منذ أواخر القرن التاسع عشر، يواجه الوطن العربي من خليجه العربي إلى المحيط الأطلسي العديد من التحديات الداخلية والخارجية، حيث تعرض ولا يزال لهجمات استعمارية صهيونية بكل صورها وأدواتها الإجرامية، بهدف واحد رئيسي يتمثل بفرض التبعية والوصاية، وتقطيع أواصر الترابط بين مكونات أبناء الوطن، وفي سبيل ذلك سعت وتسعى القوى المعادية لهذه الأمة لتجريدها من مختلف وسائل البقاء والتطور والنهوض، وحتى تتمكن القوى الاستعمارية الصهيونية من تحقيق أغراضها العدوانية، فوضعت استراتيجيات للسيطرة على مقدرات وخيرات هذه الأمة، التي يبرز من بين أهمها وأخطرها محاولة امتلاك مواد استراتيجية هامة جدا وبشكل رئيسي وأهم هذه المواد النفط والماء.
فالتحديات المائية في الوطن العربي آخذة في التعمق والتأثير السلبي الخطير بالأبعاد كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية، وهي أهم الأدوات التي يسعى الطامحون للسيطرة عليها لفرض التبعية والوصاية عليه، وبخاصة أن الكثير من مصادر الوطن العربي المائية تأتي خارج حدوده الجغرافية والسياسية، كما أن هناك محاولات من قبل هذه الدول للاستئثار بأكبر كمية ممكنة من المصادر المائية المشتركة معها في أحوال هذه الأنهار، أضف إلى ذلك أن الكثير من القوى المحيطة بالوطن العربي، تعمل بشكل صريح أو ضمني للتنسيق والعمل مع الكيان الصهيوني، ولم يتوقف الأمر على القوى المحيطة فحسب، بل بات أكثر حرجًا مع بوادر التعاون العربي الصهيوني في إقامة مشاريع مائية مشتركة.
فلا يمكن فصل الأمن المائي العربي عن مسألة أهمية ودور الموقع الاستراتيجي للوطن العربي، وما يواجهه من تحديات متعددة الجوانب، وفي مقدمتها مشكلة الحفاظ على موارده المائية، لما لها من تأثير خطير في التنمية على الأمد القصير والمتوسط أو البعيد، وما يجعل قضية الأمن المائي العربي أكثر خطورة، أن أغلب البلدان العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مائها، إذ أن أثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال وكينيا وأوغندا وزائير أيضًا، هي بلدان تتحكم بأغلب الموارد والمصادر المائية في المنطقة العربية.
وفي خضم التطورات المتلاحقة، وبخاصة السياسية المضطربة والغامضة المعالم في المنطقة العربية، وبخاصة ما أطلق عليه مرحلة الربيع العربي، يحاول الغرب أن يعيد سيطرته على المنطقة العربية تحت مبررات كثيرة، ويسعى لإصدار نسخة جديدة أكثر سوءًا من اتفاقية سايكس بيكو 1916، ووعد بلفور الصهيوني عام 1917.
كل ذلك يتناوله بالتحليل كتاب المياه العربية من النيل إلى الفرات: التحديات والأخطار المحيطة، حيث يشرح الفصل الأول والثاني، المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بموضوع المسألة المائية والقانون الدولي وموقفه من المسألة المائية حيث نظم القانون الدولي منذ ما يزيد على 50 سنة عمليات استغلال مياه الأنهار بين الدول التي تشترك فيها، وقد أطلق عليها الأنهار الدولية نظرًا إلى وقوع فروعها وروافدها في منطقة تخضع لسلطة دولتين أو أكثر وأطلق على هذه الدول دول حوض النهر وقد كانت أول معالجة لاستغلال مياه الأنهار المشتركة من القانون الدولي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وذلك من خلال ما عرف بمبدأ هارمون حيث أقر المبدأ الدولي سيادة مطلقة على الجزء الذي يمر في أراضيها من النهر.
وقد تطورت مسألة الاهتمام بمعالجة مشاكل المياه الدولية، من مبدأ هارمون الذي ساد الفقه القانوني في القرن الثامن عشر، إلى المبادئ الحديثة التي أكدتها جمعية القانون الدولي خلال دورتها الثامنة والأربعين في نيويورك 1958 وقواعد هلسنكي 1966 التي تقضي بتقييد سلطات الدول على الأنظمة المائية، وبأن استغلال الدول للجزء الواقع في أراضيها مشروط بعدم الإضرار بباقي دول النظام.
بعد ذلك توصل معهد القانون الدولي في عام 1991 إلى مجموعة من القواعد العامة بشأن استخدام مياه الأنهار الدولية في العالم، هذه القواعد راعت معيارًا هامًا هو معيار عدالة توزيع المياه بين الدول المشتركة في الأنهار في العالم، ورغم وجود هذه القواعد الدولية التي تنظم مياه الأنهار بين الدول المشتركة فيها إلا أن كل نهر من الأنهار في العالم كان ينظم استغلاله بدون الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول المشتركة في حوض هذا النهر وبسبب الزيادة السكانية في جميع دول العالم وزيادة الحاجة إلى إنتاج الغذاء، كان هناك توسعات كبيرة في الزراعة في دول الأنهار الدولية، وكذلك كان هناك توسع في إقامة السدود ومشروعات إنتاج الكهرباء كطاقة رخيصة لازمة لعمليات التنمية وكان هذا هو بداية ظهور العديد من المشاكل بين الدول في معظم أحواض الأنهار الدولية إن لم يكن فيها جميعًا، بل إن الخلافات بين الدول امتدت إلى الأنهار غير الدولية، أي التي لا تشترك فيها أكثر من دولة مثل نهر الليطاني في لبنان.
وقد زاد حدة هذه الخلافات تناقص نصيب الفرد من المياه، وسيطرة شبح الخوف من شح المياه، ومع أزمة مياه مستقبلية قد تعود إلى حروب في أقاليم مختلفة من العالم، وبل وتقود إلى حرب عالمية وفقًا لما ذهب إليه البعض، ويبقى السؤال، كيف تعامل القانون الدولي مع المشكلات التي قد تترتب على محاولات السيطرة على منابع ومصادر المياه، كوسيلة وقائية لمنع حدوث صراعات مسلحة بين دول المنبع والدول التي تقع على أحواض الأنهار، ودول المصب ؟.
للإجابة على هذه التساؤلات أولاً لابد من الإشارة إلى القانون الدولي للمياه، الذي يصعب تقدير البداية الحقيقية له، لكنه في مجمله قد جاء بعد ظهور المشكلات الحدودية للأنهار العابرة للحدود، وهو ما يتطلب بالضرورة إيجاد فروع قانونية أخرى تنظم تدابير هذه الأنهار وتعالج ما ينشأ عنها من نزاعات وخلافات بين الدول، وقد اعتبرت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في اجتماعها في نوفمبر 2002، أن الحق في المياه يتضمن حقوق حماية الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، بما فيها المنشآت المائية والإمدادات وعمال الري وحماية البيئة الطبيعية من الأضرار، وضمان حصول المدنيين والمعتقلين والسجناء على الماء الكافي.
أما أهم مرجعيات القانون الدولي للمياه، فهي تتلخص في الاتفاقيات والمعاهدات والأعراف الدولية وجهود الفقه والقضاء، وأيضًا المبادئ التي جاءت بها اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية عام 1997.
أما عن مشكلة المياه العذبة فيشير الكاتب أنها ترجع إلى الستينات من القرن العشرين حيث فرضت تلك المشكلة نفسها على القيادة العربية، وتحديدًا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي دعا إلى عقد قمة عربية عام 1964 لمواجهة الأطماع الصهيونية في المياه العربية، وبخاصة مشروع تحويل نهر الأردن لمصلحة الكيان الصهيوني، حيث نتج عن ذلك قرارات هامة، لم يتم تنفيذها ومتابعتها بشكل جدي حتى وصلت الأوضاع المائية العربية إلى ما وصلت إليه، إذ لم تقدم الجامعة العربية أيضًا على تبني مشروع ملزم لجميع الأقطار العربية، وبخاصة بعد هزيمة يونيو 1967، ورحيل جمال عبد الناصر وما تبع ذلك من معاهدة كامب ديفيد 1978 مرورًا باتفاقية أوسلو 1993 إلى وادي عربة عام 1994 واتفاقية إقامة قناة البحرين في أواخر عام 2013، بين الأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وهكذا فإن الهيئات العربية وخلفها الدول العربية، مازالت غير قادرة على تبني استراتيجية مؤثرة في التعامل مع القضايا المائية، حيث إن العديد من المنظمات الإقليمية لم تستطع إيجاد حل معقول وعادل لحل المشكلات المائية العربية.
أما عن الفصلين الثالث والرابع فيتحدث الكاتب فيهما عن المشكلات المائية بين سورية والعراق من جهة وتركيا وإيران من جهة أخرى، حيث يقول الكاتب إنه لا يمكن فصل الأطماع السياسية وجذورها التاريخية عند مناقشة القضايا المائية بين عدد من الدول العربية من جهة أخرى، حيث إن تركيا تسعى من خلال إقامة المشاريع والسدود المائية، وبشكل خاص مشروع جنوب شرق الأناضول إلى تحقيق أهداف سياسية إضافة إلى أهداف اقتصادية وبخاصة في علاقاتها مع سورية والعراق، أصبحت الدوافع السياسية التركية وراء مثل تلك المشاريع واضحة في ضوء التطورات السياسية التي تعيشها هذه البلدان العربية (سورية والعراق) إذ تسعى تركيا – إذا تمكنت – إلى تغيير في خريطة الجغرافية السياسية في المنطقة من أجل بناء مكانة إقليمية متميزة من خلال الربط المائي الإقليمي، واستخدام الموارد المائية كورقة ضاغطة على كل من سورية والعراق، بواسطة التحكم بتصاريف نهر الفرات، فنجد أن تركيا تعارض بشدة أي اتفاق مائي متعدد الأطراف والتعاون معه بصورة دائمة من خلال ربط قضية مياهها بقضية السلام في المنطقة العربية، وخاصة بعد التقارب التركي – الإسرائيلي في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية.
ومع انتهاء تركيا من مشروعها الضخم على نهري الفرات ودجلة، أصبح بإمكانها أن تتحكم بتدفق مياه الفرات، وامتلكت سلاحًا تستطيع أن تشهره بوجه العراق وسورية إن ظهر أي خلاف في الرأي حول أي مشكلة من المشكلات الثنائية أو الثلاثية، وخصوصًا بعد ما أفصح الأتراك، من أجل استمرار تدفق مياه الفرات إلى سورية عن ثلاثة شروط:
الأول: إقرار سوري بالتنازل عن لواء الإسكندرونة.
الثاني: عدم السماح للعناصر الكردية ذات الأهداف القومية الكردية بالتحرك وجنديها داخل سورية.
الثالث: عقد لاتفاقية مياه تشمل مياه العاصي بوصفه نهرًا دوليًا، ويمر في دولة ويصب في أخرى.
وتتميز الممارسات التي تقوم بها الحكومة التركية بعدم الإذعان للتعهدات والمعاهدات الدولية لاسيما في ما يتعلق بالمسائل المائية، وبرفض التوقيع على الاتفاقيات الدولية حول قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجارى المائية الدولية، ورغم اعتمادها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا يعنى أن الحل وفقًا للنظرة التركية لابد أن يكون سياسيًا، حيث تستغل التطورات السياسية العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص، ولا تخفي رغبتها في التمرد والتوسع تحت العديد من المظلات، ولكن الهدف الأعلى سياسي.
ثم يتطرق الكاتب بعد ذلك إلى أهم المشكلات المائية بين الدول التي تقع على حوض النيل بشكل عام، وبين أثيوبيا ومصر بشكل خاص، فبعد رحيل عبد الناصر، ومع التطورات السياسية التي شهدتها مصر في القرن الحادي والعشرين بوجه خاص، أخذت المخاطر المائية تتراكم بشكل واضح على مصر، وهى تتمثل بإقامة السدود على نهر النيل وبخاصة السدود الأثيوبية.
لذا فإن من بين أسباب الأزمات المائية بين دول حوض النيل محاولة الاستئثار بالمياه من قبل طرف على حساب طرف آخر، وهذا الواقع يمكن إدراكه في الدول المشتركة في حوض النيـل، ولاسيما مع وجود قوى خارجية تحاول إثارة الخلافات كي تصبح طرفًا مؤثرًا في صوغ معادلة الاستفادة من المياه الإقليمية والدولية.
فيشير الكاتب أيضًا أن أهم الآثار السلبية للسدود الأثيوبية في مصر تتمثل بسعتها التخزينية وباستهلاك المياه في الزراعات، إذ أن السعة التخزينية ستخصم من مخزون المياه أمام السد العالي، وبالتالي ستعود ظاهرة الجفاف والعجز المائي في سنوات الفيضان المنخفضة إلى الظهور، أما المياه التي سوف تستخدم للري فستكون خصمًا مباشرًا من حصتي السودان ومصر السنوية.
وعليه، فإذا كانت بعض السدود تعكس بعض المؤشرات على الوضع المائي في نهر النيـل، فإن بدء أثيوبيا في إقامة سد النهضة على نهر النيل الأزرق يدق ناقوس الخطر، وما يتبع ذلك من توترات في العلاقات بين دول حوض النيل، وتحديدًا بين مصر والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة أخرى، كونها مسيطرة على منبع نهر النيل، ولاسيما بعد دخول قوى معادية للوطن العربي (الكيان الصهيوني) طرفًا خطيرًا ومحرضًا على إشعال الفتنة المائية، ليس في حوض النيل فحسب، بل في جميع البلدان العربية المحاذية لهذا الكيان، كل تلك الأمور تناقش بالتحليل بين دفات ذلك الكتاب.
ولم تقتصر مخاطر إقامة السدود الأثيوبية على مصر فحسب فللسودان حصة خطيرة من هذه الانعكاسات ويمكن القول إن النزاع حول حوض نهر النيل له جذوره العميقة، ولكن حدته تنحصر بين ثلاث دول رئيسية، هي مصر والسودان وأثيوبيا، أما بقية الدول في حوض النهر فتؤدي دورًا هامشيًا إلى حدٍ ما في النزاع، ويبدو أن انفصال جنوب السودان خلق وضعًا أكثر صعوبة، نتيجة محاولات دول معادية للتدخل في النزاع المائي، وتأجيج الصراع بين دول حوض النيل، وأكثر هذه الدول حقدًا هو الكيان الصهيوني، الذي يسعى بكل الوسائل إلى تأجيج الصراع بين دول الحوض، وبخاصة بين السودان ودول الجنوب الانفصالية، علمًا بأنه لا تخفى المشاركة العلنية للكيان الصهيوني في ذلك، بل إن التدخل ازداد بعد انفصال الجنوب.
أما الفصلان الأخيران الخامس والسادس فيهما يتحدث الكاتب بداية عن المخططات الصهيونية للسيطرة على المياه العربية وبشكل خاص في فلسطين والأردن ولبنان، حيث عهد الكيان الصهيوني للقيام بعدة أشياء تؤكد أنها لا تنوي الخير للمنطقة العربية منها التحالف مع تركيا وأثيوبيا، وتوقيع ما أطلق عليه اتفاقيات السلام، بما يعني أن أكبر نهرين في المنطقة النيل والفرات سيكونان تحت سيطرة هذا الكيان، إضافة إلى سعيه لإقامة مشاريع مائية مشتركة.
هذا وتعود الأطماع الصهيونية في المياه العربية إلى مراحل تاريخية قديمة، مدعومة بمعتقدات دينية، وتشير الدراسات المتخصصة في المعتقدات الدينية الصهيونية إلى أن تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية كان له الفضل والدور الأبرز في الربط بين فكرتي الوطن والماء أو زرع هذه القناعة في المدركات اليهودية الفكرية لإقامة دولة إسرائيل الكبرى.
وقد اعتمد الكيان الصهيوني في أمنه المائي على سرقة المياه العربية، سواء من الأراضي المحتلة (فلسطين والجولان) أو من الأراضي العربية المجاورة كالعراق وسورية ولبنان والأردن ومصر، ومنذ أيام الانتداب البريطاني وقبيل الاحتلال الصهيوني في فلسطين، كان زعماء الحركة الصهيونية والساسة البريطانيون طالبوا بعد صدور وعد بلفور بأن يمتد احتلالهم (حتى جنوب لبنان) كي يتسنى لهم السيطرة على نهر الليطاني.
وقد ظهرت مساعي العدو الصهيوني من خلال طروحات قادته حول قضايا المياه في المنطقة لترويج رغبته في تحقيق السلام أن هذا يتطلب الدخول في مشاريع مشتركة مع الدول العربية، فمثلاً شيمون بيريز كان يزعم أن قضية المياه تعتبر دليلاً على مدى الحاجة إلى إقامة نظام إقليمى يهدف إلى التخطيط لمشاريع تنمية المياه وتوزيعها على أساس اقتصادي بأسلوب عادل ومؤتمن، وينطلق من هذه الرؤية للقول بضرورة إنشاء هيئة إقليمية تشارك فيها جميع الأطراف المعنية بالنيل وتوزيع مياهه، وهو ما يسهم في النهاية إلى تخفيف أسباب التوتر والعمل من أجل السلام “حسب زعمهم”.
ومن ناحية أخرى فإن موضوع المياه مرشح لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط وفقًا لتحليل دوائر سياسية عالمية، ويستدل الكاتب برأي أحد الخبراء الأمريكان بقوله إن المياه في الشرق الأوسط قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتمتد لأن تصبح مصدرًا محتملاً للصراع، وهو ما يجعلها ذات بُعد عسكري، وبخاصة أن معظم الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها، فأثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال وكينيا وأوغندا وإريتريا والكونغو هي بلدان تتحكم بحوالي 60 بالمائة من منابع الموارد المائية للوطن العربي، ويدور الحديث الآن حول ارتباط السلام في الشرق الأوسط بالمياه، بعد اغتصاب الكيان الصهيوني لمعظم نصيب دول الطوق العربي من المياه، كما أن هناك شيئًا خطيرًا جدًا يتمثل في أن بعض الدول أخذت تتبنى اقتراحًا يتمثل بمحاولات إقناع المجتمع الدولي بتطبيق اقتراح تسعير المياه، وبالتالي بيع المياه الدولية، وفي مقدمة هذه الدول تركيا وإسرائيل.
ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن الأمن المائي في بلدان مجلس التعاون الخليجي حيث سعت تلك الدول إلى تحقيق الأمن القومي لها، فارتفاع درجة الحرارة وقلة سقوط المياه في فصل الشتاء من أكثر ما يفاقم المشكلة المائية والبيئية لبلدان الخليج ويعرضها للجفاف والتصحر فمن المعروف أن دول مجلس التعاون تلجأ لأساليب لتوفير مياه تستخدم في مجالات متعددة من التنمية الزراعية، حيث تشكل معالجة مياه الصرف في المنطقة مصدر مياه احتياطيًا، نتيجة استهلاك المياه في المناطق الحضرية، وتستخدم مياه الصرف المعالجة بشكل أساسي في ري المحاصيل.
إلا أن الخطورة فيما ورد من تقرير البنك الدولي وذلك في مايو 2011، وهو دليل على الوضع الحرج للأمن المائي الخليجي بأنه أكثر تعقيدًا أو خطورة، حيث تواجه بلدان المجلس مشكلة حقيقية في شح موارد المياه، وأنها لا تمثل في جميع الأحوال أكثر من نسبة 3 بالمائة من مجموع الموارد العربية المتجددة، وهكذا فإن الأمن المائي عرضة لمخاطر متعددة الجوانب، وهي ذات أبعاد وطنية وقومية خطيرة تهدد الأمن الخليجي على المستويين الوطني والجماعي. وهناك أيضًا مطامع لدول مجاورة وبخاصة في شط العرب، ودوره في الصراعات المائية بين أقطار منطقة الخليج العربي وإيران، ودور شط العرب في توفير موارد مائية، فضلاً عن أنه ممر ملاحي استراتيجي لهذه الدول للتواصل مع بقية دول العالم بحرًا.
وفي الختام، تكتسب قضايا المياه في الوطن العربي أهميتها وخطورتها من تعدد الأبعاد المتعلقة بها، فهي تشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، جعلت المياه في الصدارة، في استراتيجيات الدول الكبرى كهدف رئيسي يجب امتلاكه والسيطرة عليه أو التحكم فيه، ويبدو ذلك جليًا في مؤامرات مخطط الكيان الصهيوني المتعلقة بالمياه، فمنذ القدم وقبل احتلال فلسطين كانت هناك تحركات ومؤامرات صهيونية تختص بالمياه، بما يؤكد أهمية هذا العنصر في تحقيق الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أي دولة.
ولا يمكن فصل الوضع المائي العربي عن الحالة السياسية والاقتصادية والأمنية لأنه يقدم إشارات ودلائل قوية على أن التحديات القادمة كبيرة وخطيرة جدًا، لذا فالأمر لا يحتمل الانتظار حتى تقع الكارثة ومن ثم نتنائى للالتقاء والبحث ورمي التهم، والندب والبكاء على الأطلال.
عماد الدين حلمي عبد الفتاح
الأمانة العامة لجامعة الدول العربية – القاهرة