مقدمة
يجمع هذه الدول تاريخا طويلا بحكم الجوار، ولانها دول حضارات قديمة ، قد تختلف فى مدى عمق كل منها ، ولكن العراق بالقطع اكثرها قدما، فقد بزغت الحضارة الانسانية بين الرافدين فى توقيت قد يقترب من وادى النيل الذى شهد فجر الحضارة ، وجاءت الحضارتان الفارسية والتركية بعد ذلك، بما يؤدى بالضرورة الى نشوء علاقات طوال هذا التاريخ المشترك ، ليست على وتيرة واحدة ، صعودا وهبوطا مع طبيعة كل حقبة تصل احيانا الى مواجهات دامية وشلالات دماء لا تنقطع لعدة سنوات . ويقف العراق في اغلب تاريخه مع هذا الجوار موقف المدافع عن سيادته وسكانه وثقافته ، مع استثناء بعض الحقب الذى تسنى له ان يكون على علاقات ودية مع جيرانه او ان يكون ندا لخصومه ، فقد كتب على العراق ان يكون عند حدود المنطقة العربية بما يعنيه هذا من تداخل بشرى وان يكون درعا للمنطقة فى جبهة الشرق ، تتلقى اول الصدمات عند اجتياحها .
ويجدر الاشارة فى البداية لما يلى :
العلاقات الملتبسه هى تلك التى لا تسير على نسق منتظم واحد ، وهى ليست بسيطة بطبيعتها ، وانما مركبة فى اغلب الاحيان، تلتقى او تضاد حسبما تمليها الظروف المحلية والاقليمية والدولية. وقد سادت طوال التاريخ ، وهو ما لايتسع المجال لسرده . ونكتفى بايضاح معطيات المرحلة الراهنة .
الاختلافات العرقية والسياسية والاجتماعية والثقافية بين شعوب الدول الثلاث رغم التواصل الجغرافى ، وانفراد كل منها بنظام سياسى يميزها عن الاخر ، فالعراق طبقا لدستوره دولة اتحادية ، نظام الحكم فيه جمهوري نيابى ديموقراطى ، يلتزم بنظام المحاصصة والسماح بانشاء اقاليم حكم ذاتى . وايران نظام ثيوقراطى يتبع بعض الاساليب الديموقراطية تحت هيمنة ولاية الفقيه طبقا للمذهب الشيعى . وتركيا جمهورية رئاسية وضع رئيسها فى دستورها الاخير (2017) زمام السلطة كلها فى يده.
العراق هو الضلع الاضعف فى هذا المثلث . فمنذ ان ارتكبت قيادته الخطأ الاكبر بالاستيلاء على دولة الكويت عام 1990، وانتهاءا بالغزو الامريكى للعراق عام 2003 وحل الجيش العراقى ، وتغيير النظام السياسى العراقى بما يتيح الفرصة لسيطرة الشيعة واضعاف السنة ، فقد فتح الباب للتمدد الايرانى فى الجنوب والشرق ، والتغول التركى فى الشمال . وتقف الدولتان الاخريان اكثر قوة ومنعه الى الدرجة التى تداعب القيادة التركية احلام عودة الخلافه الاسلامية بمساعدة من الجماعات الاسلامية وبخاصة الاخوان المسلمين . ونجحت القيادة الايرانية فى الصمود امام الضغط الدولى حتى الان ، بل والتمدد الى العراق وسوريا واليمن، فيما يشبه الحزام الشيعى الذى يتنهى فى لبنان متمثلا بحزب الله ، الذى اصبح بدوره قوة ضاربه تهدد اسرائيل ، وتمتد قدراته لكى يقاتل فى سوريا ضد معارضي لنظام الاسد تنفيذا للخطط الايرانية .
وتعمل كل من ايران وتركيا طبقا لاهداف متشابهة فى دول الازمات او الصراعات العربية ، وذلك باضعاف مؤسسات الدولة الوطنية من خلال دعم الجماعات او التيارات السياسية المناوئة على حساب الحكومات القائمة . وتسعى ايران لتكريس سيطرة الطائفة واضعاف الجيوش النظامية والمؤسسات الحكومية بغية الهيمنه على القرار السياسى او على الاقل لكى تؤثر فيه او تعرقله .
يتمثل القاسم المشترك بين الدول الثلاث فى تداخل المكون الكردى فى التركيبة العرقية، مع إختلاف السياق فى كل منها، فعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة حول تعداد الأكراد إلا أن التقديرات تشير الى وجود ما بين 4-5 مليون كردى فى شمال العراق، ويتواجد العدد الأكبر من الأكراد فى تركيا حيث يقدر عددهم بحوالى 15 مليون فى منطقة جنوب شرق البلاد ،أما إيران فتحتل المكانة الوسط من حيث التعداد ، حيث تتباعد التقديرات بالنسبة لعدد السكان الأكراد ما بين 4-8 مليون كردى. ويعتبر العراق الدولة الوحيدة التى منح الأكراد شكلا من أشكال الحكم الذاتى منذ عهد صدام . واقر الدستور العراقى الجديد فى مادته 117 اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليما اتحاديا ، وذلك فى إطار النظام الفدرالى الذى وضع عقب الإطاحة بنظام صدام حسين وطبقا للمادة 119 من الدستور ، الذى يعطي الحق” لكل محافظة او او اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه ” ، ويحق للاقليم ممارسة السلطات التشريعية والتتنفيذية والقضائية ، والحصول علي حصة من الايرادات الاتحادية . فى مقابل ذلك تعتبر تركيا الدولة الأكثر حساسية تجاه المسألة التركية فى ظل ضخامة عدد المكون الكردى على أراضيها، حيث أن الدولة التركية طالما كانت تصف الأكراد بـ”أتراك الجبال” وتعتبر أن القاسم المشترك بين مختلف العرقيات التى تعيش على أراضيها هى الهوية التركية والتى تعلو فوق أيه هوية أخرى.
العلاقات العراقية-التركية :
يعتبر ملف المياه من أهم القضايا المشتركة بين البلدين حيث قامت تركيا بوضع عدد من السدود على نهرى دجلة والفرات (يقدر عددهم بـ 22 سداً أهمهم سد أليسو) بما اثر سلباً على حصص العراق من المياه وصولاً الى إحداث حالة تقترب من الجفاف فى بعض المناطق العراقية، هذا الى جانب الإضرار بالثروة السمكية والحيوانية فى العراق. ويطالب العراق الجانب التركى بأهمية التوصل الى إتفاق يراعى المصالح والحقوق العراقية فى نهرى دجلة والفرات بإعتبار أنهما نهران دوليان ويخضعان للقانون الدولى، وهى الدعوات التى قوبلت بعدم إستجابة من قبل أنقرة حيث تمضى فى إجراءات ملئ خزان سد اليسو منذ يوليو الماضى.
الاعتداء التركى على السيادة العراقية حيث تتواجد القوات التركية فى معسكر بعشيقة شمال شرق منطقة الموصل بدعوى تحجيم عناصر حزب العمال الكردستانى والذى تتهمه تركيا بإيجاد ملاذ آمن وقاعدة إنطلاق فى جبل قنديل بشمال العراق لشن هجمات داخل الأراضى التركية. وتؤكد الحكومة العراقية دوماً إعتراضها الشديد على هذا التدخل غير الشرعى مطالبةً تركيا بسحب قواتها من الأراضى العراقية، وابلغت مجلي الامن منذ ديسمبر 2015 رفضها للتواجد العسكرى التركى على اراضيها باعتباره انتهاكا صريحا للسيادة العراقية . وساند الاقليم الكردى فى الشمال الموقف الاتحادى . ويبرر الرئيس التركى اصراره على استمرار هذا الاحتلال ، بان القوات التركية موجودة منذ مدة وبناء على اتفاق سابق ، وواقع الامر انه كان هناك بالفعل اتفاق فى عهد صدام بالسماح للقوات التركية بالمطاردة الساخنة لعناصر حزب العمال الكردستانى فى عمق عشرة كيلومترا من الاراضى العراقية على ان لا يعنى هذا البقاء على ارض العراق . ولا شك أن موقف بغداد ضد التواجد العسكرى التركى يزداد أهمية فى ظل ما بدر من رئيس الوزراء أردوغان فى أكثر من مناسبة عن حقوق تاريخية لتركيا في بعض الأراضي العراقية، وخاصةً منطقة الموصل .
