تشهد السياسات الدولية تحوّلات واضحة في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي من المقدر له أن ينعكس على الصراعات والتحالفات القائمة في المنطقة، وقد شهدت المنطقة على مدار العقد الأخير تحوّلات إستراتيجية في سياسات النظام الدولي في المنطقة وَضعت المنطقة العربية في حالة من الانتقال وعدم الاستقرار، وباتت مرتبطة بالتفاعلات الدولية وعلاقات الفاعلين بعضهم ببعض.
وتَدْخُل المنطقة العربية مرحلة جديدة مع قدوم إدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) بما تحمله من اختلافات واضحة وعلنية مع الإدارة السابقة في ظل منافسة شديدة مع الصين وروسيا، اللّتان دخلتا كأطراف فاعلة في المنافسة على النفوذ في المنطقة، وما يعنيه من تأثير في سياسات المنطقة وديناميكياتها في المرحلة المقبلة.
اتجاه التطورات في المنطقة:-
تُشير اتجاهات التطورات الحاصلة في المنطقة إلى مستجدات من شأنها التأثير العميق في مسارات مستقبل المنطقة، بعض هذه التطورات قطع شوطًا في النضوج والتبلور، وبعضها الآخر ما يزال في طَور الولادة، لكنه يُسرع الخُطى في التحوّل إلى وقائع متبلورة في الواقع العربي.
أولًا: التطبيع الحاصل مع إسرائيل.
يترسخ التطبيع يومًا بعد آخر في المشهد العربي، ويُصبح أحد العلامات في التفاعلات السياسية القائمة في الإقليم، وباتت الدول التي اختارت هذا النهج تُشكّل كتلة وازنة من النظام العربي، إذا أضيفت لها الدول العربية التي وقّعت اتفاقات سلام في مراحل سابقة.
ثمّة تقديرات بأنَّ دولًا أخرى ستنضم – في وقت قريب – إلى هذا السياق، وهي في طور مراقبة نتائج جولة التطبيع السابقة التي أجرتها دولًا عربية، ولا يقتصر الأمر على دول ما يُسمى (بالاعتدال العربي)، إذ ثمّة مؤشرات على احتمال قيام دول، طالما وصفت نفسها بالممانعة بالانضمام إلى مسار التطبيع إذا تم التوافق على بعض المسائل.
ويُشكّل التطبيع تحوّلًا مهمًا في مسار مستقبل المنطقة، وسيكون له أثر على موازين القوى والتوازنات القائمة، وسيؤثر بالطبع في تشكيل التحالفات المستقبلية بين الأطراف، واتجاهات الصراعات، وتَغيير تعريف مصادر الخطر والتهديد، وهو أحد المتغيرات الجيوسياسية التي من شأنها التأثير على التفكير الإستراتيجي العربي في المرحلة القادمة، بل يمكن القول أنَّ تأثيراته بدأت ملحوظة بالفعل في الواقع العربي، من خلال الاتفاقيات الحاصلة بين أطرافه على أكثر من مستوى – وخاصةً في المجالات الاقتصادية والدفاعية.
ثانياً: الإدارة الأمريكية الجديدة.
تُشكّل إدارة الرئيس (جوزيف بايدن) تَغيُّرًا سيكون له تأثيرات مهمة على واقع المنطقة، فالإدارة الجديدة تأتي في مرحلة مفصلية في منطقة شهدت عقدًا من التطورات الفارقة، والتي انطوت على استقطاب حاد وتشكيل تحالفات وصراعات بالوكالة وبشكلٍ مباشر بالإضافة إلى انفتاح المنطقة على حزمة من التأثيرات الخارجية لفاعلين جدد، بعد أن ظلت الولايات المتحدة الأمريكية لعقود صانعة لديناميكياتها ومتمسكة بجميع خيوط اللّعبة فيها.
ويكاد يُشكّل عودة الحوار الأمريكي مع إيران أحد أكثر القضايا اهتمامًا، سواء من قبل إدارة (بايدن) التي تبدو متحمسة للعودة للاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 م في عهد إدارة الرئيس السابق (باراك أوباما) وتراجعت عنه إدارة الرئيس (دونالد ترامب)، أو من قبل الأطراف الإقليمية التي تحاول التأثير في أجندة التفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بهدف منع تحوّلها إلى ورقة للتفاوض قد تفوز بها إيران إذا ما سمحت لها واشنطن بالاستمرار بلعب دورٍ إقليمي، ترى فيه بقية الأطراف أنَّه دور سلبي ومخرب.
ويُشكّل حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، محورًا ثانيًا مهمًا في سياسات إدارة (بايدن)، فجميع المؤشرات تدل على رغبة الإدارة الجديدة العودة بالتفاوض إلى حل الدولتين، وإيجاد تسوية نهائية للصراع بعد جمود طويل – وخاصةً بعد التغييرات التي أحدثتها إدارة (ترامب) باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما يُشكّل عقبة في طريق إنجاح المفاوضات المحتملة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
التركيز الأمريكي على الشرق الأقصى والمحيط الهادي على حساب الشرق الأوسط، سيكون المحور الثالث في سياسة إدارة (بايدن) وهي مسألة رغم قدم طرحها، إلَّا أنَّها ما تزال في طور الاختبار؛ وذلك لأنَّ هذا التحوّل الإستراتيجي ربما أصبح منجزًا على مستوى الرؤى والتصورات، لكنه يفتقد لإمكانية التطبيق الفعلي على الواقع – وخاصةً بسبب التشابك والتعقيد الهائل بين ملفات السياسة الدولية وتأثيرات الشرق الأوسط على المصالح الدولية، مما يجعل من الصعوبة على الولايات المتحدة الأمريكية نقل مواردها الدبلوماسية والعسكرية إلى ملف الشرق الأقصى، بينما يُوسّع خصومها مساحات نفوذهم في الشرق الأوسط وتحويله لساحة خلفية؛ لإضعاف الإستراتيجية الأمريكية في القرن الواحد والعشرين.
وسيكون لمخرجات السياسات الأمريكية تجاه إيران أثر مباشرعلى العلاقات الأمريكية مع دول الخليج، التي ربما تبحث عن خيارات أخرى في علاقاتها الإقليمية والدولية ؛ لإصلاح الخلل الذي سينتج عن تخلِّي أمريكا عن أمن الخليج العربي لصالح علاقاتها مع إيران.
ثالثاً: اللّاعبون الإقليميون.
بالرغم من مرور حوالي عقد على الانخراط الإيراني – التركي العسكري في أزمات المنطقة، إلَّا أنَّه ليس هناك بوادر لانتهاء هذا الانخراط على المدى المنظور، وعلى العكس من ذلك استطاعت هذه الأطراف تحويل نفوذها في المنطقة العربية إلى ورقة تفاوضية مع القوى الكبرى مع إدراكها لقابلية تلك القوى المساومة على المصالح العربية لصالح تفضيلات أخرى( إقليمية ودولية).
ومع ارتفاع منسوب التنافس الدولي في المنطقة العربية وزيادة حدة الاستقطاب، تمكنت كل من تركيا وإيران من تشبيك مصالحهما في المنطقة العربية في إطار لعبة التوازنات الدولية القائمة على توافقات مصلحيّه بين مشاريع جيوسياسية تبدو في الشكل متناقضة ومتصارعة، لكنها بنفس الوقت لديها المرونة الكافية لإدارة اللّعبة في هذه المنطقة لصالح مشاريعها على حساب المصالح العربية.
وعلى ضوء ذلك، تبدو ملفات سوريا وليبيا واليمن مرشحة لمزيد من التعقيد نتيجة تداخل الصراعات الإقليمية والدولية بعد أن أصبحت هذه الأطراف هي القوى المسيطرة وخروج التأثير العربي نهائيًا، أو وجوده ضمن أدنى الحدود- وخاصةً في سوريا وليبيا.
رابعاً: التنافس الدولي المستجد.
لم يعد التنافس بين القوى الكبرى في المنطقة مجرد تصورات نظرية واحتمالية، حيث تُظهر الصين وروسيا فعاليّة كبيرة في توسيع نفوذهما وتحدي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد عبَّر عن ذلك قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال (كينيث ماكينزي) العام الماضي بالقول أنَّ:” الشرق الأوسط أصبح ساحة صراع بين القوى الكبرى، حيث تسعى الصين لاستخدام ثقلها الاقتصادي في بناء رأس جسر إستراتيجي طويل المدى، بينما تنشر روسيا قدرات عسكرية ضئيلة، لكنَّها عالية التركيز لعرقلة الولايات المتحدة”.
وقد زادت الصين من انخراطها في الشرق الأوسط، ويبدو أنَّ هذا الانخراط سيكون مرشحًا للمزيد في السنوات القادمة؛ بسبب حاجتها للنفط والغاز المنتج في المنطقة، وكذلك رغبة دول المنطقة في ترسيخ علاقاتها مع الصين للاستفادة من قدراتها التكنولوجية، ونظرًا لرغبة دول المنطقة في التعاطي مع شريك ليس لديه اشتراطات سياسية.
وبالرغم من ثُقل أوزان اللاعبين الإقليميين وحجم الولايات المتحدة الأمريكية التاريخي والعودة الروسية،إلَّا أنَّ الصين تَظهر بمثابة القوة التي تنطلق من مشروع (طرق الحرير الجديدة) وتتمّم تمددها الجيوسياسي نحو هذه المنطقة؛ ولأنَّ الصين تُمثل – وفق العقيدة الإستراتيجية الأمريكية- التحدّي الأكبر لواشنطن عالميًا، فسيكون للشرق الأوسط نصيبه من اختبار القوة المفتوح بين الجانبين وما يرافق ذلك من تَغيير في قواعد اللّعبة الدولية.
وتراهن الصين على أنَّ نظام (الطرق والسكك الحديدية والموانئ) الذي يبنونه في الشرق الأوسط سوف يمنحهم يومًا ما يدًا قوية في المنطقة والمناطق القريبة منها( أوروبا وشرق إفريقيا)، كما بدأت الصين في منافسة أمريكا عسكريًا من خلال بناء القواعد العسكرية في (جيبوتي) عند مدخل البحر الأحمر، كما يُفكر الصينيون في إنشاء قاعدة عسكرية في (بورتسودان) شمالًا على البحر الأحمر.
ومن غير المرجح أن تلعب روسيا- كونها انتهازية- دورًا بَنّاء، بدلًا من ذلك تُولي روسيا اهتمامًا خاصًا للدول الضعيفة التي تعاني من عدم الاستقرار، وهي لا تنفر من دفع الصراعات نحو الأزمة ثم تُقدم نفسها كوسيط لحلها، وتُمثل هذه الأداة الوسيلة الوحيدة لروسيا؛ لمواجهة النفوذ الأمريكي وبناء النفوذ الموازِ لها في المنطقة، وتكمن خطورة ذلك في قدرة روسيا على تزخيم حالة الاستعصاء السائدة في سوريا وليبيا، حيث تملك نفوذًا لدى أطراف الصراع في البلدين.
لقد أسهمت السياسات الإنسحابية لإدارتي (أوباما وترامب) في تقليص النفوذ الأمريكي وإضعاف الخيارات المتاحة أمامه، وستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام تفضيلات معينة، في ظل عدم قدرتها على إدارة التناقضات الهائلة بين مصالح الأطراف المختلفة.
يذهب الكثير من الإستراتيجيين الأمريكيين إلى تصميم إستراتيجية؛ لمنع الصعود الصيني ووصوله لمناطق النفوذ الأمريكية التقليدية في أوروبا وآسيا، وتبدو ساحات الشرق الأوسط، بوصفها الرابط الجغرافي بين الصين وأوروبا، مرشحة بدرجةٍ كبيرة لأن تكون ساحة صراع بين القطبين الصيني والأمريكي.
التأثيرات المحتملة للمتغيرات.
يصعب تقدير طبيعة مخرجات تفاعل التحولات في البيئة العربية والبيئة المحيطة، وذلك راجع بدرجة كبيرة إلى جملة من الحقائق:
- عدم معرفة طبيعة التحولات وحدودها، والتقاطعات التي قد تَحدث بين الفاعلين، ونقاط الصراع الأساسية، والتحالفات المترتبة عن ذلك، وما هي ردود الفعل؟ وهل ستلجأ الأطراف للمواجهة المباشرة أم أنَّها ستَتَّبِع إستراتيجيات الاحتواء والتكيف؟.
- رغم خبرة المنطقة بالصراعات الدولية، إلَّا أنَّ التحولات التي تشهدها المنطقة تأتي من خارج السياق المعروف، وبالتالي فإنَّ صندوق أدوات المعرفة والتحليل السابق يبدو غير صالحًا للتنبؤ وقراءة مآلات التحولات ومعرفة مساراتها بدقة.
- عدم ثبات التحولات وترسُّخها؛لأنَّ صيرورة تلك التفاعلات لا تمضي على نمط ثابت، حيث تَدخل عناصر( داخلية وخارجية) متمايزة، وربما متضادّة في ديناميات التغيير، الأمر الذي يصعب معه ثبات المعادلات، في ظل سيولة المعطيات وعدم ثباتها.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن معرفة ملامح بعض هذه التأثيرات وتقدير أثرها في الواقع العربي في المرحلة المقبلة.
إعادة تعريف الشرق الأوسط.
شكّل الصراع العربي – الإسرائيلي، السمة المميزة للشرق الأوسط خلال العقود السابقة، فقد كان المحرك الأساسي للتفاعلات الحاصلة في المنطقة، كما أنَّ العلاقة مع القوى الإقليمية غير العربية تحدّدت بشكلٍ كبيرٍ من منطلق علاقة تلك القوى بالصراع، ومن المعلوم أنَّ كلًا من: (إيران وتركيا) أصبحتا لاعبتين مؤثرتين في قضايا المنطقة بعد وصول أنظمة وحكومات دفعت البلدين للتشابك مع قضايا المنطقة- وخاصةً الصراع العربي – الإسرائيلي.
ومع ذهاب الكتلة الأكبر من الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل، أو القبول بالتطبيع كأمرٍ واقع دون الاعتراض أو عزل الأطراف المطبعة، أو تشكيل محاور وجبهات كردٍ على التقارب العربي – الإسرائيلي، وانتقال العداء إلى جبهات أخرى (إيران وتركيا)، فإنَّ منطقة الشرق الأوسط باتت بحاجة لإعادة تعريف خارج التعريف الأساسي الذي يُشكّل العداء العربي – الإسرائيلي أحد أبرز سماته.
وشكّل النّفط السّمة المميزة الثانية للشرق الأوسط الذي كان ينتج حوالي ثلثي الناتج العالمي، ورغم استمرار أهمية المنطقة كمنتج للنفط، إلَّا أنَّ متغيرات كثيرة حدثت مؤخرًا في هذا الإطار، سواءً لدخول منتجين آخرين من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بقوّة إلى أسواق النفط، أو عبر طرق ووسائل نقل النفط إلى الأسواق الدولية، وكذلك تحوّل الولايات المتحدة الأمريكية إلى طرفٍ منتج، وأثر ذلك على التوجهات الأمريكية في المنطقة.
ولعل السمة المميزة الثالثة للشرق الأوسط، تَتمثّل باستقرار الأنظمة السياسية والاجتماعية لعقود طويلة دون حدوث تَغيُّيرات كبيرة، غير أنَّ هذه الصورة تَغيَّرت مع وقوع أغلب البلدان العربية على خط الثورات وحالة اللا استقرار السياسي والاجتماعي، ورغم تراجع موجات الثورات، إلَّا أنَّ تأثيراتها ما زالت مستمرة، كما أنَّه من الصعب التكهن بزوال تفاعلاتها في المرحلة المقبلة، وستبقى عاملًا مؤثرًا في صنع السياسة والتأثير في قرارات وتوجهات الحكومات والأنظمة.
ومن المُقدر لهذه العوامل أن يكون لها تأثيرات محتملة في الواقع العربي في المرحلة المقبلة.
نظام إقليمي جديد:-
تقترح بعض الجهات الدولية، إنشاء نظام إقليمي جديد في المنطقة، وذلك بهدف مواكبة التغيرات؛ ولضمان السلم والأمن في المنطقة، والانتقال من حال العداء إلى التعاون بين الأطراف المنخرطة في النظام الإقليمي الجديد.
وقبل أسابيع اقترح الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيرش) إقامة نظام إقليمي جديد يقوم على استقرار الشرق الأوسط كما حدث في (هلسنكي) حيث جَرى توقيع اتفاق (الأمن الأوروبي)، وذلك ضمن: (آلية جماعية من خلال إيران والدول العربية المطلة على الخليج ، خماسية مجلس الأمن ، جامعة الدول العربية ، ومنظمة التعاون الإسلامي).
واقترح وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) صيغة أضيق بالدعوة إلى :”بلورة نظام مستقر لضمان أمن الخليج”، لكنه أكَّد أنَّ الطريق إليه لن يكون سريعًا ولا بسيطًا.
والمقصود بالطبع هو نظام عربي – إيراني مشترك يتجاوز النظام الأمني القائم حاليًا في إطار مجلس التعاون الخليجي والذي شهد دفعة إلى الأمام في (قمة العلا) والمصالحة مع قطر.
وبدورها، تطمح تركيا إلى لعب دور أمني في نظام إقليمي موسّع يمنحها ضمان مصالحها الممتدة على مساحة واسعة من المنطقة العربية في (آسيا وإفريقيا)، ويعترف بها كقوّة إقليمية مؤثرة.
كما تخطّط إسرائيل للحصول على وضعية مميزة في إطار نظام أمني يشمل المتوسط والخليج العربي؛ بدواعي ضرورتها لمثل هكذا نظام، وبالنظر لما تملكه من تقنيات عسكرية وخبرات أمنية فاعلة.
تهدف جميع هذه المشاريع إلى تهميش النظام العربي الذي تُشكّل الجامعة العربية أساسه، على اعتبار أنَّ الأمن الإقليمي يجب أن يَشمل أطرافًا شريكة في المنطقة من خارج الدائرة العربية، كما أنَّ النظام العربي يَفتقد للآليات الكافية لتحقيق الأمن في المنطقة، وخاصةً على مستوى اتفاقيات الدفاع المشترك، بالإضافة إلى تراجع قدرات القوى العربية الأساسية التي كانت تمثل ضمانًا لتحقيق الأمن في المنطقة.
خاتمة:
لقد أدّى التحول في السياسات الدولية والإقليمية إلى انعكاسات سياسية وأمنية ذات أثرٍ كبيرٍ على المنطقة. ومن أبرز التداعيات السياسية: تنامي دور الدول غير العربية في الإقليم على حساب الدول العربية، الأمر الذي يترتب عليه تهميش المصالح الأمنية العربية، وارتفاع منسوب الاختراق للمنظومة العربية التي تعاني من التصدع الداخلي، وانخفاض الوزن العربي في معادلات الصراع والاستقرار في المنطقة.
ورغم دقة وحراجة المرحلة، إلَّا أنَّه لا تزال ثمة فرصة لتقليل المخاطر المترتبة على التحولات الحاصلة في البيئتين الدولية والإقليمية، وذلك من خلال التصالح الشامل بين الدول العربية، ووقْف الصراعات البينية والسياسات المتباينة إزاء مختلف الأزمات، ودمج كل ذلك بعملية إصلاح السياسات الداخلية والأخذ بالاعتبار المُتغيرات التي شهدتها البيئة العربية في العقد الأخير.