جذور الصراع الدولي
من جملة التعريفات التي استقر عليها كتاب التاريخ المعاصر أو بالأحرى تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة مصطلح التدافع الأوروبي أو التكالب الأفريقي على أفريقيا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر (1870) وحتى مطلع العقد الثاني من القرن العشرين (1914) وبداية الحرب العالمية الأولى تجسيدا لكل هذه المعاني للتدافع أو التكالب أو التأنس بين الدول الأوروبية في صراعها.
وقد أضحى ما يطلق عليه “مؤتمر برلين” بأن التطورات التي أفضت إلى هذا المؤتمر هي التي تمثل النقطة الفاصلة في علاقات أوروبا بأفريقيا أو ما أطلق عليها الاندفاع المجنون نحو أفريقيا في مطلع الثمانينات من القرن التاسع عشر، ذلك أنه خلال عقدين من الزمن تغير وجه أفريقيا ، فلم يكن قد تحرر من السيطرة الأوروبية سوى ليبيريا (مستعمرة أمريكية سابقة ، إلى جانب أثيوبيا) ثم شهدت بداية الثمانينات في القرن 19 طفرة سريعة في تدافع الدول الأوروبية على البلاد الأفريقية.
وفى عام 1880 وقعت المنطقة شمال نهر الكونغو تحت الاستعمار الفرنسي بوصفها إحدى محمياته باتفاق بين ملكها والمكتشف الجغرافي “بيير دي برازا”
وفى عام 1881 أصحبت تونس محمية فرنسية.
وفى عام 1882 احتلت بريطانيا مصر (انسحبت فرنسا من الاحتلال المشترك) ثم بدأت إيطاليا استعمارها لأريتريا.
وفى عام 1882 ظهر الصومال البريطاني الفرنسي.
وفى عام 1884 سيطرت ألمانيا على جنوب غرب أفريقيا والكاميرون وشرق أفريقية الألمانية وتوجو ، أما إسبانيا فقد طالبت بإقليم (ريودي أورو)
في ضوء هذه الحقائق السياسية والجغرافية الجديدة جددت أوروبا بذلك قواعد تقسيم القارة الأفريقية، ففي مؤتمر برلين المذكور (1884 ـ 1885) (وما ترتب عليه من اتفاق عام لمؤتمر برلين أرسيت قواعد إضافية لتمرير التقسيم الأوروبي للقارة الأفريقية، وكانت الملاحة في نهري النيجر والكونغو حرة أمام الكافة وكان يتحتم على المستعمر أن يدلل على الاحتلال الفعلي بإنشاء منطقة لنفوذه لتأكيد حمايته للمنطقة أو الإقليم، وهكذا انفتحت الأبواب أمام طوفان الاستعمار الأوروبي لأفريقيا فماذا كانت النتيجة؟ إذا كانت بداية الثمانينات من القرن 19 شهدت جزءًا بسيطا من أفريقيا يقع تحت السيطرة الأوروبية فقد كان هذا الجزء بشكل عام مجرد شريط على الساحل ويمتد لمسافة قصيرة داخل القارة على امتداد الأنهار الكبرى مثل النيجر والكونغو.
وقد انتهى مؤتمر برلين الذي عقدته الدول الأوروبية الكبرى بدعوة من البرتغال وبترتيب وأهداف سمتها ألمانيا في ظل سياسة مستشارها بسمارك فخلق لبلاده منطقة لنفوذها وقطع أوصال القارة الأفريقية بين منافسيه، وقد وصف ذلك أحد المؤرخين لهذا المؤتمر بقوله “إن الدول الاستعمارية قد فرضت نفوذها وسيطرتها على القارة الأفريقية حتى أنه حين استعادت القارة استقلالها مع بداية الخمسينات كان الإرث الأفريقي هو التفتيت السياسي الذي أصبح من المستحيل تجاهل حقائقه كما أنه من المستحيل أيضا الاستفادة من مثل هذا التفتت أو التقسيم بشكل مفيد.
وحين عقد مؤتمر برلين 1884 كانت نسبة 80 % من أفريقيا تقع تحت السيطرة التقليدية والمحلية لكن هذه التطورات تمخضت عن حدود جغرافية عشوائية قسمت القارة إلى أكثر من خمسين دولة غير منتظمة الحدود، وفرضت هذه الخريطة الجديدة العشوائية على كافة المناطق التي تزيد على الألف منطقة ـ وكانت تلك البلدان تفتقر إلى التناغم أو المنطق فلم تكن أفريقيا مقسمة إلى جماعات وشعوب متماسكة بل إنها اشتملت على جماعات متباينة مشتتة والتي لم تكن في الحقيقة تجمعها أي رابط أو علاقة جغرافية دينية طبيعية ديموغرافية أو سياسية.
