بعد أكثر من عشر سنوات سبقت على التحولات السياسية التي شهدتها ليبيا، واحتدام الصراع بين فرقاء العمل السياسي، ما تزال عملية الانتقال إلى تسوية حقيقية شاملة تضمن عودة الأمن والاستقرار والدولة الليبية موحدة بمؤسساتها، تبدو بعيدة المنال.
تلقي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا بظلالها على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتهيمن صيرورتها ووقائعها على المشهد السياسي والأمني. ومع ما يكتنف الوضع الليبي من تعقيدات، فقد جرى تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في يوليو 2012، وآخرها انتخابات عام 2014، إلا أن عدم قبول بعض الأطراف والتسليم بما أفرزته نتائجها، كان لها دور كبير في خلق مناخ سياسي جديد، إضافة إلى أن هناك أطرافًا خارجية لا زالت تعبث بالساحة الليبية وتمارس دور المُعطل لمسار التسوية والمصالحة ومن ثم فرض أمر واقع جديد في ليبيا.
وبرغم كل المساعي والمبادرات السياسية في تقديم تصورات وخرائط لتقاسم السلطة بين أطراف اللعبة السياسية الليبية، لم تفلح البعثة الأممية في جمع الفرقاء على طاولة حوار، إلا بعد اتفاق الأعضاء المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي بجنيف في 5 فبراير 2021، أثمرت عن وقف شامل لإطلاق النار بين طرفي النزاع الليبي، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية لإدارة شؤون البلاد، على أن تعقبها انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال سنة كحدٍ أقصى. غير أن ذلك لا يخفي تحديات كثيرة واجهت الحكومة الليبية في تحقيق هذا الإنجاز.
أولًا: الأوضاع الداخلية في ليبيا:
منذ أن نالت حكومة الوحدة الوطنية الليبية ثقة مجلس النواب في 10 مارس 2021، أكد رئيسها “عبدالحميد الدبيبة” التزامه بإجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، وعلى أسس ديمقراطية، وسوف توفر لها وزارة الداخلية التأمين والحماية اللازمين، مع اللجوء وطلب المساعدة من المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة لدعم الانتخابات لوجستيًّا وأيضًا في مراقبتها. بيد أن البرنامج الذي أعلن عنه “الدبيبة” من الواضح أنه يقفز على الأزمات المعقدة والشائكة التي ــــ أربكت ولا زالت ــــ حتى هذه اللحظة تربك المشهد السياسي والأمني والاجتماعي الليبي، كما يتجاوز في جانب كبير منه السقف الزمني الممنوح لحكومته.
أخذت العملية الانتخابية في ليبيا منعطفًا خطيرًا عندما سَنَّ مجلس النواب قانونًا انتخابيًّا مثيرًا للجدل في سبتمبر 2021 من دون تصويت، وهو ما أثار استياءً كبيرًا في الأوساط السياسية الليبية، كونه صُمم خصيصًا على مقاس أشخاص بعينها، بحسب رأي الكثيرين، ويفسر ذلك بغياب توافق في الآراء بشأن الأساس القانوني للاقتراع، وتضارب في المصالح فضلًا عن بعض الثغرات في وساطة الأمم المتحدة، وهو ما أدى إلى فشل في إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر 2021، ووجهت الانتقادات إلى مجلس النواب على أنه المسؤول عن قوانين الانتخابات التي تشكّل كارثة حقيقية .
لاحقًا صوّت مجلس النواب على سحب الثقة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة” لأسباب تتعلق بسلبيات حول إعداد الميزانية والإنفاق الحكومي، إلا أن هذا الإجراء قوبل بالرفض داخليًّا ودوليًّا، باعتبار أن طبيعة الحكومة ومهمتها مؤقتة، وتتمثل بتسيير أمور البلاد لحين إجراء الاستحقاق الانتخابي وتسليم السلطة للمؤسسات المُنتخبة، إذ أعلنت البعثة الأممية في ليبيا عبر بيان لها بهذا الشأن، أن حكومة الوحدة الوطنية هي “الحكومة الشرعية” حتى إجراء الانتخابات.
وفي فبراير 2022، اختار مجلس النواب وزير الداخلية الأسبق “فتحي باشاغا” كرئيس للحكومة الليبية الجديدة في عملية تصويت أثارت الكثير من علامات الاستفهام وأسهمت في تأجيج الصراع على السلطة في ليبيا. بدأ باشاغا مشاوراته، وقال أنه يعتزم تشكيل حكومة كفاءات بمشاركة كافة الأطراف السياسية والمناطق في البلاد، تكون مهمتها الأولية الترتيب لإجراء انتخابات ضمن مواعيد محددة. وناشد رئيس الحكومة المُكلفة من مجلس النواب “فتحي باشاغا” رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة” بتسليم السلطة طواعيةً، إلا أن الأخير رفض ذلك، على خلفية عدم اعترافه بسحب مجلس النواب الثقة من حكومته، وشدّد على أنه باقٍ في منصبه إلى حين إجراء انتخابات في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الدبيبة تعهد في وقت سابق بتأمين إجراء الانتخابات في جميع المدن والمناطق الليبية وفي موعدها المقرر، ومن الواضح أن ذلك لم يكن سوى مناورة سياسية يهدف من ورائها وقف جهود إزاحة حكومته، ومغازلة المجتمع الدولي بهدف كسب المزيد من الدعم السياسي له.
لم يدّخر باشاغا جهدًا في الدخول إلى العاصمة طرابلس منذ الأيام الأولى، التي تلت منح حكومته ثقة مجلس النواب، وبرغم المحاولات المتكررة إلا أنها باءت بالفشل، وكان باشاغا في كل مرة يحمِّل حكومة الدبيبة تبعات ما وقع؛ ليؤكد حرصه على أرواح ودماء الليبيين، وأنه لن يدخل طرابلس إلا سلميًّا، لكن يبدو أن القوى السياسية والعسكرية المؤيدة لباشاغا لم تقبل بالحل السلمي، والابتعاد عن طرابلس وإدارة الحكومة من سرت، ففي العاصمة مركز النفوذ السياسي والمال، وهو ما يفتقر إليه باشاغا ما يجعل حكومته على الهامش وخارج حدود التأثير.
في أواخر أغسطس الماضي، اندلعت اشتباكات مسلحة بين قوات حكومة الوحدة الوطنية وأخرى تابعة لرئيس الحكومة المُكلف من مجلس النواب “فتحي باشاغا”، خلّفت ورائها 23 قتيلًا، وإصابة 159 آخرين معظمهم مدنيون- بحسب وزارة الصحة الليبية- مما أدى إلى إعادة المشهد السياسي إلى مربعه الأول من الاحتراب ومزيد من الانقسام .
تنفّس الدبيبة الصُّعَداء بعد نجاح قواته في إبعاد القوات المناوئة له، وقال: “إن الانتخابات التشريعية والرئاسية استحقاق وطني”، مؤكدًا أنه سيعمل على تحقيقها برغم التحديات. وأضاف الدبيبة إن هدف حكومته الأساسي هو إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، مؤكدًا رفضه الوصول إلى السلطة بواسطة السلاح والمؤامرات، ورفضه المطلق للمراحل الانتقالية، مشددًا -في الوقت ذاته- على ضرورة إلغاء أي معسكرات أو تمركزات أمنية داخل العاصمة طرابلس، وتفعيل دور مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية.
ثانيًا: عقبات تعيق إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا
حتى كتابة هذه السطور، لم يظهر ما يشير إلى نجاح حكومة الوحدة الوطنية في تحقيق أي إنجاز يذكر بشأن المهام المنوطة بها، إذ تواجه حكومة “الدبيبة”، مجموعة تحديات داخلية وخارجية، من أبرزها:
- إعادة توحيد مؤسسات الدولة:
تمثل عملية توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية تحت سلطة تنفيذية واحدة، ونزع سلاح الميليشيات خارج سلطة الدولة، وإنهاء الفوضى الأمنية، من أبرز التحديات التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية الليبية ما بعد انتهاء الصراع. ويعد تفكيك الميليشيات المسلحة في ليبيا التي يناهز عددها الـــ 300 مجموعة مسلحة، تحديًا كبيرًا أمام الحكومة التي تعهدت في وقت سابق بإيلاء هذا الملف أولوية قصوى، خصوصًا وأنها تعد العامل الأبرز وراء تعطيل العملية الانتخابية وما تشكّله من خطر يهدد أمن المواطنين الليبيين وفي اختياراتهم لمرشحيهم.
وبرغم اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب “عقيلة صالح”، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري” في أبوزنيقة المغربية في أواخر أكتوبر الماضي، والذي يأتي في سياق دعم المسار الانتخابي، ولا سيّما الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، وتوحيد المؤسسات السيادية_ لكن يبدو أنه نحى منحًا آخر، وأن ما جرى بينهما هو انحراف عن مسار الانتخابات الذي يستلزم التوافق على الأساس الدستوري وليس التركيز على تقاسم المناصب السيادية، وهو ما يتطلب لتجاوزه إرادة سياسية، واستعدادًا للتنازل عن المغانم السياسية والمادية التي تم تحصيلها بفعل الاستثمار في الانقسام، وتوفير السُبل الكفيلة بمنع تجدد العنف وعودة الصراع. كما يستلزم من الأطراف الإقليمية والدولية بمواقف عملية واستخدام أدوات ضغط فعاّلة، إذ يعزز نجاح هذه العملية من فرص تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي في ليبيا.
- تحديات تعيق المصالحة الوطنية
تعد الانتخابات مخرجًا لمعالجة الشروخ السياسية والاجتماعية التي تسببت بها حالة الانقسام والتشظي بين أطياف المجتمع الليبي، بيد أن الانتخابات يفترض أن تجري بعد حل هذه الشروخ من خلال التسويات (السياسية، والمجتمعية… وغيرها). إن من شأن إنجاز المصالحة والخروج من حالة الانقسام سوف يسهم في التخفيف من حدة التوترات ويعود بالعديد من النتائج الإيجابية على ليبيا وشعبها. وعليه، فإن إجراء الانتخابات من دون حل هذه القضايا، قد تزيد من تعقيدات الأزمة بل وتفاقمها، وتعد مهمّة قيادة الجيش الليبي وموقع المشير خليفة حفتر في الترتيبات الجديدة- الملف الشائك والمعقد وراء عرقلة مسار التسوية والمصالحة.
- الخلافات حول القاعدة الدستورية والقانونية للانتخابات:
تمثل الخلافات حول القاعدة الدستورية والقانونية، التي سوف تجري الانتخابات وفقها، إحدى أهم المسائل الجدلية التي أُثيرت حول العملية الانتخابية، إلا أن أبرزها تركزت حول موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وبرزت نقاط خلافية تتعلق بانتخاب الرئيس، فمجلس النواب يدفع باتجاه نحو انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب؛ ليتمتع بصلاحيات واسعة، بينما يدفع المجلس الأعلى للدولة أن يتولى البرلمان عملية انتخاب الرئيس الذي ستكون له صلاحيات محدودة بحجة منع عودة الدكتاتورية.
لاحقًا، بدأت الشكوك تحوم حول شرعية الانتخابات وقبول نتائجها، لاسيّما بعد ترشح كل من “سيف الإسلام القذافي”، والمشير “خليفة حفتر”، وبدا التلويح بعدم قبول الاعتراف بأي منهما، مصحوبًا باستخدام القوة المسلحة من قبل بعض الميليشيات والجماعات المسلحة، وكذلك من قبل عملية “بركان الغضب”، التي هدّدت بإغراق صناديق الاقتراع في غرب البلاد. وفي ظل تبني مجلس النواب الليبي رؤية مغايرة تمامًا عن تلك التي يتبناها المجلس الأعلى للدولة لوّح رئيسه “خالد المشري” باللجوء للقوة وتطبيق سياسة الأمر الواقع، ودعى أنصاره إلى الاحتجاجات والاعتصامات أمام مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بل ومحاصرتها، وأصدر المجلس الأعلى للدولة بيانًا أكد فيه على رفضه التام للقوانين الانتخابية، وليس لإجراء الانتخابات في موعدها، مع تحميل المفوضية الوطنية للانتخابات والبرلمان المسؤولية عن ما يترتب عنه من عواقب وخيمة عن مواقفهما والتمسك بتلك القوانين والتي يراها – حسب بيان المجلس الأعلى للدولة-أنها مناوئة لاستعادة الثقة والوحدة ومعززة للانقسام بين الليبيين .
تبقى المشكلة الجوهرية في أن نُخبًا نافذة تخشى من تنظيم الانتخابات وما ستفرزه نتائجها، مما يجعل احتمالية استثمار أي ارتباك أو أزمة فرصة كبيرة لإفشال العملية الانتخابية مستقبلًا. إن من شأن ذلك إعادة مشهد الانقسام وأزمة الشرعية مجددًا، وهو ما قد ينذر بانتكاسة لن تضع مصير الاستحقاق الانتخابي الليبي على المحك فحسب، بل تمديد المرحلة الانتقالية، وبما يهدد الدخول في أتون حرب أهلية واقتتال داخلي، ويبعد البلاد عن الانتخابات ربما لسنوات؛ لذلك تبقى المخاوف من أن تتحول هذه الانتخابات من وسيلة لتجاوز هذه الأزمة إلى أداة لتكريسها وربما تعميقها في ظل غياب قاعدة دستورية وقوانين توافقية، فالعملية الانتخابية تتطلب أولًا: دستورًا دائمًا أو قاعدة دستورية، وثانيًا: قوانين توافقية تضمن عملية نزيهة، وثالثًا: ضمان القبول بالنتائج، وهذا غير متاح في الوقت الحالي، والتي كانت السبب الرئيس في تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر. كما أنها بحاجة أيضًا إلى ضمانات وازنة من القوى الفاعلة في المنظومة الدولية كـ(الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا) حتى يمكن كبح التدخلات الخارجية السلبية في ليبيا لضمان نزاهة واحترام العملية الانتخابية وما تفرزه من نتائج، مع ضرورة تشديد العقوبات على المُعرقلين أو كل من يشكّل تهديد لها.
- التحديات الخارجية
يبدو واضحًا أن حجم التدّخل وحدّته التنافسية وزحمة الفاعلين الدوليين والإقليميين في الساحة الداخلية الليبية، اشتدّ في ظل عجز الأطراف الليبية عن التحرّك بصفة مستقلة، إذ لم تعد في ظل انقسامها قادرة على إدارة علاقاتها وتجاوز خلافاتها بصورة مباشرة، فدخلت البلاد في حرب بالوكالة لصالح أجندات دولية وإقليمية، أدّت تدخّلاتها إلى مزيد من تصلّب مواقف الفرقاء الليبيين، بحيث أسهمت سلبيًّا في تشظي الواقع الداخلي، وعززت من انقسامات الرأي السياسية، وتوسيع شرخ القوى الاجتماعية المتباينة، بما يحول دون تقاربها، لتذهب ليبيا بعدها منقسمة على نفسها بين شرق وغرب متناحرين، ممّا جعل خيار التسوية بين الفرقاء مشكلة يصعب فك رموزها وحلحلة كل تعقيداتها.
وتأتي مسألة إجلاء القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، قضية مهمة أخرى للحكومة الليبية، ومن أهم التحديات التي سوف تواجه الحكومة الليبية- خصوصًا وقد انتهت المهلة المحددة دون أن تتمكن اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، الناتجة عن اتفاق 25 أكتوبر 2020، من إجبار تلك القوات على مغادرة الأراضي الليبية، وهو ما ينبئ بإمكانية عودة الصراع المسلح .
برغم من التوافق الدولي والإقليمي على أهمية وضرورة تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات بحسبانها نقطة انطلاق نحو تحقيق التوافق الوطني، والحيلولة دون أن تتحول إلى سبب جديد من أسباب المواجهة والصراع، إلا أن عدم قدرة حكومة الدبيبة على التصدي للتحديات (السياسية، والأمنية، والاجتماعية)، إضافة إلى عدم توافر إرادة دولية حقيقية، فهناك أطراف عربية وإقليمية لا تريد للانتخابات والمصالحة الوطنية الليبية النجاح، كلها عوامل أسهمت في تعطيل سير العملية الانتخابية بل وتأجيلها إلى أجل غير مسمّى.
ثالثًا: الانتخابات الليبية كفرصة مهمَّة للخروج من الأزمة الراهنة:
لم يعد الليبيون بحاجة إلى تجار سياسة ولا أزمات، فالتجربة المريرة مع هذه النخبة السياسية مُحبطة، والأنجع لهذه المرحلة، لن يتأتى إلا من خلال الذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية تفرز نخب وطنية جديدة قادرة على إدارة المرحلة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية بنجاح- لا سيّما بعد فشل المجلس الرئاسي وحكومته في تدبير الشأن العام الليبي.
وعليه، لن يكتب لهذه الانتخابات النجاح ما لم يتفق الفرقاء الليبيون كافة على خارطة طريق مناسبة ووضع الترتيبات اللازمة لتهيئة الأجواء الملائمة لإجراء هذا الاستحقاق-لا سيّما وأن الخلافات لا تقتصر على فجوة التباين وعدم الثقة بين الفرقاء الليبيين فحسب، بل مرتبطة بالتدخلات الخارجية المؤثرة في الشأن الليبي.
وفي الحصيلة إن توفر إرادة حقيقية لدى الفرقاء الليبيين لتحقيق المصالحة وحشد الجهود والطاقات لمواجهة الأخطار التي تستهدف الدولة الليبية، كفيل بأن يدلل العقبات، ويفتح آفاقًا رحبة أمام دخول مرحلة جديدة من التعاون وتكامل الأدوار، وإعادة بناء المؤسسات السياسية والأمنية، والخروج من حالة الانقسام إلى غير رجعة. إن الرهان بالأساس يظل على عاتق الأطراف الليبية، وهي المستفيد الأول من الاتفاق السياسي، وهي المتضرر الأكبر من حالة التشرذم والصراع.
ومن المرجح أن تتزايد الضغوط الدولية على الأطراف المحلية والخارجية الفاعلة في المشهد الليبي، على التوافق حول موعد نهائي يحظى بدعم جميع الأطراف ويضمن تجنب الثغرات القانونية والتحديات الأمنية التي واجهت عملية التنظيم لأول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا.
ومن هنا، يبقى تعزيز فرص نجاح ليبيا والخروج من أزمتها الراهنة، يتمثل في الآتي:
- اعتماد الحوار والتوافق خيارًا إستراتيجيًّا من قبل القوى الليبية كافة، لا أن يكون خيارًا تكتيكيًّا مرحليًّا تفرضه متغيرات ومصالح آنية ضيقة.
- اعتماد الانتخابات المقبلة كنقطة انطلاق نحو تحقيق الوحدة الوطنية والتوافق الوطني، وإعادة ترتيب البيت الداخلي الليبي، والحيلولة دون أن تتحول الانتخابات من نقطة التقاء إلى نقطة تزيد من الهوة والخلاف.
- الضغط على الأطراف الخارجية لوقف تدخلاتها السلبية في ليبيا ومحاولاتها وضع العراقيل أمام إجراء الاستحقاق الانتخابي المقبل.
- مشاركة القوى الدولية الفاعلة في الإشراف على سير واستكمال العملية الانتخابية حتى نهاية حلقاتها، بما يضمن نزاهتها وشفافيتها، ويحول دون أي عملية تزوير لإرادة الناخبين، بحيث ينضوي في إطارها جميع شرائح المجتمع الليبي باختلاف توجهاته ومشاربه.
- قبول نتائج الانتخابات واحترام إرادة الشعب الليبي، في اختيار قياداته، وتجنب التعامل بازدواجية مع إرادة الناخبين ونتائج العملية الديمقراطية.