اتسم الاتفاق السعودي – الإيراني، الذي جرى الإعلان عنه في العاشر من آذار/ مارس الماضي برعاية الصين، بطابع سياسي وأمني، وقد يكون هذا أمرًا طبيعيًّا بالنسبة لغريمين يختبران إمكانية نجاح مسار السلام بينهما، على خلفية أجندات متعاكسة في السياسات الأمنية الإقليمية، وبالإضافة لامتداد الخلاف بين الطرفين على مساحة العقد الماضي، فقد امتد على رقعة جغرافية واسعة شملت (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن)، في صريح علني بين مشروعين: الإيراني القائم على نظرية الهيمنة الإقليمية بالاعتماد على أدوات طائفية وأنماط من حروب الميليشيات وتوسيع دوائر الفوضى في الجغرافيا المستهدفة لخلق بدائل “حكم الأمر الواقع” تابعة لإيران، مقابل المشروع السعودي الذي اتخذ في بداياته طابعًا دفاعيًّا بهدف الحفاظ على البيئة الإستراتيجية، أو ما يمكن تسميته (خواصر الأمن الوطني السعودي)، والتي هي بالطبيعة جزء من الأمن القومي العربي الذي تسعى إيران لاختراقه.
قبل جولة بكين، كان الطرفان قد التقيا، بين عامي (2021 و2022) على مدار خمس جولات في بغداد بوساطة رئيس الحكومة العراقية السابق “مصطفى الكاظمي”، ورغم أن المفاوضات بين الطرفين حققت التقدم في بعض النقاط، إلا أن ثمة عوائق بقيت بدون حل؛ إذ بدا أن المفاوض الإيراني لم يكن يمتلك التفويض اللازم للوصول إلى حل في مسائل إقليمية معقدة، وهو أمر تنبهت له الصين، التي ذهبت مباشرة إلى قلب صانع القرار الإيراني، أو ما يُسمى بالدولة العميقة في إيران، وبالإضافة إلى قيامها بكسر ما تبقى من عوائق في وجه المفاوضات، شكلت الصين- بوزنها الاقتصادي والعسكري للطرفين- ضمانةً قوية للاتفاق يمكن أن يسهم في استدامته كما يمكنها صيانته، وخاصة إذا حاولت إيران التفلُّت من مخرجاته، باعتبار الصين باتت تمثل رئة إيران والمستورد الأساسي لنفطها.
سياق الاتفاق.
لقد ساهمت مجموعة من المتغيرات في التوصل إلى الاتفاق السعودي- الإيراني، ولعل أهمها المتغيرات الهيكلية الحاصلة في النظام الدولي، والذي يعبر عنه تصاعد المطالب بإعادة توزيع القوى في العالم، ومساعي الصين وروسيا لإشغال مساحات جديدة في النظام الدولي، وقد دفع ذلك باللاعبين الإقليميين إلى البحث عن أدوار جديدة، وخاصة وأن الصراعات الدولية منحت اللاعبين الإقليميين قيمًا مضافة، نتيجة الحاجة العالمية للنفط والتأييد السياسي في ظل حالة استقطاب شرسة أنتجتها الحرب الروسية في أوكرانيا، والتوتر الحاصل في بحر الصين.
بيد أن التغير الأكثر أهمية، يتمثل بتركيز اللاعبين الإقليميين على التنمية والالتفات لترتيب البيت الداخلي، الأمر الذي يستدعي حتمًا تبريد الصراعات، أو البحث عن مقاربات مختلفة لإدارتها بطريقة مختلفة تضمن من خلالها ضبط صراعاتها وتحويلها إلى قناة الدبلوماسية الأكثر مرونة وقدرة على استيعاب الخلافات وإدارتها.
لقد سبقت السعودية هذه التغيرات بشوط عبر إعادة ترشيق سياساتها لتواكب توجهات صانع السياسة السعودية في سياق خطة تنموية بسقوف زمنية محددة، رؤية 2030، سيضمن نجاحها إلى حدٍ كبير وضع المملكة على خريطة القوى الدولية المؤثرة في السياسات العالمية، ولإنجاح هذه الديناميكية كان لابد من وضع منهاج للسياسة الخارجية يرتكز على الحياد تجاه الصراعات الدولية، وتوسيع دائرة الخيارات في العلاقات الخارجية وعدم حصرها بطرفٍ واحد، أيًّا كان موقعه في تراتبية القوى في النظام الدولي، ويرتبط كل ذلك بإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية الأولوية، وجعلها معيارًا أساسيًّا لتوجهات السياسة الخارجية.
في هذا الإطار، يستوجب التنبه لمسألة مهمة، أن السياسة السعودية الجديدة تم بناؤها على أساس قراءة عميقة للتحولات الجارية في العالم اليوم، وحاجتها لتطوير بناها الاقتصادية والتقنية، من هنا كان التنوع في العلاقة، حيث وجدت في الصين وروسيا مرونة أكثر من الطرف الأمريكي في نقل التكنولوجيا، دون أن يعني ذلك أن الرياض قطعت علاقاتها بشكلٍ نهائي مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتقاطع معها في مصالح مشتركة عديدة، وخاصة على المستوى الأمني.
الأسباب الإستراتيجية للاتفاق السعودي- الإيراني.
يستدعي فهم طبيعة الاتفاق الذي توصلت له السعودية وإيران، معرفة حسابات الطرفين، والأسباب التي وقفت وراءه.
الأسباب السعودية:
أولًا: تغير الحسابات الأمنية جراء خروج الولايات المتحدة الأمريكية من معادلة الأمن في الخليج العربي، ورغم نفي الدوائر الأمريكية ذلك، وتأكيد المسؤولين الأمريكيين استمرار دعمهم لأمن دول الخليج العربي، إلا أن الوقائع سارت منذ سنوات عديدة- وتحديدًا منذ فترة حكم إدارة باراك أوباما- عكس ما يدعيه الأمريكيون؛ حيث خفّفت واشنطن التزامها بأمن الخليج عبر إستراتيجية أوسع تقوم على فك الارتباط بالشرق الأوسط لصالح مشروع مواجهة الصين في المحيط الهادي، وكانت حادثة استهداف مجمع أرامكو، عندما استهدفت طائرات مسيرة أحد أهم المصالح الاقتصادية السعودية، والاستجابة الأمريكية السلبية لهذا التطور الخطير_ مؤشرًا مهمًا للقيادة السعودية عن المدى الذي وصلت له عملية الانفكاك الأمريكي عن الأوضاع الأمنية في منطقة الخليج.
وثمة عامل أمني آخر كان له دور مهم في الحسابات السعودية، ويتمثل بالتصعيد الحاصل بين (إسرائيل، وإيران)، وخاصة بعد وصول حكومة متطرفة في تل أبيب، مقابل حكومة إيرانية متشددة بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا في إيران، وفشل التوصل إلى تفاهم حول الملف النووي بين (إيران، والولايات المتحدة الأمريكية)، وظهور مؤشرات عن احتمال قيام إسرائيل بتوجيه ضربات للمنشأة النووية الإيرانية، الأمر الذي من شأنه وضع المنطقة كلها على حافة الحرب، وهو ما لا مصلحة فيه للسعودية، مع احتمال تعمد أحد طرفي الصراع توريط دول الخليج العربي في الصراع بينهما.
ويدخل في الحسابات الأمنية السعودية نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في الغلاف الأمني السعودي، اليمن، وفي الإطار الخليجي نفسه، من خلال دعمها لأطراف طائفية في ظل مشروع إيران القائم على “المركزية الشيعية”، وهذه المسألة على خطورتها لا تدخل ضمن اهتمامات الغرب الأمنية، وكان على السعودية تحييد الخطر الإيراني وتخفيض فاعلية إيران في هذا الملف إلى أبعد الحدود، أولًا عبر سياسات وطنية تجاه مختلف المكونات، والتوصل إلى الاتفاق مع إيران يركز بالدرجة الأولى على عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ثانيًا: تغير ترتيب الأولويات، إذ ليس سرًا أن السياسات السعودية ركّزت في العقد الماضي على مواجهة الصراع الجيوسياسي ومواجهة مخططات إيران وأطماعها، وهو صراع استهلك قدرات سعودية هائلة في مواجهة طرف لا يهتم كثيرًا بالخسائر البشرية ولا بمستوى تطور بناة الاقتصادية والتقنية، في عالم أصبح فيه وزن الدول يتم احتسابه بالتطور التكنولوجي والتنمية الاقتصادية بدرجة أساسية.
وفي هذا السياق، بدأت السعودية إجراء تحولات واسعة في البرامج الاقتصادية والاجتماعية؛ لتطبيق رؤية 2030، التي يتوقع أن تشكّل نقلة نوعية بالأوضاع السعودية وتحويلها إلى أحد الأطراف الفاعلين في النظام الدولي في القرن الحالي، ولم يكن ممكنًا العبور إلى هذه العتبة بدون تبريد ساحات الصراع، والتوصل إلى توافق مع إيران التي تعتبر المحرك الأساسي لأغلب أزمات الإقليم التي تتشابك فيها مع السعودية، بمعنى أن التحرك السعودي باتجاه عقد الاتفاق مع إيران يستهدف بدرجةٍ كبيرة تأمين الاستقرار على مساحة الإقليم، الذي يشكل عمقًا للمصالح الأمنية والاقتصادية للمملكة.
وشكّل وجود مصالح اقتصادية وأمنية للصين بين طرفي الاتفاق، عاملًا مساعدًا في تشجيع المملكة على الانخراط في التفاهم؛ ذلك أن ما تملكه الصين من نفوذ اقتصادي على إيران يحتم على الأخيرة الالتزام بالاتفاق ومخرجاته.
ثالثًا: شكلت مؤشرات خارطة التفاعل الدولي تنبيهًا للسعودية، إذ فيما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضبط هذه التفاعلات بما يتوافق مع مصالحها، وبدون مراعاة مصالح وظروف اللاعبين الدوليين والإقليميين_ فإن الأطراف الدولية الصاعدة، وخاصة الصين، قدمت عروضًا مغرية للَّاعبين الإقليميين تشمل تقديم خدمات أمنية ومصالح اقتصادية، في الوقت الذي أرادت فيه واشنطن تحقيق أعلى قدر من المكاسب من شركائها للحفاظ على هيمنتها على النظام الدولي، وقد أدرك صانع القرار السعودي طبيعة اللعبة ومحاولات واشنطن دفع حلفائها للتورط في صراعات مع أطراف أخرى، وهو ما كشفته طريقة إدارتها للصراع في أوكرانيا التي اضطرت بشكلٍ كبير بحلفائها الغربيين، دون وجود مخارج، لأزمة قد تفجر حربًا عالمية ثالثة.
الأسباب الإيرانية:
أولًا: احتمالات دخول إيران في حروب، سواء مع أمريكا أو إسرائيل، نتيجة تعقّد الحلول في الملف النووي، أحد أهم الدوافع الإيرانية للتوصل إلى اتفاق مع السعودية، فبعد بلوغ إيران مستويات عالية من التخصيب النووي ووجود تقديرات أمريكية وإسرائيلية عن اقتراب إيران من العتبة النووية، زادت احتمالات الحرب بنسبة عالية، وتدرك طهران أن دخولها مثل هذه الحرب في ظل علاقات إقليمية متوترة- وخاصة مع دول الخليج التي تشكل خاصرة أمنية مهمة لإيران- ستكون نتائجه سلبية عليها، وستضعف قدرتها على المناورة بدرجة كبيرة.
هذه المخاوف، محمولة على قلق إيراني من تنامي العلاقات الخليجية – الإسرائيلية عقب توقيع اتفاقيات أبراهام، وتقدير إيران باحتمال انضمام السعودية لها، ما يعني تشكّل هيكل أمني في منطقة الخليج يضر بمصالح إيران الأمنية إلى أبعد الحدود، سرّع ذلك من توجه إيران للتوصل إلى الاتفاق مع السعودية، وفي حساباته أيضًا أن الاتفاق من شأنه تهدئة الصراعات في مناطق النفوذ الإيراني للحفاظ على المكاسب التي حققتها طهران، وخاصة في (العراق، وسوريا، ولبنان).
ثانيًا: الأوضاع الإيرانية الداخلية، حيث يواجه نظام الحكم الإسلامي موجات احتجاج غير مسبوقة على مدار شهور، كشفت إلى حدٍ بعيد مدى ضعف وهشاشة الترتيبات الداخلية الإيرانية في مجتمع متعدد الأعراق والتوجهات، وقد أضعفت هذه التحولات الداخلية قدرات إيران على المناورة في الخارج، والأهم من ذلك، اكتشفت طهران أن بإمكان الفاعلين الأخرين التأثير بديناميكاتها الداخلية، ربما بما يوازي وأكثر تلاعبها في أمن الدول المحيطة، وتشك إيران بدرجة كبيرة بدعم السعودية للمنابر الإعلامية الفارسية التي كان لها تأثير فاعل في تزخيم الأحداث الداخلية، الأمر الذي وضع بيد السعودية أوراقَ تفاوض قوية في مواجهة إيران دفعت الأخيرة إلى الرضوخ للتوافق بين الطرفين.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ بات النظام الإيراني يدرك أنه بحاجة لتقديم بعض المزايا للداخل ليستمر في الحكم، مع إدراكه صعوبة الاستمرار في القبض على السياسة دون تحقيق بعض الانفراجات الاقتصادية، على الأقل للحفاظ على البيئات الحاضنة له، وبالتالي فإن الاتفاق مع السعودية قد يؤدي إلى التخفيف من الإنفاق الإيراني على المسائل الأمنية لصالح ضخ الإيرادات- الضعيفة أصلًا نتيجة العقوبات المفروضة على إيران- في عناصر التنمية الداخلية وإشباع الحاجات الأساسية للمواطن الإيراني.
وتستطيع حكومة رئيسي الاتكاء على الاتفاق؛ لاكتساب بعض المصداقية لدى الشارع الإيراني؛ ولإثبات أن إيران تتجه لمقاربات جديدة في سياساتها الخارجية، التي كان أحد أسباب الاعتراض الداخلي من أجل التوصل لحلول للأزمات الاقتصادية.
ثالثًا: تعتقد إيران أن زيادة مساحة التأثير الصيني في الأمن الخليجي ستكون على حساب النفوذ الأمريكي، وبالتالي فكل ما تكسبه الصين من مزايا في المنطقة سيقابله إضعاف للتأثير الأمريكي، بما يعنيه ذلك من إضعاف للهيكل الأمني الذي صنعته واشنطن في المنطقة، وبالتالي فإن الانخراط في توافقات ترعاها الصين مكسب إستراتيجي مهم لإيران على المدى القريب والمتوسط.
ما بين التصوّر والواقع:
ثمة رهانات كبيرة على فعالية الاتفاق السعودي – الإيراني، تنطلق من تصوّر قدرته على نزع فتائل الصراع في- وأكثر من ذلك- إعادة صياغة التوجهات السياسية للفاعلين الإقليميين، وبالتحديد إيران، بما يمكّن من إجراء تحولات شاملة في سياساتها تنقل المنطقة إلى ضفة أخرى(السلام والتنمية)، بعد عشرية دامية لم يخرج أحد منها رابحًا، وخاصة شعوب المنطقة التي دفعت أثمانًا باهظة على هامش الأطماع الجيوسياسية لإيران ومشروعها للسيطرة على المنطقة، بعد أن وجدت لديها فائض قوّة لا يمكن تصريفه سوى في المقلب العربي الضعيف نسبيًّا مقاربة بالتخوم الإيرانية الشرقية والشمالية(آسيا الوسطى، وتركيا).
وتذهب بعض الرهانات إلى أن هذا الاتفاق سيشكل إطارًا مركزيًّا لهيكل أمني جديد يضم إيران إلى جانب العرب؛ لتعزيز الثقة والتوافق بين هذه الأطراف، كما سينعكس هذا الاتفاق بشكلٍ فوري على الساحات التي شهدت كثافة دامية نتيجة تغلغل النفوذ الإيراني (اليمن، سوريا، ولبنان)، بما يسمح للنخب السياسية في هذه البلاد التوصل لحلول سياسية للخروج من الأزمات المعقّدة، التي ساهمت يد إيران الثقيلة بتوسيع تصدعاتها، وزيادة حدة التباعد بين الأطراف السياسية والمكونات الاجتماعية في هذه البلاد.
فإلى أي مدى تبدو هذه التصورات واقعية، وما هي الآفاق التي يمكن للاتفاق السعودي – الإيراني بلوغها؟
أولًا: يبدو من سياق الاتفاق وظروف انعقاده والتصريحات الصادرة عن أطرافه، أنه أداة تكتيكية لخفض التصعيد بين (السعودية، و إيران)، خدمة لمصالح كل طرف ومنحه الفرصة للالتفات لأولويات باتت ملحة على الجانبين، مشروع 2030 بالنسبة للسعودية، وترتيب الأوضاع الداخلية بالنسبة لإيران، وبالتالي فإن الاتفاق ليس صفقة كبرى يتم من خلالها التوافق الشامل على حل جميع الخلافات، بل هو نمط من ” السلام البارد”، الذي قد يشبه تجربة السلام بين (إسرائيل، والدول العربية).
ثانيًا: الاتفاق أداة جيدة، في حال نجاحه، في إدارة التنافس بين الطرفين بأقل قدر من الخسائر، دون أن يعني ذلك حصول تغيير في الحسابات الإستراتيجية لدى طرفيه، وبالتالي يصبح من غير المرجح تحوّل البيئة الأمنية بشكّلٍ كبير في المرحلة المقبلة.
ثالثًا: ثمة خلافات كبيرة بين الطرفين اللذين لديهما رؤى مختلفة لمنطقة قابلة للاشتعال على الدوام، وبالتالي فإن ما يمكن التوصل له هو مؤقتًا التفاهم على رسم حدود للاشتباك وقواعد تواصل تحت رقابة وإشراف ضامن خارجي.
رابعًا: من غير المرجح أن تغير إيران من سياساتها في دعم أذرعها في المنطقة؛ لما لذلك من أهمية في سياسات الردع التي تنتهجها إيران في المنطقة، في ظل وجود جيش ضعيف لديها يصعب الاعتماد عليه في الحروب الحديثة، وستظل هذه المسألة نقطة خلافية مع السعودية، كما من غير المتوقع استغناء إيران عما تعتبره أوراق قوّة في المنطقة، استثمرت فيها طويلًا وغاليًا، ولا يمكنها أن تتراجع عما تعتبره مكاسب جيوسياسية في (اليمن، ولبنان، وسوريا).
خامسًا: تدرك السعودية حقيقة التفكير الإيراني والركائز المؤثرة في ذهنية النخب السياسية الإيرانية، والتي من الصعب التراجع عن طموحات السيطرة لديها، وتحاول عبر الاتفاق مع إيران تغيير اتجاهات تفكير هذه النخب، وتعويم القوى المعتدلة على حساب القوى المتشددة التي تعيش على الصراعات والتوترات، لذا فإن السعودية تجد أن بديل عزل إيران، احتواؤها وإشراكها في ترتيبات أمنية قد يحدث فارقًا في التوجهات السياسية الإيرانية في المرحلة المقبلة.
وفق ذلك، فإنه يتوجب التعاطي بواقعية مع الاتفاق السعودي – الإيراني، وعدم رفع سقف الرهانات عليه، تدرك السعودية هذه المسألة جيدًا؛ لخبرتها الطويلة والعميقة في التعامل مع النظام الإيراني؛ لذا لم تذهب بعيدًا في الرهان على هذا الاتفاق، بل أصرت على وضعه على محك الاختبار، والمؤكد أن السياسات الإيرانية في اليمن ستكون محطة الاختبار الأهم في هذا السياق.