يتناول هذا الكتاب إدارة الأمم المتحدة للأزمات العربية التي نشأت بعد اندلاع الحراكات العربيـــــــــة، وذلك ابتداء من عام 2011 وحتى عام 2015، مع التركيز على الأزمة السورية التي أخذت أبعادا إقليمية ودولية، ومن ثم الاستدلال والاستنباط لما سيكون عليه الحال في المستقبل.
فلم تشهد الدبلوماسية الدولية جهدا ملحوظا في الأزمات الدولية كافة كما شهدتها في الأزمة السورية، نظرا لتعقيداتها الكثيرة والمتلاحقة والتدخلات الإقليمية والدولية فيها، مما صعب المشكلة لإيجاد حلول مناسبة لها، وحتى تاريخه، لم تستطع الأمم المتحدة على كثرة مفوضيها ووسطائها الذين عينتهم لحل هذه الأزمة، مما جعل الدور الأممي قاصرا على إدارة الأزمة وليس حلها.
الكتاب يتناول حقبة زمنية غاية في الأهمية والخطورة، وهي فترة الحراكات العربية التي مضى على اندلاعها أعوام قليلة، وما تخللها من دور لهيئة الأمم المتحدة في إيجاد حلول لما ترتب عليها من خراب ودمار لكثير من الدول التي مرت بها تلك الحراكات وهي فترة غاية في الأهمية والخطورة وبحاجة إلى دراسة أو دراسات جادة ومعمقة في هذا الاتجاه .
وبالنسبة للكتاب فهو مقسم إلى ستة فصول، الأول والثاني منه يشير الكاتب فيهما إلى أن الحراكات العربية أدخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة تغيير نوعية وحتى اللحظة تعيش هذه المنطقة تفاعلات هذه الحراكات وارتدادها، صحيح أن صورة المشهد لم تتضح بعد على تعيينات محددة، سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد الجغرافي أو الديموغرافي، إلا أن المتابع لسير أحداث المنطقة العربية سيلاحظ مدى التداخل والتعقيد والالتباس الذي أحدثته تلك الحراكات مما خلق أزمات عدة فرضت تحديات جديدة أمام المجتمع الدولي المتمثل بهيئة الأمم المتحدة .
وهنا تتساءل الكاتبة، هل الأمم المتحدة في ظل التطورات الجديدة التي يشهدها المحيط الإقليمي نتيجة التحولات الراهنة قادرة على خوض فن إدارة الأزمات العربية؟
هل جاءت الأمم المتحدة لتؤكد مبادئها، أم لتتنازل عنها وتساوم عليها؟
ومن هنا تأتي تلك الدراسة لتبين ذلك من خلال محاولة تحليل وتفكيك مجموعة من المبادئ والمواقف والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وخصوصا مجلس الأمن بشأن الأزمات الراهنة في المنطقة العربية سواء في سوريا أو فلسطين أو العراق أو في ليبيا أو في اليمن للاعتماد عليها كخلفية علمية أساسية لتقييم وملامسة مدى فعالية دور الأمم المتحدة تجاه مجموعة من التحولات العميقة والتحديات الراهنة، وتقييم دورها في ظل تأثير المجتمع الدولي على قراراتها وتطبيق مبادئهــــــا، كما توضح الدور الذي لعبته كل من الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جنبا إلى جنب مع مجلس أمنها.
ثم تتحدث الكاتبة بعد ذلك عن نطاق تطبيق مبادئ الأمم المتحدة، حيث إن إدراج مبادئ القانون الدولي في الميثاق سجل مرحلة هامة في تطور الأمم المتحدة يمكن اعتبارها نقلة نوعية إذ استمدت هذه المبادئ قوة إلزامية إضافية، بعد تحويلها من قواعد عرفية إلى قواعد اتفاقية، وهو ما جعل مبادئ منع التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة في السيادة ومنع استخدام القوة وحق تقرير المصير وحماية حقوق الإنسان مرجعية لهيئة الأمم المتحدة في حفظ السلام والأمن الدوليين .
وبالرغم من النص على مبدأ عدم التدخل في المواثيق المنشئة وقرارات المنظمات الدولية الإقليمية وأحكام محاكم القضاء الدولي، إلا أننا نجد أن هناك استثناءات على هذا المبدأ منها التدخل لحفظ السلام والأمن الدوليين وفقا للفصل السابع من الميثاق والتدخل في حالة الدفاع الشرعي والأمن الجماعي، والتي يكون فيها العمل مشروعا، ولا يمكن أن تكون هذه الاستثناءات أعمالا مشروعة إلا إذا اتصفت واحتكمت بالشرعية الدولية كما أن الأمم المتحدة عبر ميثاقها احترمت السيادة الوطنية التي كانت ويجب أن تبقى الدعامة الأولى للنظام الدولي الحديث والمعاصـــــــر، انسجاما مع البند الأول من المادة الثانية من الميثاق، مع التأكيد على البند الرابع منها على وجوب الالتزام بعدم استعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي والاستقرار السياسي لأية دولة، سوى من باب الإقرار الصريح بمحددات التحرك الدولي المشروع والمقبول خلال الفصل السابع .
أما الفصلان الثالث والرابع، فتتحدث الكاتبة بداية عن الأمم المتحدة وحفظ السلام في المنطقة العربية، حيث يشير إلى أن الأمم المتحدة قد شهدت تحولا نوعيا وكميا في القرارات الصادرة عن جميع أجهزة الأمم المتحدة تجاه العراق، نتيجة عوامل عدة أهمها تبدل البيئة السياسية الدولية ، وأصبحت الولايات المتحدة بحكم هذه البيئة، الصانع الأكبر لقرارات مجلس الأمن، والموظِف لها لأغراض تخدم مصالحها واستراتيجيتها الخاصة .
ثم جاء الاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق، والقضاء على النظام السياسي فيه ليشكل مرحلة أكثر خطورة في الانعطاف النوعي لتوجهات مجلس الأمن الذي لم يفوض الولايات المتحدة لشن الحرب على العراق عام 2003 لكنه رضخ كأمر واقع للاحتلال، أضفى عليه المشروعية، وكلف سلطات العراق بإدارة العراق .
هذا وقد فشلت الأمم المتحدة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المزمع الذي نتج عن اغتصاب الأراضي الفلسطينية وطرد شعبها من دياره وتهجيره من وطنه، ورغم قراراته الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني من خلال عودته وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وفي المقدمة منها قرارا مجلس الأمن 242و238 وقرار الجمعية العامة رقم 194 القاضي بحق عودة اللاجئين، فإنها لم توضع موضع التنفيذ، كما فشل مجلس الأمن بإلزام إسرائيل من تنفيذ قراراته القاضية بإلزام إسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967، كما عجزت الأمم المتحدة من تمكين الشعب الفلسطيني من فرض سيطرته على أقاليمه التي تخضع في الوقت الراهن للاحتلال الإسرائيلي وحفظ السلام والأمن الدوليين وإرجاعهما إلى نصابها على أساس الفصل السابع من الميثاق .
ثم تتناول الكاتبة موضوعا تحت عنوان دور الأمم المتحدة في إدارة أزمات دول الحراكات العربيــــة، فهناك مثال في هذا الموضوع وهو الأزمة الليبية حيث تدخل العديد من الجهات والمنظمات الإقليمية الدولية بشكل كبير في الأزمة الليبية من أجل إيجاد حلول لتلك الأزمة ـ فنجحت بعض المقترحات ولم ينجح البعض الآخر، ولكن يمكن القول بأن تلك التدخلات لم تؤد إلى حل الأزمة الليبية، فسقوط نظام معمر القذافي لم يكن نهاية للأزمة وإنما إحدى محطاتها، وظلت الأزمة الليبية مستمرة ولم تفلح جهود المنظمات لا الدولية ولا الإقليمية في حلها، كما أن دور الأمم المتحدة في ليبيا يشهد تغيرات نوعية لا تراعي الواقع السياسي مما يدفع باتجاه انخفاض فرص الاستقرار واقتراب الفوضى .
وعلي صعيد آخر، لا يعزى فشل معالجة الأزمة اليمنية إلى جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة أو غيابها فقط، فالعديد من القضايا المحلية والإقليمية والدولية المتداخلة، ساهم في انهيار العملية السياسية، وإفشال جهود الأمم المتحدة، بما في ذلك الصراع السعودي -الإيراني، والصراع الإقليمي مع الإخوان المسلمين وضدهم .
أما الفصلان الأخيران الفصل الخامس والسادس، فتتحدث الكاتبة بداية عن الأزمة السورية في ضوء موقف جامعة الدول العربية والتدخلات الخارجية، حيث تدرج موقف الجامعة العربية من الوضع في سوريا على مدى الأزمة السياسية من عدم التدخل وإدانة العنف إلى قرار إيقاف مقعد سوريا بالجامعة العربية، إلى تسليم المقعد للمعارضة السورية وإغلاق باب أي وساطة يمكن أن تقوم بها الجامعة العربية في الأزمة .
وقد أصدرت بيانات الجامعة العربية على مدى الأزمة السورية خلال الفترة من 27 أغسطس 2011 حتى 21 مايو 2013، 25 قرارا ما بين قمة ووزاري أو على مستوى المندوبين الدائمين، ويعتبر القرار 7438 أحد أقوى قرارات الجامعة منذ تأسيسها عام 1945، وصدر ذلك القرار بسبب مماطلة النظام السوري وعدم التزامه بما ورد في خطة الجامعة العربية، والذي قرر بموجبه تعليق مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الأمن وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية، ودعا القرار المعارضة إلى توحيد صفوفها والاجتماع في مقر الجامعة للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية، واتخذت الجامعة القرار بموافقة 18 دولة في حين اعترضت لبنان واليمن على القرار وامتنع العراق عن التصويت، وكان لتعليق عضوية دولة في الجامعة العربية تداعيات واسعة في جميع أنحاء المنطقة، ومع ذلك فإن هذا التعليق لم يكن الأول من نوعه، فقد تم تعليق عضوية ليبيا أيضا في الجامعة في مارس 2011، ومع ذلك فإنه بالنظر إلى العلاقات المتوترة بين معمر القذافي والعالم العربي وتصور ليبيا كجزء من الاتحاد الأفريقي في المقام الأول، ظل قرار الجامعة تجاه ليبيا قرارا رمزيا إلى حد كبير، ولم يكن مفاجئا مثل قرار تعليق عضوية سوريا .
كما أوضحت الجامعة أنها سوف تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء عندما تطلب منها الشعوب ذلك حتى لو أن التدخل يناقض مصالح الأنظمة، كما شكل قرار الجامعة العربية تطورا هاما في مسار الحراك السوري، لجهة تبني موقف عربي بأغلبية كبيرة للتعاطي مع تطورات الملف السوري .
ورغم ذلك فإن الجامعة العربية لم تنجح نجاحا كاملاً في صياغة موقف عربي موحد بشأن الأزمة السورية، فقد أدت العلاقة المعقدة بين الدول الأعضاء والجهات الخارجية التي لها مصالح متضاربة في سوريا إلى حرمان الجامعة من آليات صنع القرارات الفاعلة مما دفع بها إلى الإعلان عن انتهاء دورها وإحالة الملف السوري إلى الأمم المتحدة .
كما أن التدخلات الإقليمية والدولية والأزمة السورية أدت إلى تراجع أدوار الأطراف المحلية المنخرطة في هذه الأزمة، بما في ذلك النظام الحاكم نفسه، لحساب قوى خارجية أصبحت هي المتحكم الرئيسي في توجيه مسارها، وما تزال تعتقد أن بمقدورها فرض تسوية عسكرية اعتمادا على قواها الذاتية أو على الحليفة لها وأن هذه الأطراف ليست معنية بمعاناة الشعب السوري ولا تسعى لمصلحته .
ثم تخصص الكاتبة حديثها بعد ذلك عن دور الأمم المتحدة في إدارة الأزمة السورية من خلال تسليط الضوء على القرارات التي اتخذتها الأمم تجاه الأزمة السورية ، والمسار السياسي الذي انتهجته من خلال مبعوثيها إلى سوريا، والمبادرات التي قدمت .
هذا وقد تمكنت الأمم المتحدة من اتخاذ عدد من القرارات المهمة بشأن سوريا، و بالدرجة الأولى منع القرار الذي شرعن الاتفاقات المسجلة في بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012 وقرارات حول تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا، ونزع ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، وفي ديسمبر 2015 نجح مجلس الأمن في تبني اتفاقات مجموعة دعم سوريا حول إطلاق عملية سياسية في سوريا ووقف إطلاق النار .
وفى المقابل أخفقت الأمم المتحدة في المسار السياسي في معالجتها للأزمة السورية بسبب الخلاف داخل مجلس الأمن أساسا، وعوامل إقليمية من ناحية أخرى، إلى جانب استخدام الفيتو الروسي الصيني المزدوج ضد القرارات التي تدين النظام السوري، ولا يزال مجلس الأمن منقسما حول سبل التعاطي مع الأزمة لحلها سياسيا بطريقة تحظى بإجماع الأعضاء، إلا أنه يوجد توافق في الآراء داخل مجلس الأمن حول المسار الإنساني من خلال ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للمهاجرين والمحاصرين والمجموعين داخل سوريا .
وفى النهاية يمكن أن نلخص الاستنتاجات التي خرجنا بها من هذا الكتاب في الآتي :-
- يتأثر دور الأمم المتحدة بتحولات وتقلبات المجتمع الدولي، وهو ما يجعل من هيئة الأمم المتحدة نظاما متحركا، يتطور وفق المصالح والحاجيات المتجددة للمجتمع الدولي .
- أن التطورات التي عرفتها المنظمات العربية نتيجة الحراكات الشعبية، تؤكد على وجود تغير جذري في مرتكز العلاقات الدولية الذي كان يقوم في السابق على التحالفات التقليدية المبنية على الصداقات الاستراتيجية التي جمعت الدول الغربية القوية ببعض النظم السياسية في المنطقة العربية.
- أن الحراكات العربية أعادت العلاقات التي تجمع بين الدول الغربية المؤثرة على قرارات الأمم المتحدة والعالم العربي، وعدم حصرها فقط في المصالح الاستراتيجية والاقتصادية القائمة على توازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط.
- أن مواقف الأمم المتحدة كانت لصالح الشعوب العربية ومؤيدة لحراكاتهم، وقد تجسد ذلك من خلال تفاعلها الإيجابي مع الحراكات الشعبية وتجاوبها مع تطلعات الشعوب في التغيير الديمقراطي .
- استندت الأمم المتحدة إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة في إدارة الأزمات العربية في ليبيا واليمن وسوريا بعد تدويلها، ووضع الملفات أمام مجلس الأمن، وذلك رغم إرسال أكثر من لجنة للمراقبة وتقصي الحقائق ووضع مبادرات وتعيين مبعوثين دوليين لرعاية الحوارات لحل أزمات تلك الدول سلميا، مدعومة من جامعة الدول العربية .
- يعزى فشل المبعوثين الدوليين للأمم المتحدة رغم قدراتهم وخبراتهم ومعرفتهم بتفاصيل الأزمات كونهم يميلون إلى إدارة الأزمات بدلا من البحث عن حلول جادة وعادلة لها إلى جانب عدم استيعاب الأمم المتحدة لخصوصية تلك الدول.
وتوصي الدراسة بعدة أمور أهمها :-
- تغيير الأداء الإقليمي والدولي إزاء الأزمات العربية في سوريا واليمن وليبيا والبحث عن استراتيجية جديدة للتعامل مع أطراف الصراع دون استثناء ودون تدخلات إقليمية، كي لا يتكرر انسحاب الممثلين الدوليين من مهامهم أو تقديم استقالاتهم ؟.
- فرض احترام القانون الدولي بكل مبادئه من خلال تفعيل هيئة الأمم المتحدة ومنحها سلطة في مواجهة كل أطراف المجتمع الدولي بدون تمييز، ومنحها الإمكانات المادية والقانونية التي تمكنها من بلورة قراراتها ومبادراتها على أرض الواقع .
- لا يجب التعسف في استعمال حق الفيتو من أطراف إحدى الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن، بل يجب الحد منه خاصة إذا ما تعلق الأمر باستصدار قرار لمنع انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق ضد دولة ترتكبها في حق شعبها .
- يجب أن يخضع العمل بمبدأ مسؤولية الحماية في حال ارتكبت دولة من الدول انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان، وصنفت كجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في مواجهة شعبها لإصدار قرارات من مجلس الأمن محددة النطاق جغرافيا وزمنيا يخول لها التدخل بصفة الجهة المخولة لذلك، خاصة إذا كان الوضع يهدد السلم والأمن الدوليين.
عمــــــــاد الــــدين حلمـــي
الأمانة العامة لجامعة الدول العربية