2019العدد 180ملف إقليمي

أزمة السياسة والهوية والديمقراطية في إسرائيل

كشفت الأزمة المتعلقة بتعذر تشكيل ائتلاف حكومي في إسرائيل، والتي ظهرت مع حلّ حكومة نتنياهو (أواخر 2018)، ثم الذهاب نحو تنظيم عمليتين انتخابيتين (في أبريل ثم في سبتمبر 2019)، مع احتمال كبير بالذهاب نحو تنظيم عملية انتخابية ثالثة قريبا، عن أزمة في السياسة والهوية والديمقراطية تعيشها إسرائيل، تماما مثل غيرها من كثير من دول العالم، وهو ما باتت تتبدّى معالمه ليس فقط، في الموجة الثانية من “الربيع العربي”، التي هبت في بعض البلدان العربية وفي بعض بلدان أمريكا اللاتينية، وإنما في الدول الغربية الديمقراطية، أيضًا، على نحو ما شهدنا في فرنسا قبل أشهر.

حول إسرائيل وتناقضاتها

القصد من ذلك تأكيد أن إسرائيل ليست دولة استثنائية، رغم ادعاءاتها الدؤوبة عن ذلك، وأنها ليست خالية من التناقضات والمشكلات، وإنما هي دولة كغيرها تعيش تناقضاتها الخاصة، أيضا، بين المتدينين والعلمانيين، وبين الشرقيين (السفارديم) والغربيين (الأشكناز)، وبين اليساريين واليمنيين، والفقراء والأغنياء، وبين القادمين الجدد (سيما من الاتحاد السوفياتي السابق) وباقي الإسرائيليين، ناهيك عن التناقض بين كونها دولة ديمقراطية أو دولة عنصرية (سيما إزاء مواطنيها الأصليين العرب الفلسطينيين)، وبين كونها دولة لليهود الإسرائيليين فيها أو كونها دولة ليهود العالم الذين تعتبرهم بمثابة أمة، إضافة إلى التناقض بين المعتدلين المؤيدين لتسوية مع الفلسطينيين تتضمن التنازل عن أراض محتلة، والمتطرفين الرافضين لذلك، من الذين يأخذون بعقيدة “أرض إسرائيل الكاملة”.

طبعا ليس القصد من كل ذلك، أيضا، الاستنتاج بأن إسرائيل دولة هشّة أو ضعيفة، أو أنها آيلة للتفكك والانهيار، كما يذهب البعض أحيانا، وفق اعتقادات رغبوية ومتسرعة وساذجة، وإنما القصد هنا هو كشف مجموعة الإشكاليات التي تواجهها تلك الدولة الاستعمارية ـ الاستيطانية، الغريبة، منذ إقامتها، في شكل نشوئها وتركيبتها وطبيعتها. وربما يجدر هنا إدراك أن تلك الدولة، رغم كل تناقضاتها ومشكلاتها وعيوبها، تستطيع التعايش والتكيف، بفضل مرونتها وطريقة إدارتها لأحوالها، وبفضل قدرتها على إيجاد حلول لتناقضاتها، من نوع هوياتي، مثلاً، كيهود في مواجهة العرب، وفي الانتماء إلى عالم يهودي أكبر أو إلى أمة يهودية عالمية، أو من نوع ادعاء التوحد لصدّ التهديدات الوجودية، كإسرائيل في مواجهة محيط عربي معادٍ، كما من نوع الاهتمام بتعزيز نواحي الحياة الديمقراطية، في مجال فصل السلطات، والتداول على السلطة، واللجوء إلى الانتخابات لتعيين التوازنات في المجتمع، وفق الطريقة النسبية، التي تتيح لأي تجمع، يحظى على عدد معين من الأصوات، التمثّل في الكنيست، ناهيك عن توفيرها لمواطنيها قدرا معينا من الرفاهية في مستوى المعيشة، ومن الضمانات الاجتماعية، التي تفتقر لها كثير من الدول الأكبر منها.

في غضون ذلك يفترض إدراك مغزى تكيّف إسرائيل مع أحوالها، ومع التنوع والتعددية في داخلها، ومع التباينات والاختلافات بين تياراتها السياسية والأيدلوجية ومكوناتها الثقافية أو الإثنية، علما أنها أجرت 22 دورة انتخابية للكنيست، منذ قيامها قبل سبعة عقود وحتى الآن، أي بواقع 3.5 سنة لكل دورة انتخابية، علما أن مدة الدورة أربعة أعوام، وذلك بسبب إجراء بعض الانتخابات بشكل مبكر وذلك على رغم ظروفها الصعبة والمحيط المعادي بها. والمعنى أن إسرائيل تلك لم تتحجّج، ولا مرة، للتهرب من عملية انتخابية، ولا من استحقاق تداول على السلطة، بل إنها تعمل على تحويل الصعوبات التي تعترضها أو تعتريها إلى فرصة لتعزيز تماسكها، واستقرارها، وتحقيق تمايزها في تلك المنطقة، ما يفرض عدم النظر إلى كل ذلك بوصفه علامة ضعف فيها، أو كعلامة تضعضع في نظامها السياسي.

على أية حال، وفي عودة إلى موضوعنا، فإن إسرائيل مازالت في حالة عدم يقين بخصوص تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة (حتى كتابة هذه المقالة)، بعد إجرائها انتخابات الكنيست الـ22 (سبتمبر 2019)، وهي الانتخابات الثانية التي جرت في هذه السنة، سواء تعلق الأمر بحكومة يترأسها بنيامين نتنياهو (زعيم حزب ليكود)، أو بحكومة يترأسها بيني غانتس (زعيم حزب أزرق ـ أبيض)، بل إن إخفاق الأول، وعدم نجاح الثاني، في مساعيه تشكيل حكومة ربما تدفع الإسرائيليين نحو الذهاب إلى تنظيم انتخابات ثالثة للكنيست (في العام القادم)، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل؛ أي تنظيم ثلاث دورات انتخابية للكنيست في غضون عام واحد.

التجاذبات الحزبية

بناء على ما تقدم، من المفيد مراجعة خريطة التجاذبات الحزبية الدائرة في إسرائيل، طوال العام الماضي، سيما على ضوء نتائج العمليتين الانتخابيتين السابقتين (أبريل وسبتمبر 2019)، إذ أن تلك النتائج لم تمكّن بنيامين نتنياهو، رئيس حزب ليكود، في المرتين المذكورتين، من النجاح في مساعيه لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، بسبب عدم حصول حزبه على أغلبية وازنة في الانتخابات، إزاء الحزب المنافس الآخر (أزرق أبيض)، إذ حصل كل منهما على ذات عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب الآخر (35 مقعدا)، ولعدم تمكنه من تشكيل ائتلاف حكومي (61 مقعدا في الكنيست)، ما أدى في المرة الأولى إلى حل الكنيست والتوجه نحو تنظيم انتخابات ثانية (هي تلك التي جرت في سبتمبر)، في حين أدى الأمر في المرة الثانية إلى دفع الرئيس الإسرائيلي رؤوبين رفلين إلى نقل التكليف بتشكيل الحكومة من نتنياهو إلى منافسه الصاعد، الجنرال السابق بيني غانتس، رئيس حزب أزرق ـ أبيض، الذي ربما يتمكن من إنهاء مسيرة نتنياهو السياسية، لكن فقط في حال أفلح في تشكيل الحكومة.

ومعلوم أن نتنياهو كان مكث كرئيس لحكومة إسرائيل، في مرحلتين الأولى في الفترة من (1996 – 1999) والثانية في الفترة من (2009 – 2019)، بحيث بات في ذلك المنصب أكثر من أي واحد من سابقيه من رؤساء حكومات إسرائيل الـ 12، منذ إقامة إسرائيل (1948)، باستثناء دافيد بن غوريون المؤسّس للدولة العبرية، والذي ترأس حكومتها في مرحلتين لمدة 14 عامًا.

بيد أنه يفترض بنا التمييز هنا بين إمكان نجاح غانتس في إزاحة نتنياهو، وبين نجاحه هو ذاته في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، فالأمران مختلفان تماما، إذ يبدو متعذرا عليه النجاح في تلك المهمة، حيث أخفق نتنياهو، بحسب المعطيات المتوفرة حتى إعداد هذه المقالة.

والجدير ذكره أن  حزب غانتس (“أزرق أبيض”) حصل على 33 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي، المكوَّن من 120 مقعدًا، وذلك في الانتخابات التي جرت أواسط سبتمبر/أيلول الماضي (ليكود حصل على 32 مقعدا)، إلا أنه رغم حصوله على مقاعد أكثر من ليكود (بمقعد واحد) فإن الرئيس لم يكلفه بتشكيل الحكومة، أولاً، وذلك لأن نتنياهو لديه فرصة أكبر للنجاح، بحكم أنه يستطيع جمع أصوات أكثر من أعضاء الكنيست، من الأحزاب أو الكتل السياسية اليمينية والدينية ( ليكود 32، حزب شاس للمتدينين الشرقيين 9 مقاعد، يهوديت هاتوراه للمتدينين الغربيين 7 مقاعد، “يميناه” القومي المتشدد 7 مقاعد، بمجموع قدره، 55 عضو كنيست)، بيد أن ذلك لا يكفي طبعا لتأمين النصف + واحد (61 مقعدا)، بسبب رفض حزب “إسرائيل بيتنا” (8 مقاعد) المشاركة في الائتلاف الحكومي، وهو الأمر الذي مازال مستمرا.

في المقابل فإن غانتس، حظه أضعف، وذلك لأنه لا يمتلك إلى جانبه إلا كتلة من 44 عضو كنيست (حزبه 33 + 11 مقعدا، منها 6 لحزب العمل و5 للمعسكر الديمقراطي)، أي أنه يحتاج إلى تأييد 17 عضوا في كنيست، لتأمين الـ 61 مقعدًا من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة. هكذا، فإذا افترضنا أنه أراد أو تمكن ضم القائمة العربية المشتركة (13 عضوا) فسيصبح لديه 57 مقعدا فقط، أي أنه لن يستطيع تشكيل الحكومة بالاعتماد على التمثيل العربي في الكنيست.

عقدة حزب “اليهود الروس”

على ذلك، يمكننا ملاحظة أن فشل نتنياهو، سواء في المرة الأولى كما في الثانية، يعود لسبب بسيط مفاده أن حزب “إسرائيل بيتنا” (لليهود الروس من المهاجرين الجدد) بزعامة أفيغدور ليبرمان (8 مقاعد) يضع فيتو على المشاركة في حكومة تتواجد فيها الأحزاب الدينية (شاس مع 9 مقاعد، ويهوديت هاتوراه مع 7 مقاعد)، ويصر على تشكيل حكومة “وحدة وطنية” من الحزبين الكبيرين والأحزاب القومية اليمينية، أي من دون الأحزاب الدينية ومن دون العرب، بل إنه يصر على عدم الدخول في أية حكومة إسرائيلية قادمة إذا لم تتشكل من الحزبين الكبيرين والأحزاب اليمينية القومية، وباستثناء للأحزاب الدينية والعرب، على رغم أن ذلك تعذر في السابق، ويتعذر اليوم، ما يفتح الباب على انتخابات جديدة.

والمعنى من ذلك أن ليبرمان، الذي تسبب في إنهاء حكومة نتنياهو أواخر العام المنصرم، وأخذ إسرائيل نحو انتخابات مبكرة (جرت في أبريل)، هو ذاته الذي تسبب قبل أشهر بإفشال محاولة نتنياهو تشكيل حكومة بعد تلك الانتخابات، الأمر الذي دفع نحو حل الكنيست، والتوجه نحو إجراء انتخابات جديدة (في سبتمبر)، وها هو مجددا يقف كحجر عثرة أمام نتنياهو ويفشل مساعيه للبقاء كرئيس حكومة، للمرة الثالثة، ما قد يهدد بذهاب إسرائيل نحو انتخابات جديدة للكنيست.

ولعل هذا الواقع هو الذي يمنح حزب “إسرائيل بيتنا” المكانة المميزة، ويظهره كبيضة القبان، في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، فإذا أيد نتنياهو، فهو يمكنه من تشكيل الحكومة، لكنه في حال انضم إلى غانتس (أزرق وأبيض) فهو قد يسهل عليه تشكيل الحكومة (مع الاعتماد على التمثيل العربي). سوى ذلك فإن الخيار الآخر، الذي قد يساعد غانتس في تشكيل الحكومة، بعد أن تعذر على نتنياهو ذلك، يتمثل بأحد أمرين، أولهما، الإطاحة بنتنياهو من زعامة الليكود، أو شق صفوف هذا الحزب. وثانيهما، إحداث اختراق يتمثل بجذب الأحزاب الدينية (شاس وهاتوراه)، ولديهما 13 عضو كنيست، شرط أن يكون ذلك مع التمثيل العربي، وهو أمر متعذر جدا.

هكذا، فإن مجمل الاحتمالات صعبة ومعقدة أكانت بالنسبة لغانتس، أو بالنسبة لنتنياهو، وفق معادلات الكنيست الحالية، ولاسيما أن كلا من الطرفين يرفض الاعتماد على التمثيل العربي في الكنيست، لأن ذلك سيستثمره الحزب الآخر في معارضته، وضرب صدقيته.

طبيعة الأزمة الراهنة

السؤال ماذا يعني ذلك؟ أو هل يفيد ذلك بأن ثمة أزمة سياسية مستعصية في إسرائيل؟ وماهي الدلالات الداخلية ـ المجتمعية أو الخارجية ـ السياسية لهذا التطور غير المسبوق في تاريخ إسرائيل؟

في محاولة الإجابة على تلك الأسئلة، من المفيد إدراك أن الأزمة الحاصلة في إسرائيل تتركز حاليا في الخلاف بين المتدينين والعلمانيين، أو بين الطابع الديني للدولة وطابعها العلماني، كما بين الأحزاب الدينية المتطرفة (“شاس” للشرقيين، ويهوديت هاتوراه للغربيين) من جهة، والأحزاب العلمانية المتطرفة (“إسرائيل بيتنا” لليهود الروس من القادمين الجدد) من الجهة المقابلة. وكان الائتلاف الحكومي تفكك أصلاً، أواخر العام الماضي، بسبب رفض الأحزاب الدينية مشروع قانون رئيسي يتعلق باليهود المتدينين المتطرفين، الذين يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي مثل نظرائهم العلمانيين، وبسبب استقالة وزير الدفاع حينها أفيغدور ليبرمان (زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”) لخلافه مع بنيامين نتنياهو، لأسباب عديدة ضمنها مكانة الأحزاب الدينية؛ وهذا النوع من الخلافات هو الذي تتداخل فيه أزمات إسرائيل السياسية والهوياتية والثقافية والديمغرافية.

وبتحديد أكثر، فإن نتائج العمليتين الانتخابيتين اللتين نظمتهما إسرائيل للكنيست في الدورتين الـ 20 (أبريل) والـ 22 (سبتمبر)، بينتا الجوانب المهمة الآتية:

أولاً: انقسام المجتمع الإسرائيلي بشكل عام إلى قسمين عموديين، يميني ويساري، وذلك وفقا للاعتبارات والمعايير الإسرائيلية طبعا، مع انزياح كبير لصالح التوجهات اليمينية (حتى في أوساط اليسار)، سيما في المسائل الخاصة بالسياسة الخارجية، والمسألة الفلسطينية.

ثانيًا: بروز شروخ ثقافية كبيرة في المجتمع الإسرائيلي في القضايا الداخلية والمجتمعية والدينية والإثنية. فثمة معسكر العلمانيين، الذي يضم قطاعات يسارية ويمينية وقومية، وثمة قطاع المتدينين، الذي يضم قطاعات من اليمين والقوميين أيضا، ناهيك عن وجود جوزة صلبة للمعسكر الديني تتألف من حزبي شاس لليهود الشرقيين ويهوديت هاتوراه لليهود الغربيين، وطبيعي أن تلك الشروخ تتمركز حول علاقة الدين بالدولة ومكانة الأحزاب الدينية، ومسألة الخدمة العامة، والموازنات، والأنشطة العامة في أيام السبت.

ثالثًا: مازالت إسرائيل تعاني من الانقسامات الإثنية، إذ عدا عن الانقسام التقليدي المعروف بين جمهور اليهود الشرقيين (السفارديم) واليهود الغربيين (الأشكناز)، فقد بات ثمة معسكر لليهود الروس، أيضا، من القادمين الجدد (في عقد التسعينيات) وعددهم حوالي المليون، وهؤلاء لهم حزب كبير ونشط هو “إسرائيل بيتنا”، بزعامة أفيغدور ليبرمان، اليميني القومي العلماني، كما ثمة العرب، أي الفلسطينيين من أهل البلد الأصليين، وهؤلاء يمثلون خمس سكان إسرائيل (20 بالمئة)، ولهم كتلة نيابية في الكنيست (للأحزاب العربية) تتألف من13 نائبا، وهم باتوا يشغلون حيزا مهما في السياسة الإسرائيلية، إن بوجودهم داخلها، أو باعتبارهم جزءا من الشعب الفلسطيني.

رابعًا: انحسار الأحزاب التقليدية، بخاصة حزب العمل (وريث حزب الماباي)، والذي أسهم في إقامة الدولة وترسيخ وجودها (1948-1977)، إذ حصل في الانتخابات الحالية والسابقة على ستة مقاعد فقط، في حين كان حصل على 42 مقعدا في العام 1992، وذلك لصالح أحزاب أو تجمعات جديدة، كحزب “أزرق ـ أبيض” مثلا. أما حزب ليكود فهو بات يواجه تحديا كبيرا، للحفاظ على بقائه، أو قوته، سواء بسبب طول الفترة التي تزعمه فيها بنيامين نتنياهو، أو بسبب نشوء حزب “أزرق ـ ابيض” (حزب الجنرالات)، أو بحكم تحديه من أحزاب “قومية” متطرفة على يمينه، مثل حزب يميناه وحزب إسرائيل بيتنا.

خامسا: انحسار، أو اختفاء، تيار اليسار والوسط في الخريطة السياسية الإسرائيلية، إذ حصل حزب ميريتس اليساري والذي تحالف مع أيهود باراك (!) على خمسة مقاعد، في حين حصل حزب العمل (مع جيشر) على ستة مقاعد، ما يستنتج منه أن تيار اليمين القومي والديني حصل على 96 مقعدًا (ضمنهم 16 مقعدا للحزبين الدينيين شاس ويهوديت هاتوراه)، وذلك من أصل 120 مقعدا في الكنيست.

 سادسا: يستنتج من كل ما تقدم بأنه على صعيد السياسة الخارجية والموقف من التسوية، ومن الفلسطينيين، لا جديد لأية حكومة إسرائيلية قادمة في تلك المجالات، في المدى المنظور، لا مع يمين متطرف ولا يمين معتدل، ولا مع وسط، ولا يسار وسط، لا مع قوميين ولا مع دينيين، وهكذا. وفي الواقع فثمة نوع من إجماع قوي بين قوى اليمين القومي والديني على عدم تقديم أي شيء للفلسطينيين، لا للمواطنين منهم في إسرائيل، ولا للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بمعنى أن جميع التيارات في إسرائيل تتفق فيما بينها على استمرار الوضع الراهن، أي المتعلق بوجود سلطة فلسطينية بمرتبة حكم ذاتي على السكان، فقط، مع التمتع بميزات دولة من الناحية الشكلية (أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة).

سابعا: بيد أن النتيجة الأكثر مرارة، الناجمة عن تداعيات تلك الانتخابات، كانت تمثلت بالإطاحة بوهم مفاده اعتبار وجود العرب في الكنيست بمثابة قوة ثالثة، سواء كانت حصتهم من المقاعد 13 عضوا أو أكثر، ذلك أن الإسرائيليين، في الحقيقة، يعتبرون بأن الكنيست بيتهم القومي الخاص، وأن الأغيار موجودون فيه كنوع من ديكور أو ترضية أو للاستهلاك، أي منّة منهم، لا أكثر ولا أقل، مع علمنا أن ذلك الكنيست ذاته هو الذي سبق له أن أقر قانون “القومية اليهودية”، باعتبار إسرائيل دولة لليهود، وأنهم وحدهم من يحق له تقرير المصير فيها.

ثمة استنتاجات كثيرة من وراء ذلك، ربما أهمها، أن إسرائيل بعد سبعة عقود على قيامها باتت تعيش تناقضاتها الخاصة، المعشعشة فيها منذ إقامتها، بمعنى أنها أي تلك الدولة، التي طالما تعمدت طبقتها السياسية إعلاء شأن الصراع الوجودي لإسرائيل مع جوارها العربي، باتت من دون هذه المعزوفة، أي مع انحسار ذلك الصراع، غير قادرة على طمس تلك التناقضات، وهو ما باتت تتوضح ملامحه في هذه الفترة، في الصراع بين العلمانيين والمتدينين، وفي سعي كل مكون من مكونات المجتمع الإسرائيلي التعبير عن ذاته، أو عن هويته الخاصة، كشرقيين أو غربيين، وكعلمانيين أو متدينين، كروس أو مغاربة، كيهود أو كعرب، وهكذا.

بيد أن الملاحظة المهمة التي يفترض إدراكها جيدا هنا مفادها أن إسرائيل، بفضل نظامها السياسي، وطريقة إدارتها لمجتمعها، قادرة على التخفيف من أثر تلك التناقضات، هذا من جهة. ومن الجهة الثانية، أن العرب في صراعهم مع إسرائيل غير قادرين على الاستثمار في التناقضات الإسرائيلية تلك بسبب التناقضات التي تعتور أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبسبب اختلافاتهم وتعدد محاورهم، وتضارب سياساتهم.

اظهر المزيد

ماجد كيالي

بــاحــث فلسطيــني - سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى