن تدفع الأزمة بمئات الآلاف، وربما ملايين في حال وصل السودان إلى حالة الفشل، وقد يشكل ذلك ضغطًا على موارد وإمكانات دول الجوار الفقيرة (جنوب السودان، وإثيوبيا، وإرتيريا)، كما أن مصر تعدت حالة التشبع في إيواء اللاجئين بوجود أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوداني سابقًا، والكثير من الجنسيات العربية والإفريقية.

ويشكل السودان ممرًا للهجرة غير النظامية من القرن الإفريقي إلى شمال شرق إفريقيا والبحر المتوسط، وتشكّل ولايتا (كسلا، والقضارف) الحدوديتان نقاط الدخول الرئيسة للبلاد، ومنها إلى الخرطوم التي تعمل كمحور توحيد مركزي باتجاه الشواطئ الشمالية لليبيا ومصر.

والمشكلة أن السودان نفسه كان بلدًا يأوي ملايين من اللاجئين الفارين من مناطق الصراع وخاصة من إثيوبيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى، وحتى من سورية واليمن، وهؤلاء لن يكون أمامهم سوى إعادة هجرتهم والبحث عن أماكن جديدة تستقبلهم في ظل الفوضى والحرب في السودان.

قيام محاور إقليمية متناقضة

 يبدو السودان، بثرواته وموقعه الجغرافي، جاذبًا للتدخلات الإقليمية والدولية، الأمر الذي قد ينتج عنه زيادة حدة الاختلاف والصراعات بين اللاعبين الإقليميين، وقد تجد دول الجوار، ما لم يتم السيطرة على الصراع وإنقاذ السودان من الفشل، نفسها ضمن تحالفات متضادة، ما من شأنه التأثير على الأمن الإقليمي برمته.

وما يزيد من حدة الإشكالية، وجود إرث من الخلافات والمصالح المتضاربة بين دول جوار السودان نفسها، وعدم توفر إطار أمني وسياسي، باستثناء عضوية الاتحاد الإفريقي، ينظم علاقات هذه الدول ويوحد مواقفها، بل أن دول الجوار السوداني ترتبط بمصالح خارجية مع أطراف ولاعبين لديهم رؤى تتناقض مع مصالح دول الجوار في التعاطي مع الأزمة السودانية.

وثمّة مؤشرات تراكمت عن احتمالية اختراق مواقف الدول الإقليمية وربط مصالحها في الحرب السودانية مع مصالح لاعبين خارجيين، وقد تنبَّهت مصر مبكرًا لهذا الأمر، واشتغلت دبلوماسيتها على توحيد مواقف دول الجوار وتوحيد مواقفها ورؤاها لحل الأزمة في السودان تجنبًا لتحولها إلى دولة فاشلة تضع الأمن الإقليمي برمته في مهب الأخطار الأمنية.

خصوصية وضع مصر:

من بين جميع دول الجوار، تملك مصر وضعًا خاصًا، يدفعها إلى بذل جهود مضاعفة لإنقاذ السودان؛ إذ عدا عن الدافع القومي والتاريخ المشترك والخاص بين البلدين، ثمة تحديات يفرضها وضع عدم الاستقرار في السودان، ولم يكن خافيًا المجهود الذي بذلته مصر لجمع دول الجوار على موقف موحد، انطلاقًا من تقدير القاهرة أن أزمة السودان لا تحمل فرصًا يمكن المناورة عليها بالنسبة لمصر، بل مخاطرَ محقة، وإذا كانت بعض دول الجوار، وانطلاقًا من حسابات ضيقة، بعضها يتعلق بمكاسب آنية، وبعضها الآخر له علاقة بالصراعات الثنائية بين هذه الدول نفسها، ما يمنحها مرونة أكبر في التعاطي مع الوضع السوداني رغم مخاطره، فإن مصر على العكس من ذلك تتعامل مع السودان بمنطق حل الأزمة لا إدارتها؛ لإدراكها حجم المخاطر التي تنطوي والتي تتمثل بـ :

احتمال تقسيم السودان لدويلات: من أحد احتمالات فشل السلطة المركزية بسبب استنزافها في القتال، الانكفاء ضمن مناطق محددة، مما يعطي الفرصة لبعض القوى الانفصالية، والتي لا تخفي رغبتها في الانفصال عن الدولة السودانية ، في الشرق والشمال، إلى تأسيس كيانات مستقلة- وخاصة على حدود مصر- الأمر الذي سيخلق بؤرة توتر جديدة ويضطر القاهرة إلى تخصيص موارد عسكرية وأمنية كبيرة في وقت تواجه وضعًا إقليميًّا متفجرًا على أكثر من جبهة.

تهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر: تمتلك السودان شاطئًا طويلًا على البحر الأحمر، حيث من الضرورات القصوى الحفاظ على استقرار الملاحة العالمية، ويمكن أن يؤدي النزاع إلى زعزعة استقرار الملاحة بما يؤثر بدرجة كبيرة في حركة الملاحة في قناة السويس والمردود الاقتصادي لها، وانعكاس هذا على الاقتصاد المصري بشكلٍ عام.

مخاطر على الأمن المائي: حيث تشترك مصر والسودان بمياه النيل، كما تواجهان محاولات بعض دول مجرى النيل تخفيض حصصهما من المياه، ومن شأن تقسيم السودان أو تحوله إلى دولة فاشلة، أن يخلق أوضاعًا غير آمنة تهدد الأمن المائي لمصر، بالإضافة إلى إخراج السودان كشريك وحليف لمصر في المطالبة بالحقوق المائية، ما يضع مصر في مواجهة أطراف عديدة في دفاعها عن مصالحها الإستراتيجية في نهر النيل.

بالإضافة لما سبق، يهدد تحول السودان إلى دولة فاشلة بإغراق مصر باللاجئين من السودان، نظرًا لتفضيلها عن دول الجوار الأخرى، سواء لوجود حالة من الاستقرار والأمن، أو بسبب عامل الثقافة والتاريخ المشترك بين المصريين والسودانيين، فضلًا عن الخسارة الاقتصادية؛ حيث تعتبر السودان سوقًا جاذبًا للمنتجات المصرية، وتستورد مصر العديد من المواد الخام والزراعية من السودان، ويستفيد البلدان من القرب الجغرافي بما يقلل من تكاليف نقل البضائع والمنتجات، ويعطي ميزة لها في أسواق البلدين.

غير أن الخطر الأمني يقف على رأس المخاطر بالنسبة لمصر إذا استمر الصراع وتحوّل السودان إلى دولة فاشلة؛ حيث يشترك البلدان بحدود واسعة، ويوجد تضاريس جغرافية معقدة، وسبق أن عانت مصر من دخول بعض المتطرفين من السودان ومحاولتهم تهديد الأمن القومي المصري، وخاصة وأن للمنظمات الإرهابية (القاعدة) خبرة واسعة في العمل انطلاقًا من السودان.

فرص دول الجوار في حل الأزمة:

تميّزت مقاربة دول الجوار لحل الأزمة السودانية، حسب ما ظهرت في مخرجات قمة دول الجوار في القاهرة، بالشمولية والحيادية، ودعوتها إلى اعتبار المشكلة شأنًا داخليًّا يتم حله عبر حوار سوداني سوداني، وبالتالي منع أي تدخلات خارجية من شأنها تأزيم المشكلة وتحويل السودان إلى دولة فاشلة.

وقد وضعت قمة القاهرة إطارًا جديدًا لمعالجة الأزمة، ووضعت تصورات لإنهاء الأزمة، فقد قررت القمة تشكيل آلية على مستوى وزراء خارجية دول جوار السودان لبحث المحاور الأمنية والسياسية والإنسانية للأزمة السودانية في نفس الوقت وليس على مراحل أو توقيتات مختلفة؛ من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل ومستدام، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضم كافة مكونات المجتمع المدني السوداني، وتم تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، على أن تتطلع بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.

وتميزت مبادرة دول جوار السودان أنها أخذت في الاعتبار كل المبادرات والمنصات الإقليمية، في محاولة لإيجاد جهد جماعي دون تنافس إقليمي ما سيؤدي إلى نجاح المجهودات الشاملة لكل دول الجوار السوداني.

وما يعزز من احتمالية نجاح دول الجوار في حل الأزمة السودانية، الصدى الداخلي القوي، من حيث ترحيب جميع الأطراف السودانية بمخرجات القمة، بعكس قمة”إيغاد” التي دعت إلى تدخل عسكري، الأمر الذي رفضه الجيش السوداني، بالإضافة إلى وجود شبهة انحياز أطراف “إيغاد” لجهات محددة في الصراع.

وتتميز مبادرة دول الجوار بوضع خاص على مستوى المبادرات الأخرى، كونها متأثرة مباشرة بالأحداث السودانية أكثر من غيرها، كما تمتلك هذه الدول تأثيرًا هامًا في المشهد السوداني، ما يجعل إمكانية نجاحها في حل الأزمة السودانية ممكنًا بدرجة كبيرة.

بيد أن الأزمة السودانية اجتذبت مشاركة لاعبين دوليين وإقليميين، لكل منهم دوافعه ومصالحه الخاصة، ما يؤكد الطبيعة المعقدة والمتعددة للأزمة، ويسلط الضوء على تحديات إيجاد حل للصراع يحول دون اتساع نطاق الصراع وتحوله إلى حرب أهلية.

وما يعزز هذه المخاوف، وجود مصالح متشابكة ومتضادة للفاعلين الخارجيين، الأمر الذي قد يدفعها إلى تعطيل التسوية والحفاظ على التوازن الهش بين الطرفين، الأمر الذي يُرتِّب على دول الجوار عبءَ التوفيق بين مواقف القوى الكبرى المتضاربة إلى حد بعيد وإقناعها باتخاذ سياسات عقلانية تجاه الأزمة السودانية، والنظر في مخاطر تحويل السودان إلى دولة فاشلة وما قد يجره ذلك من مخاطر قد تهدد الأمن العالمي برمته.

وثمة مخاوف من تحوّل الصراع في السودان إلى ما يشبه حرب الوكالة، في ظل تنافس واستقطاب دوليين على جبهات عديدة، قد يجد أطرافه في السودان فرصة لممارسة سياسات مضادة كل طرف للآخر، في ظل توفر البيئة المناسبة للحرب والأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف.

لا شك أن دول الجوار- ومصر بالتحديد- تدرك حجم التعقيدات والتشابكات التي تحيط بالأزمة السودانية، وتعرف تمامًا صعوبة تمرير مسارها للحل في حقول الألغام الكثيرة، لكن لا تملك دول الجوار سوى محاولة بذل الجهد إلى أقصاه؛ لأن استمرار الصراع وتمدده وبالتالي تحويل السودان إلى دولة فاشلة، ستكون له مخاطر وجودية على حاضر ومستقبل هذه الدول.

اظهر المزيد

غازي دحمان

كــاتب ســـوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى