هذا الكتاب هو حصيلة نضال سياسي لما يزيد عن نصف قرن ، لشخصية قيادية كردية كبيرة ومثيرة للجدل، تركت بصمات واضحة على مسيرة النضال التحرري المعاصر للشعب الكردي من أجل الحرية ، وحل قضية سياسية وقومية شائكة شغلت المنطقة والعالم لعقود طويلة .
كان لهذه الشخصية دور ريادي موازٍ لدور من سبقوها من الزعماء الكبار الذين قادوا ثورات الشعب الكردي في الأجزاء المختلفة من كردستان ، فمذكرات “جلال طالباني” توثق لمرحلة عصيبة من مراحل النضال القومي نحن أحوج ما نكون إلى التعرف عليها ، هذا النضال الذي قاد صاحبه من بلدة مغمورة إلى تقلد أعلى المناصب القيادية في العراق الجديد؛ ليكون أول كردي في تاريخ شعبه يتولى منصب رئيس جمهورية العراق .
ولد السيد “طالباني” في صيف عام 1933 م ، وحسب قوله أنَّه سأل والدته عن تاريخ ولادته ، فقالت له:” إنَّ ذلك في عام ظهور الفلس العراقي ، وهذا يعني عام 1933 م ،أو 1934 م على أبعد تقدير ولكنه يرجح عام 1933 م، ثم يرصد بعد ذلك تولي والده التكيه الطالبانية ولدخوله كلية الحقوق وتأسيسه في أثناء ذلك لاتحاد طلبة كردستان ــ وكان وقتها سكرتير الاتحاد ــ وأصدر كتيبًا بعنوان ” اتحاد طلبة كردستان لماذا ؟ ” وكان أول خطاب يكتبه في بداية حياته السياسية ، ومهد خطوته لتأسيس اتحاد الشبيبة لاحقًا ، وهكذا أصبح هناك اتحاد طلبة وشبيبة ، وفي الحقيقة فاتحاد الشباب لم يتحول إلى منظمة كبيرة ولكن اتحاد الطلبة توسع وأصبح منظمة نشطة فاعلة .
وفى سؤال للسيد “طالباني” بمناسبة تأسيسه للحركات والفعاليات التركية عن كيف كنتم تربطون بين المسألة الكردية والعراقية ؟ فقال: “كنا نتطلّع إلى نظام ديمقراطي شعبي بقيادة الطبقة العاملة، ولأول مرة رفعنا وقتها شعار إسقاط النظام الملكي ، كما رفعنا شعار حق تقرير المصير، وكان المقصد هو تأسيس جمهوريتين في العراق ديمقراطية شعبية كردستانية، وأخرى ديمقراطية شعبية عربية تندمجان معًا لتأسيس جمهورية عراقية ديمقراطية شعبية على أن يكون لجمهورية كردستان الحق في التمثيل بالأمم المتحدة وعقد الصلات الخارجية ، هذه الأفكار تمت صياغتها عام 1953 م، ولكن بداياتها تعود إلى عام 1951 م.
أمَّا أول نشاط سياسي خارج كردستان كان المؤتمر القومي العربي ، وكان السيد “طالباني” أول كردي يتحدث في ذلك المؤتمر وتحدث وقتها عن الأخوة العربية الكردية والنضال المشترك للشعبين، وكان الشيوعيون منزعجين جدًا وأثاروا ضجةً كبيرةً واتهموهم باليمينية والرجعية ؛ لأنَّهم تعاونوا مع القوميين العرب .
وهناك نشاط سياسي أخر للسيد “طالباني ” خارج العراق في مهرجان (وارسو) للشباب عام 1955 م، وموسكو عام 1957 م وبعد ذلك مقابلته الهامة مع السيد “مصطفى البارزاني” تحدث عن تأسيس الحزب الديمقراطي في سوريا وبالطبع كان الشيوعيون منزعجين جدًا من تشكيل هذا الحزب .
أمَّا عن موقف “نوري السعيد” من تقارب الأحزاب العراقية ، وما كان عليه دور الأحزاب اليسارية؟ فالإجابة كانت أنَّ “نوري السعيد” حل جميع الأحزاب وسدَّ عليها أي سبيل للاعتراض القانوني أو الدستوري ومنع الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والجبهة الشعبية فتحولوا جميعًا إلى النضال السياسي وأصبح السيد “طالباني” وقتها لاجئ سياسي في سوريا ، وتم تخصيص راتب شهرى بمبلغ (300) ليرة وكان ذلك مبلغًا كبيرًا في ذلك الزمن .
وفى نقطة أخرى أو سؤال أخر حول البعثيين وتوجهاتهم لحل المسألة الكرديّة ؟
فكان الرد أنَّ مواقفهم كانت جيدة ، حتى أنَّهم أكدوا تأييدهم؛ لتثبيت حق الحكم الذاتي في الدستور العراقي الدائم ، وفى حال انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة فإنَّهم سيعملون لجعل كردستان إقليمًا رابعًا في تلك الجمهورية .
أمَّا عن دور الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق المعروف بـ ( البارتي ) في ثورة 14 يوليو فقد كان للحزب علاقة متينة بالضباط الكرد في الجيش ، وتألفت مجموعة من الضباك الكرد في” كركوك” ومعهم عدد آخر من ضباط المناطق الأخرى ، وكان هؤلاء مقربين من ( البارتي ) وكان السيد “طالباني” هو حلقة الاتصال بينهم وبين الحزب ، وتلقى الحزب بعض المعلومات عن الضباط الأحرار ولكن لم تكن هناك أيَّة علاقة مباشرة بينهم وبينه .
ويقول أيضًا:” أنَّ الضباط الأحرار كان يقودهم شعوبيون وقوميون ، ولذلك لم يكونوا راضين عن آرائهم “، ففي أول خطاب أمام وزارة الدفاع تطرق السيد / إبراهيم أحمد إلى كيفية نشوء العراق على يد الإنجليز وحرمان الكرد من حقوقهم ، وكيف أنَّ هذا العراق قد أُنشئ بميزان مختل وأنَّه حان الوقت؛ لكي يتم تصحيح ما جرى ووجوب إعادة بناء العراق على أساس مساواة حقيقية وتحقيق الحقوق الكردية والاعتراف بالحكم الذاتي ، وبالطبع هذه الطروحات لم تعجب الضباط الأحرار .
أمَّا عن ثورة سبتمبر 1961 م حيث قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق المشاركة في الانتفاضة ، حيث كانت ذكرى ثورة السادس من سبتمبر 1930 م قد حلَّت ووصل إنذار من “عبد الكريم قاسم” بشأن الانتفاضة، ولكن الرفاق في” بهدنان” حسب قول السيد “جلال طالباني” وبدون علم اللَّجنة المركزية للحزب هاجموا في (9 سبتمبر 1961 م) “زاخو” و”العمادية” ومناطق أخرى ، وهكذا أرسل يوم11 سبتمبر طائراته وجيشه للهجوم على تجمعات العشائر في “دربنديخان” و”خلكان” وقضى عليهم خلال يومين فهرب الجميع وعادوا إلى منازلهم وهناك أبرقوا لـ”قاسم” برقيات الوفاء والإخلاص ، وبقى كوادر الأحزاب بدون سلاح .
أمَّا عن النضال العلني للحزب بدأ بعد ثورة 14 يوليو فصحيح أنَّ مسيرة النضال كانت متواصلة قبل الثورة ، ولكنَّه كان نضالًا سريًا ، ومع انتهاء ثورة 14 يوليو ، تقدم الحزب خطورة للأمام وبدأ العمل من خلال إصدار المنشورات وعقد العلاقات السياسية مع الأطراف الأخرى ، ولذلك فإنَّ الفترة الممتدة من (14 يوليو إلى 11 سبتمبر عام 1961 م) كانت فترة نضال سياسي من خلال إصدار الصحيفة انتقالًا إلى النشاط الحزبي وعقد الصلات مع الأحزاب الأخرى والتي بدأت مع جبهة الاتحاد الوطني .
وعن علم الحزب بالانقلاب البعثي في (8 فبراير 1963 م) ، فقال السيد “طالباني”: “نعم نحن كنا على علم بذلك ، فاتصالاتنا مع الانقلابيين كانت قائمة على طريقين مختلفين: الأول عن طريق الضباط الذين سموا أنفسهم الضباط الأحرار ، والطريق الآخر كانت الاتصالات بين الحزب العربي الاشتراكي والبارتي ، وكان الطرفان قد أقرا مبدئيًا مسألة الحكم الذاتي ، وقال البعثيون:” أنَّهم مستعدون لمنحهم الحكم الذاتي وكذلك إجازة الحزب”، وقالوا أيضًا : “أنَّ دورهم في كردستان سيكون موازيًا لدورهم في عربستان .
ويتحدث السيد “طالباني” بعد ذلك عن مقابلته الرئيس “جمال عبد الناصر” وذلك في إبريل عام 1963 م، فعند الاستقبال تحدث السيد “جمال عبد الناصر” حول مسائل مهمة منها قوله:” أنَّه ليس سعيدًا بعمليات القتل في العراق ، ومنها مقتل “عبد الكريم قاسم”؛ لأنَّه مُفجّر ثورة وله دور في تأسيس الضباط الأحرار ولم يكن يستحق هذا المصير ، صحيح أنَّ “قاسم” قتل بعض الناس وعارضنا معارضة شديدة ، لكن أنا حزين من أجله “.
أمَّا عن مطالبهم من “عبد الناصر” فكانوا يريدوه حَكَمًا بينهم ، حيث قال السيد “طالباني”:” إنَّنا نراك حَكَمًا مُؤيّدًا لنا؛ لأنَّنا نعتبرك أخًا كبيرًا لنا ونحن مظلومون ولنا حق على الطرف الآخر، ووعدهم بدراسة الأمر وفي اليوم التالي واصل السيد “طالباني” الحديث ؛ وذلك لإجادته اللغة العربية وتحدث عن المسألة الكردية والاتفاق مع البعثيين ، فسأله عن صيغة وشكل الحكم الذاتي الذي يطالبون به وقال: “هل سيشمل الجيش والعلاقات الخارجية؟ وأجابه: لا، فرئاسة الدولة والمالية العامة والجيش والعلاقات الخارجية والنقد وغيرها ستكون من الصلاحيات الحصرية لسلطة بغداد ، لكننا سندير شؤوننا الداخلية فقط ، فقال “عبد الناصر” : مثل تجربة “يوغسلافيا “، فرد عليه: نعم ، وحتى لو كان أقل من ذلك فنحن راضون به .
واستطرد: “هناك ثلاث تجارب أمامنا من دول العالم فاختاروا الصيغة التي ترونها مناسبة لكم ونحن سنقبل بها. الأولى تجربة “يوغسلافيا”، والثانية تجربة” الهند” ، أو تجربة ليبيا ، فـ ليبيا في عهد “السنوسي” تتألف من ثلاث ولايات وهي ولاية “برقة” و”بنغازي” و”طرابلس” ، ولذلك خيرتهم بين أيٍّ من الصيغ سيتفقون معهم حولها ، فهذه ثلاث صيغ : حكم عربي أو أسيوي أو اشتراكي وأصحابهم دول صديقة لكم .
وقد لمح السيد “طالباني” الارتياح في وجه “عبد الناصر” والقبول ولكنه لزم الصمت ثم قال:” سأدرس الموضوع “.
ذلك اللقاء ترك لدى السيد “طالباني” انطباعًا جيدًا وبعد ذلك سافر إلى الجزائر؛ لمقابلة الرئيس” أحمد بن بلا “.
وفى (18 نوفمبر 1963 م) سقط النظام البعثي واتصلت الحكومة الجديدة فورًا بهم ، ويعتقد أنَّ الاتصال جرى بطلب من “جمال عبد الناصر” ؛ لأنَّ “عبد السلام عارف” كان يعتبر نفسه ناصريًا ، وكان انتماءٌ مزيفًا على حد قول السيد “طالباني” ، وحين استلموا مقاليد الحكم قال لهم “عبد الناصر”:أنَّه ضد قتال الأكراد ، وكانوا يعلمون هذا الموقف من طلب “عبد الناصر” مسبقًا، ولذلك فتحوا قناة اتصال .
ويتجه السيد” طالباني” بحواره إلى فلسطين والعمل معهم ، حيث كانت هناك ملحوظة هامة وهى حصر عمله مع الجبهة الشعبية دون المنظمات الفلسطينية الأخرى ، حيث يقول أنَّ سبب عمله معهم هو تقاربهم الفكري معه، وكانوا هم أكثر ثورية من الآخرين، كما كانت علاقتهم مع القوى الثورية الشرقية وطيدة أكثر من القوى الأخرى ، ومن المهام التي كُلّف بها أثناء تلك العلاقة هي المهمة التي قُتل فيها “باسل الكبيسي” أحد القادة القدامى لحركة القوميين العرب العراقية “فالفلسطينيون أرادوا القيام بعملية خطف طائرة إسرائيلية من مطار روما، ولتنفيذ المهمة أعدُّوا أربعة أشخاص في “جنيف” لهذه المهمة على أن يتجهوا من هناك إلى أسبانيا ومنها بالقطار إلى إيطاليا وكانوا هؤلاء يحملون جوازات سفر إيرانية مزورة ، وفي روما اتصلوا بصديق يدعى ” أبو الفداء” الذي كان مسؤولًا عن العملية ، وكان مقررًا أن يساعدهم هناك بإدخال الأسلحة إلى المطار عن طريق “طه محيى الدين معروف” و كان سفيرًا للعراق في روما ــ آنذاك باعتباره يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ، وكانت الخطة أن يعود السيد “طالباني” إلى باريس ويلتقى بـ “باسل الكبيسي” ثم يمزق جواز سفره ويذهب إلى الشرطة ويبلغ عن فقدانه ، وبحسب الخطة وصل فرنسا وعمل ما طُلب منه لكن قبل إتمام العملية كان الإسرائيليون قد علموا بمخطط” باسل الكبيسي” وقتلوه قبل أن يتمكن من تنفيذ المهمة .
ثم يعود بالحديث عن تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني الذي وُفق في إقناع السوريين وأبدوا استعدادهم لدعمهم في تأسيسه ، وكان هناك تنظيم عراقي في دمشق بِسم ( التجمع الوطني العراقي ) تعهَّدوا أيضًا بتقديم الدعم ، وقد التقى بالليبيين وأبدوا بدورهم استعدادهم للمساعدة ، وتباحث مع الروس ودعوه إلى زيارة موسكو ، وفى شهر إبريل بدأ النشاط بالاستعداد ــ وكان في دمشق آنذاك بعض الرفاق ــ وعقد فى دمشق اجتماعًا وتم إعداد مسودة البيان الأول؛ لتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني وكان هناك سبعة أشخاص في الهيئة التأسيسية للاتحاد الوطني الكردستاني ، وتم تكليف السيد “طالباني” بإعداد مسودة البيان في( 22 مايو من عام 1975 م) ، وفى رأى السيد “طالباني” أنَّ يوم التأسيس هو 22 مايو وليس الأول من يونيو؛ لأنَّ البيان الأول كتب بهذا اليوم ، وتم إرسال نسخة منه إلى الرفقاء في أوروبا فرحبوا بذلك رغم إجراء التعديلات عليه .
وبعد فترة قصيرة تم إصدار كراسًا بعنوان (الاتحاد الوطني الكردستاني لماذا ؟) ومنذ اللحظة الأولى بدأ الاتصال بالداخل والخارج وبالذين علموا بصدور بيان التأسيس بعد إذاعته من راديو دمشق ولذلك سارعوا بإرسال مندوبين عنهم ، وكان رفاق الداخل مسرورين جدًا بتأسيس الاتحاد بالشكل الذي حصل واعتبروه عملًا إبداعيًّا ، حيث أنَّه سيتيح لهم بناء العصبة كتنظيم سياسي وفكري مستقل يعمل ضمن إطار حركة جماهيرية واسعة وقرروا أن تبقى العصبة في الداخل وتصبح خميرة الحركة وتعمل على كسب الناس للالتفاف حول الاتحاد الوطني الكردستاني كتنظيم جديد .
أمَّا ــ عن علاقة الاتحاد الوطني والبارتي في كردستان، فكانت علاقة متوترة على طول الخط ويشوبها التوتر الذي وصل إلى حد المعارك بين قوات كلّ منها ، وبعد فشل جهود كثيرة؛ لتحقيق المصالحة بينهما تدخلت أمريكا ونجحت في عقد اتفاقية “واشنطن”؛ لتحقيق السلام والمصالحة وتم ذلك بعد توقيع اتفاقية “أنقرة” في (31/10 / 1996 م)، وعن الأهمية السياسية للاتفاق بالنسبة للقضية الكردية يقول السيد “طالباني”:” أنَّه رغم كل الثغرات الموجودة في تلك الاتفاقية ، ولكنه اعتبرها خطوة كبيرة ومهمة جدًا لصالح المصلحة القومية والإستراتيجية ، فهذه المرة الأولى التي تتدخل فيها أمريكا عبر وزير خارجيتها في قضية خلافية داخلية كردية ، وهى المرة الأولى التي تهتم فيها بالقضايا الكردية على أعلى المستويات السياسية” .
وفى نقطة أخرى يتحدث عن المعارضة العراقية ودورها في معارضة “صدام حسين” حيث يقول:” أنَّ هناك نقطتان يجب أن تُراعا فى تقييم ذلك الدور، الأولى قدرة تلك الأحزاب كل على حده ، الثانية جدّية تلك الأحزاب بنضالها ضد النظام ، مثل حزب السيد “طالباني” الذى خاض نضالًا ضد حكومة البعث وألحقت به أضرارًا بالغة ، وهناك أيضًا قوى أخرى كانت فاعلة على الساحة مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي ناضل وكبد نظام “صدام” خسائر فادحة ، كذلك حزب الدعوة الذي ناضل وقدم تضحيات جسيمة في هذا المجال ، أمَّاعن شروط الشعب الكردي للتعامل مع القوى العراقية الأخرى ، فيقول:” أنَّه يجب حصر الشروط ببيان هذه القوى وموقفها مما يلى :-
أولًا: – مدى استعدادهما لتحقيق الديمقراطية في العراق .
ثانيًا :– مدى استعدادها لقبول النظام الفيدرالي وتطبيقه في العراق كما يتم السعي له ، بمعنى أن يكون نظام فيدرالي قائم على أساس إقليم له صلاحيات كاملة في جميع أنحاء كردستان ، ويعتقد أنَّ هناك نوعًا من التفاهم والتوافق بين القوى العربية والكردية في هذا المجال ، فعلى سبيل المثال هناك اتفاق موقع بينهم وبين المجلس الإسلامي ـ يتضمن الحديث عن عراق ديمقراطي فيدرالي برلماني ، وتم التطرق أيضًا في هذا الاتفاق إلى مسألة حق تقرير المصير ضمن العراق ، وكذلك لديهم اتفاقات مشتركة مع الحزب الإسلامي العراقي والحزب الشيوعي العراقي؛ إذن فمن المهم أن تكون هناك اتفاقات مماثلة مع بقية القوى والأحزاب السياسية العربية في العراق .
أمَّا عن الكرد في الأحزاب الأخرى من كردستان فمثلًا الكرد في تركيا فلا يوجد تأثير لكرد تركيا على كرد العراق بل العكس من ذلك فمثلًا قام الاتحاد الوطني العراقي بدور مهم وفاعل في تأسيس حزب العمال الكردستاني .
أمَّا الكرد في إيران فإنَّ الحركة التحررية في كردستان الإيرانية تتجه نحو مسارين مختلفين سيواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني مسيرته وفقًا لتركيبته الكلاسيكية الحالية وله أنصاره ، والعصبة الثورية لكادحي كردستان ستطرح نفسها كتنظيم عصري على الساحة السياسية ، ويعتقد أنَّ هذين الحزبين الكبيرين ( يساري وديمقراطي) سيواصلان نهجهما وسيتطوران مثلهما الحزب الوطني والبارتي وسيكونان أقوى حزبين هناك .
أمَّا كرد سوريا فيُرى أنَّ أغلب المناطق يعيش الكرد متفرقين بين العرب، ويضيف إلى ذلك أنَّ الغالبية العظمى من كرد سوريا جاؤوا أساسًا من الجانب التركي ، ولذلك يُعتقد أنَّ تحرر الشعب الكردي السوري مرتبط تمامًا بتحرر الشعب الكردي بشمال كردستان، وقد بذل جهدًا لإقناع القيادات السورية بدعم الحركة الكردية في الجانب التركي إلى جانب دعمهم ، واعتبر ذلك الدعم أولى من مطالبة القيادة السورية بتلبية مطالب الكرد هناك، ومع ذلك فقد تطرق معهم إلى المسألة الكردية في سوريا في مناسبات عديدة سنحت فيها الفرصة لذلك .
أمَّا عن دعم السيد “طالباني” للعرب وصداقته مع العرب، فهو محب جدًا للعرب ويتمنى أن ينجح العرب في تحقيق حريتهم ووحدتهم الديمقراطية، وعن جميع الفصائل الفلسطينية فيقول:” أنَّه يجب ألاَّ يُنظر إلى جميع الفصائل الفلسطينية بعين واحدة “، فهو كان مقربًا جدًا من الجبهة الشعبية وكذلك مع الجبهة الديمقراطية، وكانت مواقفهم إيجابية جدًا تجاه القضية الكردية بما فيها الحق في تقرير المصير وعارضوا القتال ضدهم وأيدوا حقوقهم وحصولهم على حكم ذاتي حقيقي .
وهناك سؤال هام في أخر تلك المذكرات حول الأمة العربية فعندما سئل السيد “طالباني” عن الأمة العربية هل هي واقع أم أنَّ العرب مجرد شعوب مختلفة ؟
فأجاب أنَّ تسمية الشعوب العربية هي الأصح لحال العرب، ففي معظم الدول العربية هناك شعوب غير عربية ، فالجزائر مثلًا والمغرب فيها البربر غير العرب، وفي جنوب السودان معظم الشعب غير عربي ، وفي سوريا والعراق هناك الكرد، وعليه فإنَّه يرى أنَّ الأمة العربية بالمعايير الأوروبية”Nation” من حيث كونها أمة واحدة لا وجود لها، وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنَّ هناك شعوبًا عربية تسعى وتحاول أن تطرح نفسها كأمة واحدة .
أمَّا عن مستقبل القضية الفلسطينية الإسرائيلية ، فيرى أنَّها تسير نحو المزيد من التعقيدات، فالسياسات الخاطئة للمنظمات الفلسطينية ستؤدي بهم إلى الهاوية ، فهؤلاء الأخوة لم يفهموا شيئًا واحدًا وهو أنَّ العصر الحالي لم يعد عصر الكفاح المسلح بل هو عصر الحوار السياسي الدبلوماسي ، والحلول السياسية تأتي غالبًا من أمريكا فبدلًا من أن يكسبوا ودّهم فإنَّهم يقومون بأعمال وتصرفات تبعدهم عنهم ، وبهذا فهم يخدمون السياسة والمصالح الإسرائيلية من دون أن يشعروا بذلك .
وفى الختام يتحدث السيد “طالباني” عن عملية تحرير العراق فيقول: “أنَّه في إبريل 2002 م، دعى هو و”مسعود البارزاني” إلى أمريكا والتقيا هناك بوفد أمريكي عالِ المستوى، ضم ممثلي العديد من المؤسسات الرسمية مثل (البيت الأبيض والبنتاجون والخارجية والمخابرات المركزية) وأبلغوهم باستعدادهم للتعاون شرط أن يُؤَسس العراق على نظام ديمقراطي اتحادي وبحثوا معهم (الفيدرالية) فوافقوا على تثبيتها في دستور العراق ، وبعد هذا اللقاء ذهبوا مرة أخرى في أغسطس من ذلك العام برفقة وفد عراقي إلى “واشنطن” وبحثوا معهم نفس المواضيع السابقة وأبلغوهم باستعداد قوى المعارضة العراقية للعمل معهم؛ لإسقاط النظام وأبدوا جاهزيتهم للمشاركة في انتفاضة العراقيين، وقالوا لهم : “بأنَّ تحرير العراق عملية سهلة ؛ لأنَّ “صدام” ضعيف حاليًا وسيسقط بسرعة ، ولكن حكم العراق بعد السقوط أصعب، ولا تستطيع أمريكا وحدها أن تدير الحكم فيه ، وعليه يجب أن يتعاونوا مع قوى المعارضة الفاعلة على الأرض العراقية، وقد أظهرت الأحداث اللاحقة صدقية طروحاتهم ، وخاصة فشل الإدارة الأمريكية في إدارة شؤون البلاد بعد سقوط “صدام” .