2024العدد 197عروض كتب

المشهد العربي تجليات وأبعاد 2011-2020

غزة وما تتعرض له من إبادة جماعية لتغيير معالمها والاستيلاء على أرضها ما هي إلا سلسلة من الإجراءات والأفعال وامتدادًا للتفتيت (العِرقي، والمناطقي، والطائفي) للمنطقة العربية، وكل ذلك يندرج تحت مسمى سياسة “الفوضى الخلَّاقة “، فهي كلمة السر للتخريب تحت ستار: الطائفية، المناطقية، وورقة المطالبة الديماغوجية بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وقلب الحقائق والكيل بمكيالَين.

ففي إطار تفجير الانقسامات الاجتماعية وإطار ” الزعزعة البنَّاءة “، فهي سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لبعض الدول العربية، إن الاستقرار بحد ذاته عائق أمام تقدم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

هنا يطرح الكاتب في ذلك الكتاب المشاكل والقضايا العربية المستعصية ويحللها كي يقدم المختصون الحلول، فكيف السبيل إلى إنهاء الصراعات المتسارعة في (السودان، وليبيا، وسوريا، والعراق، وأيضًا فلسطين)؟ وما هي الحلول؟ ومتى ستنتهي تلك الأزمات؟

وبالنسبة للكتاب، فقسَّمه كاتبه إلى فصلين وكل فصل مقسم إلى عدة موضوعات، فالفصل الأول مثلًا، يناقش صراع اليمين واليسار في المنطقة العربية فيقول: “إنه منذ ستين عامًا- نهاية أربعينيات القرن الماضي- وبروز حركات تصفية وانقسام في رؤي نظام الحكم، والتوجهات في طريقة التعامل مع القضايا العربية والإقليمية، والعلاقات الدولية، شهدت المنطقة في علاقاتها العربية العربية شد و جذب، وتحالفات وعداوات وخصومات بين طرفي المعادلة العربية، رغم بعض التحالفات المتقاطعة الوقتية أحيانًا، إلا أن المشهد العربي ظل متنازعًا بين إرادتين واضحتي المعالم والعناصر (اليمين، واليسار)” .

الأول: اليمين العربي، بما فيها أنظمة حكم ودول، تمثل ذلك في (منطقة الخليج العربي، والأردن، والمغرب، وتونس، والعراق، وليبيا آنذاك)، وما لها من أنظمة حكم ودول: مملكات، ومشيخات، وبعض الجمهوريات، وما يسير في رَكبها أو قريب منها من تيارات فكرية وسياسية (الإخوان المسلمون، تيار الملكيين، التيارات الوطنية، التيارات السلفية والوهابية) عبر الرقعة العربية.

الثاني: اليسار العربي، بما فيها دول وحكومات ظهرت نتيجة الثورات، وهو ما عُرف بالتقدمية وعلى رأسها ثورة 23 يوليو 1952، ومن معها من دول وأنظمة، فالجمهوريات مثلًا (مصر، والجزائر، وليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن الجنوبي)، وتيارات فكرية وسياسية (ناصرية، بعثية، اشتراكية، بقية التيارات القومية والتقدمية، الشيوعية) عبر الرقعة العربية.

ورُغم الصراع على الزعامة بعد وفاة عبد الناصر فكان بين اليسار واليمين، مراحل التقاء واتفاق في حرب 1973.

وعمومًا، طوال عقد السبعينيات وحتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت حالة من الانجذابات كان مسرحها غالبًا (بيروت، والقضية الفلسطينية)، حتى ظهرت محاولات قيام اتحادات جغرافية عربية لاحقًا (مجلس التعاون الخليجي، مجلس التعاون العربي، اتحاد المغرب العربي)، صورة واضحة جدًا على شكل المشهد العربي.

وبعيدًا عن تفاصيل اللعبة السياسية العربية، ظل التوجه العام لإرادة اليمين من جهة وإرادة اليسار العربي من جهة أخرى متصارعًا متجاذبًا مع التأرجح المؤقت لمواقف بعض الدول العربية الأخرى.

وبنظرة موضوعية لصراع الإرادات وقيادة المنطقة العربية تاريخيًّا، يعطينا صورة واضحة لبعض المشاكل الداخلية، وعلى المستوى المحلي- وخاصة في مجال التنمية والتعاون العربي ومواكبة العصر وتصاعد الأحداث التي تم انتهازها في موضوع الربيع العربي.

وعن الربيع العربي، يذكر الكاتب أن الملاحظ أن ما يحدث للشعب العربي على عكس ما توحي به كلمة “ربيع”؛ فهناك تحالف مع قوى غربية لتدمير البلدان العربية، وإسقاط عواصمها، ونشر القتل والقتال فيها، ونهب ثرواتها، وإنشاء وتمويل وإدارة الفتوى لجماعات إسلامية دموية ترفض مفهوم الأمة العربية، وتشن حروب إبادة على المجتمعات المحلية، وتكفِّر علماء الأمة وطوائفهــــــــا.

إذن ماذا حدث للعروبة والعرب، هل هو كان اجتثاث، أم إعادة صياغة، أم الاثنين معًا؟

والإجابة هي محاولة تحويل إرادة المقاومة والتحرر والسيادة الوطنية العربية عبر الزمن ومجموعة من الإجراءات إلى (إرادة بيد اللعبة الدولية) تحقق مآربها، وتقاتل في معاركها، تحقق الهيمنة على الأمة ومقدراتها؛ فالعربي هو المطلوب، وإرادته هي المطلوبة والمسموح بها، فهي التي تقاتل نيابة عن الغرب وبتمويل من أموال الأمة نفسها، وإرادة العربي المسموح بها هي التي تشن الحرب على بعضها البعض داخل البيت الواحد. وفي المقابل، لا يمكن لها الاقتراب مــــــــــــــــن (القضية الفلسطينية أو المقاومة).

وليس خفيًّا الحديث عن “حروب الجيل الرابع”، فهي تطور جديد في شن الحروب بشكل تقليدي، وهي أيضًا نتائج التطور العلمي في مجال (علم الجماعات، والعصيان، وإدارة الهياج والفوضى، وعلم الاتصال والتواصل)، وأيضًا التطور العلمي والبحثي عبر إدارة قوية وفاعلة تستخدم في تحقيق الأهداف الكبرى والإستراتيجيات، فالدول الكبرى ليست فقط قوة (اقتصادية، ومالية، وعسكرية)، بل هي أيضًا قوة بحثية في استخدام المنهج العلمي وفي معرفة الواقع والتعامل معه عبر مراكز البحث القوية والجامعات المتقدمة والمتطورة. وهناك أيضًا التقدم في مجال الإدارة، وهو الذي أوضح الفارق الكبير والجوهري بيننا وبين الدول الغربية، فهذا التطور الكبير يستخدم أيضًا لتحقيق أهداف من سيطرة وإدارة علاقات دولية، وممارسة المنافسة والصراع، والأهم ممارسة الحروب والنهب، ليس فقط بجيوشها، وإنما حديثًا بدفع مجتمعات معينة نحو الأزمات والفوضى لتدمر نفسها بنفسها وبأيديها، وبمبررات قيمها الدينية والاجتماعية، بما يخدم أهداف معينة يتم تحديدها في مراكز البحث، وإدارة العمليات الإستراتيجية والقيادة عن بُعد.

وعلى كلٍ فالشعوب العربية، هي لا تنفي أبدًا مشروعية المطالبات المحلية، ولا تنفي حقيقة الاختناقات الداخلية والتخلف، وانعدام التنمية والحاجة للتطور ومشروعية الدعوة له وضرورته في إطاره الوطني، ولكن لا تغفل أن شعوب عربية تتعرض لعملية استغلال لظروفها وواقعها وقيمها ومطالبها، بإثارتها والطرق على مشاكلها واختناقاتها (العراق، سوريا، ليبيا، اليمن)؛ لتشكيل واقعها كيفما تريد (اللعبة الدولية وأذرعها) بـالنهب، والدم، والدمار، والتدخل عن بعد عبر إدارة عمليات قوية جدًا وماهرة في استخدام أدوات (التأثير، والتوجه)؛ ذلك يحدث نتيجة لضعف علاقة مراكز البحث الوطنية بالإدارة السياسية، وضعف التكامل العربي العربي، هذا التكامل الذي يجب أن يقوم على الإرادة العربية التي استهدفت عبر عمل مزدوج دولي متناغم مع أدوات عربية.

إلا أن بعض البلدان العربية التي صمدت، والتي امتلكت قوة إعلامية مؤثرة، وقوة عسكرية متمثلة في جيش وطني قادر على اتخاذ قرار سياسي في اللحظة الحاسمة والحرجة، والمهارة في نسج علاقات دولية _وفرت بها شيئًا من القدرة على مواجهة لعبة الإستراتيجيات الكبرى للنهب.

وبالنسبة لتركيا وعلاقتها بالأمة العربية، فيرى الكاتب أن تركيا تلعب دورًا قياديًّا بقيادة أردوغان، لافتًا فيما يجري في الأمة العربية، فالأذرع التركية تعبث على امتداد الخريطة العربية، ولها تقاطعات سياسية مع الكثير من الدول العربية نتيجة لهذه الأذرع، فلتركيا دور فيما جرى في سوريا من دمار؛ فهي كانت معبر خطوط إمداد للمرتزقة وعشرات الآلاف من الإرهابيين، وشكلت قاعدة رئيسة للحرب منذ ثمانِ سنوات، ويرى أيضًا أن لتركيا الدور الأكبر فيما يجري في ليبيا منذ بدء الأحداث فيها، فكان لها الدور الكبير في قصف الطيران 2011 م،  وما تلا ذلك من شحن أسلحة للإرهابيين ونهب أموال، مما كان له الأثر الأكبر في عدم استقرار وسلامة ليبيا.

وفي نفس الوقت، كان لتركيا خصوماتها وتدخلاتها السياسية العميقة مع مصر، وحاولت أيضًا -إبان حكم عمر البشير للسودان- الحصول على موطئ قدم في البحر الأحمر، ومناوشة مصر عبر جزيرة سواكن، ولها أيضًا تقاطعاتها مع الإمارات العربية المتحدة، وخصوماتها مع المملكة العربية السعودية.

وعلى كلٍ، فالكاتب يرى أن الأمة العربية اليوم أصبحت شبه مفككة؛ لفقدانها مشروع الإرادة السياسية، الذي تم التحالف عليه ومهاجمته وتشويهه وحرقه معنويًّا، وهذا المشروع يفتقد اليوم أيضًا الدولة القاعدة بفعل حروب دول الهيمنة وأدواتها في المنطقة، هذا المشروع العربي كانت قد أضرت به أيضًا المعارك البينية والخصومات الانفعالية، والتي وصلت إلى حد أن قاتل بعض القوميين العرب في معارك ليست واجبة لا في زمانها ولا في مكانها (الحرب العراقية الإيرانية، والحرب ضد العراق عام 1990، حرب تحرير الكويت)، ثم منذ عام 2011، يقاتلون صفًا واحدًا مع الناتو يدًا بيد، ومع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كل ذلك كما يرى الكاتب تم بفعل زرع فكرة وحالة عداء مستغَلٍ ضد العرب والعروبة، فبمجرد كتابة جملة “الأمة العربية” أو تذكـر” القومية العربية” أو العروبة، تنبري الخلايا النائمة وتصب جامَ غضبها على تلك الكلمة وعلى العروبة والأمة العربية.

أما عن الفصل الثاني من الكتاب، فقد خصصه الكاتب للحديث عن الأمة الليبية؛ حيث يعد الدور الفرنسي لافتًا من ضمن عوامل أخرى في الأزمة الليبية مما يتطلب النظر والتحليل، فالمتتبع للعلاقات الليبية الفرنسية تاريخيًّا لا يلاحظ عداءً كبيرًا بين (فرنسا، وليبيا)، إذا ما قورن الأمرُ بعلاقات (ليبيا، وبريطانيا، وأمريكا) باستثناء مرحلة الصراع التشادي، ففرنسا أيضًا لها علاقات جيدة بليبيا، وهي لم تكن البلد الذي يستعمرها، ولم يكن لها أيضًا قواعد في ليبيا مثل (بريطانيا، وأمريكا).

ولكن بالعودة إلى عام 2003 بعد أشهر قليلة من الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، ووقوف فرنسا في موقف المعارض للاحتلال، ولكن موقفها لم يستمر على حاله، وظهر جليًّا تغير الموقف في حملة ساركوزي الانتخابية وزيارته لأمريكا بعد انتخابه رئيسًا لفرنسا، وما قاله في إطار عودة تحالف فرنسا مع أمريكا فيما سماه “قيادة العالم الحر”.

إن هذ الأمر يبدو مرحلة مهمة في معرفة التطور الفرنسي من ليبيا، التي دعمت حسب تصريحات رسمية ليبية الحملة الانتخابية لساركوزي في إطار صفقة سرية، بل إن الفرنسيين عرضوا فيما بعد فكرة شراء أسهم من مؤسسة النفط الليبية، لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي اعتقدوها في الاستئثار بالكعكة الليبية؛ فالقذافي واجه فرنسا باستقلالية قراره، وذهب إلى أبعد من ذلك بتغريم شركة توتال الفرنسية 200 مليون دولار عن مخالفة قانونية ارتكبتها الشركة في عقودها في ليبيا.

وهذا مع الأخذ بالاعتبار أن القذافي قد تحرك بفاعلية في مناطق نفوذ فرنسا الحيوية في إفريقيا بإنشاء تجمع (س ص)، الذي يضم أغلب دول غرب إفريقيا وفيما بعد كان وراء تأسيس الاتحاد الإفريقي، وأصبح هناك حديث فعلي عن الدينار الإفريقي الذي سيكون نقلة حقيقية للاقتصاد الليبي وهو الذي يعني حرمان الاقتصاد الفرنسي من الدورة الاقتصادية لمجموعة غرب إفريقيا في (الفرنك) الممول المضمون من البنك الفرنسي، بل كان القذافي أيضًا وراء إفشال مشروع فرنسا ” الاتحاد من أجل المتوسط “.

إن الأمر لم يكن ليستمر طويلًا، فالقذافي صار لاعبًا كبيرًا في مناطق فرنسا الحيوية، وليس جديدًا في عالم الأطماع والنهب أن تخطط الدول الكبرى لتنهب الشعوب الصغرى؛ فقد رأينا غزو أمريكا وبريطانيا للعراق، دون أن ينظر ذلك للقيم الإنسانية ولا التحالفات، ونفس الأمر حصل لليبيا ولكن بشكل وبطريقة وأسلوب آخر، بل وبتخطيط دولي، مستخدمين الاختناقات المحلية.

ومع تصاعد التنافس الغربي الاقتصادي والدولي ولعبة النفوذ مع الصين وروسيا والسباق على الموارد والنفط تحديدًا، أو بالتوازي مع وصول ساركوزي للحكم واستيقاظ الإمبريالية الفرنسية على خسارتها لجزء من الكعكة العراقية، واتجاه ساركوزي إلى واشنطن، وعقد صفقة المستقبل، وأنشئت على إثرها ما عُرف بـ(اللجنة البريطانية الفرنسية)، والتي عملت على الموضوع الليبي وربما الإقليم كله “سايكس بيكو جديد” بالتوازي مع التغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة.

والتهمت الكعكة الليبية والسورية أيضًا في عالم لا يعرف إلا الحصول على الموارد بدون وجه حق، ولا يسمح للأمم الصغيرة للنهوض إلا في مجال إستراتيجاته.

أما عن الواقع الليبي الآن، فهناك سيطرة من الجيش العربي الليبي وبسط السيادة الوطنية على (المنافذ، والمطارات، والموانئ، والقواعد العسكرية، وعلى مركز الدولة)، يعني الخطوة الكبيرة والمهمة عن طريق إبقاء ليبيا يدًا واحدة معتمدة على “الشعوبية”، ومركباتها وأدواتها التي تسيطر على مركز الدولة والكثير من موانيها وقواعدها ومنافذها (البرية، والبحرية، والجوية)، وهي خطوة تلتقي وتتكامل مع ما تقوم به جيوش (مصر، وسوريا، والجزائر).

أما عن قصة الليبيين والأمم المتحدة، فيحدثنا عنها الكاتب أن الأمم المتحدة مما تفعله في ليبيا من ثلاثين عامًا هي الغطاء الذي يستخدمه ” الغرب”، العدو الأول لليبيا والليبيين؛ فقد تأخر المشروع الواعد الذي كانت تعدُّه ليبيا بسبب الحصار الظالم تحت ذريعة قضية لوكربي، وأيضًا عام 2011 كانت غطاء لضرب السلام الأهلي في ليبيا عبر تعميم مشاريع الدول الغربية التي جعلت من ليبيا موطئ قدم للإرهاب والإرهابيين، فكلما ضيق الليبيون على الإرهاب تنبري الأمم المتحدة ومبعوثوها بطلب ممرات آمنه لهم تحت اسم (أطفال درنة، أطفال قنفودة..)، ووقف إطلاق النار وهي تشاهد إدارة الإرهاب في المنطقة ومنها بالقطع ليبيا.

ويرى الكاتب أخيرًا أن الطريق الوطني المطلوب والمثمر هو ما تصنعه وتخطط له وتقوم به وفق إرادتك وبإدارة أهدافك، وقيادتك وفق جدول وسلم الأولويات الوطنية، وليس تصديق وتسليم أعمى واستجابة ولهث وراء مشاريع وتصريحات مبعوثي الأمم المتحدة وفرق عملها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى