2021العدد 187ملف عربي

معوقات على مسار التسوية السياسية للأزمة الليبية

مرّ نحو عقد من الزمان على الأزمة الليبية منذ بدايتها عام 2011، شهدت خلاله العديد من التطورات على ساحة الصراع المسلح والصراع السياسي بين الأطراف الليبية المتصارعة، والتي يَلقى كل طرف منها دعمًا خارجيًّا من قوى إقليمية ودولية، وبذلت جهود وقدمت مبادرات عديدة في أطار السعي إلى وقف الصراع والتوصل إلى تسوية سياسية.

وكان اتفاق الصخيرات عام 2015 بين أطراف ليبية رئيسة برعاية الأمم المتحدة، أبرز محاولات تسوية الأزمة الليبية؛ حيث تم بِناءً عليه تشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، ولكن أدت لخلافات بين الأطراف الليبية، وانقسام البرلمان الليبي، الذي لم يمنح حكومة السراج الثقة رغم اعتراف نحو 104 دولة بها. وعادت ليبيا ليكون فيها: حكومتان (واحدة في طرابلس، والثانية في طبرق)، وبرلمان منقسم لم يحقق النصاب القانوني لعقد اجتماعاته- وجيشان: (أحدهما في الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر، والثاني مكون من ميلشيات ومنظمات مسلحة تابع لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس).

إزاء هذا الانقسام والاستقطاب والصراع عقد مؤتمر” قمة برلين الأول” بشأن الأزمة الليبية في 19 يناير2020 في محاولة لإيجاد مخرج من حالة الانسداد الشديد التي بلغتها الأزمة الليبية، ولم يُدعَ الطرفان الليبيان الرئيسيان وهما (المشير حفتر، وفايز السراج) إلى قمة برلين؛ ولكنهما كانا موجوديَن في برلين على هامش القمة.

 وقد استبقت روسيا قمة برلين ودعت كل من (السراج وحفتر) إلى موسكو؛ للتوقيع على مشروع اتفاق لوقت إطلاق النار بينهما، وكان الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في وضع أفضل, ومسيطرًا على عدة مناطق كبيرة في ليبيا، ولكن المشير حفتر تهرب من التوقيع على الاتفاق وغادر موسكو، بينما وافق فايز السراج على الاتفاق، وهو ما اعتبرته روسيا إضاعة فرصة جيدة كانت لصالح الجيش الوطني الليبي.

ولم يسفر مؤتمر” قمة برلين الأول” عن اعتماد مرجعية جديدة لتحقيق تسوية سياسية للأزمة الليبية، وإنما أُحيل إلى اتفاق الصخيرات بما أُدخل عليه من تعديلات بناء على مقترحات من الأطراف الليبية، ودعى المؤتمر في بيانه الختامي إلى ” التزام كافة الأطراف الليبية بوقف اطلاق النار، والالتزام بقرارات الأمم المتحدة بحظر توريد أسلحة إلى الأطراف المتصارعة في ليبيا، وإحكام الرقابة على تنفيذ هذه القرارات” ، كما دعاهم إلى “دعم جهود المبعوث الأممي “غسان سلامة”؛ للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية ودعم اللجان الليبية الثلاثة: اللجنة العسكرية، واللجنة الاقتصادية، واللجنة السياسية؛ لتسوية الأزمة الليبية”.

وقد بادر المشير خليفة حفتر بإعلان أنه سيتقدم بحملة عسكرية بالجيش الوطني الليبي إلى طرابلس وغرب ليبيا؛ لتحريرها من المنظمات الإرهابية المسلحة، والمليلشيات المتمردة وتحقيق سيادة الشعب الليبي على أراضيه. ووجد المبعوث الأممي “غسان سلامة” أن هذا القرار يُجهض كل ما يَعُد له سواء لعقد مؤتمر وطني ليبي كبير للمصالحة أو المحافظة على وقف إطلاق النار، واستمرار عمل اللجان الليبية المشار إليها, وقدم استقالته في مارس 2019 متعللا بأسباب صحية، وأعقب ذلك انطلاق الحملة العسكرية للجيش الوطني الليبي باتجاه طرابلس بقيادة المشير حفتر في أبريل 2019، ولم يستجب للطلب الأمريكي بوقف القتال والعودة إلى التفاوض، وبدأ التدخل العسكري التركي المباشر، وحشد المرتزقة المسلحين ونقلهم إلى ليبيا، وأعقب ذلك توقيع مذكرتي تفاهم بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الليبية برئاسة السراج في نوفمبر2020: (أحداهما للتعاون الأمني والعسكري، والثانية لما سُمي وضع الحدود البحرية بين البلدين). وكان واضحا أن التدخل العسكري التركي تم بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبية الدول أعضاء الناتو، وقد وصف السفير الأمريكي في ليبيا هذا التدخل التركي بأنه “بهدف إعادة تحقيق التوازن في الموقف الليبي”.

 وأدى هذا التدخل إلى انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي إلى منطقة سرت والجفرة، وهو ما أدى إلى أن تعلن مصر” أن سرت والجفرة خط أحمر لأمنها القومي”، وتوصلت اللجنة العسكرية الليبية المكونة من خمسة ضباط من الجيش الوطني ومثلهم من القوات التابعة لحكومة الوفاق والمعروفة بلجنة (5+5) إلى وقف لإطلاق النار، وبدأ ملتقى الحوار السياسي الليبي تحت إشراف الأمم المتحدة بعقد اجتماعات ماراثونية ما بين (ليبيا وتونس ومصر والمغرب وجنيف)، أسفرت عن اتفاق بين الليبيين المشاركين في الملتقى، يتم بمقتضاه ما يلي:

  • تشكيل سلطة تنفيذية ليبية تتكون من مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية.
  • توحيد مؤسسات الدولة الليبية تحت قيادة السلطة التنفيذية.
  • توحيد القوات المسلحة الليبية في جيش ليبي واحد وحل الميليشيات.
  • خروج القوات الأجنبية والمرتزقة المسلحين من الأراضي الليبية.
  • إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية في 24 ديسمبر2021.
  • العمل على إتمام المصالحة الوطنية الليبية بين جميع الأقاليم الليبية.
  • تثبيت وقف إطلاق النار؛ ليصبح دائما ضمانا للأمن والاستقرار.

السلطة التنفيذية الليبية:

تم اختيار محمد يوسف المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، ونائبين له هما (موسي الكوني، وعبد الله اللافي)، كما اُختير رئيسا لحكومة الوحدة الليبية المهندس ورجل الأعمال والسياسي عبد الحميد الدبيبة، وحصلت الحكومة على ثقة البرلمان الليبي الذي عقد اجتماعاته وفقا للنصاب القانوني المطلوب، وتشكلت الحكومة من 35 وزيرا منهم 6 وزراء دولة، ولأول مرة تتولى وزارة الخارجية الليبية سيدة معروفة بمواقفها الوطنية ومشاركتها الفعالة في حركات الشباب الليبي وهي السيدة/ نجلاء المنقوش، التي اتخذت منذ توليها المنصب موقفا واضحا من ضرورة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة المسلحين من ليبيا؛ وهو أثار غضب بعض الجماعات والميليشيات والمطالبة بإقالتها، وهو ما لم يحدث وربما يكون موقف رئيس الوزراء “عبد الحميد الدبيبة” قد أحدث نوعا من التوازن بين المؤيدين والمعارضين لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة المسلحين من ليبيا، وذلك من خلال تصريحاته عن نية حكومته في استمرار العمل بمذكرة التفاهم لتحديد الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، ومذكرة التفاهم بينهما بشأن التعاون العسكري الأمني.

 كما حرص رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية على القيام بزيارات لكل الدول الإقليمية والدولية الضالعة بطريق مباشر أو غير مباشر في الأزمة الليبية، والتأكيد على استمرار حسن العلاقات والتعاون في كافة المجالات مع (مصر وتونس والجزائر والمغرب وتركيا وإيطاليا وفرنسا وروسيا… وغيرها من الدول)، ودعوته لهم جميعا لدعم حكومته؛ لتحقيق المهمات الصعبة المطلوبة منها في المجالات الاقتصادية والسياسية، والأمنية، وإجراء الانتخابات الليبية في موعدها بنهاية العام الحالي.

وقد أعلن رئيس الحكومة منذ البداية أنه حرص على “تشكيل حكومة من وزراء يمكنهم التحرك بحرية في كل أقاليم ليبيا والعمل على الاستجابة لمطالب الشعب الليبي في مجال الطاقة سواء البترول أو الكهرباء والغاز، والمجال الاقتصادي وفرص العمل، وتحقيق الأمن للمواطنين خاصة النازحين وتأمين عودتهم إلى مساكنهم، التي يعاني بعضهم من قيام بعض الميليشيات بتعليم المنازل التي نزح منها سكانها وهو ما أدى إلى مقتل بعض هؤلاء السكان عند عودتهم إلى منازلهم، والعمل على تصفية السجون الليبية الخاصة التابعة للمليشيات أو بعض التنظيمات والتي يوجد بها مساجين منذ عام 2011، ومواجهة مشكلات الهجرة غير الشرعية التي تقلق الدول الأوروبية، والعمل قدر الإمكان من أجل السيطرة على الحدود الليبية مع بعض دول الجوار التي تعد مصدرا للمهاجرين غير الشرعيين عن طريق ليبيا_ هذا إلى جانب ضمان استمرار إنتاج وتصدير البترول للأهمية البالغة لعائداته في الميزانية العامة للحكومة”.

ويري بعض السياسيين الليبيين أن المهام المكلفة بها حكومة الوحدة الليبية أكبر بكثير من إمكاناتها العملية سواء من حيث المدة المتاحة أمامها لإنجاز هذه المهمات والتي لا تتجاوز عشرة أشهر ما بين 8 مارس تاريخ تولي الحكومة وبين 24ديسمبر2021؛ لإجراء الانتخابات وانتهاء مدة الحكومة الانتقالية، كذلك عدم سيطرة الحكومة على كل الأقاليم الليبية ووجود قوى ليست تحت سيطرتها التامة سواء :الجيش الوطني الليبي أو الميليشيات المسلحة والمرتزقة المسلحين الأجانب، وعدم توفر الموارد المالية الكافية للوفاء بالمتطلبات الأساسية من مرافق وخدمات وإعادة اعمار.

توحيد مؤسسات الدولة:

لقد أدت سنوات الصراع ووجود حكومتين وجيشين وبرلمانين إلى انقسام في مؤسسات الدولة الرئيسة، وقد تولي البرلمان الليبي بالتعاون مع المجلس الأعلى للدولة تسلم وقبول وفرز ملفات المرشحين للمناصب السيادية، وتقع مسئولية توحيد مؤسسات الدولة على عاتق السلطة التنفيذية بشقيها (المجلس الرئاسي، حكومة الوحدة الانتقالية)، بحيث توجد سلطة مركزية لها أفرع تابعة لها في الأقاليم الليبية؛ حتى يمكن أحكام السيطرة الأمنية على الأراضي الليبية خاصة على الحدود الجنوبية، والتحكم في (عمليات الهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة والاتجار في البشر)، وكلها موضوعات تثير قلق دول الجوار والدول الأوروبية.

 وقد تناول الزعماء الأوروبيون الذين التقوا مع كل من رئيس المجلس الرئاسي، ورئيس الحكومة الانتقالية هذا الموضوع؛ لأنهم الأكثر عرضة لتوجه اللاجئين والهجرة غير الشرعية وعمليات التهريب إليهم سواء (اليونان واسبانيا أو إيطاليا او ألمانيا وفرنسا)، وما يحدث في بعض هذه الدول من عمليات إرهابية سواء من خلايا نائمة بين اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، أو عمليات الذئاب المنفردة المتأثرة بالجماعات الإرهابية.

وتحتاج ليبيا إلى عملية شاملة لهيكلة وتكوين الأجهزة الرئيسة والفرعية في الدولة؛ نظرا لوجود فراغ كبير في هذه المجالات يرجع جزء كبير منه إلى نظام اللجان الشعبية في عهد الرئيس القذافي وانهيارها مع سقوط النظام والعودة بدرجة كبيرة إلى القبائلية والعشائرية والجهوية؛ وسبب آخر يرجع إلى الانقسام بين الأقاليم الليبية. وأمام حكومة الوحدة الانتقالية عملية مهمة وصعبة مطلوب إنجازها في وقت محدود.

توحيد الجيش الليبي:

تعد مهمة توحيد الجيش الليبي من أصعب المهام التي تواجهها حكومة الوحدة الليبية؛ اتخذ قائد الجيش الوطني الليبي المشير “خليفة حفتر” موقفا واضحا منذ البداية بتصريحاته بأنه “لن يسلم الجيش الوطني الليبي إلا إلى سلطة منتخبة”، أي أنه لن يسلمه لحكومة الوحدة الانتقالية، وقد أدى ذلك إلى عدم تعيين وزير دفاع وتولي رئيس الحكومة الحالية وزارة الدفاع، كما استمرت الحكومة الانتقالية في تدريب قوات جديدة وضمها للجيش الليبي التابع لها، وتساهم تركيا بالدور الرئيس في تدريب هذه القوات في إطار مذكرة التفاهم للتعاون العسكري والأمني بين تركيا وحكومة الوفاق السابقة.

 كما كلف رئيس حكومة الوحدة الليبية مجموعة من الوزراء والقيادات العسكرية والأمنية في طرابلس بتأهيل نحو 11 ألف شخص من الميليشيات، وضمهم إلى القوات المسلحة والقوات الأمنية والوظائف المدنية.

وتجدر الإشارة إلى أن الدبيبة لم يلتقِ مع حفتر منذ تولية رئاسة الحكومة حتى الآن، هذا رغم ما يصدر عن الرجلين من تصريحات إيجابية تدعو إلى التعاون من أجل إتمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها_ وإنْ كان المشير حفتر قد صرح بأنه “إذا تمكنت عناصر معينة من عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها وحرمان الشعب الليبي من اختيار قياداته، فإنه على استعداد لاستئناف القتال إذا تطلب الأمر ذلك”. كما أصدر المشير حفتر فى 8 أغسطس 2021 قرارات بتعيين ضباط جدد وحركة ترقيات فى الجيش الوطنى الليبى دون الرجوع إلى وزير الدفاع ولا إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رئيس المجلس الرئاسي.

ويُلاحظ أن المشير حفتر يتخذ قراراته باستقلالية عن حكومة الوحدة الانتقالية ومنها على سبيل المثال: إقامته عرضا عسكريا للجيش الوطني الليبي في بنغازي في 29مايو2021، واكتفى بتوجيه الدعوات إلى رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة؛ لحضور العرض دون تنسيق مسبق معهما، وقد انتقد المجلس الرئاسي في بيان رسمي إقامة العرض العسكري ودعى إلى تجنب مثل هذه التصرفات الأحادية.

ويعقد المشير حفتر اجتماعات مع زعماء بعض القبائل خاصة مناطق جنوب ليبيا ويقدمون له فروض الولاء والتعاون مع الجيش الوطني الليبي، وإزاء الوضع الذي أصبح يتمتع به المشير حفتر فإن بعض الدول الأوروبية ترى إدخاله في العملية السياسية الليبية؛ حيث أصبح من الصعب عدم أخذه في الاعتبار، كما ألمح المبعوث الأمريكي إلى ليبيا “ريتشارد نورلاند”- وهو السفير الأمريكي في ليبيا قبل توليه منصبه الجديد- إلى أنه يمكن أن يتولى المشير خليفة حفتر عملية توحيد الجيش الليبي، ولكن توافق مع تصريحات نورلاند إصدار النائب العام الليبي في مصراته أمرا بإلقاء القبض على المشير حفتر وتقديمه للمحاكمة، وهو ما أثار غضب حفتر وأنصاره.

ومن العقبات التي تواجه توحيد الجيش الليبي (أوضاع الميليشيات المسلحة في طرابلس وغرب ليبيا)؛ فإنها وإنْ كانت محسوبة على حكومة الوحدة الليبية، إلا أنها في حقيقة الأمر تتمتع باستقلالية تجعلها خارج سيطرة الحكومة _ خاصة عندما تتعارض مصالحها الضيقة مع المهمات المنوط بالحكومة إنجازها، هذا إلى جانب الميليشيات الجهوية، والميليشيات الخاضعة لسيطرة قيادات الإخوان المسلمين، الذين يتخوفون من إتمام التسوية السياسية وفقا للاتفاق السياسي الليبي، والتي يرون أنها في غير صالحهم.

خروج القوات الأجنبية والمرتزقة:

يعد خروج القوات الأجنبية والمرتزقة المسلحين من ليبيا من أهم الموضوعات التي تطالب بها القوى الإقليمية والدولية، والذي يطالب بإنجازه مجلس الأمن الدولي، كما أن وزيرة الخارجية الليبية ورئيس البرلمان الليبي يطالبون بتنفيذه قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية في 24ديسمبر2021؛ لتوفير مناخ من الحرية والسيادة والاستقلالية للناخبين للتعبير عن رأيهم الحر.

وأعربت الولايات المتحدة على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة -عن قلقها إزاء استمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة المسلحين في ليبيا، وعبر الاتحاد الأوروبي عن نفس القلق خاصة مع مماطلة تركيا في سحب قواتها ومرتزقتها، وأن ذلك يؤثر سلبًا على الجهود المبذولة لإجراء الانتخابات الليبية في موعدها.

وترى تركيا أن تدخلها العسكري في ليبيا هو الذي أعاد التوازن إلى الموقف وأدى إلى إعادة إطلاق العملية السياسية، وتؤكد أن وجودها العسكري في ليبيا هو لدعم حكومة الوحدة الليبية والمساهمة بالتدريب والمشورة الاستخباراتية, وذلك بناء على مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق السابقة في نوفمبر2019 بشأن التعاون العسكري والأمني بينهما، ومن ثم تعتبر أن وجود قواتها في ليبيا له سند قانوني ويهدف إلى دعم العملية السياسية_ هذا رغم أن مذكرة التفاهم المشار إليها لم يعتمدها البرلمان الليبي.

وقد اتضح بعد مؤتمر برلين الثاني فى 23/6/2021 بشأن الأزمة الليبية، والذي دعيت إليه حكومة الوحدة الليبية_ أن ثمة آراء لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية مفادها أنه مع وجود قوات تركية ومرتزقة مسلحون في غرب ليبيا، فإنه يوجد في شرق ليبيا مع قوات الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر قوات روسية من شركة فاجنر وقوات الجنجويد السودانية، وقوات تشادية، وأخرى أفريقية؛ ومن ثم فإنه قد يكون من الأفضل البدء بسحب المرتزقة المسلحين أولا ثم القوات الأجنبية بعد ذلك، هذا دون تحديد واضح عن ما إذا سحْب القوات الأجنبية سيكون قبل الانتخابات أم بعدها، ومن سيبدأ بسحب المرتزقة المسلحين التابعين له. إن الكل يطالب بسحب القوات الأجنبية والمرتزقة ولكن دون تنفيذ عملي لذلك مثل قرار مجلس الأمن بعدم توريد أسلحة إلى ليبيا ومطالبة الجميع باحترامه، ولكن دون تنفيذه، واستمرار تجديد المرتزقة وإمدادات الأسلحة من تركيا وغيرها.

كما إن الأطراف الليبية ذاتها إزاء ضعف الثقة فيما بينها، أو انعدامها بين بعض الفئات، فإن كل طرف يخشى الآخر ويتمسك بما لديه من قوات وميليشيات ومرتزقة إزاء عدم الاطمئنان لتطورات ومسارات الأحداث على المستويين السياسي والعسكري.

إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية:

يعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية في الموعد المحدد لها في 24ديسمبر2021 وفقا لمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي _ أهم المطالب المنوط بالسلطة التنفيذية إنجازها، وثمة إجماع بين كافة الأطراف الإقليمية والدولية- وفقا لما هو معلن- على أهمية إجراء الانتخابات في موعدها؛ لتكون نقطة بداية أساسية لمرحلة جديدة على طريق تسوية الأزمة السياسية الليبية وتحقيق الاستقرار وتنفيذ برامج لإعادة الإعمار.

ولكن عند بدء مناقشة القاعدة الدستورية، التي ستُجرى بموجبها الانتخابات- سواء في ملتقى الحوار السياسي الليبي واللجان المنبثقة عنه أو في البرلمان-بدأ تباين مواقف بعض الأطراف وتغير مواقف أطراف أخرى عن ما كانت عليه عند إقرار الاتفاق السياسي الليبي، فقد سبق الاتفاق على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية معا في الموعد المحدد، ولكن تغير موقف بعض أعضاء ملتقى الحوار السياسي وأصبحوا يرون إجراء انتخابات برلمانية في 24/12/2021، على أن يتولى مجلس النواب الجديد والسلطة التنفيذية الحالية الإعداد لانتخابات رئاسية في موعد أقصاه يونيو2022، إذا لم يتم التوافق على آليه انتخاب الرئيس قبل الموعد المتفق عليه. ويرى آخرون إمكانية إجراء انتخابات مزدوجة على البرلمان واستفتاء على الدستور معا، على أن يُناط بالبرلمان الإعداد للانتخابات الرئاسية وفقا لما تنتهي اليه نتيجة الاستفتاء على الدستور.

وقد أدى هذا الموقف إلى أن بعض المتخصصين الليبيين يرون أن ثمة محاولات للانقلاب على خريطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي، وأن قلة من القابضين على السلطة والثروة في ليبيا يعملون على إقصاء كل الليبيين وحرمانهم حق انتخاب الرئيس الذي يحكمهم في المرحلة القادمة عن طريق الانتخاب الحر المباشر. ويرفض البعض الدعوة إلى فرض عقوبات دولية على من يُوصَفون بالمعرقلين للمسار السياسي.

ويرى بعض الليبيين أن الانتخابات الرئاسية دون دستور ستؤدي إلى الانقسام وستعمق الأزمة الليبية. بينما يرى آخرون أن الانتخابات المباشرة لرئيس الدولة قد تعود بليبيا إلى ما كانت عليه من قبل في عهد الرئيس السابق القذافي. ويرى آخرون أن أغلبية المسئولين الذين تولوا شؤون ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي، جاؤوا بدعم بعض الدول أو بدعم من الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الأممية. ويرى آخرون عدم الجري وراء نظرية المؤامرة؛ لأن كل الأشياء السيئة والمهينة والمعرقلة- في رأيهم- اقترحها ليبيون أعضاء في ملتقى الحوار السياسي الليبي، ولم يعرضها أحد من الخارج.

ويمضي الوقت سريعا ويقترب موعد الانتخابات وما يزال الخلاف مستمرا، هل يجري استفتاء على مشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية الليبية عام 2017 قبل إجراء الانتخابات في ديسمبر2021، أم يتم الاتفاق على صياغة قاعدة دستورية تجري بموجبها الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها المحدد، وبعد ذلك يتم الاستفتاء على الدستور؟

حوار مستمر يستهلك الوقت ويثير المخاوف من عدم إجراء الانتخابات في موعدها، وتتحقق مطالب بعض الليبيين بأن تمتد فترة السلطة التنفيذية الحالية لتكون عامين بدلا من جعلها الآن أقل من عام، كما أنهم يرون أن الأوضاع الأمنية ووجود قوات أجنبية ومرتزقة مسلحين، وميليشيات ليبية مسلحة خارج السيطرة، يجعل الأوضاع الأمنية غير مستقرة وغير مناسبة لإجراء الانتخابات من وجهة نظرهم.

وقد ثارت خلافات حادة بشأن من يترشح لرئاسة ليبيا في الانتخابات القادمة- بين من يرفض ترشح أي شخصيات عسكرية لهذا المنصب وهم يقصدون المشير خليفة حفتر، وعدم ترشح من حصلوا على جنسية اجنبية , وآخرين لا يقبلون أن يترشح سيف الإسلام “القذافي” الذي يدفع به أنصار الرئيس السابق معمر القذافي من القبائل وبعض الشخصيات العامة، ويستند من يرفضون ترشحه إلى أنه مطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بدعوى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية عام 2011, وآخرين يرفضون ترشح مسئولين في الحكومة السابقة والمقصود بذلك وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق “فتحي باشاغا”.

المصالحة الوطنية الليبية:

يعد مطلب تحقيق المصالحة الوطنية الليبية من المطالب المهمة والملحة من أجل ترميم ومعالجة الشروخ والجراح التي نتجت عن انقسامات على عدة مستويات في الأقاليم الليبية، وعَمِقَت هذه الانقسامات بسبب الحرب والعنف المتبادل بين الطوائف والعشائر خاصة في مناطق غرب ليبيا وجنوبها، وقد تستغرق عملية المصالحة وقتا يتعدى العمر الزمني لحكومة الوحدة الوطنية الحالية ويتجاوز أيضا تاريخ الانتخابات المقررة في ديسمبر 2021 إذا سارت الأمور نحو إجرائها.

وقد أعلن المجلس الرئاسي الليبي “تدشين الملتقى التأسيسي للمفوضية العليا للمصالحة الوطنية في 30مايو2021”. وأعلن “أن المفوضية ستنظم عدة ملتقيات تعقد على خمسة مسارات بمشاركة كل الفاعلين في المصالحة الوطنية، واتخاذ القرار المناسب بشأن قيادتها، مع مراعاة التنوع الثقافي والجغرافي وفئات الشباب والمرأة ومؤسسات المجتمع المدني، ورجال الدين، والمجالس البلدية”. ذلك بهدف وضع تصورات ومفاهيم ومقترحات تساعد في هيكلة المصالحة الوطنية، وباعتبار أن المرحلة القادمة تتطلب العمل على إنجاح ملف المصالحة على نحو تمهد الطريق لإجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، وستوزع المسارات الخمسة جغرافيا على كل المدن الليبية دون إقصاء لمنطقة دون أخرى، وسيخدم المجلس الرئاسي كل مبادرات المصالحة الوطنية السابقة والعمل على الاستفادة من التجارب الناجحة منها_ هذا ومن المتوقع أن تستغرق عملية المصالحة الوطنية الليبية وقتا أطول بكثير من المرحلة الانتقالية الحالية.

تثبيت وقف إطلاق النار:

أمكن, في أكتوبر2020,التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من ناحية، والقوات التابعة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج, وقد تم ذلك عن طريق اللجنة العسكرية المشتركة والمكونة بالتساوي من الطرفين والمعروفة بلجنة (5+5) تحت إشراف الأمم المتحدة وبدعم من قوى إقليمية ودولية، وتعقد هذه اللجنة منذ التوصل إلى وقف لإطلاق النار حتى الآن اجتماعات مستمرة للعمل على استمرار وقف إطلاق النار من ناحية، والتوصل إلى صيغة اتفاق لوقف دائم لأطلاق النار؛ لأنه ما يزال هَشًا للغاية إزاء حالة الانقسام بين القوات المسلحة الليبية، فالجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر لا يخضع لسلطة حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية . وعلى الجانب الآخر يوجد الجيش الليبي والميلشيات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة والتي تتولي تدريبها تركيا، ويُلاحظ أن بعض هذه الميليشيات تقوم بأعمال في بعض الأحياء دون الرجوع إلى الحكومة وذلك نتيجة تعدد مراكز اتخاذ القرار في عدة أمور.

ومما يُزيد وقف إطلاق النار هشاشة استمرار تدفق الأسلحة إلى الأطراف المختلفة في ليبيا، ولم يمكن وقفها وفقا لقرار مجلس الأمن، ولم تستطع عملية “أريني” الأوروبية للمراقبة على نقل الأسلحة إلى ليبيا من منعها بحريا وجويا وبريا.

ملاحظات:

يُلاحظ الآتي:

  • يسعى كل طرف من الأطراف الليبية والإقليمية والدولية الضالعة في الأزمة الليبية -إلى أن تكون ترتيبات الأوضاع الليبية بعد التسوية السياسية، والدخول في عملية إعادة الإعمار والاستثمار, خاصة في مجال الطاقة -تُحقِّق لكل واحد منهم أكبر مكسب ممكن، وإذا تراءى لأي طرف أو أكثر إن التسوية لن تكون في صالحه أو لن تحقق له الحد الذي يرضيه فإنه لا يتردد في عمل كل ما بوسعه بالتعاون مع طرف أو أطراف ليبية لتعطيل التسوية السياسية.
  • تؤيد المواقف المعلنة للقوي الإقليمية والدولية وقوي ليبية فاعلة- ضرورة وأهمية توحيد القوات المسلحة الليبية وتفكيك الميلشيات الليبية المسلحة ودمجها في الجيش وقوات الأمن، ولكن وجود قدر كبير من عدم الثقة بين الأطراف الليبية ومؤيدي كل طرف يحُول حتى الآن دون تحقيق ذلك، وهو ما يتطلب جهودا مكثفة لبناء الثقة من ناحية، وبدء خطوات عملية على طريق المصالحة الوطنية.
  • تؤيد القوي الإقليمية والدولية وقوي ليبية فاعلة- ضرورة وأهمية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المحدد، ولكن إذا أُجريت الانتخابات فعلا في موعدها هل ستقبل كل الأطراف الليبية ما تسفر عنه من نتائج أم سيتكرر ما حدث في انتخابات 2014 بعدم قبول عدة أطراف من أصحاب المصالح بنتائجها ويعود الوضع إلى الانقسام والصراع ؟ وهل تؤدي الانتخابات إلى تهيئة الأجواء لإتمام المصالحة الوطنية، أم أن البدء العاجل بالمصالحة الوطنية يسهم في إجراء الانتخابات وتقبل نتائجها ؟.
  • أهمية دور القيادات الليبية الموجودة في السلطة حاليا، سواء السلطة التنفيذية أو البرلمان، أو قائد الجيش الوطني الليبي المشير حفتر في مدي الاسهام في تحقيق الأمل الذي يتطلع إليه الشعب الليبي في الخروج من دائرة الصراع الجهنمية التي امتدت نحو عقد من الزمان، وأن يعلو هؤلاء القادة فوق كل المصالح الشخصية أو الجهوية من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا والبدء في عمليات إعادة الإعمار بالتعاون مع دول الجوار والقوى الإقليمية الدولية لما فيه مصلحة للجميع.
اظهر المزيد

رخا أحمد حسن

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى