2022الحرب الأوكرانيةالعدد 191

الاندفاع الأوروبي لدعم أوكرانيا  بضغط أمريكي أم بإستراتيجية مخططة

مقدمة:

دخل الغزو الروسي لأراضي جمهورية أوكرانيا شهرَه السابع، وبعد أن أعلنت القيادة الروسية في البداية -التي كانت في 24 شباط / فبراير الماضي- بأن ما أسمته بـ”العملية العسكرية المحدودة” ستنتهي خلال أيام قليلة، تبدَّى بأن الرمال المتحركة الأوكرانية نجحت في إظهار سوء حال القوات المسلحة الروسية عُدّةً وعتادً، فتم دحرها من عدة محاور قبل أن يتم تركيز تموضعها على جبهات الشرق الأوكراني كما المدن الساحلية الإستراتيجية المطلة على البحر الأسود، وقد هيمنت هذه الحرب على الحدث العالمي وصارت تفاصيلها وتطوراتها وعواقبها موادًا أساسية لتغذية محور النسخة الجديدة من العلاقات الدولية. وبالتالي، فقد ساهمت هذه الحرب المستمرة- والتي لا يبدو بأن نهايتها ستكون في الأجل القريب- في العمل على إعادة فتح عدد كبير من الملفات الإقليمية والدولية التي خُيّل للجميع بأنها ذهبت إلى الأرشيف مع نهاية الحرب الباردة وتبعاتها في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي.

مع بدء العمل العسكري الروسي تسارعت ردود الأفعال غربيًّا وعالميًّا،  كما تغيرت عناصر عدة تساهم في فهم وتوضيح مواقف التحالفات الدولية القائمة. سيحاول هذا النص أن يحدد مدى استقلالية الموقف الأوروبي عن الموقف الأمريكي وهو الموقف الذي طالما وُصم بالتبعية، وفي أحسن الأحوال، بالعجز عن التميّز والتمايز عنه، خصوصًا فيما يتعلق بالوضع الدولي المؤثر تأثيرًا مباشرًا على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، كما يستطلع هذا النص أهم العوامل والمحددات التي تساهم في التمييز بين الموقفين قبل وفي أثناء الصراع، إن وجد.

حرب عدوانية في أوروبا:

بدءًا من العام 2021، وبعد مرور سنوات على انفجار التوتر السياسي والعسكري الذي تمخضت عنه اشتباكات مسلحة في شرق أوكرانيا بدعم روسي لميليشيات انفصالية، كما نجم عنها ضم جزيرة القرم الأوكرانية لروسيا في العام 2014، حشدت روسيا قواتها بشكلٍ كثيف على القرب من حدود روسيا مع الطرف الشرقي لأوكرانيا، وقد نجَم عن هذا الانتشار وهذه الحشود حالة من القلق الشديد في الداخل الأوكراني، ولكن أيضًا لدى الدول الأوروبية وصولًا إلى دول العالم قاطبة. وفي 21 شباط / فبراير 2022، وبعد مرور أسابيع عدة ساد خلالها مناخ من التوتر الشديد، أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عن قراره بأن تعترف جمهورية روسيا الاتحادية باستقلال كيانات منطقة “أوبلاستز Oblasts” الأوكرانية، والتي تضم المقاطعتين الانفصاليتين الأوكرانيتين في شرق البلاد “دونتيسك Donetsk ” و”لوهانسك Louhansk” واللتين تخرجان عن سيطرة الحكومة المركزية في كيف منذ سنة 2014؛ حيث تسيطر عليها إدارات وميليشيات مقرّبة من سيد الكرملين. وقد ترافق ذلك الإعلان مع تحرك قوات عسكرية روسية للانتشار والتموضع في هذه المنطقة، وقد استند بوتين من خلال إصداره غير المفاجئ لهذا الإعلان الرئاسي على تصويت أعضاء الدوما الروسية- وهي الغرفة السفلى من البرلمان الروسي- بالموافقة على توجيه طلب إلى الكرملين بهذا الخصوص، ومن المعروف بأن الدوما يخضع بشكلٍ مباشر إلى إرادة الكرملين دون أي تمثيل يُذكر للمعارضة الروسية. وفي يوم 24 شباط / فبراير، بدأ غزو قوات جمهورية روسيا الاتحادية لأراضي جمهورية أوكرانيا.

خلاف أوروبي / أمريكي في التوقعات:

قبل وقوع الغزو الفعلي من قبل القوات الروسية للأراضي الأوكرانية، واظبت القيادات السياسية ووسائل الإعلام في مجمل العواصم الأوروبية على التشكيك بإمكانية وقوع اعتداء فعلي من قبل روسيا على جارتها الأوكرانية، وعند حديث الأوكرانيين وتنبيههم فيما يتعلق بالوجود الملحوظ بالعين المجردة للحشود العسكرية الروسية وتحركاتها المريبة على طول الحدود، كان المراقبون الأوروبيون يسارعون للتأكيد – وبثقة عمياء – على أنها مجرد تدريبات عسكرية روتينية، وهي بالتأكيد – حسب استنتاجاتهم – لا تخلو من استعراض قيادة الكرملين للعضلات بهدف محاولة التأثير على مفاوضات سياسية مرتقبة بين البلدين الجارين. ولقد اُعتبرت كثير من التصريحات الصادرة عن سياسيين ومحللين أوروبيين، بأن معلومات واشنطن التي كانت تشير إلى خطر غزو داهم مبالغ فيها وتنقصها الدقة، وقد حضر كاتب هذه السطور جانبًا من هذا الجدل البيزنطي في قمة ميونيخ الأمنية الأخيرة التي انعقدت عشية الغزو الروسي. وفي هذا الإطار، كان واضحًا وجود توجهين غربيين اثنين، لا ثالث لهما: أولهما، هو التوجه الأوروبي الذي يشكك بشدة- ويكاد ينفي- إمكانية وقوع أي عمل حربي روسي في الأجل القريب على أقل تقدير. وثانيهما، هو التوجه الأمريكي الذي يؤكّد حتمية وقوع الغزو الروسي المشار إليه وفي أجل قريب جدًا، حتى أن واشنطن كادت أن تعطي- وبالتفصيل- معلومات دقيقة عن ساعة الصفر وحجم الحشود ونوع الأسلحة ومحاور التقدم.

وفي اليوم الأول للقمة، أي في 18 شباط / فبراير، اتصل([1]) الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بعدد من قادة حلف شمال الأطلسي الأوروبيين لإعلامهم بنتائج التحليلات الأمنية والعسكرية الأمريكية الأخيرة التي توصلت إليها أجهزة الحكومة الأمريكية، وقد صرّح إثر ذلك للصحفيين في قاعة روزفلت في البيت الأبيض، بأنه و “انطلاقًا من هذه اللحظة، أنا على قناعة كاملة بأن الرئيس فلاديمير بوتين قد اتخذ قراره بالقيام بغزو أوكرانيا، لدينا الأسباب لكي نصدق ذلك”([2]). في المقابل، أغلب القادة الأوروبيين كانوا مصرِّين على عدم الاقتناع بأن ضربة روسية هي قيد التحضير، وقد صّرح أحدهم على هامش نقاشات القمة، “بأننا لا نملك أية أدلة واضحة تشير إلى أن بوتين قد اتخذ قراره بغزو أوكرانيا، كما أننا لم نلمس أي شيء يمكن أن يدل على عكس ذلك”([3]). لقد كان البريطانيون هم الأوروبيون الوحيدون الذين صدقوا التحذير الأمريكي وتعاملوا مع الملف على هذا الأساس، على عكس بقية الدول الأوروبية.

لقد بالغ الأوروبيون باعتقادهم بإمكانية الوصول إلى حل دبلوماسي مع بوتين، وقد دفع هذا الرهان الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” للاتصال بشكلٍ شبه يومي بالرئيس بوتين والذهاب إلى موسكو قبل وقوع الغزو، وفي أثناء أسابيعه الأولى، سعيًا إلى عقلنة السياسة الروسية كما اعتقد، ولقد باءت كل محاولاته بالفشل الذريع إضافة إلى تعرضه إلى معاملة غير لائقة من قبل زعيم الكرملين. إن الأميركيين، وعوضًا عن أن يضعوا أنفسهم في عقل القيصر الروسي الجديد، قرروا أن يتصرفوا بِناءً على المعطيات التي توفرت بين أيديهم والتي زودتهم بها أجهزتهم الاستخباراتية.

خابت توقعات -أو بالأحرى تمنيات- الأوروبيين من سياسيين ومراقبين، والتي اعتمدت أساسًا على التفكير الرغبوي المكبوت كما واستبعدت التحليل البارد للمعطيات العملية المرتبطة بالمشهد العام، وتفادت الاعتراف بفاعلية الروح التوسعية للامبريالية الروسية الجديدة. فدول أوروبا عمومًا تحاول أن تُبقي على علاقات اقتصادية وطاقوية في حدودها المريحة للاقتصاد الأوروبي المتضعضع بعد عبور عامين من الكساد المرتبط بالوباء الكوفيدي الشديد. ويعتبر الأوروبيون بأن روسيا ذات أهمية اقتصادية قصوى لها، انطلاقًا من عناصر أساسية من أهمها مصادر الطاقة الغازية والنفطية الواردة من روسيا، والتي تغذي بنسب متفاوتة العدد الأكبر من الدول الأوربية.

 إضافة إلى السوق الهائل للاستهلاك الذي تقدمه روسيا للصناعات الأوروبية مما حمل عددًا لا بأس به من أهم هذه الصناعات على الاستثمار في المشهد الروسي كمعامل السيارات مثلًا. إضافة إلى ذلك، ومع توسعة الاتحاد الأوروبي، تم ضم دول معروفة تقليديًّا بقربها من موسكو كـ(المجر، ورومانيا، وبلغاريا). ومهما كانت جاذبية الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والتنموية قوية، يبقى قيصر موسكو ذو هيبة وهيمنة بين السطور وما وراء الكلمات لدى البعض في أوروبا الغربية الجديدة الذين تأثرت ثقافتهم السياسية بعقود الهيمنة السوفيتية من دون إرادة واضحة. أضف إلى ذلك، الإعجاب المتزايد بالحزم البوتيني لدى فئات كبيرة من الرأي العام الأوروبي الباحث عن المستبد المسيطروالحازم، صنفٌ من وهْم السياسات، وهو الذي تتزايد الحاجة إليه مع تقهقر الحالة الاقتصادية وتخلخل مؤسسات الدولة الوطنية وتراجع العملية الديمقراطية وتفاقم الخطاب السياسي الشعبوي، الذي يلجأ إليه القادة على هامش الأزمات السياسية والاقتصادية.

الإدانة والمساعدة بين أوروبا والولايات المتحدة:

سارع الاتحاد الأوروبي ممثَّلًا بمؤسساته كافة للتعبير عن إدانته الشديدة لقرار الرئيس الروسي بالاعتراف باستقلال المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون الأوكرانيون الناطقون بالروسية، كما ندّد الاتحاد الأوروبي بغزو القوات الروسية لأراضي أوكرانيا دون أي مبرر يُذكر، كما شدّدت مؤسسات الاتحاد على أنه لم يسبق هذا العدوان العسكري الروسي أي عمل تحريضي من الجانب الأوكراني يسمح لموسكو باتخاذه كحجة للتدخّل المباشر، كما أشارت البيانات الرسمية الأوروبية إلى الدور السلبي لجمهورية بيلاروسيا ومشاركة بعض قواتها غير المباشرة في هذا الاعتداء على القانون الدولي وعلى سيادة جمهورية مستقلة ذات سيادة كأوكرانيا، وقد فنّدت الأجهزة الرسمية الأوروبية بالتوافق مع الإدارة الأمريكية_كل الحجج التي تقدمت بها موسكو من أجل أن تدخلها ثم التحريض عليها غربيًّا بالإعلان عن قرب انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، كما الإشارة إلى أن هذا التدخل يهدف إلى القضاء على مجموعات “نازية” تعبث بحقوق الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية في المناطق الشرقية للبلاد.

لقد أوضحت الإدارات الغربية وبإجماع قلَّ نظيره أن مسألة انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي- وإن تمت الإشارة إليها أوكرانيًّا بعد الاعتداء الروسي سنة 2014 وضم شبه جزيرة القرم- بما لا لبس فيه انعدام مثل هذه الفرصة، وتبين وضوح هذا الموقف خصوصًا من الاعتراض الشديد الذي تقدمت به كلًّا من (فرنسا، وألمانيا). فالحجة الأولى إذًا، ضعيفة إلى حد الزوال، أما بخصوص القضاء على مجموعات “نازية” توصم بها حركات وطنية أوكرانية، فالتوجهات المتطرفة عمومًا نحو اليمين في أوروبا تجد لها صدىً واسعًا لدى الإدارة الروسية؛ حيث لا توجد قوى غربية تجاريها في ذلك، ومجمل أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي لديها صداقات حزبية وشخصية، إضافة إلى علاقات مالية مع الإدارة الروسية، وخير مثال في ذلك، علاقة مارين لوبين الرئيسة السابقة لحزب التجمع الوطني الفرنسي بالمصارف الروسية والتي خوّلتها الحصول على قروض ميسرة من مصارف مقربة من الكرملين، كما يمكن الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف “فيكتور أوربان” مع فلاديمير بوتين ومناكفته لكل قرارات الاتحاد الأوروبي الذي يضم المجر خصوصًا فيما يخص الموقف من روسيا. وأخيرًا، وكما تتوقع استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات التشريعية الإيطالية المسبقة التي ستُجرى خلال أسابيع، فاليمين المتطرف الإيطالي “صديق بوتين” له أكبر الحظوظ بالسيطرة على الحكومة الإيطالية المقبلة.

منذ شباط / فبراير 2022، يعقد مجلس أوروبا ومجلس الاتحاد الأوروبي اجتماعات بشكلٍ منتظم لمناقشة تطورات الوضع في أوكرانيا، ولإقرار حزم عقوبات جديدة بحق جمهورية روسيا الاتحادية ومن يتعاون معها في هذا العدوان وعلى الأخص جمهورية روسيا البيضاء، وقد بلغت الحزم حتى شهر آب / أغسطس، عدد ست حزم طالت المؤسسات المالية والاقتصادية كما الأشخاص الذين ثبت عملهم لصالح سياسات الكرملين، كما عملت المؤسسات الأوروبية المتنوعة على وضع الخطط العملية لتخفيض الحاجة للغاز الروسي ووضعت جدولًا زمنيًّا لهذا. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من تعنت دولة المجر في قبول العقوبات على موسكو، إلا أن الاتحاد الأوروبي نجح في إظهار نوع من وحدة الموقف السياسي وحتى العسكري فيما يتعلق بملف أوكرانيا، في حين كان الرهان الروسي يتمركز حول صعوبة اتفاق 27 دولة، عضو له فيها أصدقاء مقربين كالمجر أو لها مصالح اقتصادية مهمة معه كإيطاليا، أو لها ارتباط حيوي بغازه كألمانيا. 

الخطر الروسي على الغرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا:

أجمعت التقارير- السياسة التي أصدرتها كبريات مراكز الأبحاث الأوروبية كما الأمريكية -على أن خطر العملية العسكرية الروسية سيكون أكثر تأثيرًا على أوروبا منه على الولايات المتحدة الأمريكية. فمن الناحية العسكرية، رمال أوكرانيا المتحركة، والتي أحرجت العنجهية الروسية، ربما تدفع ببوتين إلى ارتكاب مغامرات عسكرية سيكون لها انعكاسات على المحيط الأوروبي من خلال اللجوء لاستخدام الأسلحة الإستراتيجية بعيدة المدى والتأثير، كما أن سياسات بوتين التوسعية في الدول المحيطة لا يمكن لها أن تقف عند حدود أوكرانيا حتمًا. وقد تم تداول سيناريوهات عدة مرعبة تتعلق بطموحات إقليمية أوسع للسياسة الروسية، وقد دفع هذا دولًا أوروبية تميزت بحياد عسكري تاريخي كـ(فنلندا، والسويد) إلى طلب الانضمام المستعجل إلى حلف الأطلسي، كما دفع بألمانيا التي التزمت غداة انتهاء الحرب الكونية الثانية بعدم بناء جيش مقاتل إلى إقرار موازنة ضخمة تتجاوز 100 مليار يورو لبناء جيش حقيقي محترف يمكن له أن يواجه التمدد الإمبريالي الروسي في القارة الأوروبية.

واشنطن تعزّز من الدفاعات الأوكرانية بشكلٍ واضح وبكميات كبيرة، في حين يزود الأوروبيون كييف ببعض الأسلحة والذخائر؛ والسبب الرئيس لهذا الشح التسليحي النسبي -مقارنة مع أمريكا- هو اكتشاف الأوروبيين بأن مستودعاتهم لا تضم ما يكفي من الذخيرة وهذا أثار رعبًا حقيقيًّا لدى رجالات الجيوش الأوروبية الذين اتهموا في مجالسهم الخاصة السياسيين بتخفيض مخصصات الدفاع والتسلح على حساب الأمن القومي.

بعض التقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستعجل إنهاء المعارك رغبة منها في دفع بوتين إلى الغرق أكثر في معاركه الجانبية مع جيرانه وإضعاف اقتصاده، وبالتالي اخضاعه لهيمنة القطب الواحد الأمريكي، ولكن تبقى هذه التحليلات مبالغًا بها وتسعى لتبيان التمايز بين موقفي (أمريكا، وأوروبا). كما يعتقد البعض بأن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ستدفع بالدول الأوروبية إلى مضاعفة الاعتماد على الحماية الأمريكية. وهذا الاعتقاد لا يمكن الحسم فيه، خصوصًا أن هناك دعوات قوية في المشهد السياسي الأوروبي لإنشاء قوة إقليمية مختلفة عن قوات حلف شمال الأطلسي تُعنى حصرًا بأمن وسلامة القارة الأوروبية وترفع عنها الارتباط العضوي مع أمريكا تسلحًا وسياسة. ومن الناحية الاقتصادية، فيبدو أن تأثير الحرب أقل نسبيًّا على واشنطن منه على عواصم أوروبا. وأخيرًا، لا تعتمد واشنطن أبدًا على مصادر الطاقة الروسية، مما يحررها من أية رغبة في استعجال حسم المسألة.

خاتمة:

تختلف المدارس في قراءة ما ستؤول إليه العلاقات الدولية بعد هذا المخاض. فمن جهة، تروّج بعض الدراسات إلى أنه سيكون من الضروري القيام بإعادة ترتيب المفاهيم التأسيسية للعلاقات بين القوى المهيمنة على العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج الصراع الروسي – الأوكراني الحالي، الذي يهدف إلى تمكين موسكو على حساب قوت وحيوات شعبها أولًا كما شعوب الدول التي تعتدي عليها ثانيًا، من إثبات علو كعبها في المشهد الدولي. ومن جهة أخرى، تميل دراسات أخرى إلى الحسم في اعتبار بأن نتائج هذا الصراع القائم في أوروبا ستكون في صالح عودة الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة ولو بطريقة غير مباشرة على السياسة الدولية. وتبقى الشعوب هي التي تدفع الثمن الأكبر، فتغيب الحقوق الأساسية في العيش بسلامٍ وأمان، كما تتصاعد قوة السلطات الاستبدادية في دول الجنوب بدعم من قوى شعبوية في دول الشمال.


([1])  https://www.washingtonpost.com/national-security/interactive/2022/ukraine-road-to-war/?itid=hp-top-table-main 

([2]) نفس المصدر السابق

([3]) نفس المصدر السابق

اظهر المزيد

د. سلام الكواكبي

باحــث سوري في العلوم السياسية - فرنسا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى