واجه الجنس البشري، منذ نشأة النظام الاجتماعي المتحضر، سلسلة كاملة من التحديات الشديدة والتهديدات القاتلة، التي تراوحت بين المجاعات، والاستعباد، والحروب، والكوارث الطبيعية التي شملت (الفيضانات، والزلازل، والانفجارات، البركانية،… وإلى ذلك)، ومعروف أيضًا أن الإنسانية شهدت في النصف الأول من القرن العشرين حربين مدمرتين وارتكاب أعظم إبادة جماعية على الإطلاق .
وخلال النصف الثاني من نفس القرن، عشنا في ظل التهديد النووي بين القوى الكبرى، ناهيك عن ظهور الأمراض المدمرة، أو بمعنى أصح الوباء العالمي، وما يصاحبه من انهيار اقتصادي .
بالإضافة إلى كل ذلك، فإن الإنسانية تواجه أيضًا أزمة وجودية مع تغير المناخ، أي أن ثاني أكسيد الكربون المحاصر، والغازات الدفيئة الأخرى الناتجة عن حرق (النفط، والفحم، والغاز الطبيعي) لتوليد الطاقة، ترفع متوسط درجات الحرارة في العالم، فعواقب الكوكب الأكثر سخونة تتمثل في: حالات متزايدة من درجات الحرارة القصوى، وهطول الأمطار الغزيرة، والجفاف، وسبل العيش، والأمن الغذائي، وإمدادات المياه، والأمن البشري .
أما الكِتاب فهو مكوَّن من أربعة فصول: الفصل الأول فيه بعنوان “طبيعة تغيُّر المناخ “، حيث يُسلط الكاتب الضوء على التحدي المتمثل في تغير المناخ من ناحية أنه أخطر أزمة وجودية تواجهها الإنسانية، وفي نفس الوقت يمكن اعتبارها القضية العامة الأكثر صعوبة أمام الحكومات في جميع أنحاء العالم. فالوقت المتبقي لمنع الكارثة المناخية يتقلص وربما فقدنا بالفعل السيطرة على ما إذا كان بالإمكان تغيير المسار، فمعدل الضرر يتراكم بمرور الوقت، فنحن نمضي نحو كارثة ذات أبعاد لا يمكن تصورها، ونقترب بشكلٍ خطير من درجات الحرارة العالية البالغة 120درجة .
هناك أيضًا أحد التطورات الكارثية على حسب قول الكاتب وهي ذوبان الغطاء الجليدي الشاسع في غرب دائرة القطب المتجمدة، إذ تنزلق الطبقات الجليدية في مياه البحر بمعدل خمس مرات أسرع مما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي بأكثر من 100 متر من فقدان سمك الجليد في بعض المناطق بسبب ارتفاع درجة حرارة المحيطات، وتتضاعف تلك الخسائر كل عَقد، إنها خسارة كاملة لغرب منطقة القطب، أن سيرفع ذوبانُ الغطاء الجليدي مستوياتِ البحر بحوالي 5 أمتـــــــــــار، وسيُغرق المدن الساحلية، وما يترتب عليه من آثار مدمرة، تلك هي حالة واحدة من إحدى الحالات التي تقع تحت الرصد وتدفعنا إلى الانتباه إلى ما يحدث أمام أعيننا .
ثم يقول الكاتب: “إن الأزمة البيئية إلى جانب الأزمة النووية المزدوجة، هي فريدة من نوعها في تاريخ البشرية، هي أزمة وجودية حقيقية، أولئك الذين هم على قيد الحياة اليوم، سيقررون مصير البشرية، ومصير الكائنات الأخرى التي يتم تدميرها الآن بمعدل لم نشهده منذ 65 مليون سنة “.
إذن بشكلٍ عام من الواضح تمامًا أن تلوث الهواء وتغير المناخ مرتبطان ببعضهما بقوة فإذا استقر المَناخ من خلال صفقة عالمية خضراء، يمكن أن يحلَّ أيضًا معظم مشاكل تلوث الهواء والمشاكل الصحية الخطيرة، التي تصاحب هذا التلوث، لكننا نعرف أن منافع إزالة أكثر أنواع التلوث ستتوزع بشكلٍ غير نسبي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وكذلك للسكان من ذوي الدخل المنخفض بين الأقليات في البلدان ذات الدخل المرتفع، وهذه إذن هي إحدى الطرق التي تصبح فيها الصفقة الخضراء العالمية الجديدة برنامجًا موحدًا يحقق المساواة الإنسانية والعقل البيئي .
أما الفصل الثاني، فهو بعنوان “الرأسمالية وأزمة المناخ” :
وهنا يقول الكاتب: “إن هناك ترابطًا كبيرًا بين الرأسمالية وأزمة المناخ”، فمن الناحية الواقعية، يمكن القول إنه في جميع أنحاء العالم هناك قطاع الطاقة التي تقوم منذ فترة طويلة على مجموعة متنوعة من هياكل الملكية، بما في ذلك الملكية العامة / البلدية وأشكال مختلفة من الملكية التعاونية الخاصة، بالإضافة إلى الشركات الخاصـــــــــة، ممثلًا في صناعة النفط والغاز الطبيعي. تسيطر الشركات الوطنية و المملوكة ملكية عامة على 90% من الاحتياطات المالية و75% من الإنتاج، كما أن تلك الشركات تسيطر على العديد من البنية التحتية للنفط والغاز، وتشمل هذه الشركات الوطنية: أرامكو السعودية، وكازبروم الروسية، وشركة الصيد الوطنية للبترول، وشركة النفط الإيرانية، وبتروليوس فنزويلا، وبتروبراز البرازيلية، وبتروناس في ماليزيا. لا تعمل أي من هذه الشركات المملوكة ملكية عامة وَفق نفس ضرورات الربح، حالها حال شركات الطاقة الخاصة الكبرى مثل: أكونموبل، وبرتش بتروليوم، وشِل الهولندية الملَكِية، لكن هذا لا يعني أنها مستعدة للالتزام بمكافحة تغير المناخ لمجرد أننا نواجه حالة الطوارئ في البنية العالمية تمامًا كما هو الحال مع الشركات الخاصة لإنتاج وبيع مولدات طاقة الوقود الأُحفوري، إن تدفق الإيرادات الضخمة لهذه الشركات هي الأساس في اعتمادات مشاريع التنمية الوطنية والمهن ذات الدخل العالي، السلطة السياسية في جميع البلدان المذكورة تحرص على استمرار تدفق عائدات النفط الأحفوري الكبيرة، لذلك لا ينبغي أن نتوقع أن الملكية العامة لشركات الطاقة- في حد ذاتها- تقدم أطرًا أكثر تفضيلًا لتطوير سياسات صناعة الطاقة النظيفة الفعالة .
أما الفصل الثالث، من الكتاب يحمل عنوان ” صفقة خضراء عالمية جديدة “:
اقترح الاقتصاديون التقدميون وعلماء البيئة على حد سواء، على مر السنين، الانتباه إلى الانبعاثات الصفرية لموارد الطاقة لدرء آثار تغير المناخ .
غالبًا ما كان اعتماد مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة أمرًا أساسيًّا لما يُسميه المناصرون ” الصفقة الخضراء الجديدة ” وهو قرار جريء لرؤية الاقتصاد البيئي ولا تزال هناك إصدارات مختلفة من الصفقة الخضراء الجديدة، التي تم اقتراحها من قبل مختلف الناس، لذا فإن السؤال الحاسم هو ما الذي يشكل الواقعية لمشروع مستدامٍ لتحقيق طاقة خالية من الانبعاثات الضارة بحلول عام 2050 يمكنها التغلب على السياسة الاقتصادية الحالية المقاومة للاقتصاد الأخضر والثقافة المتعلقة به .
فالتركيز على التحول إلى الطاقة النظيفة يتطلب أن يصل مستوى الاستثمارات الضرورية إلى حوالي 2,6 تريليون دولار في السنة الأولى من البرنامج، ومن المفترض أن المشروع لن يبدأ بجدية حتى عام 2024، وسيبلغ متوسط الإنفاق حوالي 4,5 تريليون دولار سنويَّا بين أعوام 2024 حتى 2050، وبناءً عليه سيبلغ إجمالي الإنفاق الاستثماري في الطاقة النظيفة لدورة الاستثمار الكاملة البلاغة 27 عامًا حوالي 120 تريليون دولار .
هذه الأرقام هي فقط للإنفاق الاستثماري، بما في ذلك كل من القطاعين (العام، والخاص)، سيكون تأسيس المزيج الصحيح بين الاستثمارين (العام، والخاص)، من الاعتبارات الرئيسة في إطار السياسات الصناعية والتمويل، وسيكون بالتأكيد من غير الواقعي توقُّع إمكانية تحقيق كل هذا من خلال الاستثمارات الرأسمالية الخاصة، وأنه يمكن إقامة مشاريع على هذا النطاق بالسرعة المطلوبة، ومع ذلك، فإن المُضي قدمًا في تنفيذ الصفقة الخضراء الجديدة، سيفعل ذلك وأنها ستكون بحد ذاتها قوة رئيسة تقود تحول الرأسمالية، بعيدة عن الفترة الانتقالية الحالية بين (النيوليبرالية، والفاشية الجديدة ).
فالصفقة الخضراء الجديدة ستخلق فرصًا جديدة رئيسة كبديل لأشكال الملكية، بما في ذلك مجموعات مختلفة من الملكية العامة والخاصة والتعاونية، فالسبب الأساسي لنجاح هذه المؤسسات في أوروبا الغربية هي أنها تعمل حسب متطلبات الدمج الأقل من الشركات الخاصة الكبرى .
ومن المهم التأكيد على أن هذا الاستثمار في مشروع الطاقة النظيفة- حجر الزاوية في الصفقة الخضراء الجديدة- سوف يغطي نفقات إنشائه بالكامل بمرور الوقت، وبشكل أكثر تحديدًا، سوف يحقق انخفاض تكاليف الطاقة للمستهلكين في جميع مناطق العالم .
وعلى كلٍ لن تصبح القضايا المتعلقة بتخزين الطاقة النظيفة ونقلها مسألة ملحَّة لسنوات عديدة، ربما لعَقد من الزمن على الأقل؛ لأن الوقود الأحفوري، والطاقة النووية توفران الآن ما يقرب من 85% من جميع إمدادات الطاقة العالمية ولن يتم التخلص من هذه الإمدادات بين عشية وضحاها. في غضون ذلك فإن الحلول القابلة للتطبيق بشكل كامل لهذه التحديات التقنية المتعلقة بالإرسال وتخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما في ذلك ما يتعلق بالقدرة على التكاليف، لا ينبغي أن تكون أكثر من عقد من ناحية الوقت، بالتأكيد طالما أن سوق الطاقة النظيفة ينمو بسرعة للمعدل المطلوب .
ثم ينتقل الكاتب بحديثه إلى التغيرات المَناخية حيث يقول: “إن التأثيرات السلبية لتغير المناخ لا تقتصر على أطفالنا وأحفادنا وقد تحتاج أيضًا أبناء الأحفاد إلى التعامل معها، اعتمادًا على نموذج التنبؤات بالمناخ المتناهية الدقة، أما عن التأثيرات التي تحـــــــــدث الآن، فحتى هذه اللحظة، فإن تقرير حالة المناخ العالمي لعام 2019 الصادر من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية UMO يفيد بأن العلاقات المادية والاقتصادية لتغير المناخ تتسارع مع التركيزات القياسية لغازات الاحتباس الحرارى، التي تدفع درجات الحرارة العالية نحو الخطورة بشكل متزايد المستويات” .
ثم يختتم الكاتب ذلك الفصل بالحديث عن السياسات الصناعية، حيث يرى أننا سنكون بحاجة إلى سياسات صناعية تعزز الابتكارات التقنية، على نطاق واسع قائم على تقنية الطاقة النظيفة، وينبغي لسياسة كل بلد أن تتلاءم مع الظروف المحددة داخــــــله، فأحد التدخلات السياسية الرئيسة، التي يمكن أن تسهل عملية إنشاء سوق نابضة بالحياة بالطاقة النظيفة، هو أن تكون الحكومات مستثمرة على نطاق واسع في مجال كفاءة الطاقة والمشتري لتلك الطاقة المتجددة النظيفة، ويعطي الكاتب مثالًا حيًّا لذلك وهو مهمة تطوير الإنترنت داخل الجيش الأمريكي بدءًا من أوائل الخمسينيات، في عملية تحويل الإنترنت إلى الميدان التجاري- قدم الجيش ضمانًا ماليًّا لمدة 35 سنة- مما يمكن التكنولوجيا من احتضان المشروع، بينما طور مستثمرو القطاع الخاص بشكل تدريجي فعلًا هذا المشروع وفق إستراتيجيات التسويق، وبناءً عليه فإن ضمان أسعار مستقرة من خلال القطاع الخاص وشراء مصادر الطاقة المتجددة النظيفة أصبحا أمرين بالغين الأهمية، وتسمى هذه السياسات بـ ” تعريفات التغذية”.
أما الفصل الرابع: فعنوانه “التعبئة السياسية لإنقاذ الكوكب”، ويتساءل الكاتب في بداية هذا الفصل عن كيف سيؤثر تغير المناخ على ميزان القوى العالمي؟
الأكثر إثارة للقلق هي توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن ما تسميه “سيناريو السياسات المعلنة”، يهدف هذا السيناريو إلى إجراء تقييم- على حد تعبير الوكالة – للسياسات والتدابير التي وضعتها فعلًا الحكومات في جميع أنحاء العالم وآثار السياسات المعلنة، كما عبرت عنها رسميًّا الأهداف والخطط، وبالنسبة للاتفاقات التي تم التوصل إليها في الأمم المتحدة برعاية مؤتمر المناخ في مارس عام 2015، اعترفت كافة الدول البالغ عددها 165 دولة رسميًّا بالأخطار الجسيمة التي يطرحها تغير المناخ، والتزام تلك الدول بخفض انبعاثاتها الضارة إلى حد كبير، ومع ذلك فإن تقديرات وكالة الطاقة النووية، حتى في ظل سيناريو السياسات المعلنة فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لن تنخفض على الأرض بحلول عام 2040، بل ستستمر لترتفع إلى 36 مليار طن .
وهذا يتناقض مع توقعات وكالة الطاقة الدولية مع أهداف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والمتمثلة في خفض المستوى العالمي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% اعتبارًا من عام 2030، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
ثم ينتقل الكاتب في هذا الفصل إلى نقطة أخرى، وهي هل أزمة المناخ لها علاقة بالأوبئة؟ وهنا يجيب: “إن هناك عدة طرق تتقاطع فيها أزمة المناخ ووباء فيروس كورونــــــــــا، فالسبب الرئيس الكامن وراء تفشي Covid-19، فضلًا عن الأوبئة الحديثة الأخرى، بما في ذلك الإيبولا، وحمَّى غرب النيل، وفيروس نقص المناعة البشرية_ هو تدمير لبيئة الحيوانات من خلال إزالة الغابات والتعديات البشرية ذات الصلة، فضلًا عن تعطيل البيئات المتبقية بفعل زيادة وتيرة وشدة موجات الحر، والجفاف، وموجة الفيضانات” .
وفي النهاية، نود أن نضيف أن آخر قمة للمناخ أُقيمت كانت في شرم الشيخ في مصر في أول نوفمبر 2022، وحضرها أكثر من 120 من قادة الدول شارك فيها نحو 30 ألف شخص، وكانت أطراف المؤتمر اتفقت على تقديم تمويل للخسائر والأضرار، وهي المرة الأولى التي يُوضع فيها هذا البند على جدول الأعمال، وكان هناك تأييد في هذه القمة لما انتهوا منه في قمة كوب-26 عام 2021، في جلاسكو من بعض التوصيات، مثل: التخلص التدريجي من استخدام الفحم أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا، ووقف إزالة الغابات بحلول عام 2030، وأيضًا خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030، وتقديم خطط عمل جديدة بشأن المناخ إلى الأمم المتحدة .
وخلص مؤتمر شرم الشيخ أيضًا إلى تسريع الجهود نحو خفض تدريجي لاستخدام الفحم غير المترابط بنظام التقاط الكربون، وإلغاء الدعم غير المجدي للوقود الأحفوري، كذلك دعى إلى تسريع الانتقال السريع والعادل إلى الطاقة المتجددة، وتقدر إبرام اتفاقات تمويل جديدة لمساعدة الدول النامية على مواجهة الخسائر والأضرار التي لحقت بها جراء أزمة المناخ .