تعتبر تركيا نفسها الراعية التاريخية لتركمان العراق سياسيا وثقافياً وإجتماعياً وتربطها بهم علاقات عرقية وثقافية ، وقد اولاهم حزب العدالة والتنمية تحديداً إهتماماً مضاعفا بهدف تعميق علاقاتهم بتركيا من جهة ، وتقوية دورهم فى صياغة مستقبل العراق من جهة أخرى. ويتركز التركمان فى العراق فى محافظة كركوك التى يتقاسمها معهم العرب والكرد ، ويتهمون النظام السابق بانه قد حاول تغيير التركيبة السكانية لصالح العرب . وتحظى كركوك بإهتمام تركى خاص لأهميتها الإستثنائية فى ملف الطاقة الحساس بالنسبة لأنقرة، فكركوك هى المركز الرئيسى لانتاج النفط والغاز فى شمال العراق ، حيث يعتبر العراق احد اهم خيارات أمن الطاقة بالنسبة لتركيا كبديل لغاز روسيا وإيران الطبيعى بالإضافة للنفط الذى يعتبر ركيزة اساسية فى العلاقات التجارية بين البلدين عموماً ، وبين تركيا وإقليم شمال العراق بشكل خاص.
جدير بالتنويه رفض تركيا السماح للقوات الأمريكية باستخام اراضيها لغزو العراق عام 2003 ، مما ادى الى خسارة أنقرة الكثير من إمكانات التأثير فى المشهد العراقى. وتحول الأخير عبر السنوات اللاحقة الى ساحة تتحرك فيها الاحزاب والجماعات الشيعية المعارضة التى انطلفت من ايران ، ثم أصبح العراق بعد الأزمة السورية أحد اركان محور موسكو طهران بغداد دمشق واحد ساحات التنافس الإقليمى بين تركيا والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى.
ان الجانبان يقفان على طرفى نقيض تجاه عدد من القضايا الاقليمية لاسيما الصراع فى سوريا وسبل تسوية هذه المشكلة. فقد شهد الموقف التركى من الصراع الدائر فى سوريا تحولاً جوهرياً من الموقف الحازم الذى أبداه اردوجان فى بداية الأزمة والذى اصر فيه على ضرورة تغيير نظام الأسد وإقتران ذلك بدعم تركى مكثف لعناصر المعارضة السورية، إلا انه مع مرور الوقت إنصب إهتمام القيادة التركية على منع إحتمالات ظهور إقليم كردى فى سوريا، وهو ما ادى الى تدخل أنقرة عسكرياً من ناحية وإندلاع أزمة دبلوماسية حادة بين أنقرة والولايات المتحدة من ناحية اخرى بسبب دعم الأخيرة لقوات الأكراد ممثلة فى قوات سورية الديمقراطية (قسد) فى إطار حملتها ضد داعش. وتشارك تركيا كطرف أساسى فى مسار” آستانة ” الذى يضم الى جانب تركيا كل من إيران وروسيا. أما العراق فيتخذ موقفاً متعاطفاً مع النظام السورى ومتقاربا مع الموقف الإيرانى فى هذا الصدد .وتجدر الإشارة الى أن الساحة السورية تمثل مصدر تهديد لأمن العراق بعد نجاحه فى دحر عناصر تنظيم داعش على أراضيه، وذلك فى ضوء الهجمات التى تشنها بقايا عناصر التنظيم وكذلك بعض عناصر المعارضة السورية ضد العراق إنطلاقاً من الأراضى السورية وهو ما دفع القوات العراقية الي شن هجمات مضادة داخل الأراضى السورية بين الحين والآخر.
تربط البلدان علاقات إقتصادية قوية ، تراوحت بين النمو الى ان احتل العراق المركز الاول في استيراد المنتجات التركية فى الفترة التى هدأت فيها الحالة بعد الغزو ، وتدفقت الشاحنات التركية عبر الحدود وبخاصة الى اقليم كردستان ( 8 مليار دولار في عام 2013 للاقليم ) من مجمل الصادرات التركية للعراق التى وصلت الي 12 مليار . وهبطت معدلات الصادرات فى السنوات اللاحقة لتوتر العلاقات السياسية بين الحكومتين وتزايد هجمات حزب العمال الكردستانى ، ونجاح تنظيم داعش فى السيطرة على اجزاء شاسعة من الاراضى العراقية بحيث اصبح من المتعذر على الشاحنات مواصلة تحركها الى الوسط والجنوب . ويلاحظ ان الميزان التجارى يميل بصفة دائمة لصالح تركيا بدرجه كبيرة . ووصل عدد الشركات التركية العاملة او المرتبطه بالسوق العراقية الي 1500 شركة ، يعمل قسم كبير منها في مجال الانشاءات ، والتى انشأت اكثر من 800 مشروعا بقيمة اجمالية حوالي 20 مليار دولار.
وتنظر تركيا الى العراق كمصدر مهم من مصادر سياسة تنويع واردات الطاقة التركية، ويصدر العراق نفطه المستخرج من كركوك عبر الاراضي التركية الي ميناء جيهان ثم الي انحاء العالم ، وتقرر انشاء انبوب اخر لنقل الغاز عبر تركيا . وقد يتعقد الموقف تجاه اقليم كردستان اثر انشاء خط انابيب لتصدير نفط شمال العراق بصورة مستقله عن الخط الاتحادى.
العلاقات العراقية – الايرانية
يصعب ان نغفل الاثار الناجمة عن احداث الثمانينات بقيام الثورة الايرانية وتبنيها مبدأ تصدير الثورة الاسلامية علي النهج الذى ارساه الخومينى فقيه الثورة ، التى قادت الي اسوأ حرب شهدتها المنطقة فى تاريخها الحديث ، بلغ عدد القتلى اكثر من المليون، واضعاف هذا العدد من الجرحى ، فضلا عن الاعباء المالية التى كانت فى ظنى احد اسباب نشوب حرب الخليج الثانية . هذه الحرب التى اعتذر وزير الدفاع العراقى عنها بعد الغزو الأمريكى عند زيارته الاولى لطهران معتبرا اياها ضمن جرائم صدام . واحقاقا للحق كان لهذه الحرب مقدماتها فى المواقف غير الودية التى اتخذها نظام الخومينى من العراق ، من حملات اعلامية ومطالبة بتغيير النظام السياسى فيها ، ودعم التمرد الكردى ، وحشد القوات والقصف المدفعى على الحدود ، والتفجيرات داخل البلاد التى اوقعت العشرات من القتلى، واشعال النيران فى حقول نفط خانه في العراق . وقد ساند صدام فى شن هذه الحرب اغلب الدول العربية تحسبا من مخاطر توجهات الثورة الخومينية .
ترسيم الحدود بين البلدين من اهم اسباب المواجهة بينهما وخاصة عند شط العرب ، فقد نصت معاهدة عام 1937 علي ان الحدود تمتد اساسا علي الضفة الايرانية لشط العرب وبحيث يسيطر العراق بالكامل على مجري النهر ( ماعدا بعض الاماكن ) ، وفسخت ايران المعاهدة من جانب واحد عام 1969 بعد سيطرة البعث علي السلطة في العراق ، بما اعتبره العراق خرقا فاضحا لاحكام القانون الدولى، واضطر العراق ازاء ضغوط القتال لاخماد التمرد الكردى ( والذى نشب انذاك بقيادة الملا مصطقى البرزانى ) الى توقيع اتفاق جديد عام 1975 بوساطة الرئيس الجزائرى بومدين اعترفت فيه بخط منتصف المجري الملاحى فى شط العرب ، وهو ما قام صدام بالغائه عند قيام ثورة الخميني ، وكان ذلك من ضمن اسباب نشوب تلك الحرب الضروس بين البلدين .
التغول الايرانى فى الحياة السياسة الداخلية فى العراق ، الذى وضحت ملامحه منذ البداية بانتقال المنطمات الشيعية المعارضه لنظام صدام من ايران الى العراق عند سقوطه ، وبخاصة المجلس الاسلامى الاعلى بقيادة الحكيم وحزب الدعوة بقيادة المالكى . والاتفاق بعد ذلك على اتباع نظام المحاصصة فى وجود اغلبية شيعية ، وتقسيم السلطات فى العراق بحيث يحصل الشيعة على منصب رئاسة الحكومة التى تعطيها سلطات تنفيذية واسعة ، ومنصب رئاسة الجمهورية للاكراد ، ورئاسة المجلس النيابى للسنة . واتيحت لايران مجالات- اوسع للتحرك ومحاولة التاثير على الوضع الداخلى والتوجهات السياسية فى العراق . وجاءت الانتخابات النيابية الاخيرة اتساقا مع التوجه العام فقد حصلت القوائم الشيعية على اغلبية ، وفى مقدمتها قائمة تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر على 54 مقعدا من اصل 329، وتحالف الفتح بزعامة هادى العامرى ( والذى يضم فصائل الحشد الشعبى ) على 47 مقعدا ، وائتلاف النصر برئاسة حيدرالعبادى رئيس الوزراء السابق على 42 مقعدا ، وائتلاف القانون برئاسة نورى المالكى رئيس الوزراء الاسبق على 26 مقعدا ، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم على 19 مقعدا . وقد وقع الاختيار على عادل عبد المهدى المنتفكي لرئاسة الحكومة الجديدة.
غير انه من الملاحظ ان النعرة الوطنية قد علت نبرتها مؤخرا فى العراق ، بالمطالبة بحكومة فعالة لمناهضة الفساد وتوفير الخدمات الاساسية والامن وتعيد للعراق استقراره . ويستوجب الامر هنا ان نوضح انه ليس كل من يعتنق المذهب الشيعى تابعا لايران ويأتمر بأوامرها ، فالبعض منهم عرب اقحاح ، والاغلبية يجذبها انتمائها الوطنى للعراق ، وهو ما يفسر تجاوب الكثيرين للدعاوى الوطنية وتجنب النعرات المذهبية ، وتقودها شخصيات لها شأنها مثل مقتضى الصدر واياد علاوى .
وشهدت محافظة البصرة جنوبى العراق تطورا غير مسبوق في سبتمبر الماضى،تمثلت فى احتجاجات شعبية مناهضة للنظام الايرانى وتدخله بصورة سافرة فى الشؤون العراقية والتى احرقت القنصلية والعلم الايراني ومقر الحشد الشعبي ، وقد قمعتها بشدة ميليشيا عصائب اهل الحق التابعة لنوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق .
شارك الحرس الثوري الايراني بقوة كتيبتين في جهود تحرير الاراضى العراقية من تنظيم داعش ، وذلك من خلال دعم قوات الحشد الشعبي ، وكان للواء قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الايرانى دورا فعالا في شن عدة هجمات ضد تنظيم داعش ، ويقال انه خطط لمعركة تكريت عام 2015 . والحشد الشعبى هو تجمع للمليشيات الشيعية والتى يقدر عددها 69 ميليشيا فى تنظيم عسكرى تحت قيادة رئيس الوزراء الى ان تم ضمهم الى الجيش العراقى بموافقة المجلس النيابى بعد ان تزايدت الشكاوى ضد تجاوزات ارتكبها الحشد الشعبى فى المناطق السنية المحررة ، وصدرت بعدها تعليمات بان تشارك قوات الحشد فى القتال وتبقى بعده خارج المدن .
وصل حجم التبادل التجارى بين الجانبين عام 2014 الى 12 مليار دولار وكان مؤهلا للمزيد بعد انشاء المنطقة الحرة فى منطقة شلامجه بجنوب البلاد وتسهيل حرية التنقل بينهما، غير ان التبادل التجارى تراجع مع استيلاء تنظيم الدوله داعش على محافظات عراقية باكملها ، ولم يكد يستعيد عافيته بعد التغلب على هذا التنظيم الا وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية وفرضها للعقوبات من جديد على ايران لكى تؤثر بالسلب على التجارة والاستثمارات الايرانية نتيجة للانخفاض الحاد فى سعر الريال الايرانى. واعلن رئيس الغرفة التجارية العراقية الايرانية المشتركة فى ديسمبر 2018 وقف التعامل بالدولار الامريكى، لتنشيط الحركة التجارية بينهما . وإتساقاً مع ذلك أعلن رئيس الوزراء العراقى عبد المهدى أن العراق سوف يغلب مصالحه الخاصة فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
الدور الأمريكى فى مثلث العلاقات العراقية الإيرانية التركية
تجدر الإشارة الى أهمية الدور الأمريكى كعامل هام فى ضبط التفاعلات بين الأطراف الثلاثة، وذلك بحجم الدور الأمريكى المحورى فى العراق فى أعقاب الغزو والإطاحة بنظام صدام حسين، بدءاً بإقدام الجانب الأمريكى على إقتلاع حزب البعث من تركيبة الحكم فى العراق وإعادة بناء نظام الحكم على أساس نظام المحاصصة بين مكونات الشعب العراقى، مروراً بدور القوات الأمريكية فى التصدى للجماعات الجهادية التى نشأت كنتيجة للتمرد السنى ضد هيمنة الشيعة على نظام الحكم وعلى رأسها تنظيم داعش، وإنتهاءاً بإنحسار التواجد العسكرى الأمريكى فى العراق وتراجع الإهتمام السياسى الأمريكى بالشأن العراقى بوجه عام خلال فترة إدارة الرئيس أوباما وهو النهج الذى إستمرت عليه إدارة الرئيس ترامب فى ظل النجاحات التى تحققت فى القضاء على تنظيم داعش داخل الأراضى العراقية.
وتبرز فى هذا السياق المفارقة المتمثلة فى تصاعد الدور الإيرانى فى العراق فى ظل الإحتلال الأمريكى لكامل الأراضى العراقية بعد الغزو عام 2003، حيث نجحت إيران فى بسط نفوذها على مفاصل الحكم ودفع إنصارها وسط مكونات التركيبة الشيعية المختلفة، هذا الى جانب تغلغل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران داخل أجهزة الأمن العراقية، وكل ذلك تحت سقف الإحتلال الأمريكى وسيطرة الولايات المتحدة فعلياً على مجمل المشهد العراقى. ويمكن تفسير تلك المفارقة فى طبيعة التداخل السكانى بين العراق وإيران من ناحية، وعمق الروابط الدينية والثقافية بين البلدين من ناحية أخرى، وواقع الحدود الممتدة والمفتوحة بين الدولتين من ناحية ثالثة، وكلها عوامل مهدت لتغلغل النفوذ الإيرانى بشكل متزايد داخل العراق على نحو عجزت معه القوات الأمريكية للتصدى له بشكل فعال رغم التواجد العسكرى الأمريكى فى البلاد الذى إستمر حتى بعد الإستقلال الرسمى للعراق عام 2009. يضاف الى ما سبق أن إهتمام الولايات المتحدة فى فترة ما بعد الغزو قد إنصب على إعادة بناء نظام الحكم والإقتصاد العراق، والتصدى للتمرد السنى ضد التواجد الأمريكى والذى ضم عناصر من حزب البعث المنحل، وإخماد الحرب الأهلية الطائفية التى نجح تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين فى تأجيجه نتيجة للعمليات الإرهابية المتواصلة ضد الأهداف والمراقد الشيعية، وهو ما افضى الى صرف نظر الجانب الأمريكى عن مواجهة تنامى نفوذ إيران فى الساحة العراقية بشكل عام.
من جانب آخر فقد ترتب على التوتر الذى طرأ على العلاقات الأمريكية التركية ضعف قدرة واشنطن على التأثير على مسار السياسات التركية إزاء العراق، فقد ظهرت بوادر هذا التوتر فى سياسات أردوجان الإقليمية والتى عكست توجه أنقرة لرسم سياسات مستقلة عن السياسات الأمريكية الإقليمية وسياسات المعسكر الغربى بوجه عام، كما أن نزعة إردوجان فى الإنفراد بالحكم وتردى سجل تركيا فى مجال حقوق الإنسان والحريات العامة كانت بمثابة عامل إضافى فى تنامى هذا التوتر، وقد جاءت محاولة الإنقلاب العسكرى ضد أردوجان من قبل عناصر من الجيش التركي لتساهم فى تصعيد هذا التوتر بشكل ملحوظ وذلك فى ظل إتهامات بعض الدوائر المقربة من أردوجان للولايات المتحدة بالضلوع فى محاولة الإنقلاب وهو ما إقترن برفض واشنطن تسليم الداعية التركى فتح الله جولن الذى إتخذ من ولاية بنسلفينيا الأمريكية ملجأً والتى إتهمته أنقرة بالتورط بشكل مباشر فى التخطيط لمحاولة الإنقلاب وإنخراطه فى تحركات مناوئة لرئيس الوزراء أردوجان. هذه العوامل مجتمعة أضعفت من قدرة الجانب الأمريكى على كبح جماح التخلات التركية فى الشأن العراقى وخاصةً التوغل العسكرى التركى فى منطقة بعشيقة وهو ما إعتبرته واشنطن تدخلاً يؤجج حالة عدم الإستقرار فى العراق بشكل عام، وينتقص من قدرة الحكومة العراقية على بسط سيادتها على كامل الأراضى العراقية.
الخاتمة
يتطلب هذا التداخل والالتباس بين الدول الثلاث الى جهود مضنية ووقت لكى توضع الامور فى نصابها ، ويمكن ان يفرد له مبحث اخر . والامر العاجل ويهمنا بوجه خاص ، هو وضع العراق فى هذا الخضم من التدخلات ، وضرورة ايلاءه عناية عربية خاصة ومساندته فى مواجهة ما يعصف به من تحديات داخلية وخارجية تحقيقا لاستقراره ومنع الندخل فى شئونه ووحدته ارضا وشعبا واستقلال قراره .