مقدمـة
“هل تريد أن يصبح إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج الإقليم دولة مستقلة؟” كان هذا سؤال الاستفتاء الذي جرى في يوم 25 أيلول/سبتمبر 2017، في إقليم كردستان، وبعض المدن العراقية التي يعيش فيها أكراد.. بعد أن رفضت القيادة الكردية كل الضغوطات لتأجيل الاستفتاء، وأصرت على تنفيذه في موعده.. دون توافق عراقي داخلي، ودون غطاء دولي.. ويبدو أن الأكراد أيقنوا أنهم أمام اللحظة التاريخية التي طالما انتظروها، وأن الاستفتاء سيقدمهم خطوة نحو حلم الدولة المستقلة، وأنه لا مجال لإضاعة هذه الفرصة الذهبية التي قد لا تتكرر، خاصة مع بروز الدور الكردي أكثر في الإقليم وتصاعد دورهم في الحرب على داعش.
وإزاء مسألة استفتاء الأكراد على الانفصال، انقسم الشارع العربي، والفلسطيني على وجه الخصوص، بين مؤيد ومعارض، وليست هناك إحصائية تبين أي الفريقين أكبر عددا.. هذا ليس مهما، المهم أن من يؤيد الاستفتاء، يفعل ذلك انطلاقا من تأييده حق الشعوب بتقرير مصيرها، وحق الأكراد بأن يكون لهم دولة مستقلة، أسوة بشعوب العالم.. ومن يرفض الاستفتاء، يرفضه إما تخوفا من حسابات سياسية معقدة، ونتائج وخيمة ستنجم عن الانفصال، ستعود على المنطقة وعلى الأكراد بالضرر، وربما بالويلات.. وإما رفضا مطلقا لأي مشروع انفصالي، وباعتبار أرض العراق كلها أرضًا عربية.. أو لاعتبارات وطنية، خاصة بعد مشاهد رفع العلمين الكردي والإسرائيلي، وتأييد إسرائيل المشبوه للاستفتاء..
أما دول الإقليم فقد أجمعت على رفض الاستفتاء، ورفض الاعتراف بنتائجه، والاستعداد للتدخل العسكري، أو لفرض عقوبات وحصار على إقليم كردستان، في حال بدأ بتنفيذ خطوات انفصالية، والسبب طبعا خشيتها من انتقال العدوى لبلدانها، سيما وأن ملايين الأكراد يعيشون على أراضيها.. كما رفض مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الاستفتاء… دول أخرى آثرت الصمت والترقب، لكنها على الأرجح لن تقف إلى جانب الكرد ضد دول إقليمية كبيرة ومهمة تربطها بها مصالح وتحالفات..
وقد حاول الأكراد تبديد مخاوف بغداد، ودول الإقليم والأطراف الدولية، وطمأنتهم بأن الاستفتاء لا يعني إعلان الدولة الكردية من طرف واحد، بل هو إعلان عن تطلعات الشعب الكردي المشروعة.. ورغم تعهد رئيس الإقليم “مسعود بارزاني” بإعادة بناء العلاقات بين الشعبين العراقي والكردي على أسس جديدة بعيدا عن الحسابات الطائفية والقومية؛ إلا أن المؤشرات الأولية تظهر بأن المواجهات العنيفة والدماء والحرب هي الطريق التي ستسلكه أطراف الأزمة عاجلا أم آجلا.
الأكراد ليسوا وافدين، بل هم من شعوب المنطقة، ومن سكانها الأصليين، وهم جزء من تاريخها وثقافتها وأديانها، ولديهم رموزهم والتي هي جزء من رموز التاريخ العربي السياسية والثقافية.. وبالتالي له الحق بتقرير مصيرهم، والعيش بحرية وكرامة.. هذا كله من حيث المبدأ، ولكن في هذا السياق أيضا يمكن طرح الأسئلة الأصعب: أيهما أهم: حق الشعوب والأقليات في تقرير مصيرها، أم المحافظة على وحدة البلاد والسلم الأهلي؟؟ أيهما أكثر قداسة: أن يكون لكل شعب أو أقلية دولة مستقلة، أم أن يعيش الأفراد والمواطنون بكرامة وأمن في دولة المواطَنة؟؟ وهل حدود الدول أهم من حياة الناس؟ هل الانتصار في الحروب أكثر قيمة من التعايش السلمي بين الناس من مختلف المنابت والأصول؟ هل حدود العراق، وحدود سايكس– بيكو مقدّسة، وأكثر قداسة من حياة المواطنين؟؟
هذه الأسئلة، سنحاول الإجابة عليها في سياق هذا البحث..
مدخـل
الأكراد ليسوا عربًا، هم من العرق الآري، لهم تراثهم وقوميتهم ولغتهم الخاصة (هناك 3 لهجات كردية مختلفة: الفيلية، وهي لأكراد بغداد وجنوب العراق ممن ينتمون إلى الطائفة الشيعية. واللهجة السورانية الجنوبية، والكرامنجية الشمالية، في كل من إيران وتركيا ([1])، وقد تم تشتيتهم كقومية وكشعب بين إيران وتركيا والعراق وسورية، وتم تقسيم أراضيهم بين تلك البلدان الأربعة، ومع ذلك عاشوا وتكيفوا، مع نتائج اتفاق سايكس بيكو، كما تقسم العرب وتمزقوا دولاً وشعوبًا.
وعلى مدى تاريخ طويل، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي في سهول ما بين النهرين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة الآن في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سوريا، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا. واليوم يشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة، رغم عدم وجود لهجة موحدة. كما أنهم ينتمون لمجموعة مختلفة من العقائد والديانات، وإن كان أكثرهم يصنفون كمسلمين سُنّة.([2])
ويتراوح عددهم الإجمالي بنحو ثلاثين مليونا، وهم رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط. أغلبيتهم في تركيا ثم إيران ثم العراق؛ حيث يعيشون في إقليم شبه مستقل، يبلغ عدد سكانه 5.2 مليون نسمة، يضم محافظات دهوك، أربيل، والسليمانية وحلبجة، كما يوجد أكراد في كركوك وبنسبة قليلة في الموصل وديالى، ويضم الإقليم أيضا قوميات أخرى.
في تركيا لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الأكراد، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم يقدر بنحو 15 مليون نسمة، ويشكلون 56% من أكراد العالم، و20% من سكان تركيا، ويعيش معظمهم في جنوب شرق البلاد. أما في إيران فتشير التقديرات إلى أن عدد الأكراد يتراوح بين ثمانية وعشرة ملايين نسمة، ويشكلون 16% من أكراد العالم، وما بين 10 و12% من سكان إيران، ويعيش معظمهم في غرب وشمال غرب البلاد. وفي سوريا يقدر عدد الأكراد بـ 1,6 مليون نسمة، ويشكلون 6% من أكراد العالم، و8% من سكان سوريا، ويتمركزن في مناطق شمال شرقي البلاد.([3])
خلفية تاريخية
تاريخيًا، لم يكن للأكراد دولة مستقلة. وعاشوا في كنف الإمبراطوريات والدول التي حكمت المنطقة، ولكن، في نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، ومع انتشار الفكر القومي والدولة الوطنية، بدأ الكثير من الأكراد يفكرون بتكوين دولة مستقلة، باسم “كردستان”. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920، إلا أن آمال الأكراد تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية؛ فانتهى بهم الحال كأقليات في الأربع دول. وعلى مدار العقود التي تلت، سُحقت كل المحاولات الكردية لتأسيس دولة مستقلة.
وفي واقع الأمر، بدأت القضية الكردية تبرز للوجود منذ مستهل القرن السادس عشر؛ حين تحاربت الدولتان الصفوية والعثمانية في معركة “جالديران” عام (1514) التي نجم عنها تقسيم ما يُعرف بمنطقة كردستان بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
قبل ذلك التاريخ كانت كردستان إمارات محلية متناثرة مشغولة بشؤونها الداخلية، لكن تمايز الأكراد الطائفي عن الدولة الصفوية، وسوء معاملة الشاه إسماعيل لهم دفع بالكثيرين منهم للانضمام إلى جانب الدولة العثمانية، وجاءت معركة “جالديران” لتضع أغلبية أراضي كردستان تحت سيطرة العثمانيين، مع اعتراف من الدولة العثمانية بالإمارات الكردية، مقابل أن تدفع تلك الإمارات رسوما سنوية كرمز لتبعيتها للسلطان، وأن تساند جيشه في معاركه، وتدعو له على المنابر.
وفي عام (1555) عقدت الدولتان الصفوية والعثمانية أول معاهدة رسمية بينهما عرفت باتفاق “أماسيا”؛ تم بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسميًا، مع ترسيم الحدود بين الدولتين، وتبعت تلك المعاهدة، اتفاقيات أخرى مثل معاهدة “زهاو” و”أرضروم” التي تم التأكيد فيها على معاهدة “أماسيا”، وتعيين الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية، الأمر الذي عمّق المشكلة الكردية، وكرس تقسيم كردستان وشعبها بشكل مجحف.([4])
ومع احتدام الصراع بين بريطانيا وروسيا في المنطقة، تأثرت القضية الكردية بشكل سلبي، ففي اتفاقية سايكس بيكو تم تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، وبالتالي تحطمت الآمال الكردية في نيل حقهم في تقرير المصير. ولكن، بعد الحرب العالمية الأولى برزت إمكانية حل المشكلة الكردية نتيجة إيجاد منطقة عازلة بين أتراك الأناضول والأقوام التي تتكلم اللغة التركية في آسيا الوسطى والقفقاس وأذربيجان. فحاول الأكراد الاستفادة من ظروف ما بعد الحرب، وهزيمة العثمانيين، فتحركوا لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس 1919، والاستفادة من المناخ الدولي المؤيد لحق الشعوب في تقرير المصير (مبادئ ويلسون).
في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في آب/أغسطس 1920، نجح الوفد الكردي في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكردية، ونجحوا بذلك بتدويل قضيتهم بعد أن ظلت الدولة العثمانية تصفها بالقضية الداخلية التي تستطيع الدولة حلها.
دعت معاهدة سيفر إلى تحقيق حل للمشكلة الكردية على مراحل، وإذا اجتازها الكرد نالوا الاستقلال، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك.. بيد أن “كمال أتاتورك” وصف المعاهدة بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيقها؛ فبقيت حبرًا على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقودًا لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد.
وبعد عام ونصف العام على توقيع معاهدة سيفر، دعا أتاتورك لإعادة النظر فيها، وفي مؤتمر لندن (1921) دعا الحلفاء لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث اعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية، لكن الحكومة التركية أصرت على أن المسألة شأن داخلي، يمكن حلها داخليًا، لاسيما وأن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك، ثم قامت الحكومة التركية الجديدة بإلغاء جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها حكومة الأستانة ومن ضمنها معاهدة سيفر. وبفشل مؤتمر لندن تم توجيه ضربة إضافية للآمال القومية الكردية.([5])
وبعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الجيش التركي على اليوناني، ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة منذ قرنين، وقامت الحكومة الجديدة بتحسين العلاقة مع الاتحاد السوفيتي، وعقدت معه معاهدة لوزان (1923)، التي نصت على تعهد أنقرة بمنح جميع سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للأكراد فيها، ودون إشارة إلى معاهدة سيفر، وعدّ الكرد هذه المعاهدة ضربة قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم.([6])
وهكذا، بقي الأكراد موزعين بشكل رئيسي بين سورية والعراق وتركيا وإيران. وشكلوا جزءا من النسيج المجتمعي لتلك الدول بكل تجلياته وتعبيراته، السياسية والثقافية بالذات.([7])
النضال الكردي
اندمجَ الأكراد في الدول والمجتمعات التي عاشوا فيها، (حاولوا ذلك، أو فُرض الأمر عليهم)، بيد أن حكومات تلك الدول كانت استبدادية، ليس ضد الأكراد وحسب، بل وضد كل مكونات الشعب.. وهذه الدول الأربعة فضلا عن طبيعتها الشمولية، كانت متناحرة ومتحاربة في كل شيء، لكنها متفقة في منع الأكراد من ممارسة حقهم في تقرير المصير، كما أنها لم تكتفِ بتنكرها لحقوقهم القومية، بل وأيضا حقوقهم المدنية والثقافية، فكان ممنوع عليهم التكلم بلغتهم، أو تدريسها، أو ارتداء لباسهم الشعبي، أو تسمية أسماء ذات معانٍ أو دلالات كردية (خاصة في تركيا)..
وبصورة أخرى، استغلت إيران وتركيا الدين للتنكر للحقوق الكردية، حيث اعتبرتا الحديث عن المسألة القومية بدعة وضلال، لأن المسلمين متساوون “كأسنان المشط”. في محاولة لتضليل الرأي العام.
وفي العراق وسوريا اللذين كانا تحت حكم حزب البعث، بحجة القومية العربية والدولة الوطنية تم صهر الأكراد في بوتقتها.. في سورية، لم ينل معظم الأكراد الجنسية.. بيد أن أوضاعهم في العراق كانت الأفضل .. فقد قدم “صدام حسين” في اتفاق آذار 1970 للأكراد في العراق ما لم يقدمه أحد غيره من السابقين واللاحقين (حكم ذاتي، جامعات ومدارس، وإذاعة وتلفزيون، وحق إبراز الفلكلور والتراث الكردي..)، ولكن يبدو أن هذا لم يكن كافيا بالنسبة لهم.([8])
وهكذا، عندما تفشل الدولة في تذويب سكانها في بوتقة المواطنة، وعندما تفاضل بين مواطنيها على أساس عرقي أو قومي أو مذهبي أو ديني، يصنع المستضعفون دروعهم ويتمترسون خلفها، وتتكتل الأقليات حول بعضها، ويصبح هاجسها الانفصال، بعد أن فقدت الأمن والكرامة.. وحينها لا تعود الدولة تمثل المظلة التي تظلل كل سكانها.. وهذه كانت من أهم أسباب ومطالب النضال الكردي..
وحول أسلوب ومنهجية النضال الكردي برز اتجاهان: الأول قومي، يتبنى العنف والحل العسكري، ينطلق من النزعة القومية الانفصالية، وبرز من داخل هذا الاتجاه بعض التيارات ذات الأفق الضيق، كرد فعل ناشئ من الإحساس بالمرارة من جراء التنكر للحقوق الكردية، لديها الاستعداد للتحالف مع قوى معادية للبلاد، حتى لو كانت إسرائيل (لاسيما في حالة العراق) على أمل الحصول على بعض المكاسب.([9])
والاتجاه الثاني شعبي يدعو إلى اعتماد الحل السلمي.. هو الذي انتشر على المستوى الشعبي (في العراق بشكل خاص) ويدعو إلى اعتماد المفاوضات والحل السلمي للقضية الكردية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي وشراكته في الوطن، سواء عن طريق الحكم الذاتي، أو من خلال شكل من أشكال الفيدرالية، أو أية صيغة تضمن هذه الحقوق.
وكان من ثمار هذا الاتجاه إقرار “شراكة العرب والكرد في الوطن العراقي”، وتحقيق بعض المنجزات القانونية والإدارية للشعب الكردي، وتحصيل بعض الحقوق القومية والثقافية، الأمر الذي أدى إلى استنهاض الشعور القومي الكردي في كل من إيران وتركيا وسوريا.
في تركيا خاض حزب العمال الكردستاني (بزعامة عبد الله أوجلان) حربا طويلة ضد الحكومة، راح ضحيتها آلاف القتلى من الطرفين، وتوقفت نسبيا بعد اعتقال أوجلان، وفي إيران أيضا خاض الأكراد نضالا قاسيا ضد الحكومات المتعاقبة، وقد قُمعت بشدة، خاصة الانتفاضة الكردية في العام 1979.
في العراق خاض الأكراد حربا شرسة ربما كانت الأعنف ضد الحكومة، أثمرت آخر انتفاضة كردية عام 1991 عن إنشاء مناطق كردية تتمتع بإدارة ذاتية بحكم الأمر الواقع، إلى أن أصبح الأمر رسميا بعد العام 2003، ولكن في إطار الدولة العراقية.
محاولات لإقامة دولة كردية
ظلَّ حلم “دولة كردستان” يراود الأكراد منذ زمن قديم، وربما بدأت بوادر هذا الحلم في عهد الدولة العباسية بعد دخولهم الإسلام؛ لكن فكرة الدولة لم تظهر إلى العلن إلا في العصر الحديث، أي في ظل إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وشيوع فكرة الدولة/الأمة..
بعد معاهدة سيفر تنشط الأمل بإمكانية تحقيق الحلم، وفي عام 1922 أسس “حفيد البرزنجي” مملكة كردية في منطقة السليمانية، وعين نفسه ملكا عليها، لكنها لم تعمر سوى عامين، وتم القضاء عليها من قبل الجيش البريطاني والعراقي، وانتهت بمغادرة “البرزنجي” وأسرته إلى إيران.
في العام 1925 جرت محاولة لتشكيل كيان مستقل في المناطق الكردية في تركيا بقيادة الشيخ “سعيد بيران”، لكن “كمال أتاتورك” ألقى القبض على الشيخ ورفاقه وأعدمهم جميعا.([10])
وفي عام 1946 أراد “ستالين” إقامة كيان كردي في إيران، ردا على دعم الشاه “رضا بهلوي” لِـ”أدولف هتلر”، والذي هرب من إيران بعد توغل الجيش السوفيتي في أراضيه، فانتقل الحكم إلى ابنه “محمد رضا بهلوي”، وبعدها فعلا تم إنشاء ما عرف في ذلك الوقت بجمهورية “مهاباد”، التي أسسها قاضي محمد وأقيمت على 30% من أراضي كردستان، ولم تعمر تلك الجمهورية سوى 10 أشهر وتم القضاء عليها.([11])
وفي العراق جرت محاولات كثيرة للانفصال، قادها الملا “مصطفى البرزاني”، ومن بعده ابنه “مسعود”، توقفت قليلا في آذار من العام 1970 بموجب اتفاق حكومة بغداد، بقيادة صدام حسين، مع الحركة الكردية المسلّحة على إنهاء النزاع العسكري، وباعتراف العراق بالقومية الكردية، ومنحهم حكمًا ذاتيًا موسعًا، والسماح بتدريس اللغة الكردية. لكن “البرزاني” رفض الاعتراف بذلك، وواصل قتال الدولة المركزية.([12])
وبعد هزيمة الجيش العراقي في حرب العام 1991، حصلت انتفاضات شعبية في عموم العراق، بما في ذلك انتفاضة كردية أفضت إلى حكم ذاتي كردي، بحكم الأمر الواقع، في شمال العراق، وبعد احتلال القوات الأمريكية للعراق عام 2003 انتعشت آمال الأكراد بتحقيق حلمهم فأصبح لديهم جيش منظم (البشمركة) وبرلمان وأحزاب سياسية وعلم ونشيد وطني وأصبح يسمى إقليم كردستان العراق، الذي أقره الدستور العراقي الجديد، وهناك العديد من الاتفاقات بينه وبين الدولة المركزية في بغداد وقد أُعطي منصب رئيس الجمهورية للأكراد، فكان “جلال الطالباني” أول رئيس، ومن بعده “محمد فؤاد معصوم”، كما أعطي للأكراد العديد من المناصب السيادية ومن ضمنها وزارة الخارجية.([13])
استغلال الأطراف الخارجية للقضية الكردية
لم تمنع عدالة القضية الكردية، ومشروعية مطالب شعبها مختلف القوى الإقليمية والدولية، من استغلال القضية الكردية لصالحها، واستخدامها ورقة لخدمة أهدافها الخاصة، فقد كانت تلك الدول مثلا تدعم الأكراد في الدول المجاورة بسبب خلافاتها معها، بينما تضطهد الأكراد المقيمين فيها!
ومنذ بروز القضية الكردية أوائل القرن العشرين، استغلتها القوى الكبرى آنذاك في خدمة صراعاتها: بريطانيا، والاتحاد السوفيتي، وتركيا وإيران والعراق، وفيما بعد الولايات المتحدة وإسرائيل.. وكانت الورقة الكردية جاهزة على الدوام لـ “اللعب والاستثمار” من جانب القوى الدولية والإقليمية، ولم يكن ذلك بعيدًا عن المخططات الإمبريالية والصهيونية، فالقضية الكردية إضافة إلى كونها نزاعًا داخليًا في تركيا وإيران والعراق بالدرجة الرئيسية فإنها مصدر خلاف وصراع وتحريك بينها، وكانت بالقدر نفسه مصدر اتفاق ومساومة وصفقات بين الحكومات التي يجمعها قاسم مشترك أعظم هو التنكر للحقوق القومية للشعب الكردي، وظلت بؤرة ساخنة وعامل قلق دائم.([14])
ومنذ وقت مبكر تنبهت إسرائيل للقضية الكردية، وإمكانية الاستفادة منها في إضعاف أعدائها، خاصة العراق، ففتحت خطوط اتصال مع الملا مصطفى البرزاني، وقدمت له ما يحتاج من دعم وتدريب وسلاح ومعلومات.
الموقف الإسرائيلي الراهن، المنفرد بتأييده للاستفتاء ولإقامة دولة كردية مثير للريبة والتناقض، ويخضع لحسابات لا يوجد بينها مصلحة الشعب الكردي الفعلية؛ فإسرائيل، دعمت سابقا القضية الكردية، لا حبًا بالكرد، وليس انحيازًا لقضيتهم العادلة وحقوقهم القومية المهدورة، بل فعلت ذلك لتقسيم العراق وإضعافه، فالشعب العراقي بعربه وكرده، كان دائمًا مع الشعب الفلسطيني، وضد المشروع الإسرائيلي.. وبتقسيم العراق وإشعال المنطقة تكسب إسرائيل بضربة واحدة متعددة الأهداف إضعاف كل من العراق وإيران وتركيا، حيث تهدف إلى استغلال الأكراد لإشعال حروب الانفصال في تلك البلدان..
إسرائيل كدولة كولونيالية إقليمية تريد موطئ قدم لها في مواجهة إيران (وتركيا) المنافسين القويين على النفوذ الإقليمي، وتريد كيانا يحتاجها بسبب عزلته، وتجعل منه حليفا لها ونقطة ارتكاز أمنية في منطقة بالغة الحيوية، وتريد استمرار النزاعات الإقليمية، وصرف الأنظار عن سياساتها الاستيطانية وممارساتها التعسفية في فلسطين، وتوجيهها نحو حروب وأخطار بعيدة، هناك في كردستان. أما وجه التناقض في الموقف الإسرائيلي فيتجلى في تأييد حق الأكراد في تقرير مصيرهم، ورفض حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
إيران أيضا (في زمن الشاه وزمن الخميني) استغلت الأكراد، فمثلا، عند إعلان بيان 11 آذار/مارس 1970 الذي هو بمثابة اتفاق بين الحكومة العراقية والثورة الكردية على إنهاء القتال ووضع أسس حل سلمي، لم تكن إيران مرتاحة من تثبيت بعض الحقوق الكردية، خصوصًا أن العلاقات الإيرانية العراقية كانت على درجة عالية من التوتر، حيث أقدمت إيران من طرف واحد على إلغاء معاهدة عام 1937 العراقية الإيرانية بخصوص تنظيم الحدود خلافًا للقانون الدولي.([15])
فشجعت إيران استمرار الأكراد قتالهم ضد الحكومة العراقية، ثم تخلت عن دعمهم عام 1975، لأسباب مختلفة، ما يدل على أن هدفها لم يكن دعم الشعب الكردي، وإنما إضعاف العراق وإشغال جيشه بنزاع داخلي.
وفي أواسط الثمانينات خصوصا في ظروف الحرب العراقية الإيرانية، انقسمت الحركة الكردية العراقية، فالحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) تعاون مع إيران، في حين تعاون الاتحاد الوطني الكردستاني (أوك) مع الحكومة العراقية، خصوصًا عشية وبُعيد مجزرة بشتاشان 1983 ضد الأنصار الشيوعيين في كردستان.([16])
ومن المفارقة أن قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني استعانت بالحكومة العراقية عام 1996 لاستعادة أربيل من الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان يتعاون مع إيران في تلك الفترة، بما يؤكد فكرة تلاعب القوى الإقليمية والدولية بالقضية الكردية ومحاولة استغلالها.([17])
كما أن القيادة السورية كانت تستقبل القيادات الكردية العراقية وتبدي تعاطفًا مع كرد العراق، في حين تمتنع من تلبية أهم حقوق المواطنة لأكراد سورية، بما في ذلك منح عشرات الآلاف منهم الجنسية.
وفي النتيجة أدى استغلال الأطراف الخارجية للقضية الكردية، وتعاون أطراف كردية مع هذا الاستغلال بطريقة أو بأخرى، أدى ذلك إلى عدم وضوح مطالب الأكراد، وإلى التشويش على قضيتهم، وبالتالي تراجع تعاطف العالم معهم، واهتزت الثقة بالقيادات الكردية، ما أخّر وأعاق إيجاد حل لهذه القضية.
الخلفية السياسية للقضية الكردية
تصاعدت القضية من جديد بعد إيقاف بغداد تمويل إقليم كردستان في شهر كانون ثاني من عام 2014، وذلك على إثر قيام حكومة إقليم كردستان بمحاولة تصدير النفط خلال خط الأنابيب الشمالي عبر تركيا، ثم تصاعد الخلاف بين الطرفين بسبب إعلان “مسعود البرزاني” في اليوم الأول من شهر تموز/يوليو 2014 عن نيته تنظيم استفتاء لاستقلال الإقليم. ولكن بعد هجوم داعش في نفس الفترة واستيلائه على الموصل ومساحات واسعة من شمال وغرب العراق، ومع انسحاب الجيش العراقي من تلك المناطق تدخلت قوات البشمركة الكردية، وسيطرت على مدينة كركوك، وبعض المناطق الشمالية حولها، والتي أرادت حكومة إقليم كردستان ضمها، وهي خارج حدود إقليمهم رسميًا.
في شهر أيلول/سبتمبر من نفس العام، عُزل “نور المالكي”، وعُيّن “حيدر العبادي” رئيسًا للوزراء، ووافقت القيادة الكردية على تأجيل الاستفتاء إلى وقت آخر، لينحصر التركيز على قتال داعش، وأكد حينها رئيس وزراء إقليم كردستان بأن الاستفتاء لن يُعقد إلا بعد تحرير الموصل.
وفي حزيران 2017، أعلن “مسعود برزاني”، المنتهية ولايته القانونية منذ عام 2015 بأن استفتاء الاستقلال سيعقد يوم 25 من شهر أيلول/سبتمبر سنة 2017.
الاستفتاء وتداعياته السياسية
في اليوم المحدد، ورغم كل التهديدات العراقية والتركية والإيرانية والدعوات الدولية بالتأجيل، نفذ الأكراد في إقليم كردستان العراق الاستفتاء الشعبي بمشاركة 72% من السكان الذين يحق لهم التصويت وبعدد يبلغ 3,305,925 نسمة. وكانت النتيجة لصالح تأييد فكرة الاستقلال عن الدولة العراقية، حيث أظهرت النتائج أن 90% من الأكراد المصوتين هم مع الاستقلال. وهذا يعتبر تغييرًا بالغ الأهمية في العلاقة بين الأكراد والدولة العراقية وبينهم وبين دول الإقليم ذات العلاقة بالمسألة الكردية.
وإزاء الاستفتاء انقسم الشارع العربي بين مؤيد ومعارض، لكن الموقف الرسمي كان أكثر وضوحا وتماسكا: كان رافضا، أو متحفظا.. والأسباب معروفة.
يرى معارضو الانفصال أن إصرار القيادة الكردية على هذه الخطوة في هذه الظروف لن يكون في مصلحة الشعب الكردي، فمن ناحية هناك قوى أقلية من داخل إقليم كردستان نفسه، تعتبر الاستفتاء فاقدا للشرعية، أو تعارضه بشدة، ومنهم من يرى الأمر عبارة عن موقف متشدد لعشيرة كردية، تريد فرض سيادتها على العشائر الكردية الأخرى، بالسلطة والمال والنفوذ.. وهم يرون أن سلطة عشيرة البرزاني لا تختلف عن سلطة البوناصر “عشيرة صدام حسين”، وأيضا هناك اتهامات للبرزاني، أنه خلال السنوات العشر الماضية كان يبيع النفط لجهات عدة، وكان ريعها يذهب لأسرته.([18])
بعيدا عن المنطق العشائري، ومن حيث المبدأ، يحق للأكراد ممارسة الاستفتاء، على الأقل هذه ممارسة ديمقراطية، وبأسلوب سلمي حضاري.. وهو تعبير مشروع ومعتمد لمعرفة توجهات وتطلعات الشعب.. وبناء عليه، وطالما أن نتيجة الاستفتاء أكدت أن أغلبية الشعب الكردي مع خيار الدولة المستقلة، فعلى العالم احترام هذه الرغبة، ودعمها..
ولكن، الأمر ليس بتلك البساطة، فحتى أشد المؤيدين للقضية لكردية عبّروا عن مخاوفهم من خطوة الانفصال، وعن خشيتهم من الاحتمالات التي قد تقود إلى نتائج وخيمة ومدمرة، على العراق وعلى الأكراد على حد سواء.. وتحفظوا على إصرار القيادة الكردية على المضي قدما بمشروع الانفصال، خاصة الآن، وهذا التحفظ تبرره التخوفات التالية:
بداية، ترفض بغداد مشروع الدولة الكردية، لأنه سيعني حرمان العراق من مساحة كبيرة، في غاية الأهمية لأمنه واقتصاده، فمنطقة كردستان تعتبر سلة غذاء العراق، وفيها أهم المناطق السياحية، بالإضافة لمنطقة كركوك التي فيها أكبر وأهم منابع النفط.. كما أن بغداد تخشى أن يتبع خطوة الانفصال خطوات أخرى باتجاه تقسيم وتفتيت وحدة العراق، وربما إنهاء الدولة العراقية..
انفصال كردستان العراق سيقود حتما إلى تشجيع الكثير من طموحات ومشاريع الانفصال المؤجلة والمكبوتة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بدءًا من أكراد إيران وتركيا وسورية وانتهاء بانفصال الأمازيغ في المغرب العربي، وهذا سيقود إلى مزيد من مشاريع التجزئة والتفتيت، والتي لن تحدث دون حروب ودماء وخراب، ستكون المستفيدة الأولى منه إسرائيل.
مشاريع الانفصال ستوفر المناخات المناسبة لتأجيج المزيد من الحروب الأهلية والصراعات الطائفية والإثنية.. وكل النزاعات والحروب القائمة الآن ربما تكون مجرد نزهة مقارنة بما يمكن أن يحدث، إذا انفتحت أبواب جهنم مرة واحدة.. وإذا تحققت هذه السيناريوهات المخيفة، لا قدر الله، سيظهر الكرد وكأنهم هم من بدأ بتقسيم العراق وتمزيقه، مستغلين أزمته الداخلية، وهم من فتح أبواب الحروب على مصراعيها، وهذا سيضر كثيرا بسمعة قضيتهم العادلة، التي يجب أن تبقى نقية وبعيدة عن المؤامرات التي تستهدف العراق: الوطن الذي حضنهم وكانوا مواطنين فيه.
في الجانب الكردي، سيؤدي الانفصال إلى ميلاد دولة ليس لها منفذ بحري، محاطة بدول معادية من الجهات الأربع، ستكون محاصرة، بحيث لا تستطيع تصدير بترولها ومنتجاتها، ولا استيراد غذائها واحتياجاتها، وقد هددها “أردوغان” بالمجاعة، كما بدأت منذ الآن تتعرض لإجراءات عقابية من بغداد..
ولأن هذه الدولة، لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي، ومعرّضة لحرب عنيفة من قبل جاراتها، من المرجح أن تنسحب منها كافة المنظمات والهيئات الدولية، والشركات الكبرى، والاستثمارات الأجنبية، وستتوقف الحركة السياحية، وربما تتجمد الأنشطة التجارية.. ما سيؤدي إلى عزلتها، وانهيار اقتصادها.. ما يعني أن مستقبل هذه الدولة غير مضمون، بل إن هذه الخطوة قد تؤدي إلى الإطاحة بالحلم الكردي كله، وتأجيله إلى أجل غير معلوم، وربما للأبد..
ثم إن من يفكر بالانفصال في ظروف غير مواتية، أو وفق مفهوم إملاء الشروط وزيادة الضغوط عليه أن يتذكر أن هناك ربما أكثر من ربع الكتلة البشرية الكردية خارج الإقليم، في بغداد وغيرها، وعليه أن يخشى على هؤلاء الأبرياء، وبالذات إذا ترافق الانفصال مع تفشي الروح القومية الشوفينية، التي تدفع إلى حقد قومي أو تجدد الثارات القديمة .. لاسيما إذا انفلت عقال الأمن، سيكون هؤلاء مهما حاولت الحكومة تطمينهم في خوف دائم وقلق.([19])
ومن المؤكد أن دول المنطقة لن تسمح بتكون دولة كردية مستقلة، ولن تسمح بأي تغيير جيو-سياسي، أو ديمغرافي في المنطقة لأنه سيكون على حسابها، وسببا لإضعافها وتجزأتها .. وبالتالي على القيادة الكردية أن تدرك أنَّ كسر العظم لا ينفع دائمًا في السياسة والعلاقات الدولية .. قد يُنتج شيئًا ما اليوم، لكنه سيظل قلقًا وغير آمن، بل وشديد الهشاشة .. وإذا كانت تراهن على المجتمع الدولي أو الحماية الخارجية فهي مخطأة .. أمريكا لا تستطيع حماية دولتين في المنطقة (إسرائيل والدولة الكردية)، وحماية الخليج، وهي لا يمكن لها أن تضحي بجزء مهم من حلف شمال الأطلسي (تركيا) من أجل الأكراد، مهما كانت المغريات .. أوروبا أيضًا لن توفر لها لا الحماية ولا الدعم الكافي، إلا إذا كان هناك إجماع دولي، وهو غير موجود .. إسرائيل التي تشجع الانفصال وتبيع الأوهام للأكراد، لن تقدم لهم شيئا، ليس لأنها غير قادرة على ذلك وحسب، بل لأنها غير راغبة أصلاً، لأنها بعد الانفصال ستتخذ دور المتفرج والمراقب الذي يريد جني الثمار..
تتمتع اليوم كردستان العراق بالأمن والرخاء، وتبدو مزدهرة وهادئة قياسًا لأحوال العراق، حيث الاقتتال المذهبي سنّة/شيعة، ومقارنة بسورية حيث الحرب الأهلية. ولدى كردستان علمها القومي المعترف به من الحكومة المركزية، وحكومتها الاتحادية تضم وزراء أكرادا، ورئيس الجمهورية كردي أيضًا.. لكن حدود إقليم كردستان، واقتسام حصص النفط والميزانية العامة بقيت موضع خلاف، كذلك موضوع محافظة كركوك (النفطية)، وأي محاولة للانفصال دون توافق داخلي ستعني التضحية بكل المنجزات الكردية، وستؤدي إلى انفجار الوضع في كافة المدن والمناطق المختلطة، التي تضم عربا، وأكرادًا، وتركمانًا، وأشوريين، وكلدانيين…([20])
وبالتالي (وبلغة المصالح) على القيادة الكردية أن تتأنى بخطواتها، وتدير معركتها بحكمة، على قاعدة التوافق والتراضي مع بغداد أولا، ومع دول الجوار ثانيا، ومع المجتمع الدولي ثالثا، وأن تدرك أن الشيء الوحيد الذي سيحمي الأكراد من تبعات المواجهة مع دول الإقليم هو الاتفاق مع الدولة العراقية. وخلاف ذلك، فإن المنطقة قد تتفجر فيها حروب قومية وطائفية لن تنتهي في المدى المنظور..
في مقابل كل ذلك، يرى مؤيدو الانفصال (سواء من الأكراد أم من غيرهم) أن للأكراد حقًا طبيعيًا غير قابل للتصرف، هو حق تقرير المصير، وإنشاء كيان مستقل.. وهذا هو الحلم الكردي الذي ناضلت أجيال عديدة من أجله، وقدمت في سبيله تضحيات جسامًا.. وتحقيق أي حلم من الطبيعي أن يكون أمرا صعبا وشاقا، ومن المتوقع أن ينجم عنه وترافقه أخطار عديدة، وعراقيل غاية في الصعوبة.. لكن الأمر يستحق المغامرة.. وأصحاب هذا الرأي مقتنعون أنهم أمام لحظة تاريخية فارقة، وفرصة لن تتكرر، لا ينبغي تفويتها مهما كلف الأمر..
الأكراد السوريون
اعتبر الكاتب الأردني “عريب رنتاوي” أن ما يجري في شمال العراق، “بروفة” يترقبها أكراد سورية بكل شغف واهتمام، فإن أفلت أكراد العراق بدولتهم واستقلالهم، سيكون ذلك فألاً حسنًا لأكراد سورية، وإن نجحت القوى الإقليمية في دفن حلم الدولة الكردية، كان ذلك بمثابة صفعة للأكراد وطموحاتهم بعيدة المدى.
وفي مقالته على الأيام كتب: “أعلن أكراد سورية إقليمهم الفيدرالي، وها هم يسيرون على خطى نظرائهم العراقيين، ولكن بخطوات أكثر تسارعًا.. لهم جيشهم وتمثيلهم الدبلوماسي، ولهم وزاراتهم “السيادية”، وقد أعلنوا إدارة مدنية ذاتية، وأجروا انتخابات المجالس المحلية، وربما غدًا أو بعد غدٍ، سيستكملون بناء مؤسساتهم الفيدرالية، فإن سارت الأمور على ما يرام، انتقلوا بعدها للمطالبة بالاستقلال، مرورًا باستفتاء عام، على غرار ما يجري في جوارهم القريب”.
وأضاف “الرنتاوي”: “لن يعود أكراد سورية إلى ما كانوا عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في آذار من العام 2011، وهم يدركون تماما أن الوقت غير مناسب للانفصال بدولة مستقلة، فدون ذلك خرط القتاد، إن لم يكن من قبل سورية وحليفتها إيران، فمن قبل تركيا وحلفائها في المنطقة كذلك.. لذا لا نرى مطلب الدولة حاضرًا بقوة في خطاب أكراد سورية، لكن “تقرير المصير” سيكتسح أدبياتهم، على نطاق واسع وليس تسللاً كما ظل يحصل حتى الآن”.([21])
الكاتب والمحلل السياسي “ماجد كيالي” أوضح في دراسة نشرها على الجزيرة، أنه لا يوجد للأكراد في سوريا كيان مستقل، أو تجربة كيانية سابقة، ولا مناطق كردية خالصة، على النحو الموجود بالدول الثلاث الأخرى، ولذلك، فإن القوة الكردية المهيمنة (قوات سوريا الديمقراطية) لا تطرح الانفصال، وإنما تطرح إقامة دولة فدرالية أو اتحادية -ذات نظام ديمقراطي- لكل مكونات الشعب السوري.
ويؤكد “كيالي” أن المسألة الكردية في سوريا نشأت كنتاج للسياسات الظالمة والتهميشية، التي انتهجها النظام ضد الشعب السوري بأكمله، لكن الأكراد لم يتم اضطهادهم كمواطنين فقط؛ بل تم ذلك باعتبارهم كردًا أيضًا، وهو ما يتجلى في تهميش مناطقهم وحرمانها من الموارد، وفي حرمانهم من الجنسية.
ومع ذلك، لا توجد لدى الأوساط الكردية توافقات حول المستقبل، فثمة من يرى أن الوقت حان لإقامة كيان قومي مستقل، وهناك من يرى أن الوضع يتطلب إقامة كيان حكم ذاتي في إطار فدرالي، وثمة من يرى أن دولة المواطنة الديمقراطية تحل الأمر.([22])
إشكالية الهوية في المسألة الكردية
بالعودة إلى سؤال البحث المركزي، أيهما أهم: حق الشعوب والأقليات في تقرير مصيرها، أم المحافظة على وحدة البلاد والسلم الأهلي؟؟ أيهما أكثر قداسة: أن يكون لكل شعب أو أقلية دولة مستقلة، أم أن يعيش الأفراد والمواطنون بكرامة وأمن في دولة المواطَنة؟؟ وهل حدود العراق، وحدود سايكس– بيكو مقدّسة، وأكثر قداسة من حياة المواطنين؟؟
لا شك أن إجابات القيادات السياسية على هذه الأسئلة ستنطلق من محددات مصالح الطبقات الحاكمة، وبعيدا عن أي قيم أخلاقية وإنسانية، وكل ما يُقال عن مصالح الشعب وحقوقه الوطنية والتاريخية، وهيبة الدولة، وحماية حدودها.. إنما هو لتجميل صورة الحرب والاستبداد ونظام الحكم في أعين الجماهير، بل ولجعلهم وقودا لحروب تلك القيادات السياسية.. وأقصد هنا كل القيادات السياسية لدول الإقليم.. وهذا ينطبق على جميع الأنظمة وعلى مر التاريخ..
ولكن هذا يحيلنا إلى سؤال تعريف الهوية الإشكالي.. كمدخل علمي وإنساني لفهم المسألة.. الكاتب العراقي “كاظم حبيب” يطرح وجهة نظره في هذا الموضوع قائلا: “أرى أن الهوية بمفهومها الملموس هي التعبير عن، أو التجسيد لوعي الفرد وإدراكه لذاته وثقافته ضمن المجموعة الثقافية أو الحضارية التي هو منها ويعيش معها، إنه الوعي الذي يضع الإنسان أمام خياره ورغبته الملحة في إثبات ذاته، وفيما يسعى إليه. وهي باختصار إدراك معنى الحرية كضرورة، كرؤية فلسفية. والهوية بهذا المعنى لا تقتصر على عنصر واحد، فهي تجمع بين ماضي الفرد والجماعة وحاضرهما ورؤيتهما المشتركة للمستقبل، وهي تجمع بعض أو كل العناصر التي يمكن أن تشكل الهوية، ومنها: الثقافة، واللغة، والتاريخ، والذاكرة، والقومية، والوضع النفسي والتطلعات، والعادات والتقاليد، والجغرافية، أو المكان”.
وعن الهوية الكردية يضيف “حبيب”: “الفرد الكردي له هويته المشتركة مع البشرية كلها، إنها هوية إنسانيته، ولكن له خصوصيته في هويته، كما لبقية البشر، فهو كردي القومية، واللغة، والثقافة، والتاريخ، وكردستاني المكان، أو الجغرافية، وهو عراقي المشاركة في التاريخ والهموم، كما إنه شرق أوسطي وآسيوي في آن واحد. ومن هنا نرى أنه ليست للإنسان، ومنهم الفرد الكردي، هوية واحدة، بل هوية مركبة من هويات فرعية، وتعددها لا يلغي الهوية التي يرى فيها شخصه أو شخصيته وثقافته ويركز عليها كفرد ضمن الجماعة التي هو منها. كما علينا أن نرى بأن الهوية ليست ثابتة بل متحركة ومتطورة بتطور وعي الإنسان وقدرته على وعي ذاته وحقوقه ولاسيما حريته باعتبارها وعي الضرورة”.([23])
وكما وصفها أمين معلوف في كتابه الشهير “هويات قاتلة”، تصبح الهوية قاتلة بالفعل حين تكون ذات نزعة قومية شوفينية أو عنصرية، أو دينية متعصبة، أو طائفية متزمتة، تميز بين أتباع الديانات والمذاهب، وتمارس التمييز بين الناس على أساس ذلك، وتمارس القاعدة الفاشية “من ليس معنا فهو ضدنا”، ويمكن أن تنشأ مثل هذه الهويات القاتلة لدى جميع الشعوب والقوميات دون استثناء! ([24])
القانون الدولي والإنساني يقر بأنه لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بحرية وإرادة واستقلال وفقًا لما تريدهُ بإرادتها الحرة والواعية، وأن تتمتع بحرية التعبير والعقيدة والتحرر من الخوف والاضطهاد، بعيدًا عن أية قوة أو تدخل أجنبي، وبعيدًا عن أية أعمال قمعية تحت أي مسمى..([25])
فهل يحق للشعب الكردي ممارسة هذه الحقوق بكل حرية؟ الجواب نعم دون تردد.. لكن ممارسة هذا الحق يجب أن تأتي في إطار إنساني أولاً؛ أي بعيدا عن كل القيم العنصرية والقومية الشوفينية، وأن تشكل دافعا للرّقي الاجتماعي والحضاري لشعبها ولشعوب المنطقة، ولتحقيق مستوى أرفع للحياة في جوٍ من الحرية الإنسانية والتسامح والأخوة والعيش المشترك، كأسمى ما ترنو إليه النفس البشرية، هذا ثانيا.. أما ثالثا، فإن مثل هكذا حل، وبهذه الصيغة الإنسانية المنفتحة يتطلب تحقيق التوافق الداخلي ثم الإقليمي لتجنيب المنطقة ويلات الصراعات والحروب.. ويتطلب أيضا ضمان حقوق كل المواطنين والمجموعات التي تعيش في الإقليم.
خلاصـــة
الأكراد شعب عريق وتاريخه ممتد لآلاف السنين. هذا الشعب تحمل الظلم والقمع والإنكار والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.. ومع ذلك بقي صامدا ومتمسكا بهويته الوطنية، وفي هذا الجانب من الصمود والمقاومة أصبح أكثر شبها بالشعب الفلسطيني. الشعب الكردي ليس شعبًا طارئا في المنطقة، وهو ممتد جغرافيًا في أراضي أربع دول كبيرة. أكثر من ثلاثين مليون كردي يعيشون في هذه المنطقة الجغرافية، ويشتركون بتاريخ واحد ولغة واحدة حافظوا عليها رغم حرمانهم من استخدامها من قبل الأنظمة المختلفة على مر العقود الماضية. وفي المعايير الدولية تنطبق على الأكراد كل المعايير التي تنطبق على الفلسطينيين، والتي استندت عليها الدبلوماسية الفلسطينية في تحقيق الاعتراف الدولي والثنائي وفي الأمم المتحدة.([26])
ولا شك أن الأكراد تعرضوا لظلم تاريخي، وحُرموا من حق تقرير المصير، وأن الدول الأربع التي عاشوا في أكنافها أذاقتهم الويلات.. وسلبتهم حقوقهم الوطنية وحتى المدنية، وبالتالي من حقهم، وبعد التضحيات الجسيمة التي قدموها، وبعد مسيرة طويلة من الكفاح المرير، أن ينالوا استقلالهم، وأن يعيشوا بحرية وكرامة وسلام فوق أرضهم التاريخية..
ونحن كفلسطينيين، كنا وما زلنا نؤيد العراق، وتعاطفنا معه بكل صدق في الحروب العدوانية التي شُنّت عليه، بيد أننا أيضا نتعاطف مع حق الأكراد في تقرير مصيرهم، وفي حقهم المشروع في دولة قومية ديمقراطية.. لأن من يناضل من أجل الحرية والاستقلال ويؤمن بعدالة قضيته، عليه أن يتضامن مع كل من له قضية تشبه قضيته، فالعدالة لا تتجزأ.
وقد حظيت القضية الكردية بأهمية كبيرة، نظرا لتوزعها على أربع دول، من أهم دول المنطقة، وأي حل أو تصعيد للمشكلة الكردية يؤثر مباشرة في أوضاع ومستقبل تلك الدول.. إضافة إلى أهمية منطقة كردستان الجيوسياسية والإستراتيجية والاقتصادية وتمتعها بالموارد، خصوصًا النفط، إلى جانب كونها تعج بالإثنيات والجماعات القومية والطوائف، في منطقة وزمن تشتد فيهما حدة الصراعات القومية والدينية والطائفية، والمشاكل الإثنية والعرقية، ومشاريع الانفصال.. التي تؤثر على دول المنطقة وعلى المصالح الإقليمية والدولية.
لذلك، خرجت القضية الكردية من العراق، بل ومن محيط المنطقة كلها، وانتقلت من الدائرة المحلية إلى الدائرة الدولية، لتصبح من ألحّ القضايا الدولية المعقدة التي تتطلب حلولاً عاجلة وسريعة. وإذا ما استثنينا القضية الفلسطينية وعدوان إسرائيل المتكرر والبعد الإنساني والسياسي لقضية اللاجئين، فلربما كانت القضية الكردية من القضايا ذات البعد الإنساني والسياسي الأكثر سخونة والتهابًا بعد القضية الفلسطينية. وقد كان صدور القرار 688 في 5 نيسان 1991 من مجلس الأمن الدولي عودة جديدة بالقضية الكردية إلى الأروقة الدولية، وتحديدًا في إطار الأمم المتحدة، منذ معاهدة سيفر 1920.([27])
ومع أهمية وجسامة التضحيات الكردية، وعدالة مطالبهم، إلا أن القضية الكردية كانت موضع استغلال ومساومات، وقد تلاعبت بها الأطراف الإقليمية والدولية، كلٌ لمصلحته الخاصة، دون مراعاة لمصالح الشعب الكردي نفسه، وقد تساوقت قيادات كردية مع هذا، على أمل تحقيق بعض المكاسب، ولكن ذلك أضر كثيرا بالقضية الكردية.
في التاريخ البعيد نسبيًا للشعب الكردي، بعد الحرب العالمية الأولى، أَقرت “معاهدة سيفر” بحق الشعب الكردي بتقرير المصير، والتي ألغاها أتاتورك بعد ثلاث سنوات، في “معاهدة لوزان”، وبذلك وُضع الشعب الكردي تحت سيطرة الدول الأربع.([28])
وفي التاريخ القريب نسبيا، بيان آذار 1970 الذي مُنح بموجبه أكراد العراق ما يشبه الحكم الذاتي، ونالوا حقوقا جعلت أوضاعهم هي الأفضل نسبيا مقارنة بأكراد الدول الأخرى، وفي تاريخ أقرب، أقام أكراد العراق ما يشبه الكيان المستقل في ثلاث محافظات شمالية، دون موافقة بغداد في مطلع الأمر، أي بعد انتفاضات 1991، ثم بموافقتها رسميا بعد الاحتلال الأمريكي 2003.
إن حل القضية الكردية (في العراق أولا، ثم في بقية الدول) ينبغي أن يتركز على إقامة دولة المواطنة، التي يعيش فيها جميع المواطنين أحرارا ومتساوين، في ظل نظام ديمقراطي ودولة مؤسسات وقانون.. لا تمييز فيها بين المواطنين على أسس مذهبية أو عرقية أو قومية.. يمكن أن يكون كل ذلك في إطار دولة فدرالية، تقوم على أساس جغرافي/مناطقي لا على أساس إثني أو طائفي، لأن الفدرالية تعني وحدة الأرض والشعب والدولة، وتحول دون التقسيم وإعادة إنتاج نظام الاستبداد، الذي يتغذى من الدولة المركزية التي تحتكر السلطة والموارد.([29])
وهذا النظام كفيل بحماية وصيانة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات والجماعات القومية، واحترام ثقافتهم وخصوصيتهم. فحل القضية الكردية لا ينبغي أن يكون على حساب الأقليات والجماعات الأخرى التي تعيش في المنطقة.. ولا على حساب وحدة العراق..
وسعت قطر للقيام بدور إقليمي متصاعد مستغلة الانحسار
المرحلي لأدوار العديد من الدول العربية المحورية لأسباب متعددة، رغم أنها كانت
تفتقد لبعض عناصر القوة التي تؤهلها لذلك (حجم المساحة الجغرافية، عدد السكان،
القوة العسكرية والعلمية … إلخ) باستثناء الثروة المالية. وأدى ذلك إلى تعثر
جهودها الإقليمية تارة، واستياء دول في المنطقة تارة أخرى من تصاعد الدور القطري
الطموح على هذا النحو.
([1]) قيس قدري، القضية الكردية بين العاطفة والحقائق الجيوستراتيجية، دنيا الوطن، 26/9/2017.
([2]) من هم الأكراد، محطة قيس مراد قدري، القضية الكردية BBC بالعربي 22/10/2014:
([3]) أعداد وتوزع الأكراد، الجزيرة نت، 22/9/2017: http://cutt.us/uAW5Q
([4]) عبد الله محمد علي العلياوي، جذور المسألة الكردية، الجزيرة نت:
([5]) عبد الله العلياوي، المرجع السابق.
([6]) المرجع السابق نفسه.
([7]) صادق الشافعي، عن كردستان والاستفتاء والكيانية المستقلة، جريدة الأيام، 16/9/2017.
([8]) عبد الرضا حمد جاسم، شمال العراق، كردستان، الحوار المتمدن، العدد ، 5620، 24/8/2017:
([9]) عبد الحسين شعبان، القضية الكردية.. استحقاقات التجربة، الجزيرة نت، 23-5-2006:
([10]) قيس قدري، القضية الكردية، مرجع سابق.
([11]) المرجع السابق نفسه.
([12]) حسن البطل، نعم للاستفتاء؛ “لعم” للاستقلال!، جريدة الأيام، 21/9/2017.
([13]) قيس قدري، القضية الكردية، مرجع سابق.
([14]) عبد الحسين شعبان، القضية الكردية، مرجع سابق.
([15]) المرجع السابق نفسه.
([16]) المرجع السابق نفسه.
([17]) المرجع السابق نفسه.
([18]) قيس قدري، القضية الكردية، مرجع سابق.
([19]) عبد الرضا جاسم، شمال العراق، كردستان، مرجع سابق.
([20]) حسن البطل، نعم للاستفتاء؛ مرجع سابق.
([21]) عريب الرنتاوي، الأنظار تتجه إلى أربيل… ماذا عن «روج آفا»؟، جريدة الأيام، 2017-09-25.
([22]) ماجد كيالي، المشكلة الكردية السورية، الجزيرة نت، 16/10/2017: http://cutt.us/tAqd
([23]) كاظم حبيب، إشكالية الهوية وحقوق المكونات القومية، الحوار المتمدن، العدد 5652. 27-9-2017.
([24]) كاظم حبيب، إشكالية الهوية، مرجع سابق.
([25]) انظر: حق الشعوب في تقرير مصيرها، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 421 الصادر في 4/ كانون الأول/1950.
([26]) نور عودة، واجب فلسطين تجاه الشعب الكردي، صحيفة الحدث، 25/9/2017.
([27]) عبد الحسين شعبان، القضية الكردية. مرجع سابق.
([28]) حسن البطل، نعم للاستفتاء؛ مرجع سابق.
([29]) ماجد كيالي، المشكلة الكردية، مرجع سابق.