مقدمة
كشفت حقبة ما بعد عام 2011، عمق الأزمة التي تعانيها الدولة الليبية، وحجم التناقضات الكامنة داخلها، والتي انفجرت مع انطلاقة الثورة، أدت بمجملها إلى إيجاد هذه الانقسامات القائمة، وزيادة تحدياتها الداخلية، والتي سمحت لبعض القوى الدولية الفاعلة والإقليمية الصاعدة والطامحة باتخاذ الساحة الداخلية الليبية مسرحا ملائما لتصفية حساباتها الاستراتيجية المتعلقة بالموارد والنفوذ، في ظل لعبة التجاذبات الإقليمية والدولية ذات الأجندة الانتهازية، التي تسعى إلى خلق ليبيا على مقاسها، وليس مقاس المصالح الليبية الحقيقية، والتي تعود بالنفع على أمن المواطن الليبي وتنمية بناه المؤسسية.
وفي ضوء الصراعات السياسية والعسكرية الحادة التي يتسم بها المشهد الليبي، فإن الجهود الأممية رغم أهميتها، إلا أنها لم تنجز اختراقا حقيقيا لجمع الفرقاء الليبيين وإنهاء الصراع بشكل تام في ضوء تحديات التدخل الإقليمي والدولي، بل تراجعت في اتجاه أثر على نحو رئيس في مقاربتها للأزمة السياسية الليبية. في وقت يبدو فيه الحسم العسكري لطرف بعيد المنال، بعدما تحول إلى حالة معقدة وممتدة، ليزيد من تعقيدات الوضع الداخلي، وما أسفر عنه من انقسامات داخل المجتمع الليبي لا تزال تبعاتها مستمرة حتى الآن، لم يقتصر أذاها على ليبيا فحسب، وإنما في محيطها المغاربي والمتوسطي.
أولاً: تطورات الوضع الليبي سياسياً وعسكرياً
يمكن القول، إن انتخابات يوليو 2012، وعدم قبول بعض الأطراف الأخرى التسليم بنتائجها، قد أسهمت في توافر أسباب بنيوية عميقة للتنافر والتشرذم، ومن ثم لمزيد من الانقسام بين الليبيين. بدأ الانقسام سياسيا وأيديولوجيا، لكن سرعان ما تحول إلى انقسام مادي جغرافي، وصولاً إلى تشظي الوجود الليبي وتعدد مرجعياته وانقسامه على ذاته. بإضفاء المزيد من التعقيد والتشابك على مجمل المشهد الصراعي في البلاد وأثر سلبا على واقع ليبيا ومستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
في سياق ردود الفعل الإقليمية إزاء الوضع الليبي المتأزم، شكّل الاتفاق السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر2015، مدخلاً لحل الصراع السياسي والعسكري، بعد أن دفعت البعثة الأممية أطراف النزاع إلى الحوار بدعم إقليمي ودولي، لكن الفرقاء الليبيين الذين وصلوا إلى مرحلة التوقيع على اتفاق التسوية، لم يتمكنوا من تحقيق المصالحة الشاملة ووضع حد للصراع الداخلي. نظرا للكوابح الإقليمية والدولية ودورها في تغذية الفرقة بين مكونات المجتمع الليبي، بسبب تضارب مواقف القوى الخارجية ومقاربة كل طرف للأزمة الليبية من منظور مصالحه وأمنه.
المفارقة تبدو واضحة في تناقض مواقف تلك القوى، فمن جهة تدعو لحل سياسي للأزمة الليبية وتؤيد اتفاق “الصخيرات” ومخرجاته، ودعم جهود البعثة الأممية بهدف تحقيق مقاربة واقعية لجمع الفرقاء الليبيين وتذويب الأزمة القائمة، وفي الوقت نفسه، كان سلوكها يتسم بالتغيير والتناقض بما يحقق مصالحها، بل إن بعضها ذهب أبعد من ذلك، من خلال التصعيد الميداني العسكري، لعرقلة المسار السياسي، خصوصا إذا ما شعرت بأن هذا المسار لا يخدم مصالحها. وفي ذلك كله كان الشعب الليبي هو من يدفع الثمن باهظا .
وهكذا بدلاً من أن يمثل الاتفاق السياسي بداية مرحلة جديدة من التوافق الوطني، أصبح يمثل نقطة خلاف أضافت المزيد من الانقسام والتعقيد على المشهد الليبي. وقد ترتب على كل ذلك وجود هوة سياسية عميقة مازالت تشكّل مصدرا للتنافر الحاد نشأت عنه ثنائيات ذات دلالة على تشظي وتبعثر حال الليبيين. وهو ما جسده تسيير البلاد بجهازين تشريعيين وتنفيذيين متنافسين، برلمان وحكومة مستقلة في الشرق الليبي يرأسها عبدالله الثني وتدعمها قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، يقابلها حكومة الوفاق الوطني في طرابلس الغرب، المعترف بها دوليا، ويقودها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، وتدعمها ميليشيات مسلحة بمختلف مشاربها وتوجهاتها، تتقوى هذه الميليشيات وتزداد عددا وعدة وبدعم خارجي من أطراف إقليمية ودولية. وبعدما كان الهدف من بقاء بعض الميليشيات حفظ الأمن، تحولت إلى مُهدد مستمر له .
في ظل هذا المأزق الخطير، أطلق الجيش الوطني الليبي في أبريل 2019، عملية ” طوفان الكرامة” لتحرير العاصمة طرابلس مما أسماها الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة التي تعبث بمقدرات وأرزاق الليبيين، ناهيك بمشاركتها في المعارك العبثية ضد الجيش الوطني الليبي المناهض للإرهاب والتطرف. لكن تطور الأوضاع خلّف مخاوف جدّية ليس داخل ليبيا فقط، بل دول المنطقة والعالم، وبخاصة مع تصاعد العمليات العسكرية على تخوم طرابلس، وهو ما أفرز ردود أفعال دولية واسعة ومتباينة تعكس التخوف من تطور الأوضاع نحو الأسوأ.
من الواضح أن هناك أطرافا خارجية لا زالت تنفخ في الصراع بنفس إقصائي لا يساعد في حل الأزمة بقدر ما يعمّقها ويعقدّها، والتي لا تنم سوى عن مصالح محضة لتلك الأطراف لا تحضرها المصلحة الليبية، وهو ما وصل بليبيا إلى هذا المآل الصعب. وقد أشار المبعوث الأممي إلى ليبيا “غسان سلامة” أن الأمم المتحدة عجزت عن حل الأزمة الليبية في ظل انقسام المجتمع الدولي. وذكر بأن هناك 10 دول تتدخل في الشأن الليبي بأشكال مختلفة، وبعضها لا زال مستمرا في إرسال السلاح إلى الأطراف المتصارعة، مما ساهم في زعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا .
فالتدخل العربي الإقليمي له دور واضح في إذكاء الصراع بين الفرقاء الليبيين، خصوصا في ظل ما يتمتع به المشير حفتر المدعوم بقوة من مصر والإمارات وفرنسا. لكن الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنه تم ربط قطر وتركيا بتمويل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة، ما أثار قلق الحكومة الليبية المؤقتة في الشرق الليبي، من تأثير ذلك في استقرار البلاد. وفي سياق الهواجس الإقليمية، فقد تحولت سياسة تركيا خلال الفترة الراهنة من القوة الناعمة إلى الاعتماد على الخيار الواقعي وسياسة القوة، وإلى طرف في الاستقطاب الإقليمي المتغير الناجم عن الانقسامات السياسية في المنطقة العربية وتحديدا ليبيا وانخراطها في مشاكلها الداخلية. بعدما تضرر دور تركيا الإقليمي ومصالحها وتزايد فاعلية أطراف دولية وإقليمية أخرى، وذلك من أجل تصحيح ميزان القوى، ومواجهة التهديدات الإقليمية المتصاعدة. كما شكّل التنافس الفرنسي ــــــــ الإيطالي في الساحة الداخلية الليبية عاملاً مهما في عدم تحقيق أي تقدم في مسار العملية السياسية، وسجل نفوذ روسيا العسكري الداعم لحفتر لاحقا، نقلة جديدة بدخولها فاعلاً مؤثرا في الأزمة الليبية. كل ذلك أسهم في تفاقم الوضع الأمني وتعاظم الانقسامات السياسية في ليبيا .
التدخل الخارجي هو وسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية، تتعلق بتوسيع النفوذ، والهيمنة على الموارد، والحصول على امتيازات اقتصادية، بل والتحكم في القرارات المصيرية في الدولة. ويسود الاعتقاد بأن التدخل العسكري يؤدي إلى نتائج حاسمة، ويحقق الاستقرار، بيد أن واقع الحال يقول، بأن ذلك التدخل فتح الساحة الداخلية الليبية على تأثيرات عميقة أتت على بنية الدولة السياسية والأمنية والتنموية في مقتل. فقد ساهم التدخل في نشر الفوضى. وتأجيج الصراعات بين المكونات الاجتماعية الليبية، وأوجد في سياق الحرب الأهلية الدائرة والأحقاد الناجمة عنها، بيئة صالحة لنمو وانتشار الجماعات المتطرفة. دون إغفال دور الحكومات الليبية المتعاقبة في إيجاد هذه البيئة عبر كارثية تدبيرها الشأن العام الليبي ورسم خطط سيره. ومع ذلك تتعالى الأصوات مرة أخرى بطلب المزيد من التدخلات لمعالجة الفوضى وحماية أو نصرة فئة على أخرى. فهناك من يقيسون مواقفهم من التدخلات الخارجية وفقا لمصالحهم الحزبية والفئوية، فيرفضون تدخلاً ما لأنه لا يصب في صالحهم، ويختلقون الأعذار الواهية لتبرير تدخل آخر عندما يأتي لنصرتهم على فئات أخرى، داخل مجتمعنا فتكبر المأساة .
ثانياً: انعكاسات الوضع الليبي إقليمياً على ضفتي المتوسط
أثبتت التطورات الحاصلة تلك العلاقة الارتباطية بين الداخل الليبي ومحيطه الجغرافي التي برزت تجلياتها منذ عام 2011، وما نتج عنها من تداعيات سلبية خطيرة، ليمتد أثر ذلك إلى الإقليم كله، الذي أصبح مجالاً لانتشار السلاح ووجدت فيها التنظيمات المتطرفة مجالاً خصبا ومرتعا مناسبا لممارسة أنشطتها الإرهابية بما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي بدرجة غير مسبوقة.
وفي أجواء هذا الصراع المحموم، لا يبدو أن ليبيا تسير في اتجاه تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، بل إن الوقائع تشي باحتمال استمرار حالة الانقسام الفعلي بين أطراف اللعبة السياسية الليبية، وتعميق الفوضى الأمنية، في ظل حالة الاستقطاب والاقتتال الليبي الداخلي والصراعات بين القوى الخارجية التي باتت نذرها تطل على ليبيا، بين من يوصفون بالإسلاميين والعلمانيين، وعلى مستوى محلي وإقليمي، ما يزال يحصد العشرات من الليبيين يوميا بين قتيل وجريح، وتهجير مئات الآلاف من السكان.
لم يمنع الجمود السياسي في ليبيا من توقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني، في 27 نوفمبر 2019، التي تتعلق بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، والتعاون في المجال الأمني والعسكري، وعلى إثرها سارعت تركيا بإرسال وحدات من جيشها لدعم حكومة الوفاق الوطني. إن من شأن ذلك أن يزيد الوضع الليبي القائم تعقيدا. وسوف يؤثر على فرص الحل السريع أو نجاح مخرجات أي حل، وهو الأمر الذي يرشح المواجهات للاستمرار، وربما تسّرع وتشجع الاتجاه نحو المزيد من بناء العلاقات العسكرية والأمنية مع القوى الإقليمية والعالمية. مما يترتب على ذلك من كلف عالية، ولا تزال تسحب من رصيد القوة لكل أطرافها، تستنزف طاقات ليبيا البشرية ومواردها المالية .
وفي السياق ذاته، رصدت البعثة الأممية للدعم في ليبيا سفنا تنقل المرتزقة والسلاح لطرابلس وهو ما يزيد من تعقيدات المشهد الليبي، ووجهت الاتهامات إلى تركيا بعدم الإيفاء بتعهدات اتفاق “برلين” المتعلقة بإنهاء التدخل الخارجي في الأزمة الليبية. ويرفع الوجود العسكري التركي في ليبيا احتمالات المواجهة من حرب بالوكالة بأياد محلية إلى حرب مباشرة، بين مجموعة من القوى، منها فرنسا ومصر واليونان، وربما روسيا، وتسعى تركيا جاهدة عبر مسارات مختلفة، للاستفادة قدر الإمكان من أجواء الحرب للخروج بحزمة مكاسب تمكنها من رسم خارطة البلد الغني بالنفط، وتعزيز نفوذها في حوض البحر المتوسط، وهذا بدوره مرتبط بالأمن القومي التركي. وهي إذ تعلل بأن ليبيا إرث عثماني قديم تسعى لاستعادته، تدفع كل هذه المعطيات إلى توقع مزيد من التصعيد داخل الجغرافية الليبية وفي مياه المتوسط. لكن تبقى المشكلة الأكبر وهي أن الإرهاب واللجوء والهجرة غير الشرعية ستعود بقوة وستكون أوراق تركيا الرابحة أمام منافسيها عبر انتهازيتها، وسيكون الخاسر الأكبر فيها الشعب الليبي بكل أطيافه ومكوناته .
امتد هذا الهاجس إلى دول المنطقة التي تخشى تبعاته. وتطرح مقاربة تخدم مصالحها الاقتصادية وتعظيم نفوذها وأمنها القومي، وتركز دول الضفة الشمالية على حماية منابع النفط وضمان إمداداتها من موارد الطاقة. ولم تخفِ الكثير من الدول الأوروبية مخاوفها من تحوّل الأوضاع الأمنية في ليبيا ربما إلى أسوأ من الحالة السورية، بالنظر إلى موقع ليبيا الجغرافي وقربها من الشواطئ الأوروبية التي قد ترهقها، وبخاصة على مستوى تمدّد الجماعات المتطرفة ونشاطاتها الإرهابية، وتنامي الهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة وانتشار العنف، وفوضى السلاح والاتجار به. وهو الاحتمال الذي ستوفر الدول الأوروبية كل إمكاناتها للحيلولة دون تحققه.
الهاجس الأمني هو القاسم المشترك لدول الجوار الليبي، ولما يشكله التدخل الخارجي من جذب المزيد من العناصر المتطرفة من دول مختلفة إلى ليبيا، ومن خطورة تسلل عناصر إرهابية إلى أراضيها وهو ما يعني مزيدا من الضغط الأمني على دول المنطقة. من جانبها، ترفض تونس التدخل الخارجي في ليبيا، نظرا للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تمر بها من ناحية، ومن التكلفة البشرية وأعبائها المالية المتوقعة التي سوف يتكبدها الاقتصاد التونسي من ناحية أخرى. في صورة توافد أعداد النازحين واللاجئين الليبيين إليها، كما تتخوف تونس من خسارة أي فرص لبقاء العمالة التونسية في السوق الليبي. فالدول المغاربية معنية ومطالبة بأن تمارس دورا رياديا كونها أجدر وأكثر ثقة وقبولا لدى الأطراف الليبية خصوصا في ظل الأوضاع التي تمر بها ليبيا وتخندقاتها في صراعها الحالي وسط خذلان عربي ودولي غير مسبوق.
خاتمة
إن الوضع الليبي الراهن شائك ومتداخل يزداد حدة وتعقيدا بفعل التعقيدات في الداخل الليبي ومحيطه الإقليمي وسياقه الدولي. ولذلك، فإن النتائج السلبية الخطيرة لاستمرار الأزمة والعواقب الوخيمة لتصاعدها، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود من أجل إنهائها بشكل عاجل وفوري ووضع حد لها عبر آليات التواصل المباشر بين أطراف الأزمة، مع أهمية وضرورة أن تبدي تلك الأطراف مزيدا من المرونة والتعاطي بإيجابية أكبر مع مساعيها لحل الأزمة. من دون أن يغيب عن الأذهان، أن أي حلول لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف الخارجية المؤثرة في المشهد الليبي لا طائل من ورائها. فمصر وتركيا وبلدان الخليج الأخرى كالسعودية والإمارات وقطر تؤدي دورا محوريا في تحديد مستقبل ليبيا، بدعم الجماعات المحلية المتصارعة، وهي تسعى إلى حفظ مصالحها وتقاسم النفوذ، ضمن مخاض عسير. وبالتالي لا يمكن توقع أن تقوم تلك القوى المعنية بدور إيجابي في هذا الموضوع ما لم تتأكد من أن ذلك يخدم مصالحها.
حيال ذلك، ينبغي على المنظمة الأممية أن تضطلع بدور أكثر حضورا وفاعلية في مقاربتها للأزمة الليبية وهو ما يتطلب دعم الدولة في بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، وإعادة الأمن، من خلال المساعدة على نزع سلاح الميليشيات المسلحة خارج سلطة الدولة ضمن إطار زمني محدد، وتثبيت دعائم الاستقرار في ظل ليبيا موحدة واعتماد نظرية الشراكة الوطنية بين كل مكونات المجتمع الليبي كأساس لبناء المستقبل والخروج من دائرة الأزمات على صعيد المؤسسات والبرلمان والقوى السياسية الأخرى.
إن نجاح جهود السلام في ليبيا يقتصر على جدية الأمم المتحدة ومجلس الأمن في اتخاذ خطوات ملموسة بفرض عقوبات صارمة على الأطراف المحلية التي تعرقل الحوار والأطراف الخارجية التي تنتهك قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، ما لم يحدث ذلك، فمن المحتمل استمرار إدارة الأزمة وتعقيدها بدلاً من حلها.
وفي ضوء معطيات مشهد الوضع الليبي القائم بكل تفاعلات أطرافه الداخلية والخارجية، من المتوقع أن تدفع التدخلات الخارجية، على اختلافها، إلى إطالة أمد الصراع، وتحوله إلى حرب مباشرة لأطراف إقليمية ودولية. وأمام التدخل الخارجي السلبي ومآلاته الكارثية على بنية الاستقرار والأمن في ليبيا، ومعاناة البلد على كل المستويات، أصبح لزاما على منظومة العمل السياسي أن تفطن إلى مزايا ودوافع التقارب الداخلي لتفويت سطوة التأثير الخارجي وتدخلاته الضارة على الساحة الليبية بكل أبعادها، فمن شأن تباعد الفرقاء وتمترسهم خلف طروحاتهم بأبعادها السياسية والمناطقية والمحاصصية الحادة، أن يتسبب بكارثة لمستقبل البلد ووحدته وتنميته على الأقل في الأمد المتوسط. وفي المقابل، نأمل أن يكون هناك السيناريو الأفضل، وهو تقارب حقيقي بين أطراف الصراع يأخذ بعين الاعتبار مصالح الوطن بعيدا عن الحسابات والمخاوف والشكوك المتبادلة بحيث نفوّت على الخارج تدخلاته السلبية، وبما يضمن تكتيل الصف الوطني الليبي لخدمة الأمن والاستقرار وخروج البلد من أزمتها الراهنة. فكلما قل التأثير الخارجي السلبي في ليبيا، كلما انعكس على تقاربات وتفاهمات إزاء الحل وإنهاء الأزمة القائمة.