أولاً روسيا وأفريقيا
أبعاد السياسة الروسية في أفريقيا
إذا كان الحديث قد تكرر عن أن روسيا قد عادت إلى أفريقيا لكن ليس ثمة دليل قاطع على ذلك وهو ما دفع كثيرا من الخبراء بألا يتوقع أن تحرز روسيا تقدما كبيرا في سياستها الأفريقية. وقد لا تستطيع روسيا بلوغ غاياتها في قمتها التي عقدتها مؤخرا في سوتشي مطلع أكتوبر الماضي 2019 والمسمى روسيا وأفريقيا.
وليس ثمة استراتيجية واضحة المعالم وراء تلك النتائج، ولقد كانت علاقات روسيا وأفريقيا تسير في اتجاه إيجابي حتى حدث التحول الأخير في الموقف الدولي فيما يتصل بالحرب الأهلية في سوريا وبالأحداث في شبه جزيرة القرم، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أما الآن فإنه من الأصوب أن تحدد روسيا ما يمكنها أن تقدمه لإفريقيا، وأن تتلاقى المصالح الروسية مع المصالح الأفريقية، وإلى أي مدى تسعى روسيا إلى الانخراط في التنمية الاقتصادية والسياسية من القارة الأفريقية.
ولابد أن ندرك أن الموقف الدولي قد كشف عن المشكلات المزمنة في العلاقات الروسية الأفريقية، وتعبر هذه المشكلات عن أن أفريقيا تتغير بوتائر سريعة، وبارتفاع مضطرد ولذلك لم يعد من الممكن أن تستعين روسيا في سياستها الأفريقية الجديدة بالتراث السوفيتي القديم قبل التسعينات من القرن الماضي، ومن هذا المنظور يمكن لروسيا أن تحقق الكثير فلروسيا نظام متكامل لرصد الموقف في أفريقيا من خلال 40 سفارة،40 بعثة تجارية ولاشك أن الجمع ورصد وتحليل المقترحات الخاصة بالسوق الأفريقية هو أقرب إلى الأمور الاستراتيجية.
لكن الاستراتيجية كانت تتضمن تقديم قروض سهلة لأفريقيا مقابل عقود للطاقة والتشييد مع وجود دبلوماسي قوي أي (51) سفارة في أفريقيا وذلك في قطاعات متقدمة مثل الأدوية والرعاية الصحية والزراعة والاتصالات ثم الدبلوماسية الثنائية.
السؤال الآن ما هي استراتيجية روسيا المطبقة الآن في أفريقيا؟
وتحقيق هذا الهدف يبدو ميسورا بتكرار تجربتي الهند واليابان أي للتركيز على العلاقات الروسية الأفريقية وضمان الوجود الدبلوماسي القوي وهي استراتيجية تقل تكلفة عن استراتيجية الصين.
وطبقا لتقارير الخارجية الروسية، فلقد أخذت الدول الأفريقية وحدها عشرة بلايين دولار من روسيا كمساعدات تنموية اقتصادية عام 2018 .
وخلاصة القول في النهاية أن تنويع الصلات والعلاقات الخارجية والسياسية والتجارية تمثل صدارة الأولويات بالنسبة للسياسة الروسية في الوقت الراهن، ولقد حان الوقت حقيقة لعودة روسيا إلى أفريقيا ولمراجعة أهدافها التي تسعى لترتيبها وأن نذكر دائما أن الموقف في القارة قابل للتغيير دائما وبشكل فائق السرعة.
مع بداية التساؤلات عن تفسير أسباب عودة روسيا ومظاهره إلى أفريقيا منذ عام 2017 هل كان رد فعل لاستدعاء التاريخ الروسي السابق (من العهد السوفيتي) أم تنفيذا لاستراتيجية جديدة في الوقت الذي يقال فيه الكثير عن توجهات روسيا والرئيس بوتين إلى المحور الأسيوي.
ثم بدأت تساؤلات موازية حول كيفية تعبير سياسة روسيا عن نفسها في مجال الدبلوماسية والمجال العسكري، والاقتصادي (الموارد الطبيعية) واقترن بهذه الأسئلة سؤال آخر حول كيفية تفاعل السياسة الروسية مع سياسات القوى الأخرى في أفريقيا.
وقد خلصت كثير من التحليلات إلى أن مظاهر عودة روسيا في أفريقيا أكثر تواضعا مما تروج له وسائل الإعلام، وإن كانت تميل إلى التركيز على دعامتين اثنتين أساسيتين لروسيا في أفريقيا هما: التعاون العسكري والتقني، ثم استغلال الموارد الطبيعية.
على أنه يتسنى لنا أن نفسر إحياء الكرملين لسياسة أفريقيا عام 2014 بتفاعل ثلاثة عوامل :
أولها: العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم.
وثانيها: إنشاء الاتحاد الاقتصادي اليورو أسيوي .
وثالثا: بداية الضربات الجوية الروسية في سوريا في (30 سبتمبر 2015)
وبذلك أضحت مواجهة روسيا مع الغرب عنصرا أساسيا في السياسة الخارجية الروسية فدفعتها للبحث عن مخرج وعن شركاء وحلفاء جدد (دول صاعدة مثل الهند، والصين ، والبرازيل ، وتركيا، وإسرائيل أيضا).
أما الدور الاقتصادي لروسيا في أفريقيا:
لم تزل روسيا تمثل قوة خفيفة الوزن في أفريقيا، فطبقا لإحصائيات التجارة الروسية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء فهي لا تتجاوز 5 بلايين دولار في العام، وإذا ما أضفنا دول شمال أفريقيا فالرقم يقفز إلى 17 بليون دولار، وهذا الرقم يعادل قمة تجارة البرازيل مع أفريقيا ولكنه أدنى بكثير مما يتطلع إليه المنافسون من الروس.
وطبقا لوكالة المعلومات الاقتصادية لأفريقيا عام 2017 بلغت تجارة الاتحاد الأوروبي مع أفريقيا حوالي 275 بليون دولار مقابل 200 مليار دولار مع الصين و20 مليار دولار مع تركيا، الأمر الذي دفع أحد الخبراء للقول إن الأمر لا علاقة له بالسياسة الخارجية بل يرتبط بالترويج للأعمال في مجالات بعيدة عن العقوبات الغربية.
وبالنسبة للتعاون العسكري كانت إدارة روسيا لاقتحام أفريقيا هي وزارة الدفاع ولكن بالتنسيق مع وزارة الخارجية الروسية.
وبالنسبة لمبيعات السلاح، فأفريقيا لم تزل مفتوحة الأبواب والأسواق التي يمكن اقتحامها حتى وإن كانت روسيا متواجدة فعلاً في أفريقيا.
وبمراجعة إحصائيات معهد ستوكهولم للسلام والبحوث الدولية التي تشير إلى أن 78% من تحويلات السلاح الروسي إلى أفريقيا كانت توجه إلى الجزائر.
وبشكل عام فإن أفريقيا ككل تمثل 13% من صادرات السلاح الروسي وفيما بين عام 2011 ـ 2015 كانت روسيا تمثل 30% من واردات السلاح إلى أفريقيا وهذه الأرقام لا تشمل عقود الصيانة والمعدات السوفيتية التي لم تزل تستخدم في ثلاثة أرباع الدول الأفريقية.
وكانت معظم المعدات توجه للصين والهند وفيتنام أما أفريقيا فجاءت متأخرة في الترتيب. وشملت روسيا في تصدير السلاح للدول الأفريقية 2017 هي مصر والجزائر ونيجيريا ومالي وأنجولا وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو.
ويرى الخبراء الروس في التعاون العسكري التقني أن العملاء الأفارقة يسعون للحصول على النظم الحديثة للأسلحة الروسية لاقتناعهم بأنه من الأفضل الشراء من الروس عن الشراء من الصين أو من إسرائيل.
المزايا الاقتصادية والأمنية للتعاون العسكري مع روسيا
أصبحت المنافع الاقتصادية مقابل بيع السلع والخدمات الموجهة للقطاع الأمني من خلال عام 2014 وإيفاد بعثات إلى الدول 2018 برئاسة سيرجى لافروف وزير الخارجية أو نيكولاي باتروشيف الفترة من 5-9 مارس 2018 .
تحقيق الانفتاح أمام الاستعماريات الروسية وإعادة تدشين التبادل الثقافي والجامعي .
بالنسبة لروسيا يتلخص الأمر كله في الحصول على قطاع من السوق وتطوير التعاون العالمي والتقني مع عدم استبعاد روسيا من استغلال الموارد الطبيعية ، ثم التعامل مع روسيا من منظور أنها اللاعب الكبير في مكافحة الإرهاب.
وبعبارة أخرى فهدف روسيا هو تطوير عدد من علاقات الشراكة بين روسيا وأفريقيا ترتكز على ثلاث خصائص:
- عجز الحكومات عن الحفاظ على الأمن والنظام على أراضيها.
- استياء بعض المؤسسات الأفريقية من سياسة القروض والتجارة مع الصين لشروطها البيئية.
واتجاه روسيا للتخلص من العقود الثقيلة والتركيز على احتياجات الدولة ذات الصلة.
- خشية بعض الزعماء الأفارقة من اندلاع الثورات الملونة ويبدو أن موسكو توفر لهم الحماية ضد هذا الاحتمال كما حدث من تدخل روسي في سوريا.
وكانت رحلة باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي تتضمن إبرام اتفاقيات لمحاربة الإرهاب الإسلامي والجماعات المتطرفة.
أما لافروف فقد عمل في زيارته في دول جنوب الصحراء على زيادة التعاون الاقتصادي ثم توقيع عقود لتوريد الأسلحة الصغيرة مع ناميبيا وشراء مفاعل نووي روس أتوم والتركيز كذلك على التعاون العسكري (مساعدة القوات المحلية لمكافحة تنظيم الشباب الإرهابية في الصومال).
وقام لافروف أيضا بزيارة أثيوبيا ومع أن روسيا كانت تنظر إليها كقاعدة محتملة لرصد أحداث القرن الأفريقي كان تأثير روسيا في أثيوبيا محدودا وقال أحد المسئولين الأثيوبيين إننا نولي احتراما كبيرا لروسيا من المنظور العسكري لكن أثيوبيا اختارت التعاون مع الولايات المتحدة منذ زمن بعيد.
لكل ذلك ليس من المتوقع أن تلعب روسيا دورا حاسما في صياغة مستقبل القارة الأفريقية، ولكن تظل عيون روسيا مركزة على الأسواق والموارد الطبيعية الأفريقية.
ثانياً سياسة الصين في أفريقيا
تعود علاقات الصين بالقارة الأفريقية إلى الفترة اللاحقة مباشرة للعصر الاستعماري وبدء الاستقلال وتصفية الاستعمار ذلك أن الصين شكلت علاقاتها بالدول الأفريقية فاستحدثت الاعتراف الدبلوماسي بالصين الشعبية بدلاً من تايوان وكوسيلة للمساومة وذلك بمكافأة الدول التي انحازت إلى بكين بدلاً من انحيازها إلى تايوان.
ومنذ منتصف التسعينات، عملت الصين على تكييف أسلوبها ومنهجها بالتركيز على العلاقات الاقتصادية بما يبشر بسياسة عدم التدخل في الشئون الرسمية للدول الأفريقية ولذلك فسياسة الصين الخارجية تجاه أفريقيا تقوم على عدم التدخل واحترام السيادة، كما أتاحت الصين تخصيص المساعدات للدول الأفريقية بالقليل اليسير من الشروط (أو بدون شروط) وبذلك تمكنت الصين من توفير التمويل الذي كانت تحتاجه بعض الدول مثل السودان، وجنوب السودان وزمبابوي.
ولقد وضعت سياسة عدم التدخل هذه موضع الاختبار في ضوء المتغيرات الجيوسياسية على صعيد القارة الأفريقية، ويرى الخبراء أنه بينما تستمر الصين في التحدث عن نوايا عدم التدخل فقد اتضح أن بكين تتخلى تدريجيا عن هذا الموقف، وقد يكون هذا التحول واضحا في السودان المصدر الرئيس للنفط إلى الصين حيث أدت الصراعات إلى الدفع بهذه التحولات في سياسة الصين .
النقطة الثانية أن الصين عززت التزامها ببعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي .وفى مارس 2017 أرسلت الصين أكثر من (2500) ألفين وخمسمائة من قواتها ومن الشرطة ومن الخبراء العسكريين في بعثات حفظ سلام في دارفور والكونغو الديمقراطية، ومالي وجنوب السودان، وكتائب صغيرة في ساحل العاج والصحراء الغربية.
وقد تعهد الرئيس الصيني بمعونة عسكرية تبلغ مائة مليون دولار للاتحاد الأفريقي عام 2015، كما تدعم الصين بناء القدرات في مجالات أخرى مثل الدفاع ومكافحة الإرهاب وكانت قد اضطرت لتكثيف وجودها الأمني بعد أحداث قتل أفراد صينيين في مالي، وجنوب السودان واختطاف عمال صينيين في الكاميرون وانتشار ظاهرة ما يطلق عليه انتشار الدولة الإسلامية في أفريقيا.
وفى عام 2008 ظلت الصين تدعم عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وقريبا من الساحل الشرقي لأفريقيا كما ضمت جيبوتي أول منشأة بحرية صينية دائمة خارج حدودها منذ يوليو 2017.
أما التجارة بين الصين والدول الأفريقية، فسعيا من الصين للحصول على الموارد الطبيعية خاصة الطاقة (النفط) فقد انخرطت في شكل من أشكال الدبلوماسية التجارية.
ويرى الباحثون في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن بكين تربط بين صفقاتها التجارية ومعوناتها، واستثماراتها الواسعة وبين علاقاتها بالدول الغنية بالموارد الأولية، وتحتفظ الصين بقدرات فريدة في توفير التمويل منخفض التكلفة، والعمالة الرخيصة لمشروعات البنية الأساسية.
واستعراض العلاقات التجارية بين الصين وأفريقيا يكشف عن أن تلك العلاقات قد تعمقت مع انتعاش الاقتصاد الصيني، فأصبحت الصين تفوق الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا عام 2009.
وتهدف الصين إلى تحقيق نسبة تتراوح بين 15% إلى 16% من الصادرات إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وأن تصبح الواردات من المنطقة بنسبة تتراوح من 14% إلى 21% طبقا لتقديرات البنك الدولي.
وبينما تتكون معظم صادرات أفريقيا إلى الصين من أنواع الوقود المعدنية والزيوت، فهي تصدر أيضا خام الحديد والمعادن، وكميات محدودة من المواد الغذائية والمنتجات الزراعية. أما الصين فكانت تصدر أنواعا من المعدات، ووسائل النقل، ومعدات الاتصالات إلى البلدان الأفريقية.
وتمثل الصين مصدرا هاما للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا، فهي تقدم قروضا تنموية للبلاد الغنية بالموارد مثل أنجولا وتستثمر الصين في الزراعة وتعمل على تنمية التجارة الخاصة، ومناطق التعاون الاقتصادي في العديد من الدول بما في ذلك دول مثل أثيوبيا ونيجريا وزامبيا ويوفر هذه القروض والائتمانات بنك “الشعب الصيني” وبنك “التنمية الصيني” وبنك “الصين للصادرات والواردات”، وصندوق “التنمية الأفريقي الصيني”، فقامت بتمويل تشييد الطرق، والسكك الحديدية، والموانئ والمطارات والمستشفيات والمدارس والمجمعات الرياضية واستثمارات خاصة في مزارع الدخان والمطاط والسكر .
ارتبطت محاور الاستثمار في الصين بالإطار التنموي وفى استراتيجية الصين في حزام واحد وطريق واحد .بذلك يصل الحزام القاري التنموي والطريق البحري لتعزيز التعاون الصيني والتواصل بين الصين وأفريقيا ويورو آسيا (اتحاد يوراسيا).
خلاصة القول: أسهم الاستثمار الصيني في أفريقيا في عمليات التنمية الاقتصادية إلا أن تباطؤ التنمية في الصين ذاتها والهبوط في أسعار السلع الأولية أدى إلى هبوط كبير في معدلات النمو.
ويرى الخبراء أنه إذا ما رأينا تدني الأولوية المخصصة لأفريقيا في الخريطة الاستراتيجية الكلية لعلاقاتها الخارجية، فإن الاهتمام والتركيز والدعاية من انخراط الصين في أفريقيا هو في الواقع أكبر من الحقيقة ولا يتناسب مع الواقع الفعلي.
ثالثاً إسرائيل وأفريقيا
وإذا ما تحدثنا عن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية المعاصرة في أحدث عهدها في ظل حكومة الليكود برئاسة ناتنياهو فيمكن القول إن عام 2017 يمثل انعطافة هامة في التحول الإيجابي للمواقف الإسرائيلية من كثير من عدد الدول الأفريقية الهامة حتى وصف البعض هذا العام بأنه يمثل عودة إسرائيل إلى أفريقيا.
في عام 2016 أي منذ ثلاثة أعوام تقريبا كان ناتنياهو هو أول رئيس وزراء غير أفريقي يتحدث أمام منظمة “الأيكواس” المنظمة الأفضل لغرب أفريقيا التي تهدف لتحقيق التكامل بين دول غرب أفريقيا ، وقال ناتنياهو بالحرف في اجتماع القمة في العاصمة الليبيرية مونروفيا ” إنه مؤمن بأفريقيا، مؤمن بطاقاتها، وأنه يعتبر نفسه إفريقيا في الحاضر وفى المستقبل فهي قارة في طريق النهضة والصعود.
وصرح ناتنياهو بأنه جعل من دعم العلاقات مع إسرائيل وأفريقيا إحدى أولوياته على نحو ما تبين في جولته في أربع دول عام 2016 وهي الزيارة الأولى لوزراء الدولة جنوب الصحراء خلال ثلاثين عاما .
كانت دول شمال أفريقيا أقرب إلى الشرق الأوسط باعتبار أنها تضم أغلبية من السكان العرب والمسلمين المناهضين لإسرائيل والمقربين للقضية الفلسطينية بيد أن إسرائيل في السنوات الأخيرة انتهجت سياسة التقارب مع الكثير من البلدان الأفريقية التي وقفت من قبل موقفا عدائيا من إسرائيل.
وكان ناتنياهو قد صرح قبل رحلته الأخيرة إلى ليبيريا (قمة الأيكواس 2016) أن هدفه من وراء الزيارة هو اجتذاب المساندة الأفريقية لإسرائيل في مجلس الأمن عند مناقشة قضية المستوطنات الإسرائيلية والسلام مع الفلسطينيين، فقال بالحرف إن الهدف من هذه الرحلة هو تفكيك تلك الأغلبية أي تلك الكتلة الضخمة من 54 دولة أفريقية التي تمثل القاعدة للأغلبية التلقائية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمحافل اليهودية.
أما إذا حاولنا البحث عن حلفاء إسرائيل وأعدائها على سبيل المثال لا الحصر مثلاً الدول التي توصف بالمتحالفة مع إسرائيل مثل أثيوبيا (تضم إسرائيل طائفة أثيوبية تقدر عددها بـ 140000 مائة وأربعون ألف أثيوبي يطلق عليهم “بيت إسرائيل” وحتى وإن كانت تلك الطائفة عرضة للتفرقة ولا تتاح لها إلا القليل من الفرص الاجتماعية والاقتصادية.
أما إثيوبيا فهي الدولة ذات الأغلبية المسيحية التي تقع في قلب القرن الأفريقي فلقد كانت دائما ما تحرص على الحصول على الدعم العسكري من إسرائيل لردع المتطرفين الصوماليين ومن أريتريا المجاورة التي اعتبرتها أثيوبيا خاضعة للنفوذ العربي.
السنغال:
من أبرز الإنجازات التي حققها حضور ناتنياهو قمة الأيكواس في ليبريا هو تطبيع العلاقات مع السنغال وهي دولة هامة في غرب أفريقيا وتتمتع بتأثير خاص في مجموعة الدول الناطقة بالفرنسية الفرانكفونية والتي تبلغ حوالي العشرين دولة وكانت العلاقات قد قطعت بين الدولتين (إسرائيل والسنغال) بعد ما شاركت السنغال في تبني قرار مجلس الأمن في ديسمبر 2016 الذي أدان بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية فاستدعت إسرائيل سفيرها وألغت برامجها في السنغال ودعم ترشيح إسرائيل لتتمتع بصفة المراقب في الاتحاد الأفريقي.
لكن رئيس الوزراء ناتنياهو التقى برئيس جمهورية السنغال “ماكي سال” وأعلن الزعيمان نهاية الأزمة بين البلدين.
وتعتبر كينيا من أهم المحطات التي توقف بها ناتنياهو في جولته عام 2016 ولأسباب وجيهة بالطبع ذلك أنه بعد قطع العلاقات في أعقاب حرب عيد الغفران عام 1973 استعادت إسرائيل وكينيا علاقاتهما عام 1988 وتعاونت الدولتان في عدة مجالات، فاتجهت كينيا لشراء السلاح من إسرائيل في السنوات الأخيرة لمساعدتها في حربها ضد تنظيم المجاهدين من جماعات الشباب المتمركزين في الصومال المجاورة، كذلك قدمت إسرائيل المساعدة عن طريق عملاء مخابراتهم إلى نظرائهم في كينيا في التحقيق في عملية الهجوم التي حدثت ضد متجر وست جيت عام 1993 حيث تمكن تنظيم الشباب قتل أكثر من 60 من الأفراد.
أما الدول التي يمكن أن يطلق عليه وصف الأعداء أو الدول المناهضة لإسرائيل ويذكر منها عدد من الدول التي قد لا تكون من منظور بعض الكتاب المعاصرين مناهضة أو معادية بالمعنى الحرفي الدقيق بعضها من دول شمال أفريقيا التي كانت قد أعلنت الحرب على إسرائيل في أعقاب حرب الأيام الستة 1967 حيث جرت الاشتباكات بين القوات المصرية والسورية والأردنية والإسرائيلية، لكن مواقف تلك الدول في شمال أفريقيا كانت أقرب إلى المواقف الرمزية لكي تفسح لنفسها مكانا بين أعضاء جامعة الدول العربية على الرغم من أنها لم تكن تقوم مطلقا بأي عمل عدائي ضد إسرائيل على الرغم من حقيقة غياب أي علاقات رسمية بينها وبين إسرائيل.
كانت دول المغرب من بين دول شمال أفريقية التي ساهمت بقوة محددة العدد ساعدت بها مصر في حرب إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 وإن كانت العلاقات بينهما قد أخذت منحنى غير تصادمي في العقود الأخيرة.
وإذ حذا المغرب حذو مصر فقد وجه الدعوة لرئيس وزراء إسرائيل شيمون بيريز عام 1986 لإجراء مباحثات فكان ثاني زعيم عربي يستضيف رئيسا لدولة إسرائيل.
ورغم بعض مظاهر التعاون الاقتصادي فقد اصطدم ذلك التعاون بالعديد من النكسات خاصة وبسبب أحداث المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكن تلك العلاقات تلقت ضربة حقيقية بعد أن كان عاهل المغرب محمد السادس قد انسحب من قمة الأيكواس ردا على حضور ناتنياهو. هكذا قوبلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بشعور من الكراهية والعداء من بعض الدول الأفريقية.
وتعتبر السودان من أكثر أعداء إسرائيل لتحالف هذه الأخيرة مع الولايات المتحدة فكان أن ردت السودان بحظر دخول الإسرائيليين للسودان إلا أنه لم تزل هناك بعض البارقة والأمل لتحسن العلاقات، ذلك أن إسرائيل تسعى لحشد الدعم الغربي للسودان بعد قطع علاقاته مع إيران، العدو اللدود لإسرائيل.
تبقى إحدى كبرى الدول الأفريقية في الجنوب، وأعني بذلك جنوب أفريقيا التي كانت خلال عهود “الأبارتايد” التفرقة العنصرية من حلفاء إسرائيل القلائل في أفريقيا ، فجنوب أفريقيا قد صوتت لصالح إنشاء دولة إسرائيل في قرار الأمم المتحدة عام 1947.
لكنه بنهاية حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا عام 1994 بدأ الفتور ينتاب العلاقات بين جنوب أفريقيا وإسرائيل ذلك أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قد أدان سياسة إسرائيل نحو الضفة الغربية قطاع غزة ومع تأييد حل الدولتين .
وبرغم التغير في لغة العلاقات بين إسرائيل وجنوب أفريقيا فهما تحتفظان بعلاقاتهما الدبلوماسية ولم تزل جنوب أفريقيا أكبر شريك تجارى لإسرائيل في القارة الأفريقية.
لكن سياسة إسرائيل تجاه أفريقيا لم تخل من مشكلات استعصت على الحل بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء ناتنياهو منذ عام 2018 بل وعلى قطاعات كثيرة من المجتمع والرأي العام الإسرائيلي لاسيما اليهود (الغربيين) الذين كانوا إلى حد كبير رافضين قبول واستيعاب المهاجرين الأفارقة باعتبار أن إسرائيل ليست سوقا للعمل وبدأت حكومة ناتنياهو تبحث لهم عن بلاد ثالثة لهم مثل أوغندا إذا ما رفضوا خيار التعويض النقدي 3500 دولار وتكاليف السفر إلى خارج إسرائيل .
وكانت الطائفة الأريترية بصفة خاصة من أكثر الفئات الأفريقية التي تصل إسرائيل بالطرق غير المشروعة عبر الطرق الصحراوية من الحدود المصرية الإسرائيلية غير المحكمة السيطرة لكن قطاعات واسعة من التجمع الإسرائيلي ومن ساستها أيدت المجتمع نوعية هذه الهجرة باعتبار إسرائيل ذاتها دولة من المهاجرين وقامت من عناصر المهاجرين من أبناء وأحفاد ضحايا المحرقة (الهولوكوست) في الحرب العالمية الثانية، وساندهم في ذلك الليبراليون وأنصار حقوق الإنسان، أما على الجانب الآخر كان فريق أنصار الحفاظ على طابع الدولة اليهودية الخالصة وعدم طمس هذا الطابع بعناصر غير يهودية يتشبثون برفض المهاجرين من الأفارقة ومن بينهم حاخامات يهود متشددون تزعموا حركة الرفض المدعومة من حكومة الليكود التي تتزعم سياسة التوصيل من أريتريا والسودان 38000 مهاجر برغم تناقض ذلك مع اتفاقيات الأمم المتحدة لعام 1951 التي تنظم حالات اللاجئين الذين يطالبون بحق اللجوء داخل الحدود وكذلك ظلت هذه المشكلة السياسية الديموغرافية التي تؤثر في مواقف إسرائيل الداخلية وعلاقاتها الدولية وصورتها في محافل حقوق الإنسان والقومية المدنية تأثيرا شديد السلبية.
على أنه يمكن إيجاز أو بؤرة السياسة أو بالأحرى الدبلوماسية الإسرائيلية الفعالة في أفريقيا عامة في منطقة شرق أفريقيا بصفة خاصة، ذلك أن التطورات الدبلوماسية خلال السنوات العشر الأخيرة إنما تدل على اتجاهات واضحة لدى إسرائيل لدعم علاقاتها بدول جنوب الصحراء الأفريقية بهدف تحسين مكانة إسرائيل الوطنية والحصول على مساندتها في محافل الأمم المتحدة.
كذلك فإن تحليل أنماط التصويت في أربع دول من شرق أفريقيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ما بين عام 2015 ، 2018 تؤكد أن هنالك عائدا سياسيا استفادت منه إسرائيل برغم محدودية هذا العائد من حيث توطيد علاقات إسرائيل الخارجية ، ومن ثم فإن التوجيه السياسي هو تقديم المزيد من المساعدات التكنولوجية بهدف التنمية الإنسانية والمدنية لدول شرق أفريقيا حيث إنها من منظور أوسع تسهم في تحقيق وتوفير الدعم السياسي لإسرائيل في الأمم المتحدة بل والارتقاء باسم ومكانة إسرائيل في الدول الغربية بالتوازي مع الفوائد الاقتصادية والأمنية وهذا الاتجاه في توطيد العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول النامية في شرق أفريقيا هو ما أطلق عليه ناتنياهو رئيس وزراء إسرائيل باسم النهضة التي حققتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، على نحو ما تمثلت في زيارة رئيس جمهورية تشاد إلى إسرائيل في نوفمبر 2018 وقول ناتنياهو عندئذ إن إسرائيل عادت إلى أفريقيا.
رابعاً: الولايات المتحدة وأفريقيا:
الاستراتيجية الأمريكية
استراتيجيات الولايات المتحدة تجاه أفريقيا كانت تبشر بعودة المنافسة بينها وبين الدولتين الكبيرتين الأخيريتين الصين وروسيا في أفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي حيث التزمت الولايات المتحدة بمكافحة الأخطار وتتجسد في منافسيها الدوليين.
وفي ديسمبر 2018 صرح جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بأن أنشطة كل من موسكو وبكين من خلال عمليات التنمية المكثفة في أفريقيا إنما تهدد الاستقلال المالي للبلدان الأفريقية ومنع أي فرصة متاحة أمام الاستثمارات الأمريكية، كما أنها تتداخل مع العمليات العسكرية الأمريكية وتشكل تهديدا على مصالح الأمن القومي الأمريكي .
كذلك فإن ما نلمسه هو استغلال القادة الأفارقة لهذا التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في مواجهة كل منهما بالدولة الأخرى بهدف الوصول إلى المواد الأولية.
أما النخبة من القادة الأفارقة فقد برعوا في التحدث مع الولايات المتحدة باللغة والمنطق التي تحب الاستماع إليها (بل أخبروا) الرئيس ترامب أنهم يفضلون التعامل مع الولايات المتحدة عن التعامل مع الصين.
وقد استند المنهج الأمريكي إلى عدد من المبادئ في التعامل مع أفريقيا .
تقديم الحكومات الأفريقية بأفعالها لا بأقوالها يقول بعض القادة الأفارقة أنهم يعملون مع الصين وروسيا مضطرين (لكن الشيوعيين وحدهم من يقدمون للأفارقة يد المساعدة)
إشكاليات الدول الأفريقية، هي مشكلات داخلية لا علاقة لها بالولايات المتحدة .
الخلاف بين الصين والأفارقة لم يكن يعني قطع التواصل أو العلاقات معها بل إن طرد السفير السوفيتي من غينيا لم يؤدِ إلى قطع العلاقات بين غينيا وروسيا.
تنويع الشراكات بدلاً من الشراكة الواحدة مع الولايات المتحدة ذلك لأن الولايات المتحدة تعتبر الشراكة هي علاقة دائمة بسبب المصالح المشتركة والاستثمارات لكن الزعماء الأفارقة كثيرا ما غيروا مواقفهم من واشنطن إلى موسكو، ومن تايوان إلى الصين ومن كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية.
والحكومات الأفريقية تميل إلى تنويع الشركاء باعتبار ذلك أكثر من سلاح فـ “تشاد” مثلاً أعادت علاقاتها بإسرائيل بعد مرور 40 سنة ويبدو أن مالي قد تتخذ نفس الخطوة تجاه الدولة اليهودية.
عام 1975 أبلغ الزعيم الأفريقي بوبوتو سفير الولايات المتحدة أنه اشترى دبابات من الصين لأنه كان مضطرا وبعد عام واحد أوصى كسينجر وزير الخارجية الأمريكية بأن تقوم واشنطن ببيع دبابات لزائير (وهنا جيبوتي التي تستضيف قواعد عسكرية بحرية للصين وفرنسا وقاعدة للولايات المتحدة تدفع مقابلها مبلغ 63 مليون دولار وهو ضعف ما كانت تدفع في السابق.
كما أن الولايات المتحدة والصين وروسيا ليسوا هم المتنافسين الوحيدين في أفريقيا، فمنذ آخر السبعينات عملت السعودية والفرنسيون والمغاربة والمصريون أصدقاء الولايات المتحدة اجتمعوا فيما يسمى نادي السفاري للتصدي للخطر الشيوعي.
بل إنه في أواخر الستينات أدرك الدبلوماسيون الأمريكيون عيوب ونقائض المنهج الذي يطبقونه فطرحوا على الرئيس جونسون ضرورة إبراز خطر الشيوعية على الحكومات الأفريقية ذلك أن تلك الحكومات تحرص على إبعاد الحرب الباردة عن أفريقيا بأي ثمن.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تتقرب من الدول الأفريقية من خلال زيارة البيت الأبيض وأن تبين اهتمام الرئيس الأمريكي شخصيا بأمور أفريقيا .استمرار ومتابعة للدور الأمريكي في أداء دور الوساطة في مشكلات القادة (إبعاد النفوذ الشيوعي ـ السوفيتي) كما حدث في مفاوضات انسحاب كوبا من أنجولا في ثمانينات القرن الماضي مع ضمان استمرار المصالح الأمريكية وضمان حصول الحكومات الأفريقية على أفضل اتفاق اقتصادي مع الصين مع الدول الأخرى من خلال المساعي الأمريكية.
الخلاصة:
بعد الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين وعلى خلفية تصفية الاستعمار وحركات التحرر وظهور الأمم المتحدة وكثير من المتغيرات الدولية اتجهت أفريقيا للتعاون الدولي من خلال المنظمات الدولية (الأمم المتحدة) والإقليمية (الجامعة العربية) واستطاعت تحقيق الكثير من الإنجازات بعد حروب وصراعات مسلحة وحرب باردة ولا زالت أفريقيا تواجه الكثير من المتغيرات.